الركود العسكري، كبري شمبات، وموقف القيادة من المعركة
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
الناس بتتسال كتير عن موقف القيادة من الحرب وشايفة في بطئ أو تقاعص من قيادة الجيش في المعركة وحتى الجنود بيتكلموا عن “فك اللجام” وتساؤلات كتيرة عن حاجات غامضة زي ترك كبري شمبات والتخلي عن معسكرات للجيش وغيره من الاستفهامات. وحاحاول افسر في البوست دا النقاط دي في محاولة للوصول لنتائج وأسباب منطقية بتفسر الموقف العملياتي الحالي.
في الأول عشان نحلل الموقف العملياتي للحرب لازم نحاول ننظر للمعطيات المتوفرة من منظور قيادة الجيش المن واجبها تحمي المواطن وكيان دولة السودان بأقل الأضرار الممكنة بحكم عقيدة المؤسسة بتاعت الجيش، ونتعاطى مع الحاصل من بداية الحرب من خلال خطاب الناطق الرسمي للقوات المسلحة البيعبر عن رأي الجيش كمؤسسة كاملة ما عن طريق خطابات القادة منفصلة خصوصاً الخطابات أمام الجنود اللهي الغرض الأساسي منها تحميس الجنود.
خطاب الجيش في الفترة ما بين 15-19 أبريل تحديداً كان بيتكلم عن إنتصار قريب للجيش بسبب أنه الجيش نجح في إفشال الهدف الأساسي للدعم السريع (قتل أو اعتقال البرهان واستلام الدولة) كما أنه الجيش نجح في تدمير معسكرات الدعم السريع وتدمير مخازنهم وقوتهم الضاربة الأساسية ونظامهم اللوجستي، والنجاح في عمل العمليتين دي بيمثل إنتصار عسكري كلاسيكي وكان المُتوقع أنه الدعم السريع يستسلم تفادياً لإرسال جنوده لمحرقة عسكرية بدون هدف ولكن قيادة الدعم السريع قررت تواصل في المعركة رغم كل التكاليف.
في 20 أبريل تحول خطاب الناطق الرسمي إلى “الجيش ما حدد زمن لنهاية الحرب” وهو دلالة على إدراك غرفة القيادة والسيطرة أنه آل دقلو قرروا المضي في المحرقة وبعد معركة بحري في يوم عيد الفطر تحولت خطة الجيش إلى خطة استنزاف عن طريق الدفاع المُطلق والحفاظ على المعسكرات الأساسية الكبيرة: القيادة، المدرعات، المهندسين ووادي سيدنا.
واصل الجيش في خطة الاستنزاف مقابل التضحية بمعسكراته الصغيرة مثل مكاتب القيادة الجوية، الاستراتيجية، معسكر السواقة.. الخ، مع ضمان سحب قواته الفيها بأقل الخسائر مقابل اهلاك أكبر قدر ممكن من الميليشيا، والحاجة دي ممكن تكون واضحة بصورة كبيرة في يوم سقوط مكاتب القيادة الجوية، جيش المدرعات أتقدم لحدي ما وصل العمارات والفيديوهات الطلعت فسروها الناس بأنه تقدم للجيش في حين أنه كان توفير طريق انسحاب لقوات الجيش الفي الجوية ومن بعدها ضرب طيران مكثف لتجمعاتهم.
الجيش ما استرجع أي معسكر من بداية الحرب عدى قاعدة النجومي الجوية في جبل أولياء ومعسكر حطاب في مدينة بحري، ودا بسبب اهميتهم في المعركة، دا طبعاً بعيد عن طرد الميليشيا من سلاح الإشارة بعد كانوا على بعد لحظات من إستلامها تماماً في أول أيام.
في خلال فترة الاستنزاف دي كلها كان الجيش بيسعى لإنهاء الحرب بأقل الخسائر في صفوف الجيش ودا كان واضح من خلال العفو العام للهاربين من القتال مع الدعم السريع ومحاولات التفاوض بأنه الميليشيا تطلع من البيوت ومن الخرطوم لمعسكرات خارج المدينة.
