زيلينسكي بلا قيود داخلية... كيف غير ترامب قواعد اللعبة في أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
واشنطن"د. ب.أ": منح تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما يبدو لقضايا الديمقراطية، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حرية أكبر في الداخل الأوكراني، مما سمح له بتعزيز سلطته دون قيود غربية، خاصة مع اقتراب احتمالات إنهاء الحرب.
ويقول كونستانتين سكوركين، الباحث المستقل المتخصص في التاريخ السياسي لإقليم دونباس، في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن التقارب غير المتوقع بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى اللجوء مجددا إلى العقوبات الداخلية، وهذه المرة ضد مجموعة من الأوليجارشيين الأوكرانيين، من بينهم الرئيس السابق بيترو بوروشينكو.
ويظهر ذلك أن زيلينسكي يستعد للصراع السياسي الذي سيعقب فرض سلام غير موات. ومن الواضح أيضا أن الحكومة الأوكرانية تشعر بأن لديها حرية أكبر في التعامل مع خصومها، نظرا لعدم اكتراث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقضايا الديمقراطية.
كان بوروشينكو أبرز الشخصيات التي طالتها العقوبات التي فرضها مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني في 12 فبراير. وكان بوروشينكو الذي يعد أحد أغنى رجال أوكرانيا، قد خسر أمام زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، لكنه لا يزال يعتبر أحد أبرز منافسيه.
وعلى الرغم من معارضته الطويلة لزيلينسكي، فهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها بوروشينكو مشكلات بهذه الجدية. فكل القضايا الجنائية التي فتحت ضده في السنوات القلائل الماضية سرعان ما انهارت. وحتى الآن، كانت أخطر التهديدات الموجهة إليه تتعلق باتهامات بتمويل الإرهاب بسبب تورطه في إمداد غير قانوني بالفحم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا عام 2015، لكن المحققين لم يحرزوا تقدما يذكر في القضية.
بعبارة أخرى، كانت السلطات قد سببت لبوروشينكو بعض المشكلات البسيطة، لكنها امتنعت عن تجاوز الخط الأحمر. وكان هناك إجماع عام على أن ملاحقة رئيس سابق لأسباب سياسية لن يكون مقبولا في الغرب.
إلا أن الوضع قد تغير الآن. فترامب وحلفاؤه غير مكترثين بمصير بوروشينكو، لاسيما وأن لديه علاقات وثيقة بالحزب الديمقراطي، كما أنه أقال المدعي العام الذي بدأ تحقيقا في قضايا فساد تتعلق بشركة "بوريسما" للغاز، التي كان يعمل بها نجل سلف ترامب، جو بايدن.
ويقول سكوركين إنه نتيجة لذلك، يواجه بوروشينكو المزيد من المشكلات. فقد تم تصنيف ابنه الأكبر، أوليكسي، على أنه متهرب من التجنيد، كما أن العقوبات الأخيرة تعني أن الرئيس السابق يخضع لتجميد أصوله ويمنع من سحب أي أموال من البلاد. واشتكى في إحدى المقابلات قائلا: "لا أستطيع حتى شراء فنجان قهوة في محطة الوقود".
جاء قرار فرض العقوبات على بوروشينكو نتيجة تزايد احتمالية إجراء انتخابات في أوكرانيا، إذ تم تعليق جميع الانتخابات عندما فرضت كييف الأحكام العرفية في بداية التدخل الروسي الشامل عام 2022.ومن المرجح أن يسعى زيلينسكي إلى تقييد هامش المناورة المتاح أمام بوروشينكو.
ورغم الانتقادات الحادة التي وجهها المسؤولون الأوكرانيون لاحتمال التوصل إلى اتفاق سلام يتم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة وروسيا دون إشراك أوكرانيا، فإنهم يدركون في الوقت نفسه أن قدرتهم على منع حدوث ذلك محدودة للغاية. وقد انعكس هذا الأمر على المشهد السياسي الداخلي، حيث يدرك المسؤولون أنه في حال توقف القتال، سيكون لابد من إجراء انتخابات، بل إن هناك احتمالا بأن تجرى الانتخابات حتى قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
أما الشخصيات الأخرى التي شملتها العقوبات إلى جانب بوروشينكو، فكانت جميعها من تصيب معارضي زيلينسكي الذين لم يعودوا يشكلون أي تهديد سياسي. ومن بينهم فيكتور ميدفيدشوك، الذي فقد مصداقيته باعتباره عميلا للكرملين، ورجل الأعمال المسجون إيهور كولومويسكي وشريكه التجاري جينادي بوجولوبوف، الذي فر من البلاد، بالإضافة إلى رجل الأعمال كوستيانتين جيفاجو، الذي يعيش حاليا في فرنسا.
