ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني

قد يؤمن الكثيرون بالمعتقد السائد أن الرجال على مر التاريخ هم فقط من يصطادون لأجل ويحضرون الطعام للبيت، إلا أن هذا المعتقد غير صحيح تماما. فوفقًا لدراسة حول طبيعة المجتمعات من مناطق مختلفة من العالم، تبين أن 80 بالمائة منها تقوم فيها النساء بعمليات الصيد والبحث عن الطعام، وفي ثٌلث تلك المجتمعات تقوم النساء فعلا بصيد حيوانات كبيرة تزن حوالي 30 كيلوجراما، هذا بالإضافة إلى قيامهن بصيد حيوانات أصغر.

ويشير الباحثون في هذه الدراسة إلى أن العينة التي شملها البحث ليس بالماضي فقط، بل في بعض المجتمعات في الحاضر أيضا، وبَيْن دراسة الماضي والحاضر يتضح أن النتائج مماثلة تقريبا، وتقول الباحثة «كارا وول شيفلير» من جامعة واشنطن: «لدينا بالفعل معلومات عن مجتمعات عديدة تعود إلى ما يقرب 150 سنة، قمنا بدراستها وفق المنهج الأثنوغرافي - وهو نوع من البحث النوعي الذي يتضمن الانغماس في مجتمع أو منظمة معينة لمراقبة سلوكهم وتفاعلهم عن قرب ويعرف كذلك بنهج وصف الأعراق البشرية - المأخوذ عن عينات من كافة قارات العالم، وبناءً على ذلك أعتقد أننا حصلنا على نموذج جيد عما يقوم به الناس في المجتمعات المتعددة».

تعطينا الدراسات أدلة عديدة على أن النساء كن يصطدن بأنفسهن في الثقافات السابقة، ومن تلك الأدلة على سبيل المثال، ما كشفته دراسة أجريت عام 2020، حيث اكتشف الباحثون جثثا لـ 27 شخصا تعود إلى عصور قديمة في الأمريكيتين، وكانت تلك الجثث مدفونة مع أدوات صيد، ونصفهم من النساء، رغم ذلك كان القائمون على الدراسة مترددين في التوصل إلى استنتاج بأن هؤلاء النساء كن صيادات فعلا.

وتقول «كارا وول شيفلير» كذلك: «الرؤية السائدة تفترض دائما أن الرجال هم الصيادون، بينما النساء تتغذى فقط ولا تقوم بالصيد»، ولكن فريقها البحثي حلل بيانات قاعدة تسمى بـ «دي - بلاس»، وتحتوي تلك القاعدة على سجلات بحثية لحوالي 1400 مجتمع إنساني حول العالم خلال 150 عاما الماضية، وشملت قاعدة البيانات معلومات عن 63 مجتمعا تتعلق بالصيد، و50 من تلك المجتمعات كانت النساء تصطاد فيها.

وكانت هناك معلومات تتعلق بـ 41 % من تلك المجتمعات توضح ما إذا كانت النساء تصطاد بنية مسبقة أم عن طريق الصدفة، بمعنى إذا صادفت النساء حيوانا بشكل عرضي بينما كن يجمعن النباتات، وفي 87 % كانت النساء فعلا تنوي الصيد مسبقا، أي أنهن خرجن للصيد، وتقول «وول شيفلير» إن هذا الرقم أعلى مما كانت تتوقعه.

وفيما يتعلق بالمعلومات حول حجم الحيوانات التي تصطادها النساء فقد توافرت تلك المعلومات لـ 45 مجتمعا، 46 % من النساء كن يصطدن الحيوانات الصغيرة مثل السحالي والقوارض، و15 % كان صيدهن متوسط الحجم، و33 % كانت حيوانات كبيرة الحجم، و4 % من تلك المجتمعات تصطاد النساء فيها حيوانات متعددة الأحجام، ولم تشمل تلك الدراسة بيانات الرجال في الصيد.

كما أشارت الدراسة إلى أن للنساء استراتيجيات في الصيد تفوق في مرونتها استراتيجيات الرجال، فـ «النسوة يستخدمن مجموعة واسعة من الأسلحة وأدوات الصيد، كما أنهن يذهبن بشكل جماعات» كما تقول «وول شيفلير».

