دعوة أوجلان لحل الكردستاني.. ما الجديد؟
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
في حدث تاريخيّ، وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان نداء لحل الحزب الانفصالي، ووقف عملياته ضد تركيا. يختلف هذا النداء عن آخرَيْن سبقاه في العقد الماضي، من حيث السياق المحلي والإقليمي والدولي، بما يبشّر بمآلات مختلفة هذه المرة.
نداء أوجلانفي السابع والعشرين من فبراير/ شباط، وفي رسالة نقلها عنه وفد حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب الذي زاره في سجنه، وجّه زعيم المنظمة الانفصالية المعتقل منذ 1999 نداءً تاريخيًا لحلّ الحزب.
عنوَن أوجلان رسالته بـ "دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي"، وتحدث فيها عن "العلاقات التركية – الكردية التي تمتد لأكثر من ألف عام"، حيث تحالف الأكراد والأتراك دائمًا من أجل البقاء ومواجهة القوى المهيمنة.
وقال إن "الحداثة الرأسمالية استهدفت خلال القرنين الماضيين تفتيت هذا التحالف"، مؤكدًا على أنّ الواجب الرئيس اليوم هو "إعادة صياغة هذه العلاقة التاريخية الهشّة بروح الأخوّة"، ما يجعل "المجتمع الديمقراطي حاجة لا فكاك عنها"، على حد تعبيره.
ودعا أوجلان صراحة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح، وحل نفسه، وانتهاج العمل السياسي "متحمّلًا المسؤولية التاريخية عن ذلك"، حيث دعا قيادات الحزب لدعوة مؤتمره العام وإعلان حلّ الحزب و"إلقاء كل المجموعات السلاح"، للتكامل مع الدولة والمجتمع.
إعلانووضع الزعيم التاريخي للكردستاني مشروعية تأسيس حزبه في سياق ظروف الحرب الباردة، و"إنكار الحقيقة الكردية"، وانسداد مسارات العمل السياسي، والحظر على الحريات.
وهي العوامل التي يرى أوجلان أنها انتهت و/أو تغيرت، ما تسبب بـ "فقدان العمال الكردستاني للمعنى، ودفعه للتكرار المتشدد"، ولذلك فقد "استنفد عمره، وبات حله ضروريًا".
واللافت أن أوجلان فند في رسالته التاريخية بعض المطالب التقليدية لحزبه، مؤكدًا على أن الحلول من قبيل الدولة القومية المنفصلة، الفدرالية، والإدارات الذاتية، أو الحلول الثقافوية "لن تجد استجابة من الشعب" وفق سيرورة الاجتماع السياسي التاريخية، ما يجعل الديمقراطية والعمل السياسي حلًا وحيدًا ولازمًا على ما جاء في الرسالة.
لماذا الآن؟بدأت الدولة التركية سابقًا مسار تسوية سياسية مع العمال الكردستاني ابتداءً من 2009، بعد سلسلة إصلاحات ديمقراطية وسياسية خاصة بالطيف الكردي، ووصلت معه لشبه اتفاق يقضي بإقرار حقوق سياسية – ثقافية إضافية للأكراد مقابل إلقاء السلاح وخروج عناصر الحزب من تركيا.
وقد وجّه أوجلان نداءً بهذا الشأن عام 2013، وكرّره عام 2015، لكن المسار توقّف وفشل، وكان الدافع الرئيس في ذلك الوقت تطورات الثورة السورية وتبعاتها، حيث أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (الامتداد السوري للكردستاني) إدارات ذاتية في ثلاثة كانتونات في الشمال السوري.
إذ أعادت هذه التطورات السورية والإقليمية للكردستاني حلم الدولة الكردية، فاستأنف عملياته داخل تركيا، وأعلن عن إدارات ذاتية في مناطق الأغلبية الكردية، وخاض حرب مدن وشوارع، كما شنّت تركيا عدة عمليات ضد امتداداته السورية، وطوّرت عملياتها ضد معاقله في شمال العراق.
