مياه أوهريد في ألبانيا تخفي آثار أقدم قرية محاذية لبحيرة في أوروبا
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
بينما تحتاج الدراسات العلمية وعمليات التنقيب سنوات عدة لتتوصّل إلى نتائج، كشفت المياه الألبانية لبحيرة أوهريد سرًا مهمًا، إذ تخفي بقايا أقدم قرية محاذية لبحيرة جرى اكتشافها حتى اليوم في أوروبا.
وأجرى مختبر تابع لجامعة برن السويسرية أخيرًا تأريخًا بالكربون المشع لعينات استُخرجت من هذا الموقع المكتشف قبالة سواحل شبه جزيرة لين الصغيرة، بيّنت نتائجها أن الموقع يعود لفترة تراوح بين العامين 6000 و5800 قبل الميلاد.
ويقول عالم الآثار ومدير الأبحاث في جامعة برن ألبرت هافنر، في حديث إلى وكالة فرانس برس، «على حد علمنا، إنّ القرية المحاذية لبحيرة لين هي الأقدم في أوروبا، فهي أقدم بمئات السنين من مناطق مماثلة اكتُشفت حتى اليوم» في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة جبال الألب.
ويشارك هذا الأستاذ منذ أربع سنوات في إدارة عمل فريق من علماء الآثار الألبان والسويسريين يقومون بأعمال تنقيب في المياه الزمردية لبحيرة أوهريد التي تتشاركها ألبانيا مع مقدونيا الشمالية وتشكل أقدم بحيرة في أوروبا فيما أدرجتها اليونسكو على قائمتها للتراث العالمي.
ويقول هافنر «في شمال جبال الألب، تعود أقدم المواقع إلى نحو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، أما المواقع المحاذية لبحيرات الألب الإيطالية، فيرجع تاريخها إلى قرابة 5 آلاف عام قبل الميلاد».
وكانت هذه القرى تضم منازل مثبتة فوق ركائز، فوق سطح الماء أو في مناطق تغمرها المياه.
وتشير التقديرات الأولى إلى أنّ القرية المحاذية للبحيرة في منطقة البلقان قد يكون أقام فيها -في الماضي- بين 200 إلى 500 شخص.
وبمساعدة غواصين محترفين، يواصل علماء الآثار التناوب على النزول إلى قاع البحيرة لاستخراج بقايا متحجرة، بينها خصوصًا قطع من خشب البلوط.
ويُفترض أن يتيح تحليل لحلقات نمو هذه الجذوع بواسطة أسلوب التأريخ الشجري، الحصول على «معلومات قيّمة عن الظروف المناخية والبيئية» آنذاك وعن الحياة اليومية لسكان هذه القرية، بحسب عالم الآثار أدريان أناستاسي الذي يترأس فريق الباحثين الألبان. ويقول هافنر «إنّ البلوط بمثابة ساعة سويسرية، وهو دقيق جدًا كالرزنامة».
ويوضح أناستاسي «لفهم تكوين هذا الموقع من دون المس به، نتقدّم في عملنا ببطء وحذر»، مع العلم أنّ الغطاء النباتي الكثيف لا يسهّل هذه الأعمال.
ويضيف «إنّ بناء قريتهم على ركائز متينة اتّسم بالتعقيد (...) ومن المهم أن نفهم سبب اختيار هؤلاء الأشخاص لهذا النوع من الهندسة المعمارية».
ويُفترض أن الزراعة وتربية المواشي كانتا المهنتين الرئيسيتين لهؤلاء القرويين.
ويقول الأستاذ الألباني إلير جيبالي الموكَل إليه إجراء فرز أوّلي للمواد المُستخرجة من قاع البحيرة «وجدنا أنواعًا كثيرة من البذور والنباتات وعظام حيوانات مفترسة وأليفة».
وتوفّر كل عملية نزول إلى قاع البحيرة معلومات قيّمة لإعادة ابتكار الهندسة المعمارية للمساكن والتوصّل إلى تفاصيل حياة القرويين الذين قد يتبيّن أنهم من بين أوائل السكان المستقرين في القارة الأوروبية، بحسب أناستاسي.
وفي عملية غوص أجراها أخيرًا الباحث ألباني في علم الآثار تحت الماء كريستي أناستاسي، عُثر على كمية كبيرة من المواد الأثرية والسيراميك وبقايا أدوات من الصوان على عمق أربعة أمتار.
وتُرسَل عيّنات من ركائز مطمورة في قاع البحيرة ومواد عضوية أخرى باستمرار إلى مختبرات جامعية في برن لتحليلها.
واكتشف علماء الآثار أن القرية ربما كانت محصّنة.