وتوصلت الدراسة إلى أن النساء يمكنهن الصيد بمفردهن، أو مع شريك من الرجال، أو برفقة الأطفال، كذلك مع كلاب الصيد، وذلك وفقا لما تقوله «وول شيفلير»، وفيما يتعلق بالأدوات والأسلحة كان القوس والسهم من أكثر الأدوات الشائعة حول العالم، ولكن ثبت أن النساء كن يستخدمن السكاكين والرماح والشباك.

80 % هي نسبة المجتمعات التي تعتمد على الصيد والتي تشارك فيها النساء، وربما تكون تلك النسبة أكبر نتيجة لطبيعة حركة النساء أثناء الحمل والرضاعة، وفي بعض الحالات سجل قيام نساء بالصيد وهن يحملن أطفالهن على ظهورهن، كما أظهرت الدراسة أن هناك مجتمعات تُحرم على النساء صنع واستخدام بعض أسلحة الصيد، مما دفعهن للبحث عن بدائل، كما تقول «وول شيفلير».

ويقول «راندي هاس» وهو باحث من جامعة وأين ستيت، الذي أجرى فريقه الدراسة على مدافن الأمريكيتين في عام 2020: «تظهر النتائج، إلى جانب الاكتشافات الأثرية المتعلقة بالموضوع، بشكل مقنع أن تقسيم العمل من أجل العيش كان أكثر تنوعا مما يُعتقد في السابق».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من تلک

إقرأ أيضاً:

فخّ الهويّات.. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي

صدر حديثًا كتاب "فخّ الهويّات" للكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد، الذي يُسلّط الضوء فيه على المخاطر الكامنة خلف تصاعد خطاب الهوية، عندما يتحوّل من دعوة للاعتراف إلى وسيلة لإقصاء الآخر، ثم استعدائه وشيطنته، مما يؤدي إلى ردود فعل مضادة وهويات متقابلة، قد تنتهي بما يصفه الكاتب بـ"أنكر الداء": انفراط العقد الاجتماعي.

في 200 صفحة، يتناول الدكتور أوريد هذه الإشكالية المعقدة التي باتت تفرض نفسها في العالم العربي والغربي على حد سواء. يرى أن خطاب الهوية، الذي ظهر بقوة بعد تراجع السردية الشيوعية، حلّ محل مفاهيم الطبقة، وأخذت الثقافة مكان الاقتصاد، ليولد بذلك "طلب هويّاتي" يعبّر عن رغبة دفينة في الاعتراف. لكن هذا الطلب سرعان ما انحرف عن مساره، فتحوّل إلى عامل تهديد مباشر لأسس التعايش، ولتماسك الدولة والمجتمع.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"حساب" بيتر باينارت.. سؤال الهوية اليهودية عقب إبادة غزةlist 2 of 2غرام بعض الناس باليمين والفاشية يفسره علم النفسend of list

يؤكد أوريد أن الحل يكمن في تحديد الإطار السليم الذي يمكن للهويات أن تنشط فيه، دون أن تمسّ بالعيش المشترك. ويشدّد على أن المواطنة هي الحصن والملاذ، وأن "على القانون الأسمى أن يكون حضن المواطنة وحصنها"، باعتبارها الرابط الجامع الوحيد في المجتمعات الحديثة.

الكتاب يتوغّل في أسئلة مركزية تلامس الواقع اليومي والراهن السياسي: كيف نوفّق بين مطلب الهوية ومتطلبات المواطنة؟ كيف أن نزاوج بين الخصوصية والعالمية؟ وهل يمكن تحقيق عدالة رمزية لا تزدري أي مكون اجتماعي؟ ويتناول أوريد احتدام خطابات الهوية في الغرب، خاصة في علاقات التوتر بين "الأصليين" والمهاجرين، وخصوصًا المسلمين منهم، حيث تغدو قضايا الهوية مظهرًا مرئيًا لأزمات أعمق وأكثر تعقيدًا.