اليوم، ومرة أخرى، يدفع السياق الإقليمي والدولي لتطورات عميقة ومهمة في المسألة الكردية، ولكن بالاتجاه المعاكس. فقد قوّى سقوط النظام السوري أوراق تركيا في مواجهة المشاريع الانفصالية في الشمال السوري، لا سيما وهي تتفق مع القيادة السورية الجديدة على وحدة الأراضي والمؤسسات السورية، ووضعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في موقف دفاعي صعب، بل وعززت من أوراق التفاوض التركية مع الإدارة الأميركية الداعم الأبرز لقسد.
إعلانكما أن انتخاب ترامب مجددًا أعاد للأذهان أفكاره القديمة المتعلقة بضرورة سحب قوات بلاده من سوريا، وهو ما يضع قسد في مهب الريح، سوريًا أولًا، وفي البعد الإقليمي ثانيًا.
كما لا ينبغي إغفال العوامل المحلية، وفي مقدمتها نجاح عمليات المكافحة والحرب الاستباقية التركية على مدى سنوات في منع هجمات الكردستاني وتقويض إمكاناته وتقليل الانتساب له.
كما أن نداء دولت بهتشلي، الزعيم القومي وحليف الرئيس أردوغان، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، بخصوص حلّ المسألة الكردية، فتح آفاقًا رحبة للمسألة، خصوصًا أنه تقليديًا من أشد المعارضين لذلك.
من جهة ثانية، ينبغي الإشارة إلى أن أوجلان، الزعيم التاريخي والمنظّر للكردستاني، صاحب مراجعات فكرية وسياسية، وقد نشرت له سابقًا عدة مراجعات بخصوص أفكار الحزب ومنهجيته.
ولعل الرسالة الأخيرة التي أشارت لانتفاء أهم العوامل التي شكلت السياق الذي تأسس به الحزب، ثم تفنيده أي مطالب خارج الإطار السياسي الداخلي التركي، تحمل مؤشرات على مراجعات فكرية وتنظير جديد وفق قراءة لمجمل التطورات المحلية والإقليمية والدولية، فضلًا عن التغيرات الجذرية في فكر الحزب وواقعه و"معناه"، وليس مجرد مناورة سياسية ظرفية.
الفرص والتحدياتيتميز نداء أوجلان الأخير عن سابقيه من حيث المضمون والسياق، حيث لم يكتفِ أوجلان بالدعوة لوقف العمليات ضد تركيا، كما حصل سابقًا، وإنما دعا لحل التنظيم وإلقاء السلاح نهائيًا، وانتهاج العمل السياسي، معللًا ذلك بتغير السياق وانتفاء المعنى وتراجع المشروعيَّة وانعدام الفائدة لما انتهجه الكردستاني على مدى أربعة عقود.
يجعل كل ذلك النداء تاريخيًا فعلًا، ويضع تركيا على بداية مسار يمكن أن يخلصها من الملفّ الأكثر حساسية في مشهدها الداخلي، والذي كلّفها عشرات آلاف الضحايا، ومئات مليارات الدولارات، ونسيجًا مجتمعيًا ضعيفًا، وثغرات للتدخل الخارجي.
إعلانبيد أن التجارب التاريخية تؤكد صعوبة القضاء على ظواهر من هذا النوع، لا سيما حين تحظى بدعم خارجي. فما فرص النجاح هذه المرة؟
ثمة عوامل داخلية وخارجية مهمة تساهم في رفع سقف التوقعات من المسار الجديد، في مقدمتها ما سلف تفصيله من سياق إقليمي ودولي يضيّق المساحات على العمال الكردستاني وامتداداته في المنطقة، ولا سيما ما يتعلّق بالدعم الأميركي المباشر لهذا المشروع، وخصوصًا في سوريا.
كما أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان البارزاني ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني الداعمة لنداء أوجلان، وتثمين قيادات قسد له، تشير إلى مناخ إقليمي داعم.
