نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا مطولا عن الملياردير بالمر لوكي، الذي تصفه الصحافة الأميركية بأنه عبقري عالم الواقع الافتراضي، وتحدثت عن هوسه بصنع أسلحة فتاكة تعمل بالذكاء الاصطناعي.

وكتبت لاريسا براون محررة شؤون الدفاع بالصحيفة أن بالمر لوكي (32 عاما) هو من النوع الذي يشتري صوامع الصواريخ النووية التي خرجت من الخدمة والمدفونة على عمق 200 قدم تحت الأرض في جميع أنحاء أميركا لمجرد أنه قادر على ذلك.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ميديا بارت: لماذا تريد السلفادور أن تصبح سجن الولايات المتحدة؟list 2 of 26 أسئلة توضح ما قد يحدث إذا تجاهلت إدارة ترامب قرارات القضاءend of list

وهو يملك 6 طائرات مروحية -بما في ذلك طائرة سيكورسكي يو إتش-60 بلاك هوك- وغواصتين تعملان بالديزل والكهرباء، وقارب مصمم لإدخال قوات البحرية إلى أراضي العدو.

وقد أسس بالمر لوكي شركة ناشئة تعمل في الذكاء الاصطناعي، وما هي إلا سنوات حتى استطاع أن يبيع هذه الشركة الناشئة للواقع الافتراضي "أكيولوس في آر" (Oculus VR) لفيسبوك مقابل ملياري دولار عام 2014.

نشاط مستمر

أراد لوكي استثمار هذه الأموال في تأسيس شركته الجديدة "أندوريل" التي تعمل في مجال تكنولوجيا الدفاع وتعتمد أيضا على توظيف الذكاء الاصطناعي.

وترغب شركته الناشئة هذه -حسب التقرير- في تطوير عشرات الآلاف من الأسلحة ذاتية التشغيل سنويا من مصنعها الأنيق المسمى آرسنال-1، في مكان لم يكشف عنه في ولاية أوهايو.

إعلان

وأصبح لوكي -الذي تصفه الصحيفة البريطانية بأنه مهندس ومخترع ذكي ومبتكر- على رأس أكبر تكتل متعدد الجنسيات للألعاب في العالم، يطلق عليه اسم كايباكورب.

ومنذ صغره، كان لوكي مفتونا بالأسلحة ذات الجهد العالي وصنع مسدسا كهرومغناطيسيا و"لفائف تسلا"، وهي محولات عالية التردد قادرة على توليد جهد عالي بتيار منخفض.

ضريبة تأييده لترامب

وفي مرحلة ما، بدأ في تجربة أشعة الليزر. ولا غرابة أنه كان كثيرا ما يصعق نفسه عن طريق الخطأ، ويعتقد أن بقاءه حيا كان معجزة.

وفي سن 15 عاما تقريبا، شرع في تطوير سماعات الواقع الافتراضي. وقال إن ذلك كان يحفزه على أن يصبح مهندسا كهربائيا وميكانيكيا بشكل عصامي.

وبعد 4 سنوات، أسس شركة الواقع الافتراضي الخاصة به، "أوكولوس في آر (Oculus VR)"، التي اشترتها منه بعد عامين، وتحديدا في عام 2014، شركة فيسبوك المملوكة لمارك زوكربيرغ نظير ملياري دولار.

وفي عام 2016، طُرد لوكي من فيسبوك بعد عاصفة كبيرة من الخلافات بسبب تبرعه بمبلغ 10 آلاف دولار لمجموعة مؤيدة لدونالد ترامب تنشر رسائل وصفت بالعدائية والاستفزازية على منصات التواصل الاجتماعي.

وما إن تدفقت عليه الأموال وأصابه الإحباط من أكبر شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم التي تتخذ من وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا موطنا لها، حتى اتجه إلى صناعة الأسلحة الفتاكة.

ملياردير

وقد قُدّرت قيمة شركة أندرويل بمبلغ 14 مليار دولار الصيف الماضي، أي ضعف سعرها في ديسمبر/كانون الأول 2022. ورغم أن مقرها الرئيس يقع في مدينة كوستا ميسا بمقاطعة أورانج في جنوب كاليفورنيا، إلا أن لديها مكتبا يديره ريتش دريك في لندن، ويعمل جزئيا صالة عرض لأحدث منتجات الشركة من الأسلحة.

وتفيد صحيفة التايمز في تقريرها أن لوكي التقى دونالد ترامب في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا.

