وجه  المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ، رسالة شهر رمضان المبارك من على منبر مسجد الإمام الحسين – برج البراجنة، استهلها بالقول:"هي اللحظة المباركة من طوفان الرحمة الإلهية، التي قرنها الله سبحانه وتعالى بشهره الفريد، وبقرآنه المجيد، وصومه الحميد؛ لذا قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).



أضاف :" أيها الاخوة المؤمنون ، ها هو الموعد الذي تخيره الله تعالى لأعظم ضيافته، وسمّاه شهر البركة والرحمة والمغفرة، مؤكّداً على لسان نبيّه الأعظم محمد(ص) أنه أفضل الشهور، وأن أيامه أفضل الأيام، وأن ساعاته أفضل الساعات، وأن الصيام فيه قربان، وأن التقى فيه زاد القيامة، وأن اللحظة لإخلاص النيّة وتأكيد الانتماء إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قرنه بقرآنه الكريم وفرقانه العظيم ليصدع على الخليقة بأعظم بيان، وأشرف برهان؛ والبشارة فيه محمد(ص)، والباب فيه آل محمد(عليهم سلام الله).

ولأن شهر رمضان هو شهر الحق والحقيقة، والخالق والخليقة، فقد عرّفه الله سبحانه وتعالى بشهر الهوية والانتماء، والإنابة والطاعة، ثم ليقرّر علينا أن أعظم ما في هذا الشهر تأكيد المربوبية التامّة لله سبحانه، وهذا يعني أن البشر خلق مخلوقون، وبشر مملوكون لله سبحانه وتعالى، وأنهم لا يملكون من أنفسهم إلا ما ملّكهم جلّ وعلا.

وقد فضّل الله شهر رمضان بما له فيه، ثم خصّ منه ليلة القدر، بما فيها من تقدير وتدبير، فلمّا خلص للكمال فيه ختم قلم الحقائق كلِّها، ثم خصّ إرادته الكبرى بكتاب القدر، ليكون آية الله المرقومة بين يديّ نبيّه محمد وآله الطيبين الطاهرين(عليهم جميعاً سلام الله).

وتحت هذا المعنى من حقيقة الانتماء لله والطاعة، وتلبية دعوته الكريمة، فإن شهر رمضان شهر طهارة الروح وصفاء القلب، والإخلاص لله في ميادين الحياة كافة".

وتابع قبلان :"وهو في واقع حياتنا الاجتماعية هو شهر الخروج من وثنية الدنيا وفسادها وباطلها وأدرانها ونفاق واقعها، وجبروت جبّاريها، بما في ذلك إدانة الدور والجهود المرتبطة بالفساد والاضطهاد والاستبداد والطغيان الفكري والثقافي والاجتماعي وغيره.

والعين أيها الإخوة المؤمنون في هذا الشهر الكريم على تأكيد القيمة الروحية والأخلاقية للإنسان. ولذلك فإن هذا الشهر يعيد تعريف العبد بربّه، والإنسان بالإنسان، والخير بالخير، والسلطة بالعدالة، والرحمة بالضعيف، والعون لخلق الله تعالى، والإنسان بشراكة أخيه الإنسان، والتعددية البشرية بوحدتها النوعية، وما يلزم من رحمة ورأفة ولطف ونخوة ومودّة واستقامة وتضامن وتكافل في سبيل بناء سلطة الخير والمبادئ الأخلاقية. وأول ما لله في شهر رمضان هو تأكيده للحق، والنضال من أجله، بعيداً عن ألوان اللغة والطائفة والهوية السياسية والطبقة الاجتماعية".

واستطرد المفتي قبلان : "ولا شيء أسوأ وأكثر خطورة وأكبر اتساعاً في هذه الأرض من الظلم والفساد، ولقد بعث الله نبيّه الأعظم محمد(ص) بالعدل، ثم جمع مقاليد الحق كلَّها لتكون ميزان الله بيد نبيّه الأعظم وآله الأطهار(عليهم السلام).

