هل ستكون العقاقير الجديدة نِدَّا للزهايمر؟
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
ترجمة: قاسم مكي
إذا احتكمنا إلى بعض عناوين الأخبار التي تصدّرت الصحف مؤخرا يمكن القول إن احتمال التوصل إلى علاج فعال لمرض الزهايمر لم يكن أبدا أفضل من الآن. ففي العامين الماضيين أُعلِن عن نتائج اختبار إيجابية لثلاثة عقاقير أزالت من المخ بروتينا يعرف باسم أَمِيلُويِد ويُعتقد أنه يلعب دورا حاسما في هذا النوع من العَتَه أو الخرَف.
لكن ليس كل أحد مقتنع بذلك. يشير المتشككون إلى أن هذه العلاجات لن يكون لها تأثير كبير على أعراض الداء، كما يمكنها أيضا تسبيب نزيف أو تورُّم خطر في الدماغ، وهي ليست عملية للاستخدام الواسع النطاق.
إذن هل الأدوية التي تقضي على بروتين أميلويد تستحق أن تثار حولها ضجة أم هي مجرد سراب؟
من المؤكد أن نوعا من الاختراق العلاجي مطلوب بشدة ضد الزهايمر وهو الشكل الأكثر انتشارا للخرف.
وتتزايد الإصابة بالزهايمر بسبب ارتفاع متوسط العمر، والأدوية تلطف فقط وبقدر طفيف من أعراض فقدان الذاكرة وتشوش الذهن دون أن تفعل أي شيء لإبطاء تطور الحالة المرضية.
منذ ثمانينيات القرن الماضي كان هناك شك في أنَّ ترسُّب أميلويد في المخ هو السبب الأساسي للإصابة بالزهايمر، ترسبات هذا البروتين والتي تعرف باللويحات يمكن رؤيتها في أدمغة المصابين، والجينات القليلة التي لديها دور سببي قوي في المرحلة المبكرة من الإصابة بالزهايمر ترفع من مستويات أميلويد.
لكن السعي لتطوير عقاقير تقضي على أميلويد لم يمضِ في سلاسة، فبعد أن فشلت عشرات المركَّبات التي أعدت لخفض بروتين أميلويد بطريقة أو أخرى في التجارب ثارت الشكوك حتى حول صحة فرضية علاقة أميلويد بالزهايمر. مؤخرا جدا أحرزت حكاية أميلويد تقدما، ففي عام 2021 وافقت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية على استخدام عقار يدعى آدوكانوماب ويتكون من أجسام مضادة تقترن بأميلويد على أساس أنه يقلل من لويحات أميلويد على الرغم من عدم تحسينه لوظيفة الذاكرة.
في يناير 2023 صادقت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية على جسم مضاد ثاني لأميلويد اسمه ليكانيماب، هذا العقار يقلل اللويحات وأيضا هذا أمر بالغ الأهمية يبطئ تدهور الذاكرة، ثم في هذا الشهر نشرت نتائج لجسم مضاد ثالث اسمه دونانيماب تظهر إبطاء مماثلا لفقدان الذاكرة.
كل حدث من هذه الأحداث قوبل بالترحاب من جماعات دعم المرضى ووصفت بعض تقارير وسائل الإعلام العلاجات الجديدة بالاختراقات «العظيمة». يقول ريتشارد أوكلي المدير المساعد المشارك للأبحاث بجمعية الزهايمر البريطانية: «في غضون ستة أشهر كان لدينا علاجان يعدّلان من مسار المرض، ولا يقتصران فقط على إزالة أميلويد ولكنهما أيضا مفيدان للمريض، نحن في عهد جديد».
لكن عند إمعان النظر ربما الصورة ليست وردية، أولا: من المشكوك فيه أن أيا من هذه العقاقير له تأثير كبير على الذاكرة بحيث يكون مُلاحظا لمن يعانون من الزهايمر أو لعائلاتهم.
