مع نيويورك تايمز.. اكتب مقالًا ولا تُجرِ حوارًا
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
في يوم 24 فبراير/ شباط 2025، نُسب إلى الدكتور موسى أبو مرزوق، القيادي الكبير في حركة حماس، تصريحات في مقابلة صحفية نشرتها نيويورك تايمز، ادّعت أنه قال إنه لم يكن ليدعم هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لو علم الدمار الذي سيجلبه على غزة. كما ذكرت أيضًا على لسانه أن هناك استعدادًا في حماس لإجراء مفاوضات بشأن مستقبل سلاح الحركة في غزة.
في اليوم نفسه، أعلنت حركة حماس أن ما نُشر في تلك المقابلة غير صحيح، وأنه تم اجتزاؤه وإخراجه من سياقه. كما أفادت بأن التصريحات لم تعكس المضمون الكامل للإجابات، وتم تحريفها بطريقة لا تخدم المعنى الحقيقي للمحتوى الذي قُدم في المقابلة.
وسواء كانت التصريحات صحيحة أو كاملة أو مجتزأة، فإن كثيرًا من الناس يفوتهم خطورتها، إذ ينبغي أن نعلم أولًا أن صحيفة مثل نيويورك تايمز عندما تنشر مثل هذه المقالات، فإنها تفعل ذلك لأهداف وأجندات محددة.
وسأوضح لماذا تكتبها، وكيف تخدم بها الأجندة الصهيونية التي تعمل لها. وقد تكررت حالات اشتكى فيها مسؤولون وقياديون فلسطينيون من اجتزاء أو تحريف مقابلة أجروها، ولذلك ينبغي التأكيد على أهمية الحذر من تكرار الحديث مع صحف تعمل باستمرار ضد القضية الفلسطينية، وضد المقاومة.
إعلانالنقطة الأخرى أن هذه الصحف لا تكتفي بإيراد تصريح قيادي مهم، بل تأتي بشخص آخر أقل أهمية لتأكيد ما قاله الشخص المهم بطريقة غير مباشرة. ففي هذه المقالة، أضافت الصحيفة تصريحات لشخص آخر لتعزز ما أوردته على لسان السيد موسى أبو مرزوق.
وقد حدث الأمر نفسه العام الماضي في الصحيفة نفسها، عندما زعمت أن شخصًا له علاقة بالمقاومة في غزة، أكّد مصداقية وثيقة ادّعى الإسرائيليون أنهم وجدوها على كمبيوتر في غزة. تلك الوثيقة كانت جزءًا من حملة دعائية إسرائيلية لإدانة المقاومة، والتحريض ضد بعض المؤسسات في تركيا عبر ربطها بأشخاص معينين.
نتيجة لذلك، تم اتخاذ قرارات خطيرة، شملت وقف تمويل بعض المؤسسات، ومصادرة حسابات مصرفية، وإغلاق أخرى.
بمعنى آخر، هذه المقالات ليست مجرد تقارير صحفية، بل هي أدوات تُستخدم للدفع إلى تبني سياسات كارثية، ما يستوجب الحذر الشديد عند التعامل مع المنصات الإعلامية التي تنشرها.
يجب أن ندرك أن هذه الصحف لا تجري مقابلات مع قيادات المقاومة الفلسطينية اقتناعًا بآرائهم أو تعاطفًا معهم، بل لأن إجراءاتهم التحريرية تلزمهم بتأكيد أي تصريح أو دعم أو وثيقة أشار إليها المقال، بتصريحات شخصية أو أكثر من القريبين للحركة، وإذا شارك هؤلاء فإنهم يخدمون من حيث لا يعلمون أجندة تلك الصحيفة التي قد تسبب أذى كبيرًا.
ولذلك، فمن يردْ توصيل رسالته بلا اجتزاء أو تحريف، فعليه أن يكتبها في صورة مقالة رأي، ويضع فيها كل أفكاره، وسيجد كثيرًا من الصحف تنشرها دون خدمة للأجندة الصهيونية.
والنصيحة الدائمة هي الامتناع عن الحديث إلى الإعلام العالمي الذي يخدم الأجندات الصهيونية والإمبريالية، وعلى رأس ذلك صحف مثل نيويورك تايمز، أو الواشنطن بوست، وأمثالهما. ومن أراد الحديث للإعلام الغربي، فهناك منصات موثوقة مساندة للقضية الفلسطينية، ستسعد بنشر مقالات من شخصيات فلسطينية وازنة.
