الـعــرب .. من يهن يسهل الهوان عليه
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
أحمد الشريف
كنا نعتقد أن الموقف اليمني الثابت والشجاع في مواجهة ثلاثي الشر العالمي أمريكا وبريطانيا وإسرائيل سينعكس إيجاباً على مواقف الحكام العرب ويخرجهم من دائرة الذل والخوف التي حشروا أنفسهم بداخلها ويكون قدوة لهم لكن مع الأسف الشديد فلم يحرك فيهم ساكناً.
ولذلك كم هو محزن أن يصل إذلال الحكام العرب وهوانهم على شعوبهم وعلى أنفسهم من قبل الإدارة الأمريكية لدرجة أن منعهم دونالد ترامب من عقد قمتهم العربية التي كانت مصر قد دعت لانعقادها يوم السابع والعشرين من شهر فبراير الجاري وكانت أهميتها تكمن بأنها ستناقش مسألة دعوة ترامب لتهجير الفلسطينيين من أرضهم وعزم أمريكا على تملك قطاع غزة حسب ما جاء في تصريحات ترامب وتسليم الضفة الغربية لإسرائيل وربما من خلال هذه القمة لو توافرت لها الظروف لانعقادها كان سيتم التوافق بين الحكام العرب لاتخاذ موقف موحد حتى لو في شكل إصدار بيان دفاعا عن الحق العربي ليس في فلسطين فحسب وإنما في كل البلدان العربية التي تتعرض للتهديد والغزو كما حدث في سوريا مع أن الفرصة متاحة ومهيأة أكثر من أي وقت مضى للدفاع عن قضايا الأمة والاستقلال بقرارها السياسي بعيداً عن التأثير الخارجي، لكن كما سبق وأشرنا في تناولات سابقة فإن معظم الحكام العرب إن لم يكونوا كلهم عليهم ملفات مهددون بها وهي من تكبلهم وتجعلهم يبتلعون ألسنتهم عن قول كلمة الحق خشية من أن يتم فتحها فينفضحون أمام شعوبهم ولذلك فإنهم يؤثرون السلامة على حساب قضاياهم والتنازل عنها ولم يستفيدوا من شجاعة حكام دول صغيرة وضعيفة استطاعوا أن يقفوا في وجه الغطرسة الأمريكية ويتحدونها بل وطلبوا منها سحب قواعدها العسكرية من أراضيهم بعد أن تخلصوا من الحكام العملاء الذين كانوا يدورون في الفلك الأمريكي وما حدث في عدد من الدول في إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية رغم فقرها يعد انموذجا يمكن أن يحتذى به فهم لم يخضعوا للإرادة الأمريكية وأجبروها صاغرة على القبول بتنفيذ مطالبهم.
أما في العالم العربي فيكفيهم الدرس البليغ الذي قدمه لهم اليمن المعتدى عليه والمحاصر مُنذ عشرة أعوام وكيف استطاع بما يمتلكه من إرادة حرة أن يواجه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل عسكريا في وقت واحد ويجبرها على سحب بوارجها ومدمراتها من البحر الأحمر وكان صاحب آخر طلقة وجهت إلى قلب يافا المسماة إسرائيليا تل أبيب قبل إبرام الاتفاق بين المقاومة الفلسطينية ممثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبين الكيان الصهيوني حيث يتم تنفيذ مرحلته الأولى بشروط المقاومة ومن ثم الدخول في المرحلة الثانية التي ستكفل الوقف الكامل لإطلاق النار، ومن المفارقات أنه يتم التفاوض مع حركة حماس كدولة بعد أن كان المجرم نتنياهو وقيادته العسكرية يهددون منذ ما يقارب عام ونصف العام بالقضاء عليها نهائيا ومسحها من على وجه الأرض حسب زعمهم ولكن تشاء إرادة الله إلا أن تحقق المقاومة انتصارا تاريخيا رغم ما تعرض له قطاع غزة من خراب ودمار وإبادة جماعية خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وهذا النصر المبين الذي تحقق على أيدي المقاومة في غزة وجنوب لبنان على جيش الكيان الصهيوني المدعوم من ثمانية عشرة دولة عسكريا وماديا مما جعل الحرب على المقاومة حرب عالمية قد أزعج الحكام العرب وجعلهم أقزاما حيث ضاقوا به أكثر مما ضاق به العدو الصهيوني نفسه وقد اعترف الرئيس الأمريكي السابق بايدن بأن إدارته لم تكتف بالدعم العسكري والمادي لإسرائيل وإنما أرسلت قوات عسكرية أمريكية لتقاتل إلى جانب الجيش الصهيوني.