مثلا في تجربة ليكانيماب التي استمرت لفترة 18 شهرا من حصلوا على الدواء ساءت حالهم بمعدل 1.2 نقطة على مقياس خاص لأعراض الخرف مكون من 18 نقطة، ومن حصلوا على دواء «وهمي» تدهور وضعهم بحوالي 1.7 نقطة وبزيادة نصف نقطة فقط.
وبحسب التقديرات السابقة للأطباء يجب أن يكون الفارق على هذا المقياس نقطة واحدة على الأقل لكي يحقق العلاج تحسنا له معنى في حياة الناس.
يقول لون شنايدر أستاذ الطب العقلي والعلوم السلوكية بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس: إن فارقا بنصف نقطة غير قابل للرصد حقا، ويضيف: «بعد 10 سنوات من الآن سأفاجأ حقا إذا كان هناك مرضى كثيرون يتناولون هذه العقاقير».
مُدِحت الأجسام المضادة بوصفها أولى علاجات «تعديل مسار المرض» إلا أن حجم تأثيرها على
مقياس أعراض الزهايمر يساوي حوالي نصف تأثير الأدوية المتوافرة التي تلطف الأعراض فقط، حسبما يقول روب هاوارد أستاذ الطب النفسي للمُسنِّين بكلية لندن الجامعية.
آثار جانبية مثيرة للقلق
يقول متحدث باسم «إيساي» وهي الشركة التي تتولى تصنيع عقار ليكانيماب: «نحن على ثقة بأن النتائج التي أوضحتها الدراسة لها معنى عيادي (سريري)».
بالنسبة للمرضى في المرحلة المبكرة للزهايمر يعني التغيير في مجموع النقاط (بنصف درجة) في مجال الذاكرة تفاقم الحالة من النسيان الحميد إلى فقدان معتدل للذاكرة.
وبحسب إفادة شركة لِيلِي المصنِّعة لعقار دونانيماب الورقة التي تفيد بالحاجة إلى تغيير بمقدار درجة واحدة على مقياس أعراض الزهايمر تركز تحديدا على الاختلافات بين الأفراد وليس متوسط التأثيرات على مجموعات من الناس. وتنوِّه الشركة إلى أن «تطبيق مثل هذه الاختلافات على معالجة مجموعة من المرضى في مقابل المرضى كأفراد قد يكون مضللا».
على أية حال هنالك مصدر آخر للقلق وهو المضاعفات الجانبية، يبدو أن الأجسام المضادة تقترن ببروتين أميلويد داخل جدران الأوعية الدموية في الدماغ، هذا يمكن أن يقود إلى تسرب السوائل من الأوعية مما ينتج عنه تورم في المخ ونزيف وفي حالات قليلة الوفاة.
يقول هاوارد: «رد الفعل المناعي لشيء في جدران الأوعية الدموية ليس جيدا لسلامتها».
لكن هذا وحده لا يعني بالضرورة النهاية لاستخدام هذه العقاقير، حسب دينيس سيلكو الباحث بمدرسة هارفارد الطبية.
يقول سيلكو: العقاقير الأخرى لديها آثار جانبية تنطوي على مخاطر مثل تلك التي تستخدم لعلاج السرطان أو التصلُّب المتعدِّد، لكننا نخطر الناس بهذه المضاعفات ونسمح لهم بأن يقرروا بأنفسهم، كما يمكن لهم أيضا إجراء اختبارات جينية لتحديد ما إذا كانوا أكثر عرضة للزهايمر ولهذه المضاعفات على الرغم من أن الاختبارات يمكن أن تكون مشكلة في حد ذاتها.
إذا وضعنا جانبا المخاوف حول سلامة ونجاعة العقار ستقترن العلاجات أيضا بمصاعبها العملية، فالأجسام المضادة يجب أخذها عن طريق الحقن بانتظام ويحتاج من يتلقونها إلى تصوير منتظم للدماغ للتأكد من عدم وجود تورم أو نزيف.