نجي لكبري شمبات، وهو الشريان الأساسي لقوات الدعم السريع في الخرطوم، حيث أنه بيربط طريق إمدادهم الأساسي من غرب أمدرمان لحدي بحري وشرق النيل وكل الخرطوم، وهو الموفر ليهم القدرة الأساسية للصمود، كل الناس بتسأل عن سبب عدم السيطرة على الكبري دا أو تدميره.. من نظرة بسيطة حتعرف أنه زي ما كبري شمبات هو خط إمداد للداخل، فهو برضو منفذ الهروب والخروج الأوحد، وعسكرياً انت بتخلي منفذ هروب للعدو أنسب من أنك تحاول تبيدو تماملً عشان المعركة حتكون مكلفة أكتر للطرفين، وبالنظر لأنه الجيش عايز يصل لانسحاب الميليشيا من الخرطوم في الأساس فدا برضو سبب بيخلي كبري شمبات متروك للدعم السريع ويتم بيهو ترتيبات الإنسحاب دي، أفضل من أنه يكون كبري الحلفايا القريب من وادي سيدنا أو تركهم يهربوا بمناطق تانية في كل الاتجاهات وتوسيع دائرة التفلت بصورة يصعب احتواءها.
طيب وبالنسبة للإمداد الداخل بكبري شمبات؟
حميدتي أمضى ٤ سنين بيجهز ليوم ١٥ أبريل بدون حسيب أو رقيب وبعد دا فشل في تحقيق هدفه رغم التجهيزات الضخمة وفقد قوته الضاربة، فمن وجهة نظر القيادة وتقديرات غرفة القيادة والسيطرة فخط إمداد وحيد مُهدد من قِبل الطيران ما كفيل أنه يعيد بناء مجهودات ٤ سنين، فعلى قدر الإمداد الداخل ما فيهو مشكلة كبيرة.
استمر الجيش في خطة الاستنزاف بنفس الطريقة لحدي يوم 25 يونيو يوم سقوط الاحتياطي المركزي-الخرطوم، ودي كانت نقطة فاصلة وضّحت للجيش مدى انتحارية هجمات الدعم السريع، فهي معركة الدعم السريع حاول فيها بدون إكتراث للخسائر نهائي وكان التوجه كله نحو إستلام المعسكر بأي ثمن، قوات ابوطيرة الفي المعسكر اتمكنت من الإنسحاب بأقل الخسائر وتدمير الميليشيا المهاجمة وتكبيدهم خسائر كبيرة، لكن بدأ الجيش يتعامل مع الحرب بصورة مختلفة بعد سقوط الاحتياطي المركزي-الخرطوم بسبب انه الجيش ما كان متوقع خسارة المعسكر دا وهو الشي الكان واضح من خلال إعتراف الناطق الرسمي بسقوط معسكر الاحتياطي المركزي-الخرطوم بدون ذكر أي من المواقع العسكرية التانية السقطت قبلها.
من بعد سقوط الاحتياطي المركزي-الخرطوم بأيام طلع القائد العام عبد الفتاح البرهان في خطاب أعلن فيهو عن الاستنفار، وهو ما يعد عسكرياً إعتراف بسوء الموقف على الأرض، من بعد الخطاب دا اتغيرت حاجات كتيرة في مجريات المعركة: زيادة التحشيد حول الخرطوم، الدفاع عن كل معسكرات الجيش وعدم السماح بسقوط أي منها وزيادة عمليات الهجوم الاستنزافية المعروفة بالتمشيط.
استبشرنا خيراً بالتغيير الحصل في المعركة، وكيف من بعدها ما قدرت الميليشيا تستولى على معسكر جديد وكيف بدأ الجيش يتحول لحالة هجوم كان ذروتها معارك وسط أمدرمان قبل أسبوعين تقريباً.