إعلانعودة إلى السؤال عن ماهية أجندة نيويورك تايمز والأذى الذي تتسبب فيه مثل هذه التصريحات والمقالات.. في كثير من الأحيان يكون هناك خلاف بين أصحاب القرار والنخب في أميركا أو داخل الكيان الصهيوني حول سياسات معينة، مثل:
هل يتم اجتياح رفح؟ هل يُسمح باستمرار احتلال ممر فيلادلفيا؟ هل يجب العودة إلى الحرب لتحقيق الأهداف الإسرائيلية بالقوة العسكرية والحرب التدميرية الشاملة بدلًا من التسويات السياسية؟ هل يجب الإصرار على نزع سلاح حماس والمقاومة في أي مفاوضات؟في مثل هذه الحالات، عندما لا يكون هناك إجماع أو أغلبية واضحة لتبني سياسة معينة، يلجأ أحد الأطراف إلى مثل هذه التصريحات الإعلامية لترجيح كفة سياسة على أخرى.
في هذا المقال، أراد طرف صهيوني متشدد، تبرير العودة إلى الحرب وتحقيق الأهداف عبر الضغط العسكري، بدلًا من الاتجاه نحو الحلول السياسية، وهذا بالطبع يخدم أجندة معسكر نتنياهو.
بمعنى آخر، الهدف من هذه المقالات، سواء كانت صحيحة أم محرفة، هي أن يستخدمها طرف داخل البيت الأبيض، أو في مجلس الأمن القومي الأميركي، أو داخل الكونغرس، للقول إن الضغط العسكري سبب انشقاقًا أو خلافًا بين قيادات حركة حماس، ولذلك يجب العودة إلى تلك السياسة؛ لأنها كانت فعالة، وسببت أزمة وندمًا داخل المجالس السياسية وبين الشخصيات الوازنة داخل الحركة.
هذا هو الدور الذي تلعبه مثل هذه الصحف والمنصات الإعلامية، وهي ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها مثل هذه الأساليب ضد المقاومة الفلسطينية، فقد استُخدمت سابقًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وضد السلطة الفلسطينية؛ لتمرير وتبرير سياسات كارثية.
ما الضرر في هذه التصريحات؟الضرر هو أنها قد تدفع إدارة ترامب للسماح لنتنياهو بالعودة إلى الحرب، لأن الضغط العسكري له تأثير على صنّاع القرار داخل الحركة.
إعلانقد يستبعد البعض ذلك، ويظن أن فيه مبالغة، لكنه للأسف الشديد ليس كذلك. خبرتي في أميركا لعقود، وقربي من بعض دوائر صنع القرار في وقت من الأوقات، علمتني كيف يتم استخدام وسائل الإعلام لتغليب سياسة على أخرى، خاصة عند وجود خلافات بين أصحاب القرار، وهناك الكثير من الأدلة على ذلك لن أخوض فيها الآن.
الأمر ليس بالسهل كما يظن البعض. فالإعلام، وخصوصًا مثل هذه المنصات، ليس جهة محايدة، بل هو أداة تستخدمها أطراف ضد أخرى لتمرير سياسات، وخصوصًا في الأوقات التي لا توجد فيها معارضات كبيرة. ولعل الجميع يتفق معي، في أن مثل هذه التصريحات يمكن أن تستخدم لإقناع المعسكر الداعم للتهدئة بأن الخيار العسكري هو الأفضل، وسيكون هذا سيئًا علينا وعلى غزة وأهلها.
نصيحتي لكل الشخصيات الفلسطينية الوطنية، التي يمكن استخدام تصريحاتها في تبرير سياسات ضارة بالقضية الفلسطينية، أن تتوقف تمامًا عن الحديث لهذه الصحف التي ستستخدم كلامهم لصالح الأجندة الصهيونية.
إذا كانت هناك إرادة لتوصيل رأي محدد لأصحاب القرار أو النخب الغربية، فالأفضل أن يكون ذلك عبر مقال رأي يتم نشره كاملًا، بدون تحريف أو اجتزاء، في أي من هذه الصحف.
أما البرامج التلفزيونية والمنصات الإعلامية الغربية، خصوصًا الأميركية، فيجب ألا يتم الحديث فيها إلا إذا كانت المشاركة مباشرة (Live)، حتى لا يتم التلاعبُ بالكلام أو اجتزاؤُه لخدمة الأجندة الصهيونية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات هذه التصریحات نیویورک تایمز هذه الصحف مثل هذه
إقرأ أيضاً:
الاتحاد تعيد نشر حوار موسع كانت أجرته مع البابا فرنسيس
أعلن الفاتيكان، اليوم الاثنين، وفاة البابا فرنسيس، عن 88 عاما. وكانت صحيفة "الاتحاد" قد نشرت حوارا موسعا مع البابا فرنسيس أجراه سعادة الدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لمركز الأخبار في شبكة أبوظبي للإعلام.