حتى في الولايات المتحدة معظم مؤسسات التأمين الصحي لا تغطي تكلفة علاجين تمت الموافقة عليهما حتى الآن، وبالنسبة لعقار ليكانيماب المنافس الرئيسي في هذا المجال ربما ستكون تكلفة التأمين 26500 دولار في العام لأنه لم يحصل بعد على الاستمارة القياسية لموافقة إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية ولكن فقط على «الموافقة المعجّلة» وغير النهائية.
ومن المقرر صدور القرار النهائي لإدارة الأغذية والأدوية حول العقار ليكانيماب في شهر يوليو.
حتى ذلك الحين سيتم تمويل استخدام العقار كجزء من الأبحاث فقط بواسطة أكبر برنامجين حكوميين للتأمين الصحي في الولايات المتحدة هما «ميديكيد وميديكير».
ووافقت جهة تأمين عامة واحدة هي الإدارة الصحية لقدامى المحاربين على تمويل ليكانيماب للاستخدام العام، لكن معظم شركات التأمين الخاصة تحذو حذو ميديكيد وميديكير.
في بريطانيا حيث يمكن اعتماد أنواع العلاج الجديدة فقط إذا قررت جهات مثل المعهد الوطني للصحة والرعاية الممتازة أن فائدتها تتناسب مع تكلفتها، ويبدو احتمال استخدام هذه العقاقير بعيدا.
ولن يفيد في ذلك أنها لا تتسق مع نظام الرعاية الصحية الحالية للمصابين بالخرف، العقاقير مصمَّمة لمن هم في المرحلة المبكرة للمرض وفي الوقت الحاضر قد لا يحصل من تبدو عليهم أعراض الخرف على تشخيص رسمي حتى مرحلة متأخرة نسبيا من الإصابة بالزهايمر، هذا إذا حصلوا عليه أصلا. كما تُقدَّم الرعاية أيضا بواسطة خدمات الصحة العقلية التي تفتقر إلى أجهزة تصوير المخ أو القدرة على حقن الأجسام المضادة.
من جهة أخرى يقول أوكلي: في حال حفزت الأجسام المضادة على إصلاح الرعاية الصحية لمرضى الخرف بحيث يحصل المزيد من الناس على تشخيص مبكر من الممكن أن يكون ذلك مفيدا في حد ذاته.
لكن نظرا إلى أن تأثيرات العلاج على الذاكرة بالكاد يمكن رصدها، ومن المستبعد أن تقنع مثل هذه الحجج المعهد الوطني للصحة والرعاية الممتازة، كما يقول هاوارد.
كل هذه المسائل تترك الناس المتأثرين بالزهايمر وعوائلهم في حالة من عدم اليقين، هنالك أخبار جديدة عن علاجات تشكل اختراقا، لكن عمليا العقاقير غير متوافرة، قد يقرأ الناس عن مزاعم بأن الأدوية تعدِّل مسار المرض لكن في الواقع ربما لن تكون لها آثار ملحوظة.
يعتقد هاوارد بوجوب اعتبار الأجسام المضادة لبروتين أميلويد نوعا من التقدم لعلم الزهايمر وذلك بتأكيدها لدور البروتين في الإصابة بالمرض.
يقول: «هذا حدث إيجابي، لكنه خطوة ضئيلة وتدريجية، ربما لن يكون لها تأثير «سريري» كبير، بعد 10 سنوات سأفاجأ إلى حد بعيد إذا كان هناك عدد كبير من المرضى يتناولون هذه العقاقير».
حقل ألغام جيني
إذا بدأ الناس في استخدام عقاقير الزهايمر الجديدة من المحتمل أن يتزايد إجراء فحص جيني معين يمكن أن تترتب عنه تداعيات مزعجة. يغطي هذا الفحص جين «أيه بي أو إي» الذي لديه متغير يرفع بدرجة عالية من مخاطر الإصابة بالزهايمر. من لديهم نسخة واحدة من الجين يزداد تعرضهم للمرض بحوالي الضعف مقارنة بمن لا يوجد لديهم. وترتفع المخاطر لمن لديهم نسختين منه إلى 10 أضعاف تقريبا.
