إضراب متجدّد في سجون البحرين
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
إضراب متجدّد في سجون البحرين
إلى متى يمكن أن يغذي الحراك الشعبي في البحرين نفسه بنفسه ليستمر في الحياة؟
المضربون البحرينيون فاق عددهم 400 معتقل يطالبون بعدم العزل الانفرادي والسماح بزيارات عائلية بدون حواجز زجاجية، ومطالب أخرى صحية وطبية.
الملفت أن التشابهات تكاد تكون متطابقة في العقليتين الأمنيتين في البحرين والكيان الصهيوني، بل تتزامن الإضرابات في السجون بالنَفَس نفسه والصلابة نفسها.
حينما يعتقل الكيان الصهيوني فلسطينياً، يظن أنه يُسكت الغضب في داخله ويسجن القضية خلف قضبانه، وهذا ما يحصل عند العقلية الأمنية في البحرين.
قضية المعتقلين فوق أنها قضية حقوقية ثقيلة على كاهل النظام الحاكم، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيداً أنها باتت رافداً متجدّداً للحراك في خارج السجن.
النظام نفسه يغذّي شرارة الصراع من حيث يريد إسكاته، ويساعد على استمراره من حيث يريد قطعه، ويدفع لتوليد كوادر وطاقات من حيث يريد دفن رجالاته.
* * *
تتناغم الحالة البحرينية مع الحالة الفلسطينية في عدد من الجوانب منها حالة المعتقلين، الكيان الصهيوني حينما يعتقل فلسطينياً فإنه يعتقد أنه يُسكت الغضب في داخله ويسجن القضية خلف قضبانه، وهذا ما يحصل عند العقلية الأمنية في البحرين.
ومن الملفت أن المسألة لا تقف عند التشابهات التي تكاد أن تكون متطابقة في العقليتين الأمنيتين، بل تتزامن الإضرابات في السجون بالنَفَس نفسه والصلابة نفسها.
المضربون البحرينيون الذين فاق عددهم 400 معتقل، يعانون من نقص في أساسيات حقوقهم، حيث يطالبون بعدم الاحتجاز الانفرادي، والسماح بالزيارات العائلية بدون حواجز زجاجية، فضلاً عن المطالب الكثيرة في الشقّ الصحي والطبي.
ولهذا كان الإضراب المفتوح عن الطعام والذي بدأ في السابع من آب/أغسطس الجاري، إذ أطلق المضربون رسائلهم عبر صوتيات مسرّبة من داخل السجن شارحين أوضاعهم وعمق صعوبتها، وللأسف فإن التشابه بين الحالة البحرينية والفلسطينية لا تكمن فقط في العقلية الأمنية، أو صلابة الضحايا، بل حتى في شكل التعاطي الدولي مع قضية الشعبين.
فواشنطن تعلم جيداً بالإضراب، وقد أكد ذلك نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، أن واشنطن على علم بالتقارير المتعلقة بالإضراب عن الطعام الذي يقوم به معتقلون داخل السجون البحرينية منذ 7 أغسطس الجاري، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية.
وصرّح بأنهم "قلقون بشأن الإضراب عن الطعام في مركز الإصلاح وإعادة التأهيل. وقد أثرنا قضايا حقوق الإنسان مع المسؤولين البحرينيين، بما في ذلك خلال اجتماع الوزير بلينكن في العشرين من تموز/يوليو الماضي مع وزير خارجية البحرين".
هذا التصريح الذي جاء على لسان المسؤول الأميركي يوم الخميس 17 آب/أغسطس، لم يكن الأول لمسؤول أميركي بشأن البحرين ولن يكون الأخير، ورغم أن واشنطن تستطيع بسهولة الضغط على المنامة بشأن الإصلاحات الحقوقية في السجون، إلا أنها لا تفعل.
البحرينيون مدركون تمام الإدراك سبب هذه المراوحة لحلفاء النظام البحريني، أهم تلك الأسباب أن الأخير يقف على نقيض من شعبه في موقفه من القضية الفلسطينية، والتي تمثّل مبدأً صلباً عند عموم الشعب، فيما يمثّل التطبيع مع الكيان المؤقت مشروعاً متصاعداً عند النظام.
وهذا السبب وغيره من الأسباب بات مألوفاً ومعروفاً للجميع، ألا أن ما يصعّب الأمر أمام النظام هو التغذية الاجتماعية من قبل المعتقلين إلى عموم الناس، وهذه المعادلة العكسية التي دأب المعتقلون على رسمها، جعلت من العسير قتل روح قضيتهم وإن كانت اليد الأمنية تسيطر على الشوارع.
فقضية المعتقلين فوق أنها قضية حقوقية ثقيلة على كاهل النظام الحاكم، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيداً أنها باتت رافداً متجدّداً للحراك في خارج السجن، وتؤدي عوائل المعتقلين دوراً أساسياً في زجر هذا الأوار التي يُراد له أن ينخمد يوماً بعد يوم.