فجأة اتوقفت الهجمات على وسط أمدرمان رغم التقدم الحصل فيها، ورجع موقف الجيش من أنه كان متحول للهجوم رجع للدفاع واقصى عمليات هجوم بتكون بس في محيط المعسكرات الضيق. وكان تفسير توقف الهجوم من قِبل الجيش مفهوم في إطار اقتراب الوصول لحل تفاوضي بينص على خروج الدعم السريع من الخرطوم مع ترتيبات عسكرية سعودية-باكستانية لضمان خروج الدعم السريع الآمن.
الدعم السريع استغل فترة الهدوء الهجومي للجيش في التجهيزات والتحضيرات لأضخم هجوم ليها على مدرعات الشجرة البدأ أول أمس.
مع اليوم الأول للهجوم على المدرعات وفي خلال اليوم الثاني، كثير من الناس اتذمروا من عدم فتح الجيش لجبهات قتال يخفف بيها الضغط عن المدرعات او يحرك ليهم إسناد، وبصراحة أنا شخصياً ما كنت متوقع تحرك الجيش في اليومين الفاتو بسبب الإجراءات البيروقراطية للجيش البتحتم عليهو كجزء من عقيدته القتالية أنه يقوم بعمل مسح استخباراتي وجوي ووضع خطة قبل التحرك عشان ما يرسل قواته للتهلكة ودا الشفناهو في كل المعارك من بداية الحرب.
لكن الأمر الغير متوقع بالنسبة لي كان عدم تحرك الجيش بصورة موسعة على عدة جبهات في اليوم الثالث، لتخفيف الضغط عن المدرعات بكسر حالة الفزع وفي نفس الوقت التقدم نحو أهداف استراتيجية.
أعزيت قرار عدم التحرك دا في الصباح لأنه غرفة القيادة والسيطرة -وهي هيكل القيادة الأعلى في الحرب والمسؤول من إدارتها- أدرى بالمعطيات ودا كان قرار عسكري مدروس بعناية، لكن افتراضي انهار تماماً بعد فيديو اللواء أيوب وهو بيطالب بتحرك الجيش في لحظة وصفها ب”الذهبية”.
من فترة طويلة في مجموعة من الناس المحسوبين على الجيش شانين حملة ضد البرهان وبتوصفه إما بالخيانة أو تعطيل الحسم أو غيره. بالنسبة لي ما اتعاملت مع السردية دي بجدية رغم أنها وصلتني من كثير من المعارف والاصدقاء اصحاب العلاقات داخل المؤسسة العسكرية لسبب واحد أنه البرهان بنفسه شهد استشهاد ٣٥ فرداً من حرسه الشخصي دفاعاً عنه وعن رمزية القيادة فمن المستحيل يقوم يعطل الجيش لمصلحة ناس حاولوا اغتياله.
إذا كان قائد مثل اللواء أيوب بيطالب بتحرك الجيش في لحظة سماها “ذهبية” مع عدم استجابة القيادة لطلبه ومع عدم تحرك الجيش بصورة شبه تامة لمدة ٣ أيام طاحنة في محيط المدرعات المحاصرة ومع تقدم الميليشيا فيها فأكيد في حاجة غلط حاصلة ودا خلاني اشكك في صحة الأقوال عن تحجيم البرهان لقوة الجيش.
من الصعب الحكم بأن مركز القيادة والسيطرة كله متواطئ وإلا كان الحرب انتهت لصالح الميليشيا في بضعة أسابيع، لكن في مساحة جدل منطقية في أنه البرهان بصفته القائد العام للجيش قادر يعطل تحركات الجيش الكبيرة ويوقف اتخاذ القرارات المفصلية في الحرب مثل التعامل مع كبري شمبات، بداية معركة كبرى في كل المحاور وإسناد المعسكرات المحاصرة وهي حاجة قابلة للتصديق خصوصاً أن البرهان من موقعه العسكري والسياسي بيُعتبر الآمر والناهي في المسائل الكبيرة وبناءً على الكلام دا فالبرهان هو المسؤول الأول من حالة الركود العسكري الحاصلة.