ويشير هؤلاء إلى أنّ عدد الركائز المطمورة في قاع البحيرة يُقدَّر بنحو مئة ألف، ما يشكّل «كنزًا فعليًا للبحوث»، بحسب هافنر الذي يلفت إلى أنّ الأبحاث في الموقع قد تستغرق عشرين سنة أخرى.
ويقول «لحماية أنفسهم تعيّن عليهم قطع أشجار الغابة. لكن ممّن يحمون أنفسهم؟ يصعب على علماء الآثار الحصول على إجابة واضحة على هذا التساؤل».
ويضيف «إنها مواقع رئيسية من عصور ما قبل التاريخ، ولا تنطوي على أهمية للمنطقة فقط بل لجنوب غرب أوروبا برمّته».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: علماء الآثار فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
اكتشاف أصول أقدم كتابة في العالم!
العراق – كشفت دراسة جديدة أن أقدم نظام معروف للكتابة في العالم قد تأثر بالرموز المستخدمة في التجارة، وهي عبارة عن نقوش وجدت على أسطوانات استخدمت في تبادل المنتجات الزراعية والمنسوجات.
ويعزز هذا الاكتشاف فكرة مقترحة في بحث سابق تقول إن الخط المسماري الذي تم تطويره في أوائل بلاد ما بين النهرين نحو 3100 قبل الميلاد ويُعتقد أنه أقدم نظام للكتابة، نشأ جزئيا من طرق المحاسبة لتتبع إنتاج وتخزين ونقل هذه المواد.
ووفقا للعلماء، فقد تم تطوير العديد من الرموز المحفورة على الأختام الأسطوانية الحجرية إلى علامات مستخدمة في “الكتابة المسمارية الأولية”، وهي نسخة مبكرة من الكتابة المسمارية المستخدمة في جنوب بلاد ما بين النهرين، جنوب العراق حاليا.
وركزت الدراسة على “الوركاء” (أو “أوروك”)، وهي مدينة تاريخية في جنوب العراق، والتي كانت مركزا مهما للثقافة والتجارة منذ نحو 6000 عام.
وتم اختراع الأختام الأسطوانية المصنوعة من الحجر في هذه المنطقة. وكما يوحي اسمها فإن هذه الأختام كانت تأخذ شكل أسطوانة صغيرة يمكن لفها على ألواح من الطين الرطب، ما يترك نقوشا واضحة على الطين. ثم تُترك الألواح لتجف وتصبح مثل “وثائق” تحمل توقيعا أو علامة من الشخص الذي يمتلك الختم.
ومنذ عام 4400 قبل الميلاد فصاعدا، تم استخدام هذه الأختام كجزء من نظام المحاسبة لتتبع إنتاج وتخزين وحركة المنتجات الزراعية والنسيجية.
ووجد العلماء أن العديد من الرموز التي كانت تُنقش على الأختام الأسطوانية تطورت لاحقا إلى رموز الكتابة المسمارية الأولية، وهي شكل مبكر من الكتابة التي ظهرت بعد نحو 1000 عام. وهذا يظهر أن الكتابة المسمارية الأولية ربما نشأت جزئيا من الرموز المستخدمة في التجارة والمحاسبة.
وقام فريق من جامعة بولونيا الإيطالية بمقارنة زخارف الأختام الأسطوانية بالرموز المسمارية البدائية ووجدوا أن هناك رابطا مباشرا بين الاثنين.
وكشف التحليل أن الزخارف المتعلقة بنقل الجرار والقماش تحولت في نهاية المطاف إلى علامات مسمارية بدائية، ما يظهر لأول مرة وجود استمرارية بين الاثنين.
على سبيل المثال، هناك أوجه تشابه مذهلة بين النقوش على الأختام الأسطوانية التي تصور الأوعية (الحاويات التي كانت تُستخدم في العصور القديمة لحفظ وتخزين المواد المختلفة مثل الطعام، الماء، أو الزيت) والأقمشة ذات الحواف (الملابس أو المنسوجات)، والرموز المسمارية البدائية اللاحقة لنفس الشيء.
ويثبت الاكتشاف أن الزخارف المعروفة من الأختام الأسطوانية مرتبطة بشكل مباشر بتطور الكتابة في جنوب العراق، ويعطي رؤى جديدة مهمة في تطور أنظمة الرموز والكتابة، كما قال العلماء.
وكانت زخارف الأختام الأسطوانية تستخدم بانتظام بين 4400-3400 قبل الميلاد. وبالمقارنة، اخترع المصريون القدماء الهيروغليفية نحو 3250 قبل الميلاد.
نشرت نتائج هذه الدراسة مفصلة في مجلة Antiquity.
المصدر: ديلي ميل