الخليج الجديد:
2025-01-29@00:19:52 GMT

حول التنوير وإخفاقات النهضة العربية

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

حول التنوير وإخفاقات النهضة العربية

حول التنوير وإخفاقات النهضة العربية

لماذا نجح مشروع النهضة الغربي وفشل مشروع اليقظة العربية؟

لماذا حقق عصر الأنوار الأوروبي أهدافه وتقدم بثبات جاعلاً أوروبا مركزاً العالم وفشل التنوير العربي؟

لم يكن التنوير العربي نتاج تراكم تاريخي، بل مشروع وافد من الغرب وصدى لتحولات أوروبية كبرى وتعبير عن ضحالة الفكر وأداؤه عاجز عن المبادرة والإبداع.

مكمن الداء وضع عناصر النهضة، بمواجهة بعضها عنصر نهضوي ملحّ بمواجهة عنصر نهضوي آخر ملحّ، الحرية بمواجهة التنمية والعدالة، العدالة الاجتماعية بمواجهة الحرية.

تزامنت حركة الانبعاث العربي مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية، وغياب الطبقة الوسطى بصعود الاقتصاد الأوروبي واكتساح منتجاته الرخيصة وكساد الصناعة شرق المتوسط.

كانت مواقف حركة التنوير العربي مرتبكة، تجاه عنصري النهضة: الحرية والعدالة. بدلاً من ربط الحرية والعدالة معاً في برنامج سياسي واحد، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل وضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تشابك وتعارض مع بعضهما.

* * *

نستخدم معنى التنوير في هذا الحديث، بمفهومه التاريخي المعاصر، المرتبط بالانبعاث العربي، الذي بدأت طلائعه منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وقد بدأت جذوره، بدعوات التسامح الديني، وقبول قوانين التطور، واحترام الرأي والرأي الآخر، ومع أننا نميّزه عن عصر الأنوار الأوروبي، وأدبيات الدولة الحديثة، التي عبّرت عنها أفكار روسو ولوك ومونتيسكيو، لكن أي محاولة للفصل بين منظومة أفكارهما، تبدو تعسفية.

ارتبط عصر الأنوار الأوروبي، بالمرحلة الرومانسية التي بشرت بجملة من الأفكار، جسدتها لاحقاً الثورتان، الفرنسية والإنجليزية. وقد شملت تلك الأفكار، مختلف الأنشطة الفكرية والثقافية والفنية والإبداعية بأوروبا، وعبّرت عن ذاتها بأشكال مختلفة، رمزية وسيريالية وتجريدية وواقعية، تبعاً لطبيعة المرحلة، ولمساحات الحرية المتاحة، وأيضاً بمستوى النمو الاجتماعي والسياسي، والمناخات التي سادت في حقبة الانتقال نحو الثورة الصناعية، وما سبقها من كشوف جغرافية.

بالوطن العربي، بدأ عصر التنوير، أثناء مقارعة السيطرة العثمانية. وجاء في شكل مناداة بالوحدة وإزالة الفروق بين المذاهب الإسلامية، وتحرير العقل من الخرافات والأوهام، ودعم العقائد بالأدلة والبراهين، والتخلص من قيود التقليد وفتح أبواب الاجتهاد، ومناهضة الاستبداد.

وكان المشرق العربي، قد شهد منذ بداية القرن التاسع عشر، بروز حركة أدبية وفكرية وسياسية واسعة وجمعيات علمية. ومنذ ذلك الحين، توالت الصحف في الصدور.

كما برزت اتجاهات اجتماعية ودعوات فكرية إلى التحديث، وتغليب للمشاريع الوطنية، بديلاً عن الانتماءات الفئوية، عبرت عنها دعوة رفاعة الطهطاوي إلى أن يكون الوطن «مكان سعادتنا العامة التي تُبنى من خلال الحرية والفكر والمصنع».

اعتبر الكواكبي العرب أمة واحدة، ورأى أن الأمة قد يجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين وحقوق مشتركة، وأن اللغة العربية هي الرابطة الأولى بين العرب. وقد تماهت هذه الرؤية، في بعض جوانبها، مع بروز الدولة القومية، بالقارة الأوروبية، التي كانت بدايتها على الصعيد العملي، بألمانيا مع بسمارك.

