في خطوة علمية مثيرة، تمكن باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين من تحقيق إنجاز رائد في مجال الفيزياء الكمّية من خلال تجربة جديدة توضح مدى غرابة وتناقض ميكانيكا الكم مع القوانين الفيزيائية المعروفة، بالإضافة إلى تأكيد عدم جدوى أدمغتنا في فهم كيفية عمل هذا الكون.

نُشرت الدراسة في دورية "ساينس أدفانسيز" يوم 29 يناير/كانون الثاني 2025، وكشفت عن سلوك كمّي يتحدى فهمنا للواقع باستخدام 37 بُعدا، مما قد يكون له تأثيرات كبيرة على مستقبل الحوسبة الكمومية والتقنيات المتقدمة.

في تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال جين شي شو، الأستاذ في المختبر الرئيسي للمعلومات الكمومية بجامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، والباحث بالدراسة: "أجبنا عن سؤال لم يُحل عمره 35 عاما في أساس ميكانيكا الكم"

إذ تمكن الفريق من تحديد الحد الأدنى من الظروف القادرة على إثبات التعارض التام بين سلوك الجسيمات الكمّية مع أي تفسير تقليدي أو منطق كلاسيكي. والمقصود بالمنطق الكلاسيكي هو القواعد التي تحكم قدرتنا على توقع سير الأحداث في حياتنا اليومية بناء على قوانين الفيزياء التقليدية.

في هذا المنطق، لكل شيء حالة محددة، فإذا كنت تعرف جميع المعلومات عن شيء ما، يمكنك التنبؤ بسلوكه بشكل دقيق. على سبيل المثال، إذا رميت كرة، يمكنك معرفة مسارها وسرعتها بناء على قوانين نيوتن للحركة.

إعلان عالم الكم المجنون!

ميكانيكا الكم هي جزء من الفيزياء الحديثة، يدرس سلوك الجسيمات شديدة الصغر مثل الذرات والجزيئات. وتوجد ظواهر غريبة في عالم الكم لا يمكن تفسيرها بالمنطق الكلاسيكي والقوانين الفيزيائية التقليدية، مثل قدرة الجسيمات على الوجود في أكثر من مكان في الوقت نفسه.

أحد أغرب الظواهر الكمومية ما يسمى التشابك الكمي، الذي يعني وجود علاقة بين جسيمين على أي مسافة ممكنة وبشكل لحظي، وعلى سبيل المثال يمكن أن تضع جسيما هنا على الأرض، وآخر في مجرة أخرى، وبشكل لحظي تقرأ وجود علاقة أو ترابط بينهما، بالرغم من عدم وجود أي أداة لذلك الاتصال.

مفارقة غريبة مثل مفارقة "غرينبرغر هورن زيلينغر" التي تسمى اختصارا "جي إتش زد" هي حالة كمومية أعمق، حيث تتشابك فيها 3 جسيمات وليس جسيمان فقط، سُميت هذه المفارقة نسبة إلى العلماء الثلاثة الذين وصفوها لأول مرة عام 1989.

ويُظهر هذا التشابُك نتائج تجريبية تتعارض بشكل مباشر مع التوقعات التي تقدمها النظريات الكلاسيكية. يقول شو: "مفارقة (غرينبرغر هورن زيلينغر) هي مفارقة كمومية حيث تتنبأ ميكانيكا الكم بسلوك معاكس للمنطق الكلاسيكي. وتحدث فيها الأشياء التي من المستحيل حدوثها في العالم الكلاسيكي بنسبة 100% " لأنه في الفيزياء الكلاسيكية ما يحدث لجسيم معين لا يمكن أن يتأثر به جسيم آخر بعيد عنه على الفور، بل يجب أن ينتقل أي تأثير أو معلومات بسرعة لا تتجاوز سرعة الضوء، ولكن حدوث ذلك في ظاهرة التشابك الكمي يهدم الأساس الذي تعتمد عليه النظريات الكلاسيكية والفيزياء التي نعرفها.