أيها الإخوة المؤمنون، على أبواب شهر الله الأعظم، لا بد أن نتذكّر أن الإنسان ومنذ اليوم الأول يخوض غمار الخصومة والعداوة والفساد لأسباب ظالمة، والتجربة البشرية أكثرها إجراماً وضلالة وظلماً وجنوناً ووحشية، بحيث أن نتاج الثورة العلمية والتقنية تمّ توظيفه بوسائط القوة العسكرية والاقتصادية والمالية وغيرها لنهب الطرف الآخر واستغلاله وسحقه واستنزافه، وما جرى في غزّة ولبنان وما يجري في أسواق العالم وكياناتها ومنها إفريقيا لهو خير دليل على ذلك".

وقال :"واليوم الأمم بخلفياتها السياسية والتاريخية تعيش أسوأ مظاهر الخصومة والصراع والأنانية والوحشية بمختلف أنواعها ووسائلها. ولا خير فوق خير الآخرة، ولا شرف فوق شرف الانتماء لله بنبيّه الأعظم وآله الأطهار.

وهنا يلفت إسلامنا إلى أن الدين بطبيعته سبب لخير الإنسانية ومحبّتها ورأفتها وتضامنها وتعاونها وتصالحها، وأن الأنبياء هم رسل سلام وأمان وضمانة حق وعدل وخير ومعارف تتفق مع خلق الإنسان وطبيعة أهداف الله فيه، وهو عين ما يريده الله سبحانه وتعالى بهذا البلد. فالإسلام - كما المسيحية - يؤكّد قداسة الإنسان ويدعو إلى النبل والرحمة والمودة والاستقامة والنزاهة، وما يلزم لتأمين حاجات الإنسان المادية والمعنوية، ويشترط على السلطة قيامَها بما يخدم الإنسان، ويمنع الظلم، ويمنع الفساد بل يمنع مظاهر اللصوصية الفردية والعامة كافّة، كما يدين الاحتكار السياسي وكارتيلات المال والأسواق والإعلام وأسباب الارتزاق المحرّم، ويتشدّد بحقوق الطبقات الضعيفة بل لا يقبل بوجود طبقة فقيرة، ولذلك كان النبي(ص) يدين الفقر ويردّه إلى السلطة، ويؤكّد على ضرورة نزعه من بنية الشعب والناس، ويؤكّد على الشراكة النهائية بين الخلق في ما خص حقوقهم الضرورية، فالمعيار في عالم الأديان والضمير تأمين الإنسان وما يلزم للعدالة الاجتماعية والأخلاقية والمعيشية بما في ذلك ميزان السلطة كضامن للعدالة الوجودية والأخلاقية".

واردف : أيها الإخوة المؤمنون، بمنطق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) الحاكم العادل - ببعد النظر عن دينه وملّته - هو خير من المسلم الظالم، فلا صيام لظالم، ولا فاسد، ولا مستبد، أو محتكر أو قائم بفتنة، أو قائم بأحقاد أو ساعٍ بقطيعة أو مذلّ بباطل، أو دافع بطغيان، أو مصرّ على ضلالة، أو ناعق بإجرام أو تابع لفاسد وطاغية أو مبتز ومنتفع وسمسار ومرتزق بمصالح الخلق.

والقضية عند الله سبحانه في شهر الله هو الإنسان، فلا قيمة للدين الذي لا يتقرب إلى الله بخدمة الإنسان. وقد قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ومن التقوى محبة الإنسان وخدمة الأوطان واحترام الأديان والسعي بحاجات الخلق، بما في ذلك أمنها وأمانها وسيادتها وقرارها وأسواقها ومواردها وعدالتها الاجتماعية ووحدتها الوطنية والأخلاقية. وكل هذا يفترض بناء التقوى بصميم الإنسان، وبصميم السلطة والأسواق والبرامج الاجتماعية والأخلاقية والقضائية، كأساس عملي لحقيقة العبودية لله والانتماء لأعظم خلق الله محمد وآله الأطهار(صلوت الله عليهم أجمعين)".

وتوجه المفتي قبلان الى اللبنانيين :" إن بلدنا اليوم أمام فرصة اجتماع وطني وتضامن سياسي، وخاصة بعد نيل الحكومة الثقة على بيانها الوزاري. إن المطلوب من الحكومة أبوّة وطنية ولم شمل القوى والشرائح الاجتماعية، ومؤسساتنا الدينية قبل غيرها مطالبة بتوثيق شراكتها الأخلاقية والوطنية، والضغط في اتجاه تعزيز العدالة والقيم التي تضمن العائلة اللبنانية، فلا قيمة للبنان بلا وحدته الوطنية، ولا قيمة للبنان بلا سلمه الأهلي، ولا قيمة للبنان بلا شرفه الأخلاقي وتضامنه الشامل."