وهناك رضا الدولة التركية، بالحد الأدنى، عن الخطوات التي تمت حتى اللحظة. يتبدى ذلك بدعوة دولت بهتشلي، ودعم أردوغان لها، وترتيب زيارات لعبدالله أوجلان من حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، ولقاء الوفد الزائر مع عدد من الأحزاب السياسية (منها العدالة والتنمية والحركة القومية) ورئاسة البرلمان، والسماح بنقل رسالته في الإعلام.
كما أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية أفقان آلا، وفي أول تعليق رسمي، رحب بالدعوة التي "جوهرها إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي"، مشيرًا إلى أن "تركيا ستتحرر من قيودها" إذا ما تحقق ذلك.
كما أن أوجلان ورغم سِنِيْ سجنه التي تربو على ربع قرن، ما زال يحظى برمزية كبيرة وينظر له حتى اللحظة كزعيم تاريخي وحالي للكردستاني، ما يمنح كلماته مشروعية وتأثيرًا على أتباع الحزب.
ومن المهم الإشارة إلى أن رسالة أوجلان كانت واضحة ومباشرة لا تترك مجالًا للمناورة أو عدة تفسيرات.
كما أن بعض قيادات العمال الكردستاني غيّرت موقفها مؤخرًا من التقليل مما يصدر عن أوجلان بعدِّه "أسيرًا لا يملك قراره"، إلى التأكيد على زعامته وتثمين كلامه.
في المقابل ثمة تحديات عديدة أمام المسار الذي يهدف لحل مشكلة معقدة ومتداخلة داخليًا وخارجيًا وعالقة منذ عقود.
في مقدمة ذلك أن المسار غير واضح المعالم حتى اللحظة، أو بكلام أدق لم يعلن حتى اللحظة ما المطلوب أو المرغوب أو المعروض من الحكومة التركية، مقابل هذا النداء التاريخي. وبالتالي، من الصعب الحكم على آفاق نجاحه.
إعلانالتحدي الآخر يتمثل بالحالة الصحية لدولت بهتشلي، اللاعب المهم وصمام الأمان ومطلق المسار الحالي، حيث يُتداول أن صحته متدهورة إضافة لتقدمه في السن، ما يجعل فكرة غيابه عن المشهد السياسي حاضرة وأسئلة تأثير ذلك على المسار قائمة.
وهناك بالتأكيد التحدي الأكبر المرتبط بمدى استجابة قيادات الكردستاني، ولا سيما في جبال قنديل، للنداء واستحقاقاته.
فرغم بعض التصريحات الإيجابية، فإن توقع الانصياع الكامل سيكون تسرعًا في غير محله، في قضية تمتزج فيها الأيديولوجيا مع السلاح والمال مع النفوذ والقناعات مع الرهان على الخارج، فضلًا عن أن التجارب السابقة تدعو للتفاؤل الحذر بكل الأحوال.
كما أن ارتباط المسار بالتطورات الخارجية، ولا سيما سوريا والعلاقات مع واشنطن، يترك دائمًا هامشًا للمناورة والتغير في حال حصلت تطورات ذات بال متعلقة بها.
ختامًا، رغم أهمية نداء أوجلان كإعلان تاريخي يفتح مرحلة جديدة في المسألة الكردية في تركيا والمنطقة، فإننا ما زلنا في بدايات المسار المرتقب. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه مسار طويل وليس مجرد محطات محددة يمكن أن تنهي الملف بتصريح هنا أو رغبة هناك.
ورغم ذلك، يضع النداء العمال الكردستاني أمام مفترق طرق، فإما أن يلقي السلاح وينتهج العمل السياسي، أو يندفع لصراعات داخلية بين أنصار أوجلان ورافضي دعوته، وإما أن يفقد الكثير من مشروعيته وتأثيره على الطيف الكردي.
