بعد انفراده بالسلطة.. لا تغيير في سياسة الرئيس التونسي

لا يمكن إنكار أن ظاهرة قيس سعيد صمدت حتى الآن، ومن يتجاهلها سيفشل في فهم ما يجري.

لا بد من تغيير منهج الفهم والتحليل لاكتساب القدرة على الاستقراء، لهذا يُستبعد أن تشهد تونس، على ضوء المعطيات الراهنة، تغييرات هامة.

طرح البعض السؤال التالي: هل من الممكن تحقيق أي تقدم ملموس دون الأخذ بعين الاعتبار الصواريخ التي أطلقها الرئيس خلال السنتين الماضيتين؟

ما كان تعتبره بعض مكونات المجتمع السياسي والمدني أفكارا طوباوية ساذجة وشعبوية، نجح قيس سعيّد في تحقيقها في وقت قياسي، وبسهولة غير متوقعة!

الحقيقة الثابتة والوحيدة أن قيس سعيد هو الفاعل الرئيس يقرر ويفعل ويواصل الحكم بنفس المنوال لم يتغير ولم يحدْ عن رؤيته السياسية التي أعلن عنها منذ سنة 2013.

استبعدت المعارضة بقاء الغرب صامتا حال تمادي الرئيس في إجهاض الانتقال الديمقراطي وأن دول الغرب ستصعّد ضغوطها المختلفة لإجباره على احترام الحريات وحقوق الإنسان.

اعتقدت المعارضة بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعجز عن الحلول المناسبة سيولد النقمة بأوساط المواطنين ويدفعهم لسحب الثقة من قيس سعيد والخروج عليه ويعجل بالصدام بين الرئاسة والحركة النقابية.

* * *

انقضت سنتان من تاريخ انفراد الرئيس سعيد بجميع السلطات، فترة كافية لتقييم أداء الرجل، والتعرف على حصيلة المرحلة. لم يلقِ الرجل خطابا بهذه المناسبة، ولم يُقم استعراضا عسكريا أو مدنيا، ولم يعلن عن قرارات جديدة كما يفعل عادة الحكام المنتصرون. اكتفى بإبلاغ مواطنيه، ومن ورائهم خصومه وناقدوه في الداخل والخارج أنه "لا عودة إلى الوراء".

تلتقي أغلبية المواقف والتعليقات حول القول بأن حصيلة السنتين كانت سلبية، وأن قيس سعيد الرئيس لم يحقق أي وعد من وعوده. وبناء عليه، تطالبه المعارضة بأحد الاحتمالين: التراجع عن مسار 25 يوليو والرجوع إلى نقطة البداية، أو التخلي عن الحكم ودعوة التونسيين إلى انتخابات جديدة.

لكن إذا حوّلنا الكاميرا إلى الزاوية المقابلة بحثا عن الكيفية التي يفكر بها الذين يمسكون بالسلطة، نجد أن ما يعتبره خصومها فشلا يرون فيه نجاحات كبرى، ومكاسب يمكن البناء عليها.

المؤكد أن المشهد السياسي في البلاد تغير بشكل ملحوظ، وأن الضربات القوية التي وجهها الرئيس إلى مقومات الانتقال الديمقراطي قد خلقت مناخا مختلفا: إلغاء دستور 2014، وتهميش الأحزاب، وإخضاع القضاء، وتقليص مجال الحريات، وتحجيم الاتحاد العام التونسي للشغل، وحل الهيئات البلدية المنتخبة، وإنشاء برلمان بديل ضعيف وغير قادر على المحاسبة والمراقبة.

الحقيقة الثابتة والوحيدة الآن في البلاد أن الرئيس سعيد هو الفاعل الرئيس، يقرر، ويفعل، ويواصل الحكم على نفس المنوال. لم يتغير، ولم يحدْ عن رؤيته السياسية التي أعلن عنها منذ سنة 2013.

كان واضحا منذ البداية في رفضه للنخبة السياسية بالخصوص، وطالبها منذ ذلك التاريخ بأن ترحل عن بكرة أبيها. وقد أنجز الكثير من ذلك، وهو مصرّ على ملاحقة البقية. وما كان يعتبره بقية مكونات المجتمع السياسي والمدني أفكارا طوباوية ساذجة وشعبوية، نجح الرئيس في تحقيق العديد منها في وقت قياسي، وبسهولة غير متوقعة.