أضاف :"إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد دخل مرحلة الكارثة، ولا بد من خطوة حكومية كبيرة في هذا المجال، كذلك الأمن والودائع والاقتصاد والرعاية الاجتماعية وحماية الأسواق والمواطن، يجب أن يكون كل ذلك في رأس الأولويات بالعمل الحكومي.

وبلدنا اليوم لا يمكن أن يقوم إلا بالتضامن والتعاون، وفهم واقع المراحل وحيثيته الوطنية، بعيداً عن خرائط اللعبة الدولية. وحسن النوايا ضرورة للتلاقي والنهوض بالبلد. والحكومة مطالبة بتأكيد سيادتها الشعبية والاقتصادية والنقدية والوطنية، فلبنان بلد مستهدف بالسياسات الدولية والإقليمية. لذا المطلوب من الحكومة أن تفهم هذه الحقيقة، وأن تبني مشروعها السياسي والسيادي وفق الحاجات الضرورية للسيادة، بعيداً عن خرائط الخراب الدولي".

وقال :"إن الدول الإسلامية والعربية مطالبة اليوم بموقف تاريخي تجاه لبنان وغزّة وسوريا؛ وإدانة إسرائيل على الأقل هي ضرورة أخلاقية ودينية وإنسانية، والعرب عرب، والمسلمون مسلمون بمقدار موقفهم من القدس وفلسطين.

إن المنطقة اليوم تعيش على واقع فوضى دولية إقليمية، وأي شراكة ضامنة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا ومصر والعراق وباكستان وغيرها ستشكّل أكبر درع آمن في وجه أسوأ مشاريع الخراب الأمريكي التي تطال صميم الشرق الأوسط."

وتابع :وفي شهر الله تعالى لا بد من توجيه الشكر لكل القوى الوطنية والأخلاقية في هذا البلد، بما في ذلك المؤسسات الإغاثية التي تعمل من أجل لبنان، بعيداً عن موجة الارتزاق. ولا بد في شهر الله تعالى من توجيه شكر خاص للمقاومة وشهدائها وقادتها ومجاهديها وللجيش اللبناني والشعب اللبناني على تضحياتهم التاريخية في سبيل هذا البلد، وفي سبيل حفظ مشروعه الوطني".

وفي ختام رسالته توجه المفت قبلان اتلى "الإخوة المسيحيين":" الدين محبة ووئام وتضامن وتعاون بين خلق الله ورعيته، ونحن وأنتم خلق الله، ونحن وأنتم عائلة كريمة، ولا نرضى للمسيحية إلا ما يرضى السيد المسيح لها، والكنيسة توأم المسجد، ومحاريب الصلاة تحمل إنابتنا جميعاً، والحق مطاف الله، وهذه أكبر مطالب الله بخلقه وناسه، وسط بلد مطوّق منذ نشأته بأخطر الفتن والأزمات".

وختم :"جعلنا الله من أهل ضيافة شهره، ومن أهل صيامه وقيامه".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى لله سبحانه وتعالى الله تعالى بما فی ذلک شهر رمضان شهر الله خلق الله فی شهر فی هذا

إقرأ أيضاً:

هل انتهى رمضان؟ .. أمامك فرصة لإدراك ليلة 30 رمضان

هل انتهى رمضان؟، يتسابق المسلمون فى آخر يومين في رمضان إلى فعل الطاعات والعبادات لينالوا الأجر المضاعف، وينتظر الكثيرون ليلة 30 رمضان آملين أن تكون ليلة القدر، فهي ليلة أنزل فيها القرآن على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، والتي أخبر الرسول بأنها ليلة وترية تقع في العشر الأواخر في شهر رمضان.