وفي كل ذلك، يبدو موقف أنقرة اليوم أقوى بكثير من أي وقت مضى، ومجالات المناورة أمامها أرحب بكثير من السابق، وفرص نجاحها هذه المرة أعلى بمراحل من التجارب السابقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العمال الکردستانی العمل السیاسی حتى اللحظة لا سیما إلى أن کما أن
إقرأ أيضاً:
نداء الموت.. كيف تستخدم إسرائيل صوت كواد كابتر لقتل الفلسطينيين؟
يتفنن العدوان الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو لا يستخدم مسيّرات كواد كابتر لإطلاق الرصاص على الغزيين فقط بل يستخدمها لإطلاق أصوات تستدرجهم إلى الموت.
ووفقا لتقارير، تستخدم إسرائيل طائرات كواد كابتر لإصدار أصوات بكاء الأطفال لدفع الفلسطينيين إلى الخروج من المخيمات لإنقاذهم.
وقد استخدمت المسيرات وكواد كابتر في إصدار أصوات مسجلة مختلفة لخداع ضحاياها: رضيع يبكي، وطفل يصرخ طلبا للمساعدة، لقد استغلوا تعاطف الفلسطينيين وتضامنهم، والذين صمدوا رغم معاناة الحرب التي لا تطاق.
ونشرت القوات الإسرائيلية في غزة طائرات كواد كابتر تشغّل أصوات بكاء الأطفال والنساء المنكوبات، وذلك لجذب الفلسطينيين إلى خارج منازلهم في المناطق المفتوحة حيث يمكن استهدافهم.
وفي تصريحات سابقة أدلت بها مها الحسيني من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن طائرات كواد كابتر إسرائيلية تصدر أصواتا غريبة، بما في ذلك أصوات أطفال أو صراخ نساء.
وأضافت "ذهبت بنفسي إلى مخيم النصيرات وقابلت فلسطينيين عدة على انفراد، وكانت الشهادات متطابقة تقريبا".
أصوات صراخوقالت مها الحسيني إن كواد كابتر كانت تصدر أصوات صراخ نساء لجذب المواطنين من منازلهم وإيجاد من يطلق النار عليهم، وقد أكدت تقارير المستشفى ذلك.
إعلانوأضافت "كانت كواد كابتر تصدر أصوات أطفال وأصوات صراخ نساء".
وقالت أيضا "هناك حالات أصيب فيها أشخاص بعد خروجهم لمعرفة مصدر الصوت لمحاولة المساعدة".
ويتذكر محمد نبهان -وهو أحد سكان النصيرات- سماعه امرأة تصرخ "النجدة" إلى جانب صراخ طفل رضيع، وعندما أدرك أن الصوت صادر عن كواد كابتر حذر ابن عمه قائلا "لا تصدق هذا، إنه نظام صوت".
وسمع أبو أنس الشحرور -وهو أحد الجيران- صرخات الاستغاثة فخرج للمساعدة لكنه أصيب برصاصة في رأسه.
وشملت حوادث أخرى في أنحاء غزة وخان يونس والضفة الغربية المحتلة تسجيلات لطفل يبكي قائلا "أريد أمي" وتهديدات تحذر الفلسطينيين من "الموت" إذا قاوموا.
وقد استخدمت القوات الإسرائيلية كواد كابتر -وهي مسيرات يتم التحكم فيها عن بعد- على نطاق واسع في عدوانها، وقد استخدمت لأغراض المراقبة واستهداف الأفراد وتفريق الحشود.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أفاد شهود عيان بإطلاق مروحيات رباعية النار على مئات المدنيين الذين تجمعوا للحصول على الطعام في شارع الرشيد بمدينة غزة.
كما بثت أنظمة الصوت في الطائرات المسيرة أغاني بالعبرية والعربية وأصوات تحركات الدبابات، وحتى نداءات الباعة المحليين المألوفة.
وقد أثار هذا الأسلوب من الحرب النفسية انتقادات حادة من جماعات حقوق الإنسان.
وتقول الأخصائية النفسية الدكتورة سنابل عاكف الأخرس -في تصريحات خاصة إلى "الجزيرة صحة"- إن سماع أصوات التعذيب يمكن أن يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، حتى إن لم تكن أنت الضحية. فالصوت أو سماع أحد يتعذب قد يجرح ويُرهق ويؤلم، ويضع الشخص في زاوية العجز وانعدام الأمل.