وكانت المقابلة أول حوار صحفي شرق أوسطي لقداسته منذ توليه سدة الحبرية البابوية، والأول أيضاً عقب خروجه من المستشفى وإجرائه عملية جراحية ناجحة.
وأعرب قداسة البابا فرنسيس، في الحوار، عن تقديره العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، ودورها في نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش بالمنطقة والعالم، معتبراً أن عظمة أي بلد في العالم لا تقاس بالثروة فحسب، بل بدوره الملموس في نشر قيم السلام والأخوة والتعايش والدفاع عنها.
كما أعرب قداسته عن تقديره الكبير لالتزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بدعم الجهود الدولية من أجل السلام والتسامح، معلقاً على ذلك بقوله: «إن الاستثمار في الثقافة يعزّز انحسارَ الحقد ويسهم في نموَّ الحضارة والازدهار».
وقال قداسته: «أقدّر كثيراً التزام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمكافحة الأمراض في جميع أنحاء العالم، ونشر مبادئ (وثيقة الأخوة الإنسانية) من خلال مبادرات ملموسة تهدف إلى تحسين حياة المحرومين والمرضى. وإنني ممتن لسموه ولالتزام الإمارات بتحويل تعاليم الوثيقة إلى أعمال ملموسة... فالخير يجب أن يكون عالمياً، لأن الأخوة عالمية بطبيعتها».
ووصف قداسته، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأنه مثال رائع للقائد بعيد النظر الذي بنى وطنه على التسامح والتعايش والتعليم والشباب، مؤكداً أن أبناءه يسيرون على نهجه ذاته.
واستذكر قداسته زيارته التاريخية لأبوظبي حيث وقع مع فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وثيقة الأخوة الإنسانية، بالقول: «أتذكر بفرح وامتنان كبيرين رحلتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 والترحيب الحار الذي تلقيته.. لقد تأثرت بشدة بالكرم والود الذي منحني إياه بلدكم العزيز»، مضيفاً «قلت في خطابي بأبوظبي: (أرى في بلدكم أنه لا يتمّ الاستثمار في استخراج موارد الأرض وحسب، بل أيضاً موارد القلب، أي في تربية الشبيبة)».
وردا على سؤال عن تقييم قداسته للجهود المبذولة لنشر قيم التسامح والأخوة الإنسانية، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك؟، قال البابا فرنسيس:
** تبدأ الوثيقة بهذه الجملة الجوهرية، والتي هي أساس الوثيقة بأكملها: «يحملُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى في الآخَر أخاً له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه.. وانطلاقاً من الإيمان بالله الذي خَلَقَ الناسَ جميعاً وخَلَقَ الكونَ والخلائقَ وساوَى بينَهم برحمتِه، فإنَّ المؤمنَ مَدعُوٌّ للتعبيرِ عن هذه الأُخوَّةِ الإنسانيَّةِ بالاعتناءِ بالخَلِيقةِ وبالكَوْنِ كُلِّه، وبتقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسانٍ، لا سيَّما الضُّعفاءِ منهم والأشخاصِ الأكثرِ حاجَةً وعَوَزاً»..
بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نكرم الله، أي باعتبار أنفسنا إخوة وأخوات ليس بالأقوال ولكن بالأفعال وبالأعمال الخيرية، خاصة تجاه إخواننا وأخواتنا المحتاجين والفقراء.
من السهل التحدث عن الأخوة، ولكن المقياس الحقيقي للأخوة هو ما نفعله حقاً وبطريقة ملموسة لتقديم المساعدة والدعم والمؤازرة والعون والإطعام والترحيب بإخوتي وأخواتي في الإنسانية.
إن كل خير بطبيعته يجب أن يوجه للجميع من دون تفرقة. إذا فعلتُ الخير فقط لأولئك الذين يفكرون أو يؤمنون مثلي، فإن خيري هو نفاق، فالخير لا يعرف التمييز والإقصاء.
ويسعدني هنا أن أشجع الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي ولدت من الوثيقة والتي تقدم خدماتها للجميع دون أي تمييز أو إقصاء.
يمكن الاطلاع على النص الكامل للحوار مع قداسة البابا فرنسيس على الرابط التالي:
البابا فرنسيس لـ«الاتحاد»: قيادة الإمارات مهتمّة ببناء المستقبل وسلام العالم