ماذا لو جرت الانتخابات الإسرائيلية اليوم؟
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
قد يعتقد البعض أن التعاطي مع هذا السؤال سابق لأوانه؛ فحكومة بنيامين نتنياهو، رغم ما تواجهه من مناكفات داخلية بين الأحزاب الشريكة فيها، أو داخل معسكرات حزب الليكود نفسه، ستصمد حتى نهاية فترة ولايتها الحالية.
وقد يفترض البعض الآخر أن مشاركة الأحزاب العربية التقليدية ستكون مسألة خلافية، إذا ما أُخضعت برامجها ومواقف قياديّيها لاشتراطات القوانين الإسرائيلية الجديدة، الرامية إلى “تعقيم” تلك المواقف وإفراغها من المضامين السياسية التاريخية، كما نصت عليها دساتير تلك الأحزاب وبرامجها الانتخابية المعلنة.
في هذه الحالة ستواجه جميع هذه الأحزاب عائقا “دستوريا” غير مسبوق، من شأنه أن يفضي إلى استحالة مشاركتها في العملية الانتخابية المقبلة، أو منعها من المشاركة فيها؛ ولن يسعفها، هذه المرة، التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية التي تواجه، هي نفسها، حملة ضارية وعلنية من قبل بنيامين نتنياهو وحزبه وسائر أحزاب ائتلافه، حيث بات وجودها ودورها التقليدي مهددين، وسقوطها في أحضان القوى اليمينية الجديدة، كسقوط سائر أجهزة النظام القديم ومؤسساته، أقرب إلى الواقع.
قد يفرح دعاة مقاطعة الانتخابات الإسرائيلية من نشوء هذه الحالة، لكنني لست منهم ولا مثلهم؛ فأنا يشغلني هذا الهاجس على خلفية التداعيات الحاصلة في منطقتنا، وداخل إسرائيل بداية؛ لاسيّما بعد أن اكتسبت فكرة تهجير الفلسطينيين “شرعية” واسعة، لا بسبب ما أعلنته إدارة الرئيس دونالد ترامب إزاءها وحسب؛ بل بسبب شيوعها وتقبلها من قبل أكثرية أفراد المجتمع الإسرائيلي وشرائحه، وقناعتهم بأن تهجير الفلسطينيين ممكن، وأن التخلص منهم سيريح إسرائيل إلى الأبد، وسيؤمن نجاتها، خاصة بعد أن أثبت هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 أن السلام والتعايش مع الفلسطينيين، أمران مستحيلان، كما تؤمن تلك الأكثرية.
هنالك بين الفلسطينيين من يستخفّ بهذه المخاوف، ولا أعرف ما هي ضماناتهم؛ وهناك من يأخذها على محمل الجد والقلق، لكنهم يعِدون الله والأرض وشعبهم بالصمود وبمقاومة تلك المشاريع مهما كانت الأثمان التي سيدفعونها ومهما عظمت التضحيات، ولهم في تجربة الحرب الجارية على غزة وعلى الضفة الغربية المحتلة برهان وفي صمودهم إعلان: بأن لا نزوح عن الوطن ولا هجرة ولا تهجير.
لا يمكن التنبؤ كيف ستنتهي الأحداث الجارية ولا كيف ستكون الحالة الفلسطينية بعدها. فحماس تدير معركتها حول مصيرها ومكانتها في غزة وفق مصالحها السياسية، ورؤاها الحركية الخاصة، ويبدو أنها تؤثر أن تفعل ذلك بالتنسيق مع بعض القوى الإقليمية والدولية، وليس من خلال أي إطار وحدوي فلسطيني جامع؛ بينما تواجه سائر الفصائل الفلسطينية المنتظمة تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية حالة من الالتباس والضعف، أدت عمليا إلى استقواء البعض على المنظمة نفسها، حتى بات وجودها مهددا وتقويض دورها في رسم مستقبل القضية الفلسطينية محتملا.
لسنا، نحن المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل، في منأى عما يحصل في العالم وحولنا وداخل إسرائيل أيضا، ولا في مأمن من تداعياته؛ فوفق المنطق التهجيري الذي تتبناه حكومة نتنياهو، وتجسده ممارسات جيشها في غزة وفي مناطق واسعة في الضفة الغربية، لا يجوز لنا أن نفترض أننا خارج قواعد هذا المنطق، ولا أن نفترض أن مصممي الاستراتيجية الإسرائيلية لا يرون بوجودنا، مليوني مواطن فلسطيني “مُعاديا” داخل دولتهم، عائقا أمام تحقيق “حقهم” بالعيش في دولة يهودية “نقية” من واجبها أن تؤمّن لمواطنيها اليهود الأمن في حيّزات خالية من المخاطر التي يسببها وجود الأغيار/ العرب بينهم.
