على مر العصور، لم تسلم الأعمال الخيرية من التشكيك، سواء عن جهل بطبيعة عملها أو بسبب تجارب فردية سلبية يتم تعميمها دون إنصاف. وفي وقتنا الحاضر، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التشكيك في الجمعيات الخيرية ظاهرة متكررة، يغذيها سوء الفهم أو نقص المعلومات، مما يؤثر سلبًا على قطاع إنساني يهدف إلى خدمة الفئات المحتاجة وتعزيز التكافل الاجتماعي.

التشكيك دون معرفة: حكمٌ بلا دليل
معظم مَن يشكّكون في الجمعيات الخيرية لم يسبق لهم التعامل المباشر معها؛ لا من خلال التبرع ولا حتى بزيارة ميدانية. فكيف يمكن الحكم على شيءٍ دون الاطلاع على تفاصيله؟

إن العمل الخيري في المملكة العربية السعودية، يخضع لأنظمة رقابية صارمة، تشمل الجهات الرسمية كوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، والهيئات الرقابية المتخصّصة التي تفرض الشفافية والحوكمة على كل مراحل العمل الخيري، بدءاً من جمع التبرعات حتى إيصالها إلى مستحقيها.

التشكيك العام هدمٌ للثقة المجتمعية وإضرارٌ بالاقتصاد الوطني
التشكيك في العمل الخيري بشكلٍ عام، دون أدلة واضحة أو تفنيد منطقي، لا يضر جمعية بعينها فقط، بل يضر المجتمع ككل، وله انعكاساتٌ اقتصادية سلبية قد لا يدركها المشكّكون بالجمعيات، فعندما يفقد الناس ثقتهم بالجمعيات، تتراجع التبرعات، مما يؤدي إلى حرمان آلاف الأسر المحتاجة من الدعم الصحي والتعليمي والإغاثي، وتضعف قدرة الجمعيات على تنفيذ مشاريعها التي تُسهم في تحسين جودة الحياة.

ليس هذا فحسب، بل إن تراجع العمل الخيري يؤثر في الاقتصاد الوطني ككل. فالجمعيات الخيرية ليست مجرد جهات مانحة ومساندة للمستفيد؛ بل هي محركات اقتصادية تسهم في توفير الوظائف، وتحريك الأسواق المحلية، ودعم رواد الأعمال الاجتماعيين، وتقليص دورها يقلل من مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، مما ينعكس سلباً على تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى رفع مساهمة القطاع غير الربحي في التنمية المستدامة.

منصة إحسان: نموذج للحوكمة والموثوقية بالجمعيات الخيرية
في الوقت الذي يشكّك فيه البعض في عمل الجمعيات، فإن منصة إحسان، التي تضم لجنة إشرافية مكوّنة من 13 جهة رسمية، منها وزارة الداخلية، ورئاسة أمن الدولة، تقدم دليلاً عملياً على موثوقية الجمعيات الخيرية. فالجمعيات هي الجهة المنفّذة لمشاريع منصة إحسان، إضافة إلى مشاريع المنصات الحكومية الأخرى الحاضنة للتبرعات، مما يعكس ثقة الدولة بها، وحرصها على تعزيز دورها في تحقيق الأثر الاجتماعي الإيجابي.

هل الجمعيات الخيرية فوق النقد؟
بالطبع لا. النقد البنّاء ضروريٌّ لتحسين الأداء وتعزيز الشفافية، لكن هناك فرق بين النقد الموضوعي القائم على حقائق وأرقام، وبين التشكيك غير المبرّر الذي يعتمد على الشائعات والانطباعات الشخصية.

من حق الجميع الاطلاع على التقارير المالية والبرامج التي تقدّمها الجمعيات، وكثيرٌ منها متاحٌ للعامة عبر مواقعها الرسمية.

كيف يمكن التأكّد من مصداقية الجمعيات؟
بدلًا من التشكيك العشوائي، يمكن لأي شخصٍ يرغب في التحقّق من مصداقية جمعية خيرية اتباع هذه الخطوات:

– زيارة موقعها الرسمي والاطلاع على التقارير المالية والمشاريع المنفّذة.

– التواصل المباشر مع القائمين عليها وسؤالهم عن آلية العمل والصرف.