إعلان

فخّ الهويّات هو محاولة فكرية لفهم خطاب الهوية، في مشروعيته وانحرافاته، في العالم العربي والغربي على حد سواء. ويتناول قضايا ذات بعد كوني مثل الإسلاموفوبيا، وعودة النزعات العرقية، والمجتمعات الأرخبيليّة، وفكرة "الاستبدال الكبير"، بالإضافة إلى خطاب ما بعد الاستعمار، والعدو الحميم، وكبش الفداء الضروريّ.

وللحديث عن الكتاب الغني بأسئلته وهواجسه الإنسانية في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى المجتمعات، تحدثنا مع المؤلف وكان هذا الحوار القصير:

كيف يمكن لمفهوم المواطنة أن يشكل إطارا فعالا لتحقيق العيش المشترك في ظل تنوع الهويات؟

الإشكال لا يكمن في الهوية بحد ذاتها، بل في الكيفية التي نتعامل بها معها، إذ يفترض أن تكون الهوية استجابة لمطلب الاعتراف، سواء لجماعة أو فئة أو أقلية، على أن تقوم في الوقت نفسه على احترام الكرامة الإنسانية.

غير أن المشكلة تظهر عندما تتحول الهوية إلى أداة لاستعداء الآخر، فتهدد بذلك أسس العيش المشترك. ومن هنا، لا يكفي البحث عن التوفيق بين الهوية والعيش المشترك، بل يجب تجاوز هذا الإشكال نحو تصور أوسع.

فالعيش المشترك، في غياب إطار ناظم، يظل مجرد أمان أو مشاهدات سطحية لا تفضي إلى حلول.

والإطار القادر فعلا على احتضان الهوية وتحقيق العيش المشترك هو مفهوم المواطنة، إذ يشكل أساسا عمليا لترسيخ القبول بالآخر وتنظيم التنوع ضمن عقد جامع، بينما التوقف عند مجرد شعار "العيش المشترك" دون آليات واضحة لا يفضي إلى نتائج ملموسة.

ما هي حدود خطابات الهوية التي يجب عدم تجاوزها حتى لا تؤدي إلى الانغلاق والتشظي داخل المجتمعات؟

لا يمكن إنكار أن الهويات أصبحت واقعا لا يمكن القفز عليه. ومع ذلك، يجب أن نعترف، انطلاقا من تجارب متعددة ومآلاتها سواء في الغرب أو خارجه، أن خطابات الهوية قد بلغت مرحلة المأزق.

إعلان

فإذا تأملنا، على سبيل المثال، تجربة التنوع الثقافي التي كانت كندا من أوائل من تبناها، ولاحقا أصبحت نموذجا يحتذى به في بعض الدول الغربية، سنلاحظ أن هذا التنوع، رغم محاولات التلطيف بما يعرف هناك بـ"الالتآم المعقول" أو بالأدق "التكيف المعقول"، أدى في المحصلة إلى نوع من الطائفية والانغلاق.

الشيء نفسه نلاحظه في الغرب بشكل أوسع، حيث آل مشروع التنوع الثقافي إلى الانكفاء داخل الهويات والانغلاق عليها بدل الانفتاح والتفاعل. ونجد مثالا آخر في الولايات المتحدة، فيما يعرف بـ"التوليفة الهوياتية"، والتي برزت بداية في سياق نضالات الحركات السوداء، كأداة لتجاوز إشكالات القوانين التي لم تكن كافية لتغيير واقع التمييز.

لكن هذه التوليفة، رغم نواياها، أفضت إلى ردود فعل مضادة، وأسهمت في تشظي الهوية الجماعية، بل وأحيانا في إعادة إنتاج التهميش داخل فئات المحرومين أنفسهم.

وبالتالي، يمكن القول إنه سواء في الغرب أو خارجه، فإن الأدوات التي طرحت سابقا لإدارة التنوع وضبط الهويات قد وصلت إلى طريق مسدود، وأسهمت -عن قصد أو غير قصد- في تكريس الوضع القائم بدل تغييره.

لماذا تُعد تداعيات الحركات الهوياتية في العالم العربي أكثر خطورة مقارنة بنظيراتها في الغرب؟

فإن قضايا الهوية قد طرحت وما زالت تطرح، لكن طبيعتها تختلف بشكل واضح عن نظيرتها في الغرب. ففي حين أن خطابات الهوية في السياق الغربي قد تؤدي، في أقصى حالاتها، إلى توترات أو نزعات انفصالية -كما يطلق عليها في فرنسا مثلا مصطلح "الانفصالية"- فإن الأمر في العالم العربي يحمل طابعا أكثر تعقيدا وخطورة.