ومع أن الدروس والعبر التي مرّت بها الأمة العربية في تاريخها الحديث ممثلة في حكامها وشعوبها كثيرة جدا إلا أنها لم تستفد منها لتخرج من عنق الزجاجة التي حشرت نفسها فيها بقدر ما أظهرتها أمام الأمم الأخرى بأنها أمة عاجزة عن التفكير ولا تستطيع الدفاع عن قضاياها في وقت يستأسد فيه كل نظام عربي على الآخركما يحدث اليوم من عدوان على اليمن وسوريا والعراق وخلاف شديد بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تحالفت ضد اليمن باستثناء سلطنة عمان الشقيقة؛ وهذا مالا نتمناه أن يستمر لاسيما وأن الضعف قد أصاب العرب جميعاً ولا يجب أن نحمّله للغير من الدول الكبرى سواءً كانت الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها وذلك لسبب بسيط وهو أن مبعث وسبب هذا الضعف والهوان هم الحكام ومواقف الشعوب السلبية لأنهم لم يدركوا حقيقة ما يجري لهم وليس عندهم بعد نظر لما سيأتي، وأناس هكذا حالهم لا يستحقون أن يكونوا حكاماً أو أن يشكلون شعوباً.
ولا ندري لم هذا الهوان الذي فرضه العرب على أنفسهم مع أنهم يمتلكون كل أسباب القوة وكل مؤهلات ومقومات التحوّل لصالحهم من خلال ما حباهم الله من ثروة اقتصادية لو تم توظيفها لصالح قضايا الشعوب العربية لاستطاعوا أن ينافسوا الدول الكبرى بالإضافة إلى موقعهم الجغرافي المتميز المتحكّم في مداخل البحار كما أنه يجمعهم دين واحد ولغة واحدة وهي ميزة يتفردون بها ولا تتوافر لأي أمة أخرى غيرهم، وكما هو الحال بالنسبة للدول الكبرى التي تعمل على رعاية وخدمة مصالحها؛ فمن حق الدول الصغيرة أن تقوم بنفس الدور لأن ذلك حق من حقوقها القانونية وليس من حق أحد أن يمنعها كما فعل الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرا عندما منع الحكام العرب من عقد قمتهم الخاصة بقضية فلسطين ولم يكتف بذلك فحسب وإنما يريد أن يفرض نفسه وصيا على العالم ولم يبقي لنفسه لا صديق ولا عدو إلا ووقف ضده ووجه إليه تهديده في محاولة منه لفرض إرادته عليه، ولنا في التاريخ عبرة حيث نجد دولاً صغيرة استطاعت بقوتها وفرض إرادتها أن تتحكّم في مصائر دول كبرى ذات مساحات شاسعة واستعمرتها لمئات السنين حتى انتفضت تلك الشعوب وتحرّرت من الهيمنة الاستعمارية، لكن لأن الروح الانهزامية قد طغت على كل شيء عند العرب فقد أصبحوا عاجزين عن حل مشاكلهم حتى مع أنفسهم في إطار المجتمع الواحد وتفرغوا لمحاربة بعضهم البعض؛ فكيف بالدفاع عن قضاياهم ضد الدول الأخرى وخاصة قضيتهم الأولى والمركزية فلسطين، وعليه فإن أطماع الآخرين فيهم ستزداد وإن كانت تختلف في أهميتها من فترة إلى أخرى نظراً لما يشهده العالم اليوم من متغيّرات متسارعة وتطورات اقتصادية وتكنولوجية، إضافة إلى الدور الذي يلعبه الأعداء بتعميق الانقسامات في العالم العربي بحجة أن هذا النظام معتدل قابل للتطبيع مع إسرائيل وذاك ممانع، وهي كذبة كبيرة صدّقها العرب وربطوها بأنفسهم بدليل إن سوريا التي ارتبط بها مصطلح الممانعة قد سقطت بسهولة في أحضان أمريكا وتركيا وإسرائيل ولم يستطع جيشها العربي المؤمن بعقيدته البعثية التقدمية أن يدافع عن مدينة سورية واحدة ويمنع سقوطها في أيدي المتطرفين حتى لعدة ساعات وعليه ومن الله العوض.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الحکام العرب
إقرأ أيضاً:
الرسوم الأمريكية تربك اقتصاد المنطقة العربية.. من الخاسر الأكبر؟
أطلقت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، تحذيرات من التداعيات السلبية للرسوم الجمركية الجديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكدت أن السياسات قد تهدد صادرات غير نفطية عربية تقدر بنحو 22 مليار دولار سنويا، الأمر الذي يُنذر بتحديات اقتصادية متزايدة لعدد من الدول في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن العلاقات التجارية بين الدول العربية والولايات المتحدة شهدت تحولات جوهرية خلال العقد الأخير، حيث انخفضت الصادرات العربية إلى السوق الأمريكية من 91 مليار دولار في عام 2013 إلى 48 مليار دولار فقط في 2024.