وفي ذلك اللقاء بحثا السياسة المتعلقة بأزمة المهاجرين في عمق الجنوب الأميركي، وهي من أكثر المواضيع التي يشعر لوكي بالارتياح عند مناقشتها. كما تطرقا لأمن الحدود حيث دافع الملياردير الشاب عن مساعي ترامب لمنع دخول المهاجرين غير النظاميين إلى الولايات المتحدة.

إعلان

وعند سؤاله إذا ما كان لديه خط اتصال سريع مع ترامب، أجاب لوكي بلا مبالاة "أتواصل معه من حين لآخر". وأوردت تايمز أن لوكي يحظى بدعم زميله الملياردير إيلون ماسك، المكلف بقيادة إدارة ترامب الجديدة لكفاءة الحكومة.

نظام لاتيس

وتعتمد كل قطعة من تكنولوجيا أندوريل على نظام لاتيس، وهو في الأساس دماغ ذكاء اصطناعي يمكنه أخذ البيانات من آلاف أجهزة الاستشعار -مثل الرادار- والاستجابة لتلك البيانات وتوصيلها إلى البشر، وقد يقترح النظام إرسال طائرة مسيرة.

ومع ذلك، يعتقد لوكي أن ظهور الذكاء الاصطناعي فتح صندوق باندورا الذي يحمل كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة ورجاء، كما تقول الأسطورة اليونانية القديمة.

ونقلت الصحيفة عن المخترع الشاب أن الناس يتخوفون من وجود هذه الأنواع من الأسلحة ذاتية التشغيل، لكنه يقول لهم إن "الأشد رعبا هو الاضطرار إلى خوض الحرب العالمية الثالثة بأسلحة غبية".

وطبقا لتقرير تايمز، فإن الشعار الداخلي في أندرويل هو "الصين 27″، في إشارة إلى العام الذي يريد فيه الرئيس شي جين بينغ على ما يبدو تجهيز جيشه لغزو تايوان، وهو صراع من المرجح أن يجر إليه الولايات المتحدة وحلفاءها.

وفي هذا الصدد، يقول لوكي إن "أي شيء تعمل عليه يجب أن يكون ذا صلة بنزاع محتمل بين القوى العظمى والصين في عام 2027. والسبب في ذلك هو أن الكثير مما نقوم به هو أننا نحاول مساعدة الولايات المتحدة في ردع أي صراع مع تايوان على وجه الخصوص".

ويضيف أن نظام لاتيس من الذكاء بمكان بحيث يمكن أن يكون لديه الآلاف من الغواصات الآلية التي تتخذ القرارات من تلقاء نفسها في المحيط من دون الحاجة إلى العودة لتحميل البيانات أو التواصل مع الناس.

وأكد أنه سيتم استخدام الغواصات المأهولة في عدد قليل من المهام فقط، مثل إدخال قوات خاصة إلى أراضي العدو أو حمل أسلحة نووية.

إعلان

وأوضح أن "الغواصات ذاتية القيادة مصممة لخوض الحروب والغواصات المأهولة مخصصة للاستمتاع، على الأقل في عالمي الخاص"، مشيرا إلى أن لديه غواصاته المأهولة الخاصة به ليلهو بها.

ويعترف لوكي بأن هناك بعض أوجه التشابه بين ما تقوم به شركة أندوريل فيما يتعلق بالأسلحة ذاتية التشغيل التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتطوير روبرت أوبنهايمر للقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية، رغم أن الحكومة الأميركية بأكملها كانت وراء جهود أوبنهايمر البحثية.

ولعل أكثر ما يخشاه لوكي -حسب تقرير تايمز- ليس في استغلال "الأشرار"، بل الخوف من استخدامهم الهندسة الوراثية الحديثة لتطوير أسلحة بيولوجية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الولایات المتحدة الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

ثمن سياسات القوة التي ينتهجها ترامب

إيفو دالدر ـ جيمس م. ليندسي

انتهى عهد السلام الأمريكي، ونشأ النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة إثر الهجوم الياباني على بيرل هاربور في السابع من ديسمبر 1941، وانتهى مع تولي دونالد ترامب ولايته الثانية، حيث كان الرئيس يؤكد باستمرار أن هذا النظام يضر بالولايات المتحدة، إذ يحملها مسؤولية مراقبة العالم بينما يمنح حلفاءها الفرصة للعب دور الضحية. وأثناء جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ لتأكيد تعيينه، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو قائلًا: «إن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد مجرد نظام قديم، بل تحول إلى سلاح يستخدم ضدنا».