حتى الآن لا يوجد سبب يذكر لإجراء الفحص لعدم وجود علاجات وقائية للزهايمر، وليس من المتفق عليه بعد أن الناس سيرغبون في معرفة ما إذا كانوا يحملون هذا المتغير الجيني الذي أيضا يزيد من مخاطر تورم الدماغ. لكن «ايساي» وهي إحدى شركات الصناعات الدوائية توصي من يشكون من الزهايمر بإجراء الفحص لكي يتحققوا من وجود هذا المتغير وبالتالي من ارتفاع مخاطر إصابتهم بتورم الدماغ قبل أن يبدأوا العلاجات التي يمكن أن تتسبب في هذه المشكلة كعَرَض جانبي.
إذا علموا أنهم يحملون هذا المتغير ستكون لذلك عواقب لأقاربهم، فإذا كان لأحد الأبوين نسختان من المتغير يلزم أن تكون لدى الطفل نسخة واحدة منه وربما نسختان.
اكتشاف ذلك يمكن أن يؤثر على احتمال حصولهم على تأمين صحي أو تأمين على الحياة في بعض البلدان.
يقول مادَيف ثامبيسيتي، الباحث بالمعاهد الوطنية للصحة في بالتيمور بولاية ميريلاند: القوانين الأمريكية ليست واضحة بشأن وجوب الكشف عن نتائج الفحص الجيني الذي يخضع له أحد الأقارب لشركات التأمين. ويضيف: «هذه منطقة رمادية قانونيا وأخلاقيا».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأجسام المضادة هذه العقاقیر إذا کان یمکن أن
إقرأ أيضاً:
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول وفاة طبيعية.. العثور على أشهر راقصي الباليه ميتا
(CNN)-- توفي نجم الباليه الروسي الشهير، فلاديمير شكلياروف، بعد سقوطه من الطابق الخامس لأحد المباني، السبت، وتم تأكيد وفاته من قبل مسرح ماريانسكي، وهو مكان في مدينة سانت بطرسبرغ حيث كان شكلياروف هو الراقص الأول.
وبينما بدأت السلطات الروسية تحقيقًا في وفاة شكلياروف، فقد تم التوصل إلى أن "السبب الأولي" هو أنه كان حادثا، حسبما أفادت وسائل الإعلام الحكومية الروسية "ريا نوفوستي".
وقال مصدر في خدمات الطوارئ الروسية لوكالة ريا نوفوستي: "إنها ليست جريمة.. لقد مات موتاً طبيعياً".
وذكرت وسائل إعلام روسية أن شكلياروف توفي قبل يومين من خضوعه لعملية جراحية معقدة في العمود الفقري، وكان يتناول "مسكنات خطيرة للألم" لبعض الوقت، في حين قالت ديانا فيشنيفا، وهي راقصة رئيسية في فرقة ماريانسكي، إن وفاة شكلياروف هي "مأساة" لعالم الباليه.
وولد شكلياروف في لينينغراد - سانت بطرسبرغ الآن - ودرس في أكاديمية فاغانوفا المرموقة للباليه وتخرج في عام 2003. وانضم إلى مسرح ماريانسكي في نفس العام وعمل كراقص رئيسي - وهو أعلى رتبة في المؤسسة - منذ 2011.
وفي مسيرة مهنية امتدت لأكثر من عقدين من الزمن، لعب شكلياروف دور البطولة في إنتاجات "بحيرة البجع"، و"الجمال النائم"، و"روميو وجولييت"، و"دون كيشوت"، كما قام بأدوار البطولة كفنان ضيف مع شركات خارج روسيا، بما في ذلك فرقة الباليه الملكية في لندن ومسرح الباليه الأمريكي في نيويورك.
وحصل على العديد من الأوسمة خلال مسيرته المهنية، بما في ذلك جائزة ليونيد ماسين الدولية في عام 2008، وفي عام 2020 تم تعيينه فنانًا مشرفًا في روسيا.
وفي الأيام التي تلت شن روسيا غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، نُقل عن شكلياروف تحدثه علنًا عن دعمه للسلام.