على سبيل المثال لو حذفت الشمس من مكانها حالا، فإننا -نحن البشر- لن نشعر بذلك إلا بعد 8 دقائق، لأن تأثير الجاذبية سيُمحى تدريجيا من موضع الشمس إلى الأرض بسرعة لا تتجاوز سرعة الضوء، أما في التشابك الكمي أو مفارقة غرينبرغر هورن زيلينغر، فإن ذلك يحدث فورا.

إعلان

ليس ذلك فحسب، بل يأتي مفهوم "السياقات" ليزيد من جنون عالم الكم ويدفعه بعيدا بأشواط عن عالمنا الذي نفهمه. إذ توضح "السياقية" أن نتيجة قياس شيء ما في العالم الكمومي يمكن أن تتغير حسب السياق المحيط.

بمعنى آخر، إذا تم قياس شيء ما في سياق معين، فقد تكون النتيجة مختلفة عما إذا تم قياسه في سياق آخر. هذه الظاهرة غير موجودة في الفيزياء الكلاسيكية التي نعرفها أيضا!

ميكانيكا الكم هي جزء من الفيزياء الحديثة يدرس سلوك الجسيمات شديدة الصغر مثل الذرات والجزيئات (وسائل التواصل) تجربة في 37 بُعدا!

أراد الباحثون معرفة أبسط وأقوى شكل ممكن لإثبات فشل المنطق الكلاسيكي في العالم الكمي عبر إيجاد أقل عدد من القياسات التي يمكن من خلالها إثبات هذه السلوكيات الكمّية الغريبة، وهو ما دفعهم إلى استخدام مفارقة "جي إتش زد" دون غيرها من الظواهر الكمية.

فبعكس بقية الظواهر الكمية التي يصعب فيها الاستبعاد التام للمنطق الكلاسيكي، تأخذ مفارقة "جي إتش زد" التشابك الكمي إلى مستوى أعمق، حيث تُظهر أن الجسيمات يمكن أن تعطي نتائج متناقضة تماما مع أي منطق كلاسيكي، وبدون الحاجة إلى إحصائيات أو احتمالات، بل من خلال منطق حتمي مباشر، مما جعلها مثالية لتحقيق أهدافهم.

استخدم الباحثون معالجا ضوئيا ليزريا يعتمد على الألياف البصرية لاستكشاف السياق الكمومي في فضاء ذي 37 بُعدا. وضح شو كيفية عمل هذه الطريقة قائلا: "يتم تمثيل كل بُعد بنبضة ضوئية في وقت مختلف، وتُشفِّر سعة النبضات الحالة الكمومية الدقيقة. تحقق تلك الطريقة دقة عالية وقابلية للتطوير، مما يعني أنه يمكنها تمثيل حالات كمومية ذات أبعاد أعلى بسهولة".

حاول الباحثون تقليل عدد السياقات المستخدمة في التجربة إلى أقل عدد ممكن، وتمكنوا من الوصول إلى 3 سياقات فقط، وهو ما يُعتبر إنجازا كبيرا، لأن هذا العدد هو الحد الأدنى النظري الممكن.

إعلان

يجدر بالذكر أن الفضاء ذا الأبعاد العالية (مثل 37 بُعدا) المستخدم هنا هو أداة رياضية تُستخدم لوصف الحالات الكمومية المعقدة، أي أن هذه الأبعاد ليست أبعادا مكانية أو زمنية بالمعنى الذي نعرفه في حياتنا اليومية (مثل الطول والعرض والارتفاع والزمن). بل هي أبعاد رياضية مجردة تُستخدم لتمثيل المعلومات الكمومية، مما سمح للباحثين بإثبات عدم قدرة القوانين الفيزيائية الكلاسيكية على تفسير السلوك الكمومي.

أبواب عالم الكم الجدلية

في عالم الفيزياء الكلاسيكية، يمكننا فهم الأحداث بشكل بديهي باستخدام القوانين الفيزيائية الكلاسيكية، مثل تتبع مسار صاروخ أو سرعة سقوط تفاحة. لكن الفيزياء الكمومية قلبت هذا الفهم رأسا على عقب، حيث أظهرت أن الواقع لا يتحدد إلا عند إجراء القياس، وقبل ذلك، كل شيء غير محدد، وتُعرف هذه الحالة بعدم اليقين الكمومي.