يعكس تشكيك ترامب في دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وتايوان، وسياسته الحمائية القائمة على فرض التعريفات الجمركية، وتهديده باستعادة قناة بنما، واستيعاب كندا، والاستحواذ على جرينلاند، رؤيته لعالم تسوده سياسات القوة ومجالات النفوذ على غرار القرن التاسع عشر، حتى وإن لم يصرّح بذلك صراحة، فقد كانت القوى الكبرى آنذاك تسعى إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، متجاهلة إرادة الشعوب الخاضعة لحكمها، وهي رؤية يتبناها ترامب بوضوح. فهو يرى أن المصالح الأمريكية خارج نصف الكرة الغربي محدودة، ويعتبر التحالفات عبئًا على الخزانة الأمريكية، ويؤمن بضرورة فرض الهيمنة على الجوار الإقليمي. وتعكس رؤيته للعالم نهجًا مستمدًا من فلسفة ثوسيديديس، الذي قال: إن «الأقوياء يفعلون ما بوسعهم، والضعفاء يعانون ما ينبغي عليهم تحمله».

رغم الإنجازات الاستثنائية التي حققها عهد السلام الأمريكي، مثل ردع الشيوعية، وتحقيق ازدهار عالمي، وترسيخ السلام النسبي، فقد زرعت الأخطاء الأمريكية بذور انهياره قبل صعود ترامب بوقت طويل. فقد أدت الغطرسة السياسية إلى حروب باهظة الثمن ومهينة في أفغانستان والعراق، فيما زعزعت الأزمة المالية عام 2008-2009 الثقة في كفاءة الحكومة الأمريكية وسياستها الاقتصادية؛ لذا، ليس من المستغرب أن يشعر بعض الأمريكيين بأن بلادهم قد تحقق نجاحًا أكبر في نظام عالمي مختلف، تحكمه القوة لا القواعد. وبما أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد عالمي، وأقوى جيش، وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، فقد تبدو مؤهلة للنجاح في مثل هذا النظام.

لكن هذا النهج يحمل في طياته نقطة ضعف جوهرية غالبًا ما يغفلونها وهي: قلة الخبرة في ممارسة سياسة القوة العارية. فهذا الأسلوب غريب على الولايات المتحدة، لكنه مألوف لمنافسيها. فقد ظل الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مستاءين من النظام الأمريكي لأنه قيّد طموحاتهما الجيوسياسية، وتعلّما كيفية التنسيق لمواجهة النفوذ الأمريكي، لا سيما في الجنوب العالمي. وعلى عكس ترامب، لا يواجه كلاهما قيودًا داخلية تحد من سلطتهما.

في الواقع، تطلع ترامب إلى كندا وجرينلاند له جذور تاريخية في السياسات الأمريكية، فقد حلم الجيل المؤسس للولايات المتحدة بضم كندا؛ إذ صرح الرئيس السابق توماس جيفرسون في مستهل حرب عام 1812 بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأن «الاستحواذ على كندا هذا العام ... لن يكون أكثر من مجرد مسألة زحف». واستمر هذا الطموح في أربعينيات القرن التاسع عشر من خلال شعار «54-40 أو القتال»، في إشارة إلى خط عرض الحدود الجنوبية لإقليم ألاسكا، الذي كان آنذاك تحت الحكم الروسي، والمطالبة بضم مناطق شاسعة من شمال غرب المحيط الهادي في كندا.

من جهة أخرى، فكّر الرئيس أندرو جونسون في شراء جرينلاند من الدنمارك بالتزامن مع شراء الولايات المتحدة لألاسكا من روسيا عام 1867، فيما أعاد الرئيس هاري ترومان طرح فكرة الشراء سرًا عام 1946، مشيرًا إلى القيمة الاستراتيجية للجزيرة. في الواقع، تستند دعوة ترامب في خطاب تنصيبه إلى «توسيع أراضينا» إلى رؤى مماثلة لأحلام «القدر الواضح». كما أن هدفه بزيادة نفوذ واشنطن في نصف الكرة الغربي يحمل منطقًا استراتيجيًا. فلطالما كانت قناة بنما مسارًا بحريًا أساسيًا للتجارة الأمريكية، حيث يمر عبرها نحو 40% من إجمالي حركة الحاويات في الولايات المتحدة، ويُقدَّر أن ثلاثة أرباع السفن التي تستخدم القناة إما أن تنطلق من الولايات المتحدة أو تتجه إليها. وإذا وقعت القناة تحت سيطرة قوة كبرى أخرى، فقد يتعرض أمن الولايات المتحدة للخطر.