ويعزى هذا التراجع أساساً إلى انخفاض واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات البترولية، ومع ذلك، فإن الصادرات غير النفطية شهدت تحسناً نسبياً، إذ ارتفعت من 14 مليار دولار إلى 22 مليار دولار خلال الفترة نفسها، ما يعكس توجهاً نحو التنويع الاقتصادي في بعض الدول العربية.
وبات الاتجاه مهدداً اليوم، حيث أن الرسوم الجديدة، التي استهدفت قطاعات حيوية مثل الألمنيوم والكيماويات والمنسوجات، تهدد صادرات دول مثل الأردن، البحرين، مصر، المغرب، لبنان وتونس.
الخاسر الأكبر
ويعد الأردن من أكثر الدول تأثراً، حيث تشكل صادراته إلى الولايات المتحدة ربع إجمالي صادراته العالمية، أما البحرين فتعتمد بدرجة كبيرة على السوق الأمريكية، خصوصًا في صادرات الألمنيوم، ما يجعلها عرضة لاهتزازات اقتصادية عنيفة.
سلّط التقرير الضوء على المخاطر التي تواجهها دولة الإمارات العربية المتحدة، لا سيما في قطاع إعادة التصدير الذي تبلغ قيمته نحو 10 مليارات دولار، ويعود ذلك إلى خضوع السلع المعاد تصديرها لرسوم مرتفعة إذا كانت من مصادر شملتها التعريفات الأميركية الجديدة.
وتتزامن التحديات مع ضغوط اقتصادية إضافية تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط، أما الدول العربية متوسطة الدخل مثل مصر والمغرب وتونس، فهي معرضة أيضاً لأعباء مالية إضافية بسبب ارتفاع عائدات السندات السيادية.
وقدرت الإسكوا أن هذه الدول ستتحمل فوائد إضافية تصل إلى 114 مليون دولار في عام 2025، وهو ما قد ينعكس سلبًا على الإنفاق التنموي والاجتماعي فيها.
وأشار تقرير الإسكوا إلى بعض الفرص الممكنة، أبرزها إمكانية استفادة دول عربية مثل مصر والمغرب من إعادة توجيه سلاسل الإمداد العالمية، خاصة مع تعرض منافسين آسيويين مثل الصين والهند لرسوم أمريكية مرتفعة، لكن تعليق واشنطن لتطبيق بعض الرسوم لمدة 90 يوماً على معظم الدول – باستثناء الصين – قد يقلل من هذه الفرص.
واختتمت الإسكوا تقريرها بتوصيات تدعو إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، عبر الإسراع في تنفيذ اتفاقيات مثل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والاتحاد الجمركي الخليجي، واتفاقية أغادير. كما شددت على أهمية تطوير البنية التحتية اللوجستية وتعزيز مرونة سوق العمل، لضمان اندماج أفضل في سلاسل القيمة العالمية.
وقالت الأمينة التنفيذية للإسكوا، رولا دشتي، إن العالم العربي "يقف عند مفترق طرق اقتصادي حاسم"، مؤكدة أن الأزمة الحالية قد تشكل فرصة لإعادة هيكلة الاقتصادات العربية بشكل أكثر تنوعاً ومرونة.