ويقول سكوركين إنه من المحتمل أن تسعى السلطات الأوكرانية إلى الاستحواذ على بعض التراخيص المعدنية التي لا يزال هؤلاء الأشخاص يحتفظون بها، بهدف تعزيز موقفها في أي صفقة مع واشنطن، لاسيما وأن ترامب أبدى اهتمامه الواضح بالموارد الطبيعية لأوكرانيا. لكن الهدف الرئيسي من العقوبات كان على الأرجح تشويه سمعة بوروشينكو بوضعه في القائمة نفسها كخائن وأوليجارشيين فاسدين، مما يمهد الطريق لمزيد من الاضطهاد السياسي.
وأثارت تصريحات ترامب بشأن عدم شعبية زيلينسكي قلق السلطات الأوكرانية، وجعلتها أكثر حساسية تجاه التحديات السياسية الداخلية. ومن الأمثلة على ذلك حادثة وقعت مؤخرا، حيث أجريت تغييرات هيكلية في إحدى جامعات أوديسا بعد الكشف عن تواصل مديرها، سيرهي كيفالوف (الذي كان مقربا من الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش)، مع القائد العام السابق فاليري زالوجني، وهو أيضا أحد منافسي زيلينسكي السياسيين.
وقال زيلينسكي خلال مؤتمر ميونخ الأمني في فبراير: "أنا مستعد للحديث عن الانتخابات إذا كنتم تريدون ذلك. الأوكرانيون لا يريدونها، لا يريدونها إطلاقا لأنهم خائفون. لأننا إن أجريناها، سنخسر الأحكام العرفية، وسيعود جنودنا إلى منازلهم، وسيسيطر بوتين على كل أراضينا". لكن من الصعب تحديد ما إذا كان هذا بالفعل رأي الأوكرانيين، أم أنه مجرد ما تود السلطات أن يعتقدوه. وآخر استطلاع رأي حول هذه المسألة أجري في ربيع عام 2024، وأظهر تأييدا قويا لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتهاء الحرب. ومع ذلك، فقد تطورت الأوضاع، ومع احتمال اقتراب القتال من نهايته، أصبحت القضية مثار انقسام متزايد. ولا يبدو أن المجتمع الأوكراني قد حسم موقفه بشأن ما يريد.
ولطالما قيل إن ضغوط الحرب أدت إلى مركزية خطيرة للسلطة في أوكرانيا. وكان الأمل سابقا أن يشكل دعم الغرب للديمقراطية عاملا لكبح هذا الاتجاه، لكن وصول ترامب، المناهض للديمقراطية، أزال هذا القيد.
ويرى سكوركين أنه بالنسبة للأوكرانيين، تبدو الدعوات الأمريكية لإجراء انتخابات شبيهة إلى حد كبير بالخطاب الذي يتبناه الكرملين حول "عدم شرعية" زيلينسكي. ومن الصحيح أن ترامب وإدارته لا يهتمون بالديمقراطية لذاتها، بل ينصب اهتمامهم فقط على التوصل إلى صفقة لإنهاء الحرب.
ومع ذلك، فإن إجبار ترامب لزيلينسكي على عقد السلام يعني أيضا تحرير يديه على الصعيد الداخلي، مما يمنحه فرصة لتعزيز موقعه السياسي دون القلق بشأن ردود فعل الغرب. ويخلص سكوركين إلى أنه على الرغم من أن أوكرانيا لطالما كانت غير متسامحة مع أي نزعة استبدادية، فإن الاستبداد قد يصبح خيارا أكثر إغراء في المستقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
ترامب يستهدف الصين بأكبر حزمة قيود منذ عودته للبيت الأبيض
استهدفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين بسلسلة من الإجراءات المرتبطة بالاستثمار، والتجارة، ومجالات أخرى، ما يرفع احتمال تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وأكبر منافسيها الاقتصاديين قريباً.
خلال الأيام القليلة الماضية، قدم الرئيس ترامب مذكرة توجه لجنة حكومية رئيسية بفرض قيود على استثمار الصين في التكنولوجيا، والطاقة، وقطاعات إستراتيجية أخرى في الولايات المتحدة. وفي نفس الوقت، دعت الإدارة الأميركية المسؤولين المكسيكيين إلى فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، في خطوة تأتي بعد نقل شركات صينية الإنتاج إلى جارة الولايات المتحدة للالتفاف على التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الجمهوري خلال ولايته الأولى.