وأضافت: يُعد سماع أصوات تعذيب أشخاص آخرين أو تألمهم أو صراخهم -حتى دون حضور المشهد- تجربة صادمة بشدة تؤثر على الصحة النفسية والعصبية. ويُصنَّف هذا النوع من التعرض كصدمة غير مباشرة أو إجهاد ثانوي ناتج عن الصدمة، وله آثار قصيرة وطويلة الأمد.
إعلانوتشرح الدكتورة سنابل -وهي خريجة طب وايل كورنيل الأميركية وتحمل البورد العربي بالطب النفسي، والتخصص الدقيق في أمراض الذاكرة والنسيان- إنه على المدى القصير تشمل هذه الآثار:
الإصابة بالاكتئاب نتيجة العجز وعدم القدرة على المساعدة في حال استمرار سماع هذه الأصوات حتى في حال معرفة الشخص أنها أصوات مسجلة فقد كانت حقيقية في يوم من الأيام. اضطرابات القلق المعمم ونوبات الهلع، والأكثر هو مرض ما بعد الصدمة والذي يتميز بالكوابيس. استرجاع الحدث أثناء اليقظة (ذكريات اقتحامية). الانفعالات السريعة. الشعور وانتظار الخطر دائما. صعوبة في النوم. تسارع نبض القلب. تسارع التنفس. دخول الجسم في حالة "الكرّ أو الفرّ".أما على المدى الاجتماعي، فتقول الدكتور سنابل إن هذا التعرض لأصوات التعذيب قد يجعل الشخص منعزلا بعيدا وفاقد الثقة بالأشخاص والمؤسسات.
كما تشمل آثار سماع أصوات تعذيب أشخاص آخرين أو تألمهم أو صراخهم:
الهيجان الزائد. أفكار سوداوية. العدوانية. في حالات متقدمة، قد يتطور إلى حالة ذهان وهلوسات وانفصال تام عن الواقع أو الهذيان.وأما على المدى البعيد فإن هذا النوع من الصدمات يؤثر على الدماغ بشكل مباشر:
فرط تنشيط اللوزة الدماغية (Amygdala) المسؤولة عن الخوف وقراءة التهديد والدفاع عن النفس، مما يؤدي إلى ردود فعل خوف مفرطة ومستمرة. تثبيط قشرة الفص الجبهي الأمامي (Prefrontal Cortex) مما يؤدي لضعف القدرة على التفكير المنطقي واتخاذ القرار تحت الضغط، بالإضافة إلى تأثر الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على التركيز. تأثر الحُصين (Hippocampus) وهي منطقة مسؤولة عن الذاكرة طويلة المدى، مما يسبب تشويشًا في الذاكرة والقدرة على التوجه الزمني والمكاني ويعرض الشخص للإصابة بأمراض النسيان مثل الخرف.أما بالنسبة للأطفال فقد يؤدي إلى:
إعلان سلوك عدواني وانسحابي. تبول لا إرادي. خوف مستمر. تأخر في النطق. قد يؤثر بشكل مباشر على نمو الطفل وقدرته على التعلم والتذكر والتركيز وقدرته على التحكم بمشاعره. وعلى المدى البعيد من المحتمل جدا أن يخلف جيلا عدوانيا كل ما يحركه هو الألم الداخلي والغضب. تأثير دائمعندما تنتهي الحرب، من المرجح أن يكون لأصوات كواد كابتر تأثير دائم على السكان، وقد أظهرت دراسات من أفغانستان أن المجتمعات يمكن أن تعاني من صدمة جماعية ردا على الطائرات المسيرة والغارات الجوية.
ويقول جيمس كافالارو المؤلف المشارك بدراسة عن هذا الموضوع في أفغانستان وباكستان "صوت طنين الطائرات المسيرة تذكير مسموع بأنك قد تُقتل في أي لحظة، وهذا له عواقب وخيمة على الصحة النفسية، ومستويات عالية من التوتر، وتسارع في ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، واضطراب ما بعد الصدمة، ونوبات نفسية حادة، وكل هذه العواقب سمعنا عنها".