لا أقول ذلك من باب التهويل أو الترهيب، كما سيّدعي البعض؛ فمن يتابع تصريحات بعض الوزراء وأعضاء الكنيست وعدد من المسؤولين في الأجهزة الحكومية والأمنية، يسمع ويعرف أن جميعهم يؤمنون بضرورة إيجاد “حل جذري” لمشكلة وجود العرب المعادين داخل الدولة؛ ويكفي أن نتذكر، كمثال على نواياهم، اقتراح رفع السيادة الاسرائيلية عن منطقة المثلث، وإلحاق سكانه العرب بالأردن، أو أن نتذكر تهديدنا شبه اليومي بأن من لا يثبت بشكل قاطع ولاءه للدولة، ويقبل بجميع قوانينها فليرحل إلى غزة أو لأي دولة عربية أخرى. لم تكتف هذه الحكومة بإطلاق تحذيراتها وتهديداتها للمواطنين العرب، بل شرعت باتخاذ خطوات فعلية باتجاه تنفيذ ما تعلنه وملاحقة المواطنين العرب، والتضييق عليهم، مستندة في اجراءاتها القمعية إلى منظومة قوانين جديدة تستهدف تحجيم هوامش حريتهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
لقد اشتدت حملات التنكيل والقمع والملاحقة بعد السابع من أكتوبر، فبدأ آلاف العمال والموظفين والمهنيين يواجهون أوامر طردهم من العمل، أو تقديمهم إلى القضاء بتهم التحريض والمس بأمن الدولة بسبب تعبيرهم عن رأيهم إزاء ما يجري مع الفلسطينيين وتضامنهم الانساني البديهي مع شقاء الناس هناك.
لقد قرأنا في الأسبوعين الأخيرين عن عيّنات من هذه الحالات، كانت من بينها قضية الفنان الساخر نضال بدارنة، الذي منعته الشرطة الإسرائيلية من تقديم عروضه على المسرح، ثم قامت باعتقاله والتحقيق معه قبل الإفراج عنه، وكذلك قضية اعتقال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فادي أبو يونس والتحقيق معه، وقضية اعتقال الصحافي سعيد حسنين.
تزامنت هذه الاعتقالات مع حملات تحريض مبرمجة ضد عدد من القيادات السياسية والمؤسسات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني ومعظمها مستهدفة ومهددة بالملاحقة القضائية وبالقصاص. لقد أصدر “مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية” مؤخرا من حيفا ورقة أعدتها الباحثة غادة مجادلة، تحت عنوان “أصوات مكتومة وفضاءات معسكرة: الأطباء الفلسطينيون في المستشفيات الاسرائيلية بعد السابع من أكتوبر”، استعرضت فيها واقع هذه الشريحة في ضوء “حوادث ملاحقة الأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية أثناء الحرب على غزة. وقد تواترت تقارير عديدة عن طرد فلسطينيين من أماكن عملهم في إسرائيل بسبب التعبير عن تضامنهم مع ضحايا غزة، من خلال اعتباره “دعما للإرهاب” وهو ما يمكن استخدامه ذريعة للفصل عن العمل”.لن أرهق القراء بتفاصيل الورقة وبمضامينها القيّمة، فخلاصتها ببضع كلمات جاءت على لسان معدّتها “أن نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي يشكّل جزءا لا يتجزأ من بُنى الدولة، ولا يمكن اعتباره من وجهة نظر سياسية فضاء محايدا”.
لقد اشتدت حملات التنكيل والقمع والملاحقة بعد السابع من أكتوبر، فبدأ آلاف العمال والموظفين والمهنيين يواجهون أوامر طردهم من العمل، أو تقديمهم إلى القضاء بتهم التحريض والمس بأمن الدولة بسبب تعبيرهم عن رأيهم
احتوت الورقة شرحا مفصلا ومعطيات مقلقة عن حالة الأطباء والعاملين الفلسطينيين في جهاز الرعاية الصحية الاسرائيلي، وهي الحالة التي تنطبق، برأيي، على جميع قطاعات العمل والمرافق التشغيلية، حيث يخضع فيها المواطن الفلسطيني لضغوطات تفرزها الفضاءات المجندة قوميا والمعسكرة ذهنيا وغير المحايدة، فنحن نواجه “مرحلة أخرى من التصعيد الخطير والفاشي”، كما وصفها محمد بركة رئيس “اللجنة العليا لمتابعة قضايا الجماهير العربية”، في منشور شامل وضعه على صفحته قبل ثلاثة أيام، وأشار فيه إلى رزمة من إفرازات هذا التصعيد الخطير والفاشي ومظاهر الملاحقات وتضييق الخناق، ودور المؤسسات القضائية فيه ووسائل الإعلام المجندة وتواطؤ المؤسسة الرسمية وأعوانها مع ظاهرة الجريمة وعصاباتها.