في المقابل، بَنَت المعارضة بمختلف مكوناتها مواقفها على سيناريوهات لم تصمد أمام الواقع الموضوعي؛ فهي من جهة اعتقدت بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعجز عن ابتكار الحلول المناسبة من شأنه أن يولد النقمة في أوساط عموم المواطنين، ويدفعهم نحو سحب الثقة من قيس سعيد والخروج عليه، كما أن ذلك من شأنه أن يعجل بالصدام بين الرئاسة والحركة النقابية والاجتماعية.

رغم قوة هذه الفرضية وأهميتها في التاريخ السياسي لتونس، غير أنها لم تصمد خلال المرحلة الحالية. إذ بالرغم من الصعود الصاروخي للأسعار، وفقدان المواد الأساسية، إلا أن تحميل السلطة المعارضةَ المسؤولية المباشرة على ذلك هي الرواية التي راجت ووجدت القبول في أوساط المواطنين.

أما الاحتمال الثاني الذي أخذته المعارضة بعين الاعتبار ولم تستبعده من حساباتها، فهو العامل الخارجي القائم على الفرضية التالية: استبعدت بقاء الغرب مكتوف الأيدي في حال تمادي الرئيس سعيد في توجهه نحو إجهاض الانتقال الديمقراطي في تونس، وأن الدول الغربية ستصعّد من ضغوطها المختلفة لإجباره على احترام الحريات وحقوق الإنسان.

وقد تحركت فعلا كل من أمريكا وأوروبا في هذا الاتجاه بشكل غير مسبوق، لكن نظام قيس سعيد صمد ولم يتراجع. وجاءت رياح الأزمات الإقليمية والدولية لتصب في صالحه، وتثبت أن هذا الغرب بدأ يقبل بوجود النظام، خاصة بعد أن أثبت استعداده الدخول في تسوية بعض الملفات الشائكة مثل ملف الهجرة غير النظامية.

وتوالت الوقائع الدالة على أن عديد الحكومات الغربية تغلب كعادتها مصالحها الآنية على قضايا الديمقراطية والحريات.

الخلاصة، ما لا يمكن حجبه وإنكاره أن ظاهرة قيس سعيد قد صمدت حتى الآن، وأن الذي يتجاهلها سيفشل في فهم ما يجري. لا بد من تغيير منهج الفهم والتحليل لاكتساب القدرة على الاستقراء لهذا يُستبعد أن تشهد تونس، على ضوء المعطيات الراهنة، تغييرات هامة، وهو ما دفع بالبعض نحو طرح السؤال التالي:

هل من الممكن تحقيق أي تقدم ملموس دون الأخذ بعين الاعتبار الصواريخ التي أطلقها الرئيس خلال السنتين الماضيتين؟

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس الانقلاب التغيير الديمقراطية المعارضة الحريات أزمات الصواريخ قيس سعيد الحركة النقابية قیس سعید

إقرأ أيضاً:

بيت الشعر العربي يحتفي ببيرم التونسي.. وبيت السحيمي يحتفي بميلاد يحيى حقي

كتب-محمد شاكر:

يقيم قطاع صندوق التنمية الثقافية برئاسة المعماري حمدي السطوحي، احتفاليتين بمناسبة ذكرى علمين كبيرين.

حيث ينظم بيت الشعر العربي (مركز إبداع الست وسيلة) خلف الجامع الازهر، أمسية جديدة من أمسيات صالون الشاعر الكبير "أحمد عبد المعطي حجازي" الشهري، والذي تأتي حلقة هذا الشهر منه تحت عنوان "بيرم التونسي.. فنان الشعب"، وذلك يوم الأحد الموافق ١٩ يناير، في تمام الساعة السادسة مساءً.

يشارك في الصالون نخبة من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي، من بينهم المستشار محمود بيرم التونسي (نجل الشاعر الكبير)، والشاعر والناقد محمد بهجت، والدكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي، كما تتضمن الأمسية فقرة فنية مميزة تقدمها الفنانة ريم حمدي، لتجمع الفعالية بين جمال الكلمة وعذوبة اللحن، وتدير الصالون الإعلامية رشا عبد الرحمن.

وفي هذا السياق، صرّح الشاعر سامح محجوب، مدير بيت الشعر العربي، أن بيرم التونسي لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوت الشعب ونبضه، وشكّل إرثه الأدبي علامة فارقة في تاريخ الأدب الشعبي، مضيفاً أن الصالون يهدف إلى تسليط الضوء على الرموز الثقافية التي أثرت في وجدان الأمة.