وهكذا يمكن القول، إن التنوير العربي أسهم في انبعاث الوطنية الحديثة، التي تغلغلت فيها الآراء الغربية في الوطن والحرية والدولة الحديثة والعلاقات التعاقدية. وقد زاوجت حركة التنوير، بين الإعجاب بالتراث العربي الإسلامي والتأكيد على صلة العروبة بالإسلام، والافتتان بالفكر السياسي الحديث.

والسؤال الذي بواجهنا باستمرار هو لماذا حقق عصر الأنوار الأوروبي أهدافه، واستمر يتقدم بثبات، جاعلاً من القارة الأوروبية مركزاً للعالم، في حين فشل التنوير العربي. بمعنى آخر، لماذا نجح مشروع النهضة الغربي، وفشل مشروع اليقظة العربية؟

لقد تزامنت حركة الانبعاث العربي المعاصرة، مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية، وغياب الطبقة المتوسطة بفعل الصعود الكاسح للاقتصاد الأوروبي، وتدمير الصناعات الحرفية في حوض المتوسط بسبب توافد المنتجات الأوروبية رخيصة السعر للأسواق المحلية، واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى تراجع أهمية عدد من الموانئ العربية، التي كان لها دور في رفد اقتصادات مصر وبلاد الشام.

لم تتمكن حركة الانبعاث، من مواصلة مهمتها التاريخية. فمن جهة شعرت، نتيجة لارتباطها العميق، بالثقافة التقليدية بخطر التغريب كمدمر حقيقي لقيمها الحضارية، ومن جهة أخرى غمرها شعور بالحاجة للتحديث.

وهكذا حاولت المواءمة بينهما. وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات، كبعث اللغة وتكييفها تكييفاً جديداً منسجماً مع متطلبات التجديد الثقافي والتقانة، وإيقاظ الروح النقدية، لكن بنيتها الفكرية والاجتماعية والثقافية، لم تسعفها في تحقيق ما هو أكثر من ذلك.

يضاف إلى ذلك، أن اليقظة العربية، جاءت بعد انقطاع طويل لنهضة الأمة. ذلك يعني أن التنوير العربي، لم يكن نتاج صيرورة وتراكم تاريخي، بل مشروعاً وافداً من الغرب. ولذلك بات صدى واهناً لتحولات كبرى بالمجتمعات الأوروبية. فكان أداؤه وجهاً آخر، للعجز عن المبادرة والإبداع، وتعبيراً عن ضحالة الفكر.

وكانت مواقف حركة التنوير مرتبكة، تجاه عنصري النهضة، الحرية والعدالة. فبدلاً من ربطهما معاً في برنامج سياسي واحد، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل ووضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تشابك وتعارض مع بعضهما.

مكمن الداء إذاً، هو وضع عناصر النهضة، في مواجهة بعضها. عنصر نهضوي ملحّ في مواجهة عنصر نهضوي آخر ملحّ، الحرية في مواجهة التنمية والعدالة، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الحرية، في متتاليات أقرب للميكانيكا، وليس لنظرية الدورة التاريخية.

*د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحرية العدالة التنمية فی مواجهة

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: هذه التحديات التي واجهها ترامب في الأسبوع الأول

قالت صحيفة واشنطن بوست إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمضى أسبوعه الأول في منصبه بإصدار سيل من القرارات، إذ عفا عن أنصاره الذين اعتدوا على الشرطة واقتحموا مقر الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، وألغى التصاريح الأمنية لمنتقديه وطرح مقترحات مثيرة مثل إلغاء الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ.

وأضافت في تقريرها أن كل ذلك لا يعدو أن يكون جزءا من خطة لبدء ولايته الثانية بضجة كبيرة، وتبنِّي مخطط سياسات مفصلة واتباع تنظيم أفضل مما انتهجه في ولايته الرئاسية الأولى قبل 8 سنوات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوموند: ما يحدث في الضفة يكشف نوايا إسرائيل على المدى البعيدlist 2 of 2ستراتفور: "المياه والدم لا يختلطان".. توجس من حروب مياه بجنوب آسياend of list

ووفق التقرير -بقلم كبير مراسلي البيت الأبيض إسحاق أرنسدورف ومراسلة البيانات في فريق السياسة كلارا مورس- فقد قال أحد كبار المستشارين أن ترامب كان سعيدا بأدائه في الأسبوع الأول، لا سيما بعد موافقة الكونغرس على تثبيت مرشحه بيت هيغسيث في منصب وزير الدفاع.

وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية بتنفيذ أكثر من 40 وعدا في اليوم الأول لتوليه المنصب، حتى يُظهر لأنصاره أنه يعني ما يقول، وفق واشنطن بوست، وقال ترامب يوم الاثنين إنه رفض النصيحة بتوزيع الإجراءات التنفيذية على مدار الأسبوع الأول، وأصر على توقيع 26 إجراء في يوم التنصيب.

إعلان تحديات

بيد أن الصحيفة ترى أن تطلعات ترامب التي أفصح عنها في الساعات الأولى من توليه منصبه، لم تتحقق في بعض النواحي، بما في ذلك إخفاقه حتى الآن في ملء الشواغر في الوظائف الرئيسية لإدارته الجديدة، وفي الطعون القضائية في الأوامر التنفيذية التي استعصت على التدقيق القانوني، والتوجيهات التي لم يكن لها أثر فوري.

ونقلت عن 3 أشخاص على اطلاع بالوضع -تحدثوا إليها شريطة عدم الكشف عن هوياتهم- أن بعض الهيئات الحكومية الفدرالية تعمل بأقل من ثلث قوتها، بقيادة فرق من الموظفين الذين عينوا مؤقتا  للبدء في وضع أسس جدول أعمال الرئيس، بينما ينتظر مرشحوه المصادقة من مجلس الشيوخ.

كما أصدر قاض فدرالي يوم الخميس أمرا تقييديا لمدة أسبوعين يمنع ترامب من المضي قدما في محاولة إنهاء حق المواطنة بالميلاد.

ووفقا للصحيفة، فإن الإعداد المكثف للسياسات الجديدة لم يمنع الطعون القانونية، ويرجع أحد الأسباب في ذلك إلى أنها لم تخضع لعملية صنع السياسات التقليدية، والتي تتضمن عادة مدخلات من مختلف دوائر السلطة التنفيذية، بما في ذلك رأي المستشار القانوني للدولة.

على أن البيت الأبيض لا يرى بالضرورة أن الطعون القانونية بمثابة انتكاسة، طبقا للصحيفة التي تعتقد أن العديد من توجيهات ترامب المبكرة لم يكن لها تأثير فوري، بل استدعت مراجعات من شأنها أن تسفر عن تغييرات في وقت لاحق.

مشروع 2025

وذكرت الصحيفة أن العديد من الإجراءات تقاطعت مع التحضيرات التفصيلية التي قامت بها مراكز الدراسات اليمينية، بما في ذلك مخطط السياسة العامة المسمى "مشروع 2025".

ومن بين 52 توجيها رئاسيا (باستثناء قرارات العفو والتعيينات) التي وقعها ترامب بحلول يوم الجمعة، اتسم 28 منها بلغة تشبه بعض النصوص الواردة في مشروع 2025، وفقا لتحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست.

وتشمل تلك التوجيهات الانسحاب من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ. كما ألغى ترامب أمرا تنفيذيا أصدرته إدارة الرئيس السابق جو بايدن بإنشاء مجلس استشاري يركز على التنوع الاجتماعي، وأمرا تنفيذيا آخر صدر عام 1965 بشأن التمييز في التعاقدات تم تحديده في مشروع 2025.

إعلان

ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب ومستشاريه طالما تنصلوا من مشروع 2025 خلال الحملة الانتخابية خصوصا بعد أن استهدفه الديمقراطيون.

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية: الموقف العربي رافض لتصفية القضية الفلسطينية
  • الشيباني يرحب بالخطوة الإيجابية التي بادر بها الاتحاد الأوروبي بتعليق العقوبات المفروضة على سوريا لمدة عام واحد
  • صندوق النقد العربي: انخفاض في النطاق المستهدف لسعر الصرف بالدول العربية في 2024
  • من الجامعة العربية.. دعوة للعمل الجماعي لمواجهة تحديات حقوق الإنسان في الوطن العربي
  • واشنطن بوست: هذه التحديات التي واجهها ترامب في الأسبوع الأول
  • منظمة النهضة العربية: المجتمع الدولي مطالب بوقف جرائم إسرائيل في غزة
  • منظمة النهضة العربية: المجتمع الدولي مطالب بتدابير حازمة لوقف مجازر غزة
  • الإتحاد البرلماني العربي يُدين التدخّل الأوروبي في الشأن الجزائري
  • الجامعة العربية والبرلمان العربي يدينان استهداف المستشفى السعودي في الفاشر
  • الاتحاد الأوروبي يدين "الاعتقالات التعسفية"الأخيرة التي نفذها الحوثيون بحق موظفي الأمم المتحدة باليمن