لقد دعا محمد بركة في منشوره “إلى تعزيز الوحدة الوطنية والاجتماعية وإلى العمل المشترك والبناء في كل مجالات حياتنا” وأشار إلى ضرورة “العمل في الشارع الاسرائيلي السياسي والإعلاني والشعبي لتجنيد أوسع الأوساط الممكنة (في واقع صعب للغاية)، وإلى التحرك على المستوى الدولي لمنع الاستفراد بنا من خلال حكومة ترى في مجرد وجودنا مشكلة”.
لن يختلف اثنان على ضرورة العمل وفق ما عدّه محمد بركة كضرورات من أجل “منع الاستفراد بنا، من خلال حكومة ترى في مجرد وجودنا مشكلة”؛ فتعزيز الوحدة الوطنية والاجتماعية، وضرورة العمل في الشارع الإسرائيلي السياسي والإعلاني، والتحرك على المستوى الدولي هي المبادئ التي تعلمنا أهمية أن يضمنها المظلوم إلى جانبه في صراعه مع الظالم، وهي في حالتنا الراهنة، إذا أردنا أن نقف ونصمد في وجه الفاشية والفاشيين، ضرورات بحاجة إلى ترجمات فعلية وفورية على أرض الواقع؛ وهي في الوقت نفسه مبادئ أساسية للعمل السياسي، لكنها بحاجة إلى تصريف وتجسيد من خلال إيجاد الأطر السليمة وبناء الجبهة السياسية المناسبة، رغم صعوبة الواقع الشديدة، كي لا نفيق ونكتشف أن الانتخابات للبرلمان الاسرائيلي ستجري غدا، وأن سفن “العودة” قد جهزتها حكومة إسرائيل الرعناء في مرافئ الأمل! ويبقى السؤال ماذا لو ستجري الانتخابات غدا؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الانتخابات الوحدة إسرائيل الانتخابات الوحدة التهجير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من أکتوبر من خلال
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تدرس تمديد المرحلة الأولى من اتفاق غزة.. ماذا سيحدث يوم الجمعة؟
قال مسؤولون إسرائيليون إن تل أبيب تدرس تمديد وقف إطلاق النار المستمر منذ 42 يومًا في غزة، وذلك في إطار سعيها لإعادة المحتجزين الباقين وعددهم 63، بينما ستعمل على تأجيل الاتفاق على مستقبل القطاع في الوقت الحالي، بحسب ما نشرته وكالة «رويترز».
ومن المقرر أن تنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، والذي توصلت إليه مصر وقطر والولايات المتحدة، يوم السبت المقبل، بعد جهود استمرت أشهر، ولا يزال من غير الواضح ما الذي سيتبعه.
ماذا سيحدث بحلول يوم الجمعة؟وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شارين هاسكس، عندما سُئلت عما إذا كان من الممكن تمديد وقف إطلاق النار دون بدء محادثات بشأن المرحلة الثانية التي ستشمل قضايا صعبة مثل نهائية الحرب والحكم المستقبلي في غزة، وقالت «نحن حذرون للغاية».
وأضافت: «لم يكن هناك اتفاق محدد بشأن ذلك، ولكن قد يكون ذلك ممكنًا، لم نغلق خيار استمرار وقف إطلاق النار الحالي، ولكن في مقابل إطلاق سراح محتجزينا».
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الجمعة (أي بعد يومين)، يتوقع المسؤولون في إسرائيل إما العودة إلى القتال أو تجميد الوضع الحالي، بحيث تستمر الهدنة ولكن المحتجزين لن يعودوا وقد تمنع إسرائيل كعاتها دخول المساعدات إلى غزة، وفقًا لـ«رويترز».
عدم انخراط إسرائيل وحماس في مفاوضات المرحلة الثانيةوقال مسؤولان شاركا في مفاوضات وقف إطلاق النار، إن إسرائيل وحركة حماس لم تنخرطا بعد في مفاوضات لإبرام اتفاق بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار والتي سيتعين عليها سد فجوات واسعة بين الجانبين حتى يتم الانتهاء منها.
ومن المتوقع أن يصل ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، خلال أيام لمواصلة مناقشات المرحلة الثانية، ولكن يجب الإشارة، إلى أن «ويتكوف» كان من المقرر أن يزور إسرائيل والمنطقة غدًا الأربعاء، ولكن تم تأجيلها عدة أيام، بحسب موقع «أكسيوس» الأمريكي.