فهنا، انقسام الهويات لا يقتصر على التوتر السياسي أو الثقافي، بل قد يهدد مباشرة العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة والمجتمع.

وقد شهدنا في حالات متعددة أن جماعات تستند إلى هوية خاصة -سواء كانت عقائدية أو لغوية- لجأت إلى التسلح، وتحولت إلى مليشيات وقوى مسلحة باتت تهدد كيان الدولة ذاته، وتمس بشكل مباشر تماسك المجتمعات.

إعلان

ومن هنا، فإن الحركات الهوياتية في العالم العربي، حينما تنفلت من الضوابط وتتخذ منحى انفصاليا أو صداميا، تكتسب طابعا أكثر خطورة من نظيراتها في الغرب، إذ يمكن أن تنزلق بالأوضاع إلى احتراب أهلي ومواجهات تهدد الاستقرار والوجود الوطني برمته.

كيف يسهم هذا الكتاب في فتح حوار مشترك حول قضايا الهوية بين المجتمعات الغربية والعربية، وما الذي يميزه عن غيره من الكتب في هذا السياق؟

يمكن القول إنني، في مجمل ما أكتبه، أنطلق من فكرة أساسية مفادها أن القضايا المطروحة في الغرب تتقاطع وتتداخل بدرجات مختلفة مع تلك التي تطرح في مجتمعاتنا.

ولذا، فإن فهمنا العميق لقضايانا يتطلب النظر إلى الغرب وتحليل ما يدور فيه، كما يمكن للغرب، في المقابل، أن يدرك أبعادا من إشكالاته الخاصة من خلال دراسة مجتمعاتنا.

فقضايا مثل الهوية، على الرغم من اعتبارها أحيانا قضايا عرضية أو "عابرة"، هي في الواقع ذات طبيعة متشابكة ومعقدة، ومن بين هذه القضايا نذكر الإسلاموفوبيا والهجرة، اللتين تنظر إليهما من زوايا مختلفة، لكنهما تؤثران بعمق في مجتمعاتنا كما تؤثران في المجتمعات الغربية.

وقد شكل هذا الكتاب فرصة مناسبة للتوقف عند واقع الأقليات المسلمة في الغرب، حيث تطرح قضية الهوية هناك بشكل حاد ومختلف، وغالبا ما ينظر إليها كسبب في الإشكالات، في حين أنها في الواقع نتيجة لسياقات سياسية وثقافية معقدة.

وعلى كل حال، آمل أن يشكل هذا الكتاب فرصة حقيقية لفتح باب الحوار، فهو لا يمثل نهاية أو خلاصة نهائية، بل هو مجرد بداية لنقاش عميق ومستفيض. الغاية منه ليست فرض أجوبة، بل تحفيز التفكير الجماعي بما يمكن أن يشكل قواسم مشتركة تجمعنا، بدل الاستغراق في ما يفرقنا.

مقالات مشابهة

  • إهمال تنظيف الأسنان قد يزيد من الصداع وآلام الجسم لدى النساء
  • «الشيباني»: ما قاله محمد الرعيض تحليل خاطئ للوضع الراهن
  • محبو الدجاج.. هذه الدراسة "التحذيرية" موجهة لك
  • جوع وتغير مناخي.. سكان أوغندا يصطادون طيورا مهاجرة للبقاء
  • هبوط خاطئ .. سقوط شاب من قطار القاهرة أسوان بسوهاج
  • وديع منصور: كيف يمكننا الوثوق بمن يدّعون الدفاع عن الشعب بينما يزدادون ثراءً؟
  • دراسة تربط الصداع النصفي لدى النساء بعدم العناية بالأسنان
  • بيسكوف: بينما تتحدث الولايات المتحدة وروسيا عن السلام يطالب الأوروبيون بالحرب
  • فخّ الهويّات.. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء مجتمعي
  • الشرطة الأردنية تصادر مكاتب جماعة الإخوان في إجراء قانوني بعد اكتشاف مخطط تخريبي