اقرأ أيضاًالمجتمع“السعودية للكهرباء” تشارك في مؤتمر مستقبل الطاقة الذي تنظمه GE Vernova للموردين العالميين في كابسارك ​

– التأكد من ترخيصها من خلال الموقع الإلكتروني لمركز تنمية القطاع غير الربحي.

– متابعة أنشطتها على أرض الواقع من خلال الفعاليات والتقارير الإعلامية.

العمل الخيري مسؤولية الجميع
العمل الخيري ليس مسؤولية الجمعيات وحدها؛ بل مسؤولية المجتمع بأكمله. ودعم هذا القطاع لا يكون فقط بالتبرع، بل بنشر الوعي، والمساهمة في التطوع، ونقل الصورة الإيجابية المبنية على حقائق لا على شائعات. أما التشكيك غير المبني على أدلة، فهو بمنزلة تعطيلٍ لعجلة الخير، وإضعافٍ لدور الجمعيات في مساندة الأفراد المحتاجين، وتقليل مساهمتها في النمو الاقتصادي والاجتماعي.

لذلك، قبل أن نحكم على الجمعيات، لنسأل أنفسنا: هل اطلعنا على حقيقة عملها؟ هل تواصلنا معها لمعرفة إنجازاتها؟ أم أننا فقط استندنا إلى مقولات عابرة ومعلومات غير موثوقة؟

الجواب عن هذه الأسئلة هو ما يحدّد إن كان رأينا مبنياً على الإنصاف، أم مجرد تشكيكٍ بلا دليل.

 

د. سلمان المطيري
الأمين العام لجمعية عناية الصحية

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الجمعیات الخیریة العمل الخیری

إقرأ أيضاً:

الحرائق المستعرة في كوريا الجنوبية الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد

"أ.ف.ب": أعلن رئيس إدارة الكوارث في سيول الخميس أنّ حرائق الغابات المستعرة منذ حوالى أسبوع في جنوب شرق كوريا الجنوبية والتي خلّفت 26 قتيلا حتى الخميس، أصبحت "الأضخم على الإطلاق" في تاريخ البلاد.

وقال لي هان-كيونغ إنّ "النيران تنتشر بسرعة. لقد بلغت مساحة الغابات المتضررة إلى 35,810 هكتارات، متجاوزة بأكثر من 10 آلاف هكتار المساحة التي تضررت من حريق الساحل الشرقي عام 2000، والذي كان الأكبر على الإطلاق".

وأضاف أنّ الحصيلة البشرية لضحايا هذه الحرائق بلغت حتى اليوم 26 قتيلا.

واعتبر لي أنّ هذه الحرائق "تكشف مجدّدا الواقع القاسي لأزمة المناخ"، مشيرا إلى أنّ عاملي الجفاف الشديد والرياح العاتية زادت من حدّة الأضرار.

وقال "لقد كشف هذا الحريق مجددا الواقع القاسي لأزمة مناخية لم نشهد لها مثيلا من قبل"، مشيرا إلى أنّ مستوى الأمطار التي هطلت في المناطق المتضرّرة هذا الموسم لم يصل إلى نصف المعدّل الطبيعي.

مقالات مشابهة

  • الحملة الوطنية للعمل الخيري بنسختها الخامسة بمنصة إحسان تتجاوز تبرعاتها المليار و800 مليون
  • أكثر من مليار و800 مليون ريال إجمالي تبرعات الحملة الوطنية للعمل الخيري بنسختها الخامسة
  • دراسة حديثة.. الواقع الافتراضي يخفّف آلام السرطان
  • نادية تواجه ابنها وسام بعد معرفتها بحقيقته.. أحداث الحلقة 12 مسلسل لام شمسية
  • فريق بهلا الخيري ينفذ مبادرة كسوة العيد
  • نزوى الخيري يؤمّن 90 ألف ريال لتمويل بناء ثلاثة مساكن للمعسرين
  • الواقع المر في دراما رمضان 2025.. سرد قصص الحرب والفقر
  • أنقرة: أردوغان أكد هاتفيا لبوتين أهمية العمل معا لوقف الأعمال التي تغذي العنف الطائفي في سوريا
  • الأمم المتحدة: نحو 20 مليون شخص في اليمن يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة
  • الحرائق المستعرة في كوريا الجنوبية الأضخم على الإطلاق في تاريخ البلاد