ويقول بهزاد الأخرس (طبيب نفسي في أحد مخيمات النازحين بغزة) -في تصريحات سابقة لصحيفة غارديان- إن الجميع أصبحوا أكثر وعيا بضجيج "الآلات العسكرية" ويظهرون علامات فرط اليقظة، وهي حالة من الحذر الدائم، وغالبا ما ترتبط باضطراب ما بعد الصدمة.
ويضيف الأخرس "أصبح هذا سلوكا طبيعيا، تتوقع حدوث الشر، من غير الطبيعي أن تعيش بهذه الطريقة، إن العيش في حالة من النجاة ومحاولة الهرب الدائمة يؤثر على شعورنا بالأمان، وهذه الأصوات تُسمع باستمرار في آذاننا، ونعيشها مرارا وتكرارا، ويتعلم الشباب أن لا شيء آمنا ولا شيء مستقرا، لقد تعلموا الهروب -باستمرار- ألا يثقوا بالآخرين، وألا يثقوا بالحياة نفسها".
ويتابع "هذا هو الأمر الأكثر تأثيرا: أصوات القنابل، وأصوات الطائرات الحربية، وأصوات طائرات "إف-16″ نستطيع تمييز الصواريخ من أصواتها".
ويقول الأخرس "في البداية، لم نكن نستطيع النوم، لكننا الآن ننعم بما يمكن تسميته نوما يقظا، فننام ظاهريا، لكننا لا نستطيع الوصول إلى مرحلة النوم العميق بسبب هذه الأصوات".
ووفقا لتقرير صادر عن فريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في أبريل/نيسان 2024، فإن صوت صراخ النساء وبكاء الأطفال قد سمع في وقت متأخر من الليل على مدار يومين، وعندما خرج بعض السكان للتحقق وحاولوا المساعدة تم إطلاق النار عليهم من قبل طائرات مسيرة إسرائيلية.
إعلانويضيف المرصد "كانت الأصوات التي سمعوها في الواقع تسجيلات أصدرتها تلك الطائرات بقصد إجبار سكان المخيم على الخروج إلى الشوارع، حيث يمكن استهدافهم بسهولة من قبل القناصة والأسلحة الأخرى".
الأغاني بالعبرية والعربيةووفقا للشهادات، تضمّن هذا التكتيك أيضا أصوات إطلاق النار على الطرق والانفجارات وتحركات المركبات العسكرية، وأحيانا الأغاني بالعبرية والعربية من أجل ترهيب المدنيين الذين يعيشون وسط ظلام دامس في الليل وانقطاع تام عن العالم الخارجي.
وأفاد أحد سكان المخيم والبالغ 20 عاما -لفريق يوروميد مونيتور- طالبا عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة "كنا نجلس في الليل عندما سمعنا أصوات فتيات ونساء يصرخن: تعالوا، ساعدوني، أنا مصاب. فخرجنا لمعرفة ما كان يحدث، ولكن لم يتم العثور على أي نساء، واستهدفنا بشكل مباشر بواسطة طائرة مسيرة رباعية المراوح".
وأضاف أحد سكان المخيم "هربت إلى الداخل، وأصيب شخصان أمامي مباشرة بجروح خطيرة، وبسبب إطلاق النار المستمر لم نتمكن من علاجهما، لذلك اتصلنا بسيارة إسعاف ووصلت لنقلهما، وسمع العديد من السكان هذه الأصوات واستجابوا لتقديم المساعدة".
وأفادت امرأة تبلغ من العمر 60 عاما بأنها سمعت إطلاق نار كثيف، ثم سمعت صرخات استغاثة من النساء يبلغن السكان بأن أطفالهن مصابون ويتوسلن للمساعدة.
وأضافت "استمر هذا الصوت لمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة، لكن لم يخرج أي منا لأن الوقت كان متأخرا جدا، وكنت أعرف أن هذه تسجيلات تصدرها طائرات".