وفي الوقت نفسه، ازدادت الأهمية الاستراتيجية لجرينلاند مع تفاقم تغير المناخ، وهي الظاهرة التي يسخر ترامب من وجودها رغم تأثيرها الواضح. فمن المتوقع أن يؤدي ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي إلى فتح ممر ملاحي شمالي جديد، مما سيزيد من التحديات العسكرية في شمال أمريكا الشمالية. كما تحتوي جرينلاند على احتياطيات ضخمة من المعادن الحيوية التي تحتاجها الولايات المتحدة لدعم تقنيات الطاقة النظيفة. أما فيما يخص كندا، فإن ضمها كولاية أمريكية سيؤدي نظريًا إلى إزالة الحواجز التجارية بين البلدين، مما قد يعزز الكفاءة الاقتصادية ويحقق فوائد اقتصادية لكلا الجانبين.

ومع ذلك، تمكنت واشنطن من تحقيق العديد من هذه الأهداف الاستراتيجية دون اللجوء إلى التهديدات. فقد نجح رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، في حملته الانتخابية بفضل وعوده بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. وتخضع جرينلاند، باعتبارها إقليمًا تابعًا للدنمارك، للمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، ما يضعها تحت مظلة الحماية الأمنية للحلف. كما تستضيف الجزيرة قاعدة بيتوفيك الفضائية (المعروفة سابقًا باسم قاعدة ثولي الجوية)، وهي منشأة عسكرية أمريكية في الشمال. وأظهر سكان جرينلاند اهتمامهم بجذب الاستثمارات الأمريكية بدلًا من الصينية لدعم اقتصادهم.

أما اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي تفاوض عليها ترامب خلال ولايته الأولى، فقد عززت التكامل الاقتصادي بين الولايات المتحدة وكندا، ومن المقرر مراجعتها عام 2026، مما يتيح فرصة لتعميق هذا التعاون. لكن هذه الأدوات الدبلوماسية، مثل بناء التحالفات، وتعزيز الأمن الجماعي، وإبرام اتفاقيات التجارة، تمثل السمات الأساسية للنظام العالمي الذي تخلّى عنه ترامب الآن.

يسعى ترامب بوضوح إلى محاكاة النهج الذي يتبعه. فهو يرى في بوتين وشي نظيرين له، بينما لا ينظر إلى زعماء الحلفاء مثل شيجيرو إيشيبا في اليابان، أو إيمانويل ماكرون في فرنسا، أو كير ستارمر في المملكة المتحدة بالطريقة ذاتها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن ترامب مستعد للتنازل عن مجالات النفوذ لصالح الصين وروسيا، شريطة أن تردا الجميل. فهو لا يبدي اعتراضًا على إشعال فتيل الحرب في أوكرانيا، إذ ألقى باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وليس بوتين، في اندلاعها. ويفضل إنهاء الحرب عبر اتفاق يمنح روسيا أجزاء من الأراضي الأوكرانية ويمنع انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي.

يبدو أن ترامب مرتاح لفكرة تقليص التحالفات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تمتد إلى مناطق نفوذ روسية وصينية مفترضة. فقد شكك مرارًا في جدوى حلف شمال الأطلسي، متهمًا توسعه بأنه السبب في استفزاز روسيا لغزو أوكرانيا، كما هدد بسحب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية. وبالنسبة له، فإن هذه التحالفات ليست سوى استثمارات فاشلة تُثقل كاهل الولايات المتحدة بتكاليف حماية دول، يرى أنها في الوقت ذاته تسرق وظائف الأمريكيين.

وعلى غرار بوتين وشي، يعتقد ترامب أن القوة الاقتصادية ينبغي أن تُستخدم كأداة ضغط لانتزاع التنازلات من الدول التي لا ترضيه. فكما استغل بوتين النفط والغاز الروسيين لترهيب أوروبا، وكما استخدم شي نفوذ الصين التجاري لإخضاع دول مثل أستراليا واليابان، يعتمد ترامب على التعريفات الجمركية لإجبار الشركات المحلية والأجنبية على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. كما ينظر إلى هذه الرسوم كوسيلة لفرض إرادته على الدول في قضايا أخرى. على سبيل المثال، تواجه المكسيك تهديدًا بزيادة التعريفات الجمركية إن لم تستجب لمطالب ترامب بوقف تدفق المهاجرين عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. كما هدد باستخدام «القوة الاقتصادية» لضم كندا، وحذّر الدنمارك من مواجهة رسوم جمركية أعلى إن رفضت بيع جرينلاند.

كان مؤسسو النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية يؤمنون بأن الرسوم الجمركية المرتفعة لا تؤدي إلا إلى تأجيج النزعات القومية الاقتصادية والصراعات الدولية. أما تهديدات ترامب، فهي تنذر بعصر جديد، حيث يحل الترهيب الاقتصادي محل التجارة الحرة والتعاون الدولي كأدوات للهيمنة.