في الوقت نفسه، يقيم مركز إبداع بيت السحيمي، بشارع المعز، وفي إطار الاحتفال بذكرى ميلاد الكاتب الكبير يحيى حقي، فعالية مميزة بعنوان "يحيى حقي في صالون ذاكرة الوطن"..

يشارك في الفعالية كل من الإعلامية نهى يحيى حقي (نجلة الأديب الكبير)، والدكتور خيري دومة، أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، ويدير الحوار الكاتب الصحفي والناقد محمد الشافعي.

تتضمن الفعالية مناقشات ثرية حول حياة وأعمال يحيى حقي، أحد أبرز رموز الأدب العربي الحديث، ودوره الرائد في تشكيل المشهد الثقافي المصري والعربي.

تأتي هذه الفعالية ضمن سلسلة "صالون ذاكرة الوطن"، التي تُعقد شهريًا في بيت السحيمي لإحياء ذكرى الشخصيات التي أثرت في الفكر والثقافة المصرية، يعقب الأمسية حفل فني تقدمه فرقة النيل للآلات الشعبية، بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة، لتقديم لوحات فنية من التراث المصري الأصيل.

بيت الشعر العربي بيت السحيمي ميلاد يحيى حقي بيرم التونسي قطاع صندوق التنمية الثقافية بيت الشعر العربي يحتفي ببيرم التونسي

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: أسعار عمرة منتصف رجب 2025 الاقتصادية والخمس نجوم.. ما الأوراق المطلوبة؟ الأخبار المتعلقة احتفالا بمئوية ميلاده.. بيت الشعر العربي يستعيد صالح الشرنوبي أخبار "السمسمية" تُغني للنصر في احتفالات الثقافة.. ببيت السحيمي أخبار "الثقافة" تحتفل بنصر أكتوبر مع "هنغني".. غدا أخبار "بودلير من جديد".. ندوة في بيت الشعر العربي بمشاركة شخصيات دولية الأحد أخبار أخبار مصر أسعار عمرة منتصف رجب 2025 الاقتصادية والخمس نجوم.. ما الأوراق المطلوبة؟ منذ 45 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر ننشر تفاصيل الجلسة النقاشية لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين حول نظام البكالوريا منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر حدث في منتصف الليل|آليات تنفيذ اتفاق وقف النار بغزة.. وحقيقة زواج شاب من منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر نشرة التوك شو| إشادة باعتقال أحمد المنصور في سوريا وحقيقة زواج شاب من ثلاث منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر عمرو أديب يعلق على اعتقال السلطات السورية للإرهابي أحمد المنصور منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر علي الدين هلال يكشف وجهة نظره تجاه النظام الانتخابي منذ 4 ساعات قراءة المزيد

إعلان

إعلان

أخبار

بيت الشعر العربي يحتفي ببيرم التونسي.. وبيت السحيمي يحتفي بميلاد يحيى حقي

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك اضطراب الملاحة ونشاط للرياح.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس السبت لمناقشة آخر تطورات الصفقة.. وزير الخارجية يتلقى اتصالًا من نظيره القطري الحب والأبناء والاعتزال.. فاروق جعفر يروي لأول مرة 10 فصول من مذكراته 22

القاهرة - مصر

22 15 الرطوبة: 38% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • سعيد ونيس: لا بد من ضرورة التصدي للمحاصصة التي أرهقت المؤسسات السيادية
  • بيت الشعر العربي يحتفي ببيرم التونسي.. وبيت السحيمي يحتفي بميلاد يحيى حقي
  • 100 ليلة مسرح.. هشام عطوة: قريبا افتتاح مسرحي مصر وبيرم التونسي
  • هشام عطوة: قريبا افتتاح مسرحي مصر وبيرم التونسي
  • قائد الجيش عرض الاوضاع مع السفير التونسي
  • "البخارة" التونسي يفوز بأفضل عرض لمهرجان المسرح العربي
  • حاصباني يتحدث عن خطأ السيد
  • الرئيس التونسي يدعو للحد من التضخم المرتفع للأسعار
  • المعارضة تشجع الرئيس المكلف: لتكن حكومة تصريف أعمال
  • المعارضة في زيمبابوى تدعم مشروع قانون لتمديد ولاية الرئيس منانغاغوا