هل فاتك رمضان ؟

إن فاتتك الأيام الماضية من العشر الأواخر من رمضان فلا تجعل أخر ليلة فى رمضان ليلة 30 تفوتك لعلها تكون ليلة القدر وأنت لا تدرى، اغتنم الوقت من الأن حتى أخر دقيقة فى رمضان ففى اخر ساعة من رمضان يغفر الله ويعتق رقاب الكثير، فالمطلوب من المسلم فعله فى ليلة القدر والعشر الاواخر من رمضان أن يسير علي الهدي النبوي وان يجد ويجتهد متأسيا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يشد مئزره ويوقظ أهله ويحيي ليله، فعلينا أن نغتنم اخر ليلة من رمضان ولا نضيعها لعل تكون فيها ليلة القدر.

فيجب علي المسلم كذلك الاجتهاد لتحري ليلة القدر وهي في العشر الأواخر من رمضان فهي من اعظم الليالي مصداقا لقوله تعالي ليلة القدر خير من إلف شهر.

دعاء استقبال عيد الفطر.. ودع رمضان بهذه الأدعية الجامعة للخيردعاء رؤية هلال شوال.. ردده بيقين يفتح لك الأبواب المغلقةدعاء رؤية هلال شوال 2025.. كلمات كان يحرص عليها النبي فالزمهادعاء اليوم الأخير من رمضان .. اللهم لا تجعله آخر العهددعاء ليلة القدر

(( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عنا))

علامات ليلة القدر

1- تكون فيها السماء صافية وخالية من النجوم والشهب.

2- ليلة لا حارة ولا باردة.

3- يكون القمر فيها كمثل شق جفنه أي يكون القمر مثل نصف الطبق.

4- شمسها تطلع بلا شعاع لها.

5- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة وانشراح الصدر فيها أكثر من غيرها.

6- الرياح تكون ساكنة.

7- كثرة عدد الملائكة فيها، وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله قال في ليلة القدر: «وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى».

هل نقوم ليلة القدر كاملة أم يكفي قيام بعضها؟

اختلف العلماء - رحمهم الله - : فقال بعض العلماء: إنه يقوم الليلة كاملة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخلت عليه العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وفي بعضها: «طوى فراشه» صلوات الله وسلامه عليه كناية عن اعتزال النساء، فقالوا لابد أن يصلي من العشاء إلى الفجر، يصلي ويذكر يكون في ذكر الله - تعالى - ولا يصدق عليه أنه قائم إلا إذا لم ينم، أما إذا نام فقد ضيّع، بقدر ما ينام من فضل القيام.

وقال بعض العلماء: لا بأس أن ينام بعض الليل، مادام أنه قد قام أغلبه؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ما قام ليلة حتى أصبح» -صلوات الله وسلامه عليه-، وهذا يقولون: يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يحي الليلة كاملة، ومن هنا رخصوا من كونه إذا تعب أو كذا أن يستجم بالنوم.

وذكر بعض العلماء: أنه لو نام اليسير، ثم قام فالأجر أعظم؛ لأنه في هذه الحالة يترك النوم ويرغب في العبادة، وهذا أصدق كما قال تعالى: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» فيقولون: إنه إذا ذاق لذة النوم ثم صلى فهذا أبلغ اجتهادا من شخص يستمر في صلاته فإنه لا يصل إلى آخر الليل وهو منهك متعب.

مقالات مشابهة

  • المفتي قبلان: يوم غد الاثنين أول أيام عيد الفطر المبارك
  • “لمة العائلة” في عيد الفطر تعزز الترابط الأسري
  • هل انتهى رمضان؟ .. أمامك فرصة لإدراك ليلة 30 رمضان
  • المفتي: «عيد الفطر فرصة عظيمة للتسامح وصِلة الأرحام ونشر المحبة»
  • مصر بلدنا الثاني.. إفطار السودانيين في شارع فيصل.. صور وفيديو
  • المفتي: الزكاة ركيزة أساسية في تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل.. فيديو
  • أمير الحدود الشمالية يهنّئ القيادة بمناسبة عيد الفطر
  • دعاء اليوم الأخير من رمضان.. اغتنم فرصة الدعاء قبل الإفطار
  • المفتي قبلان : الغارات الإسرائيلية على الجنوب والضاحية الجنوبية تكشف نفاق الضامن الأميركي
  • برعايتها لاجتماع وزيري الدفاع السوري واللبناني.. المملكة كيان سياسي مهم وقيادة مستدامة