كما اقترحت الولايات المتحدة فرض رسوم أميركية على استخدام السفن التجارية الصينية بغرض التصدي لهيمنة الدولة الآسيوية على صنع السفن. وانخفضت أسهم شركات الشحن الصينية بعد صدور المقترح، فيما تذبذب أداء مؤشر "سي إس آي 300" (CSI 300) الرئيسي للأسهم.
ترامب يخنق استثمارات الصينتشكل هذه التدابير معاً أشد إجراءات ترامب شمولاً وحزماً ضد الصين خلال ولايته الثانية. لكن يبدو أن المذكرة التي تتضمن أمراً للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة -وهي لجنة تُحاط أعمالها بالسرية تراجع عروض الكيانات الأجنبية لشراء الشركات أو الأصول الأميركية- سيكون لها التأثير الأكبر بين سلسلة الإجراءات المتخذة خلال الأيام الماضية.
وتفيد المذكرة -التي أشارت إلى بكين باعتبارها "منافسة أجنبية"- بضرورة إجراء تغييرات لحماية "أغلى ما تملكه الولايات المتحدة من تكنولوجيا، وإمدادات غذائية، وأراضٍ زراعية، ومعادن، وموارد طبيعية، وموانئ، ومحطات شحن".
كما أوضحت المذكرة أنه يجب على حكومة الولايات المتحدة إعادة النظر في الاتفاق الضريبي لعام 1984 مع الصين، الذي يُعفي الأفراد والشركات من الازدواج الضريبي، وفي ترتيب يُعرف باسم "الكيان متغير المصالح" (variable interest entity) الذي تستخدمه الشركات الصينية لإدراج أسهمها في البورصات الأميركية.
بعد ذلك، حثت بكين واشنطن على وقف تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية واستخدامها كسلاح. وأشارت وزارة التجارة الصينية إلى أن جهود الحكومة الأميركية لتشديد صرامة مراجعات العلاقات التجارية بدواعٍ أمنية سيقوض ثقة الشركات الصينية التي تستثمر في الولايات المتحدة بشكل خطير.
خلاف أكبر اقتصادين في العالم
انخفضت استثمارات الصين في أميركا الشمالية في نهاية العام الماضي إلى أقل من مستويات ذروة جائحة كورونا، وُيرجح أن الانخفاض يرجع إلى ترقب المستثمرين المحتملين حينها ما إذا كان ترمب سيفوز بانتخابات نوفمبر أم لا.
تأكيداً للخلاف بين القوتين الاقتصاديتين، أعرب نائب رئيس الوزراء الصيني هي لايفنغ عن "قلق بالغ" إزاء رفع الرسوم الجمركية بنسبة 10% الذي أقره ترمب في وقت سابق على البضائع الواردة من الدولة الآسيوية، وجاءت تصريحات هي خلال مكالمة مع وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت، الذي أثار مجموعة من القضايا مع الصين، من بينها "الاختلالات الاقتصادية".
يبلغ فائض الميزان التجاري الصيني مع الولايات المتحدة 295 مليار دولار، ويشكل مصدر قلق كبير للإدارة الجديدة. مع ذلك، لفت دونالد ترمب إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع بكين، على غرار الاتفاق الذي أبرمه معها خلال ولايته الأولى، وقال الأسبوع الماضي: "هذا ممكن.. هذا ممكن".
مواجهة الصين وأميركا تقترب
جاءت المكالمة بين بيسنت وهي بعد أسابيع من سريان الرسوم الجمركية الجديدة، التي شملت كل صادرات البضائع الصينية إلى الولايات المتحدة، وربطها ترمب بالشكاوى من إنتاج الصين المواد الأولية التي تُستخدم في صنع مخدر الفنتانيل غير المشروع الذي يُهرب إلى الولايات المتحدة.
يتزامن تصاعد حدة التوترات بين الصين والولايات المتحدة مع جهود ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، العملية التي بدأت بمحادثات تاريخية بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبينما قد ترحب الصين بإنهاء الحرب، إذ سيساعد ذلك في تحسين علاقاتها مع أوروبا، إلا أن ذلك يزيد من احتمال توجيه واشنطن اهتمامها الكامل إلى بكين فور انتهاء الحرب.