من غير المرجح أن تحقق مقاربة ترامب نجاحًا يُذكر. فقد توافق كندا والمكسيك، على الأقل رمزيًا، على بذل مزيد من الجهود لتأمين حدودهما، كما سيزور زعماء الحلفاء واشنطن لإبداء رغبتهم في العمل مع أمريكا بقيادة ترامب. ومع ذلك، فإن العودة إلى سياسات القوة في القرن التاسع عشر لن تحقق النتائج التي وعد بها.

تعجز الولايات المتحدة عن ممارسة سياسة القوة الصريحة لأن الصين وروسيا تتقنانها بشكل أفضل. فقد استغلت بكين وموسكو الاستياء العالمي من واشنطن، متهمة إياها بالنفاق في دعم أوكرانيا مع تجاهل صراعات أخرى، مثل حرب غزة. ومع اعتماد ترامب على التهديدات لابتزاز الحلفاء، قد يتراجع الدعم الأمريكي دوليًا.

كما أن الصين في موقع قوي لمنافسة النفوذ الأمريكي، مستفيدةً من مبادرة «الحزام والطريق» ونهجها القائم على المنفعة المتبادلة، بينما يطالب ترامب الدول بتقديم تنازلات دون مقابل. ومع انسحاب واشنطن من المؤسسات الدولية، تسرع بكين في ملء الفراغ، ما يعزز مكانتها عالميًا.

على الصعيد الداخلي، يواجه ترامب قيودًا سياسية مقارنةً بنظيريه الصيني والروسي، حيث تفرض بكين وموسكو سيطرة شبه كاملة على شعبيهما، مما يسمح لهما بتنفيذ سياسات قاسية، كما فعل بوتين في أوكرانيا. في المقابل، لا يستطيع ترامب فرض مثل هذه السلطة دون إثارة ردود فعل عنيفة، كما أن المجتمع الأمريكي أكثر عرضة للتأثير الأجنبي. وإذا قوبلت سياساته بمعارضة داخلية قوية، فقد يواجه مصيرًا مشابهًا لجونسون ونيكسون في حرب فيتنام، حين أضعفت الاحتجاجات مصداقية التهديدات الأمريكية، مما شجع الخصوم على الصمود أمامها.

يعتمد موقع الولايات المتحدة في عالم تحكمه سياسة القوة على قرارات القوى الأخرى. فاقتناع بوتين وشي بدورهما القيادي قد يدفعهما إلى ارتكاب أخطاء، مثلما أسهمت سياسات الصين العدوانية وغزو روسيا لأوكرانيا في تعزيز تحالفات واشنطن. ورغم استياء بعض الدول من الولايات المتحدة، إلا أن خوفها من الصين وروسيا يخدم المصالح الأمريكية.

أما حلفاء أمريكا في آسيا وأوروبا، فسيحاولون استرضاء ترامب بالتنازلات، لكنه سيستغل ذلك لتعزيز نهجه القائم على القوة دون تبني دور القيادة العالمية. وللتأثير على سياساته، عليهم إظهار قوتهم، إذ لم يعد «السلام الأمريكي» قائمًا، وعادت سياسة القوة. وإذا وحدوا جهودهم، فقد يحدّون من أسوأ قراراته الخارجية ويمهدون لنظام عالمي أكثر استقرارًا. أما الفشل، فسيؤدي إلى عالم أكثر اضطرابًا وخطورة.

مقالات مشابهة

  • شركة نفط الوسط تدخل تقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة الآبار النفطية
  • إيلون ماسك نجم الاجتماع الأول لحكومة ترامب
  • ثمن سياسات القوة التي ينتهجها ترامب
  • عاشور: الإيسيسكو تعمل على وضع إطار للذكاء الاصطناعي في التعليم والعلوم والثقافة
  • دياب لـ سانا: أدعو الشركات التي كانت تعمل في مجال النفط سابقاً إلى العودة لسوريا والمساهمة في تطوير هذا القطاع الحيوي بخبراتها واستثماراتها التي سيكون لها دور مهم في تحقيق التنمية والنهوض بقطاع النفط والغاز
  • رائف عيد المؤسس والرئيس التنفيذي للبرمجيات في شركة فوتوبيا : الذكاء الاصطناعي يعزز كفاءة إدارة الوثائق ويدعم التحول الرقمي في المؤسسات
  • ترامب يدعم مطلب ماسك بإثبات إنجازات الموظفين الاتحاديين أو مواجهة الفصل
  • إيلون ماسك تحت النيران: طرد الموظفين.. وغضب المشاهير.. واشتباكات دبلوماسية
  • ترامب يدعم رسائل ماسك بشأن "الإنجازات أو الفصل"