حتى مع 3 سياقات فقط، يمكن للفيزياء الكمومية أن تجعل توقعاتنا التقليدية للواقع خطأ تماما، أي لا يمكنك استنتاج ما حدث ليوجد صاروخ ما في هذا الموقع، فلا يمكنك معرفة من أطلقه أو كيف وصل إلى هنا. كل التوقعات الكلاسيكية ستكون خطأ لأن السياق المنطقي الذي يمثله الاتجاه والسرعة والمسافة التي قطعها الصاروخ ليس بالضرورة حقيقة ما تحتاجه في العالم الكمّي لمعرفة مكان إطلاق هذا الصاروخ!

إحدى الإشكاليات المثيرة التي تطرحها هذه التجربة هي طبيعة الواقع نفسه. ويعلق شو على ذلك قائلا: "إذا كان الواقع الكمّي يتناقض مع الواقعية المحلية [أي يتناقض مع وجود خصائص محددة مسبقا وتتجاوز سرعة الضوء]، فهذا يشير إلى أن تصورنا للواقع قد يكون غير مكتمل أو قائما على افتراضات كلاسيكية. وقد تشير فكرة الأبعاد الإضافية إلى طبقات أعمق من الواقع، مما قد يوفر وصفا أكثر جوهرية للكون".

ورغم الإمكانات المذهلة التي تقدمها هذه التجربة، فإن تطبيق نتائجها في العالم الحقيقي لا يزال يواجه عقبات تقنية كبيرة. وفقا لشو: "الحاجز الحالي هو من الناحية الفنية، إذ لا يزال الحاسوب الكمّي الشامل القابل للتطوير والمقاوم للأخطاء قيد التطوير. لكننا نأمل في رؤية النماذج الأولية في العقد المقبل".

إعلان

ويوضح شو خطط الفريق المستقبلية قائلا: "نخطط لدراسة الميزة الحسابية التي يمكن تحقيقها باستخدام الحالة الكمومية والدوائر. إذ تعد الحوسبة الكمومية بتحسين القوة الحسابية للبشرية بشكل كبير".

هذا النهج المتقدم يتيح استكشاف حالات كمومية معقدة بدقة غير مسبوقة، ويمثل تحسينا كبيرا مقارنة بالتجارب السابقة التي كانت محدودة بعدد الأبعاد التي يمكن تمثيلها واختبارها. بمعنى آخر، تعزز هذه الدراسة الفهم النظري لميكانيكا الكم، وفي الوقت نفسه، تمهد الطريق لاستخدام هذه الظواهر في بناء حواسيب كمومية أكثر قوة وكفاءة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی العالم یمکن أن لا یمکن الکم ی

إقرأ أيضاً:

حزب الله يؤكد أنه لا يمكن أن يقبل أن تواصل إسرائيل استباحة لبنان

قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أمس السبت إن الحزب لا يمكن أن يقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيها إسرائيل لبنان، وطالب بوضع حد لعدوانها، مؤكدا أن الحزب التزم باتفاق وقف إطلاق النار ولا وجود مسلحا له في الجنوب.

وقال قاسم في خطاب متلفز "إسرائيل هي في موقع العدوان، هذا العدوان يجب أن يوضع حد له. لقد تجاوزت بأن قصفت الضاحية الجنوبية لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، وكذلك اعتدت على مناطق عدة في جنوب لبنان، لا يمكن أن نقبل أن يستمر هذا المنهج".

وشدد بأنه لا يمكن للحزب أن يقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيها إسرائيل لبنان "وتسرح وتمرح في أي وقت تريد ونحن نتفرج عليها. كل شيء له حد".