لكنّ ثمة تساؤلاً يثار من قبل جهات عديدة منها شعبية أو محايدة، ألا وهو: إلى متى يمكن أن يغذي الحراك الشعبي في البحرين نفسه بنفسه ليستمر في الحياة؟
السؤال يحتاج إلى تؤدة في القراءة من حيث أنه مُركّب من خلطة تاريخية واجتماعية تترجم في حراك سياسي، وهذه الخلطة لم تصنعها لحظة فبراير 2011 حيث بداية ما عُرف بــ "الثورة الشعبية"، بل هو قديم بقدم الصراع الموجود على هذه الأرض.
ومما يلفت، أن النظام البحريني نفسه يغذّي شرارة مثل هذا الصراع من حيث يريد أن يُسكته، ويساعد على استمراره من حيث يريد أن يقطعه، ويدفع إلى توليد كوادر وطاقات من حيث يريد أن يدفن رجالاته.
فالتهجير والسجن والسحل كلها لم ترسم معادلتها المراد لها أن تكون، رغم أن كل تلك الإجراءات بمباركة غربية بنحو أو آخر، ولعل القراءة الناقصة للساحة في البحرين أحد تلك العوامل التي تعطي تصوّرات خاطئة على أثرها يتخذ أصحاب القرار خطوات غير مدروسة. ورغم عدم نفي الآثار السلبية على الحراك من جراء القبضة الأمنية وتوابعها العديدة، إلا أن ثمارها لم تؤتَ كما خُطط لها.
ولعل هذا يذكّرنا بالتداعيات التي جرت في 1923 حينما عُزل عيسى بن علي بسبب عدد من الأخطاء التي قام بها، مستقوياً بالبريطانيين، والبريطانيون أنفسهم هم من عزلوه.
هذه الأحداث كانت تتدرّج في تخمير نتائجها عبر تراكم عقود من ظلم عيسى بن علي الذي قمع البحرينيين المطالبين بالإصلاحات والقوانين، حينها لم تكن بريطانيا في صف الإصلاحات وفرض القانون إلا من باب حفظ مصالحها، وأينما دارت مصالح الدول الكبرى دارت بوصلة ضغوطهم، سواء كان في الفوضى أو التهدئة.
وهل مثل تلك النتائج قد تُعاد بطريقة مختلفة تتناسب مع تطوّر الأحداث واختلاف نوعية النفوذ الغربي، وهذا التساؤل ليس له علاقة بمطلب فصيل من المعارضة بإسقاط النظام، فالحديث عن دوران الرحى لا يعني تزكية عمل سياسيّ بعينه.
*عباس الجمري كاتب وباحث بحريني
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: البحرين الحراك سجون البحرين النظام البحريني إضراب عن الطعام الإصلاحات قمع من حیث یرید فی البحرین إلا أن
إقرأ أيضاً:
ماذا يريد مسلمو كندا من رئيس الوزراء كارني؟
كالغاري- بعد أجواء انتخابية مشحونة وساخنة، حقق الحزب الليبرالي الكندي بزعامة مارك كارني نصرا في الانتخابات البرلمانية الفدرالية، التي جرت أمس الاثنين، متقدما على حزب المحافظين، ليواصل بهذا الفوز تشكيل الحكومة وقيادة البلاد للمرة الرابعة على التوالي.
ونظرا إلى أن الفرز النهائي للصناديق لم يكتمل، تشير التوقعات إلى أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة أقلية إلى حين إعلان النتائج النهاية، وقال كارني عقب إعلان الفوز إن حكومته ستمثل جميع الكنديين دون استثناء، داعيا إلى وضع حد للانقسام والغضب الذي شهدته البلاد الفترة الماضية.
أما حزب المحافظين الذي استغل صعوبة الوضع الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة، فتقدم في بعض المقاطعات وحقق المركز الثاني بفارق ضئيل عن الليبرالي، لكنه فشل في قلب الموازين لصالحه لتشكيل حكومة يقود من خلالها البلاد.
#عاجل | زعيم حزب الليبراليين مارك كارني يعلن فوزه في الانتخابات العامة في #كندا pic.twitter.com/ycCPS54uZF
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 29, 2025
انتظاراتفي المقابل، أعلن حزب الديمقراطي الجديد خسارته حيث لم يتقدم إلا في 8 دوائر انتخابية، وهو عدد أقل من المطلوب ليحافظ على مكانته داخل البرلمان.
إعلانوكانت مراكز الاقتراع في كندا فتحت أبوابها، صباح أمس، لاستقبال الناخبين للإدلاء بأصواتهم واستكمال عمليات الاقتراع لانتخاب البرلمان الفدرالي المكون من 343 مقعدا، الذي سيشكل من خلاله الحزب الفائز بأغلبية المقاعد الحكومة القادمة.
الجزيرة نت تجولت في مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا، في 3 مراكز انتخابية، وحاورت عددا من الناخبين مسلمين وأجانب حول المعايير والأولويات التي اتخذوها بعين الاعتبار عند اختيار مرشحهم للبرلمان، وماذا يتطلعون من الحاكم القادم.