إذا صحّت الفرضية دي فمحاولة معرفة أسباب تحجيم البرهان لتحركات الجيش بتبقى كلها تكهنات ومحاولة ملئ فراغات بصورة غير مجدية، ومحاولات حل مشكلة أساسها رأس الهرم في خضم حرب بتبقى معضلة متعددة الاتجاهات.
سلاح المدرعات صمد لمدة ٣ أيام أمام أضخم المعارك منذ بداية الحرب، بدون إسناد أو إمداد أو حتى جبهات بتُفتح تخفف عنه الضغط، والفضل في الصمود دا -من بعد الله عز وجل- بيرجع للإستبسال الغير طبيعي من المرابطين في الميدان مع تفوق قيادتهم على الميليشيا في الخبرة العسكرية.
لكن ما محتاجة خبير عسكري عشان تعرف أنه تراكم هجمات زي دي بنفس القوة على معسكر محاصر بدون اسناد حيُفضي لسقوطه -لا قدر الله- في النهاية.
الجيش ما استغل الأيام ال٣ الماضية في تحريك جيش إسناد للمدرعات أو في تحقيق إنتصار استراتيجي في أي موقع تاني، وصمود المدرعات الليلة بيعتبر معجزة عسكرية في حالة الركود العسكري الراهن.
الحديث المُبكر عن سقوط المدرعات هو إجحاف في حق المرابطين في المدرعات وقياداتهم من بعد الاستبسال الذي الشهدناه منهم في الأيام الماضية وكلنا ثقة بأنهم سيبذلون الغالي والنفيس للدفاع عن أرضهم، ولكن نأمل بأن تتحرك قيادة الجيش لتغيير وضع المعركة لصالحها قبل فوات الأوان.
تواردت أنباء عن اجتماع قيادات الجيش بالبرهان مساء اليوم ونأمل أن يغير هذا الإجتماع معطيات الحرب إلى الأفضل.
نصر الله قوات شعبنا المسلحة.
أحمد الخليفة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع بدایة الحرب فی المعرکة الجیش فی الجیش ما من بعد
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي: الكلمة الأخيرة لميدان المعركة رغم جهود وقف الحرب في لبنان
قال وجدي العريض، الكاتب والمحلل السياسي، إن هناك سباقًا محمومًا بين الميدان والجهد الدبلوماسي حول الأزمة في لبنان، ويدور حديث حول أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، سيسعى قبل تسلم مهام الرئاسة رسميًا في الـ20 من يناير المقبل، إلى وقف الحرب في لبنان، علاوة على الحديث عن عودة المفوض الأمريكي للشرق الأوسط، أموس هوكشتاين إلى تل أبيب وبيروت، مشيرًا إلى أنه على رغم من كل هذه الجهود سيظل الميدان هو الحكم.
ترجمه تهديدات وزير الحرب الإسرائيليوأضاف «العريض» خلال مداخلة بقناة «القاهرة الإخبارية» أن تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، يسرائيل كاتس، تترجم اليوم من خلال غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية، واستهداف إحدى البلدات في جبل لبنان للمرة الأولى، ما يعني أن التصعيد الإسرائيلي يسابق الدبلوماسية.
وأوضح الكاتب والباحث السياسي، أن العدوان الإسرائيلي الممنهج يهدف إلى تفريغ بيئة حزب الله الحاضنة من قاطنيها، وظهر ذلك جليًا اليوم من خلال القصف العنيف الذي طال الضاحية الجنوبية.
الكلمة الأخيرة للميدانولفت إلى أن إسرائيل لن توقف الحرب قبل أن تصل إلى أهدافها كما يقول أكثر من مسؤول إسرائيلي ولا سيما نتنياهو، بمعني الاستمرار في ضرب البنى التحتية العسكرية والقيادية لـ «حزب الله»، فيما لا زال الأخير يواجه إسرائيل برًا ويقصف العمق الإسرائيلي يوميًا، مؤكداً أن الوضع الذي سيفرزه الميدان سيبنى عليه الجهود الدبلوماسية.