وقال "لن نسمح لأحد أن يسلبنا حياتنا، وأرضنا، وعزتنا، وكرامتنا، ووطنيتنا، وقوتنا وإمكاناتنا في مواجهة هذا العدو"، مضيفا  "لسنا ضعفاء في مواجهة مشاريع أميركا وإسرائيل. إذا كنا صبرنا خلال المرحلة السابقة حتى الآن، فهو صبر الذي يريد أن يعطي الفرصة لحلول تخفف من الآلام والضحايا".

وأكد أن المقاومة لا يمكن أن تبقى متفرجة إذا واصلت إسرائيل القتل والتدمير.

كما قال بإنه لا يمكن أن يقبل الحزب بالتطبيع ولا بالمسارات السياسية التي تحاول من خلالها إسرائيل تحقيق مكاسب.

القصف الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية خلف 5 قتلى و20 جريحا (الفرنسية)

وقصفت إسرائيل الجمعة ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، للمرة الأولى بعد أربعة أشهر من الهدنة، وزعمت أن القصف جاء ردا على إطلاق صواريخ على أراضيها، ونفى حزب الله أي صلة له بإطلاق هذه الصواريخ.

إعلان

وأسفرت 3 من تلك الغارات على الجنوب اللبناني عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 20 آخرين، ضمن سلسلة الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وتابع قاسم "منذ عقد اتفاق وقف إطلاق النار غير المباشر مع الدولة اللبنانية، أصبحت المسؤولية عند الدولة اللبنانية. مسؤوليتها أن تنهي الاحتلال، وتوقف العدوان، وتضغط على الدول الكبرى التي رعت، وتفتش عن الأساليب المناسبة  لإنهاء الاحتلال".

وأضاف "إذا كانت تظن إسرائيل أنها تصنع معادلة جديدة في أن تتذرع بذرائع واهية من أجل أن تقتل وأن تدخل إلى هذه الأماكن المختلفة، وأن تعتدي على الضاحية والبقاع والجنوب، فهذا أمر مرفوض. وعلى الدولة اللبنانية أن تتصدى له، وما زال الوقت يسمح بالمعالجة السياسية والدبلوماسية".

لكنه أكد أنه إذا لم تلتزم إسرائيل باتفاق الهدنة و"لم تتمكن الدولة اللبنانية من القيام بالنتيجة المطلوبة على المستوى السياسي، فلن يكون أمامنا إلا أن نعود إلى خيارات أخرى لا تنسجم مع الوضع الحالي".

وأضاف أن حزب الله التزم بالاتفق بشكل كامل، ولم يكن لديه تواجد مسلح في جنوب نهر الليطاني، في حين لم تنسحب إسرائيل من كامل الأرض اللبنانية، وبقيت محتلة لنقاط، بحسب قوله.

وشدد قاسم بأن "إسرائيل تخترق وتعتدي في كل يوم، سواء على الأفراد أو على الممتلكات أو على المناطق، سواء في الجنوب أو في البقاع أو في كل مناطق لبنان"، وقال إن "هذه كلها سُميت في فترة معينة خروقات، لكن بعد ذلك لم تعد خروقات، لأنها عدوان تجاوز كل حد والتبريرات الإسرائيلية لا معنى لها".

مقالات مشابهة

  • هكذا يمكن مساعدة الفلسطينيين الذين يتحدون حماس
  • حزب الله يؤكد أنه لا يمكن أن يقبل أن تواصل إسرائيل استباحة لبنان
  • ما حكم مَن فاتته صلاة العيد.. هل يمكن قضاؤها؟
  • جامعة عين شمس تعتمد أسماء الفائزين بجوائزها للأفراد في مجال الفيزياء 2024
  • هل يمكن كبح جماح حزب الله في سوريا ولبنان؟
  • هل لصق الفم أثناء النوم يُحسن التنفس؟.. تجربة مثيرة تكشف النتيجة
  • الأوهام البصرية وخدع العقل هل يمكن تفاديها؟
  • «سعود الإنسانية» تنفــذ مشاريــع خيريــة
  • الشروع في اصدار بطاقة “الذهبية الكلاسيكية” لزبائن بريد الجزائر
  • زروقي:الشروع في اصدار بطاقة “الذهبية الكلاسيكية” لزبائن بريد الجزائر