في مركز الاقتراع الأول بالشمال الشرقي للمدينة، قال المواطن طارق الشرواني للجزيرة نت إنه يطالب الحاكم الذي سيقود البلاد بأن يقيّم الأمور بنفسه وباستقلالية دون الاعتماد على الولايات المتحدة، وبالرد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالطريقة ذاتها التي تعامل بها مع كندا.
وأضاف الشرواني أنه يعيش في كندا منذ 25 عاما، ولا يريد أن تكون تابعة للولايات المتحدة، مبديا فخره بجنسيته الكندية، وقال إن صوته ذهب للسياسين الذين يسعون للتقليل من الاعتماد على أميركا، وإن "بلاده تمتلك موارد طبيعية أكثر منهم ولا تحتاج لتوصيات منهم".
خلال الحملات الانتخابية، تصدرت الملفات الاقتصادية كأزمة السكن وارتفاع تكاليف المعيشة وإدارة الهجرة، محاور النقاش، إلا أن تصريحات ترامب حول ضم كندا للولايات المتحدة وفرض ضرائب جمركية عليها أعادت ترتيب أولويات الأحزاب المتنافسة، ليجد الناخب نفسه أمام تساؤلات: من الحزب القادر على إعادة بناء الاقتصاد الكندي والتعامل بحكمة وذكاء مع واشنطن والسياسة الخارجية للبلاد؟
انتقلت الجزيرة نت إلى مركز اقتراع "نيلسون مانديلا" في الشمال الشرقي للمدينة، والتقت المواطن الكندي من أصول عربية عبد العزيز الوادية، الذي توقع من رئيس الوزراء القادم أن يكون قائدا لكل الكنديين ولا يكون عنصريا ومعاديا للمسلمين والعرب والفلسطينيين بشكل خاص.
إعلانواتفق الوادية مع الشرواني بأنه على الحاكم الجديد أن يكون "ندا" للرئيس الأميركي ويقابله بالقرارات نفسها المتعلقة بالضرائب، وأن يصر على استقلال كندا ويقف ضد مخططات ضمها، مضيفا أنه منح صوته للحزب الليبرالي بحكم اعتداله في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأكد عدم منحه صوته وعائلته لمن يعلن عداءه الصريح للقضية الفلسطينية والمسلمين ويدعم حرب الإبادة في قطاع غزة.
في حديث للجزيرة نت، اعتبر رئيس المجلس الفلسطيني في كالغاري رياض أبو سالم (47 عاما) أن رئيس الحزب الليبرالي مارك كارني أقدر على مواجهة التحديات الاقتصادية وإصلاحها بحكم خبراته سابقا والمناصب التي تقلدها، وأوضح أنهم يتطلعون إلى تحسين الوضع المعيشي ومواجهة سياسات ترامب تجاه كندا.
وبرأيه، فإن رئيس حزب المحافظين "يتحدث دائما عن المشاكل ومكامن الخلل دون أن يمتلك حلولا أو خططا لمواجهتها".
الانتخابات وغزةوعن معايير اختيار مرشحه، قال أبو سالم إن "الحزب الليبرالي الذي سمح لنا بالتظاهر ضد حرب الإبادة في غزة، ورفع صوتنا عاليا في الساحات العامة دعما لحقوقنا وقضيتنا الفلسطينية، وفتح الباب لإجلاء عائلات من غزة إلى كندا ولم شملهم وتقديم الدعم المالي لهم، يستحق أن نمنحه صوتنا، كما أنه يحترم الحريات الدينية والثقافية ويسمح ببناء المساجد والمراكز الإسلامية رغم إخفاقه في عدد من الملفات".
بدوره، أكد مفتي المسلمين في مقاطعة ألبرتا الشيخ جمال حمود أن جميع المواطنين في كندا يتطلعون إلى حياة أفضل، وضرورة أن يكون دور الحاكم الجديد هو تحسين الأوضاع الاقتصادية بالدرجة الأولى ومن ثم معالجة المشاكل السياسية والخارجية خاصة مع واشنطن، ويرى أن الحزب الليبرالي هو "الأقدر والأقوى لمواجهة وإحباط سياسات ترامب بحق كندا".
أما عن الأولويات التي وضعها عند اختياره مرشحه، أوضح حمود للجزيرة نت أن القضية الفلسطينية خط أحمر لكل مسلم ولا يمكن تجاوزه، معتقدا بوجود قواسم مشتركة بين حزب المحافظين وتطلعات الإدارة الأميركية الخارجية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة والأمة الإسلامية عامة.
وأضاف "كان لزاما علينا أن ندعو لوقف هذه التطلعات من خلال انتخاب الحزب الليبرالي، الذي إن لم يكن لديه أهداف يحققها للشعب الفلسطيني، على الأقل لن يضر به".
وتحظى الانتخابات الفدرالية هذا العام بزخم كبير، إذ إنها لن تحدد قيادة سياسية فقط بل سترسم سياسات ومستقبل المرحلة المقبلة، ومدى قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية والحفاظ على استقلالها وسيادتها في ظل التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي بحق كندا.
إعلان