بعد كشف ثوري ثمّة شواطئ رملية قديمة على سطح المريخ
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
قدّم المسبار الصيني "تشورونغ" أدلة قوية تدعم النظرية التي طالما أثارت الجدل حول وجود محيط قديم كان يغطي أجزاء من سطح المريخ في دراسة حديثة نُشرت في دورية "بي إن إيه إس". فمن خلال تقنية الرادار المخترق للأرض، تمكن المسبار من اكتشاف بنى مدفونة تحت سطح سهل "يوتوبيا بلانيتيا" وهو سهل شاسع يقع في النصف الشمالي من الكوكب.
وكشفت الصور الرادارية عن طبقات من المواد ذات خصائص مشابهة للسواحل الرملية، مائلة بزوايا شبيهة بترسبات الشواطئ الأرضية. ويعتقد العلماء أن هذه التشكيلات قد تكون بقايا خط الساحل لمحيط قديم يُعرف باسم "ديوتيرونيلوس" يُرجح أنه وُجد قبل نحو 3.5 إلى 4 مليارات سنة.
ويُعزز هذا الاكتشاف الفرضية القائلة إن المريخ كان يتمتع في الماضي بمناخ دافئ ورطب، وغلاف جوي كثيف سمح بوجود كميات هائلة من المياه السائلة على سطحه. ويفتح وجود مثل هذا المحيط الباب أمام تساؤلات جوهرية حول إمكانية احتضان الكوكب للحياة في الماضي.
ووفق عالم الكواكب "هاي ليو" من جامعة "قوانغتشو" فإن "سطح المريخ شهد تغيرات هائلة على مدى 3.5 مليارات عام، ولكن باستخدام تقنية الرادار المخترق للأرض، استطعنا العثور على أدلة مباشرة لترسبات ساحلية لم تكن مرئية من السطح". وتشير هذه النتائج إلى أن تضاريس المريخ ربما تشكّلت بفعل الأمواج والتيارات المدّية، على غرار السواحل الأرضية.
يُعد اكتشاف ترسبات شاطئية قديمة على المريخ خطوة مهمة في فهم المناخ السابق للكوكب وإمكانية صلاحيته للحياة. فمن المعروف أن مثل هذه الترسبات على الأرض تستغرق ملايين السنين لتتشكل، مما يشير إلى أن المحيط الافتراضي "ديوتيرونيلوس" كان على الأرجح مسطحا مائيا مستقرا وواسع النطاق لفترة طويلة.
إعلانوقد يكون هذا الامتداد الزمني كافيا لتوفر الظروف المناسبة لنشوء وتطور الحياة الميكروبية، ويؤكد عالم الكواكب "مايكل مانغا" من جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن "الشواطئ تُعد مواقع مثالية للبحث عن أدلة على الحياة السابقة" مشيرا إلى أن أقدم أشكال الحياة على الأرض يُعتقد أنها نشأت في بيئات مائية ضحلة مماثلة.
ورغم أن دراسات سابقة قد أشارت إلى وجود معالم سطحية تشبه الشواطئ من خلال صور الأقمار الصناعية، فإن هذه التفسيرات ظلت موضع جدل بسبب تأثير عوامل التعرية والعمليات الجيولوجية التي طرأت على المريخ على مدار مليارات السنين. ولأن الهياكل التي رصدها مسبار "تشورونغ" كانت مدفونة تحت طبقات من الغبار والصخور، فقد تم الحفاظ عليها بحالة سليمة نسبيا وسط بيئة عاصفة في المريخ.
واستبعد الباحثون الفرضيات الأخرى التي قد تفسر هذه التشكيلات، مثل الكثبان الرملية الناتجة عن الرياح أو ترسبات الأنهار القديمة أو التدفقات البركانية، وخلصوا إلى أن هذه المعالم تتوافق بشكل أفضل مع خصائص الشواطئ القديمة.
كما تتوافق هذه الدراسة مع أبحاث حديثة تشير إلى احتمال وجود خزانات ضخمة من المياه لا تزال محتجزة تحت سطح المريخ. فقد كشفت بيانات المسبار "إنسايت" التابع لوكالة ناسا عن أدلة على وجود مياه سائلة محاصرة داخل الصخور النارية المتصدعة في أعماق الكوكب، ويعني ذلك أن بقايا المحيطات القديمة ربما لم تختفِ تماما، بل قد تكون لا تزال محفوظة تحت السطح.
ومع استمرار العلماء في استكشاف الكوكب الأحمر، تُسهم مثل هذه الاكتشافات في إعادة تشكيل فهمنا لتاريخه وإمكانية دعم الكوكب للحياة، وقد تحمل المهمات المستقبلية، المزودة بأدوات استكشاف متطورة، إجابات أكثر وضوحا عما إذا كان المريخ قد احتضن الحياة فيما سبق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سطح المریخ إلى أن
إقرأ أيضاً:
شواطئ.. مكاوي سعيد والقصة القصيرة في مصر (2)
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع الباحث مصطفى ربيع في كتاب "تقنيات السرد في القصة القصيرة عند مكاوي سعيد"، والصادر عن الهية المصرية العامة للكتاب 2023، بقوله: تتعدد أنماط المكان عند مكاوي سعيد ما بين البيت كما في قصص وداع، غرفة لم يدخلها رجل، الهابطون من السماء، المتلصص، سرى للغاية، والمقهى كما في قصة المتحول، والجامعة كما في قصة الشال الأبيض الحرير وشال الصوف الأسود، والمستشفى كما في قصص ليكن في علم الجميع سأظل هكذا، انفلات، عالمي وعالمها، وقسم الشرطة كما في قصة شاطئ لم أكن اعرفه، والميدان كما في قصة اللامرئيون، والشارع كما في قصص شكرا يا باولو، لم يحدث مطلقا، الدنيا بتلف، والأتوبيس كما في قصة المهرج، وقصة الركوب فوق حمار مقلوب، والمطعم كما في قصة أحيانا تغادرنا الدهشة، ومكان العمل كما في قصص ابتسامة عم حسن الذى لا يبيع ولا يشترى، تنهيدة، والفندق كما في قصة ابتسامة.
في قصة "شكرا يا باولو" من مجموعة "غرفة لم يدخلها رجل" كان الشارع عاملا أساسيا من عوامل حيوية القصة، ونمطا من أنماط المكان فيها، حيث كانت البداية الفعلية للقصة في الشارع، بعد ان انتهى المهندس وخطيبته من ترتيب شقتهما التي ستزوجان فيها بعد شهر، كان الشارع جامعها، يقول: "الشارع مظلم وكئيب، وأصوات الصبية وهم يلعبون خبت تمامًا، التصقت بي وأنفاسها الحارة تغمرني، وخوفها الغريزي يقويني، ويشغل في جسدي أحاسيس الرجولة.. يشعرني انى رجلها.. أنى شيخ القبيلة في هذا الشارع سيحدث كل شيء، وستتغير كل الترتيبات التي كانا يعدانها، في هذا الشارع، سيحاول أولا أن يغتصب منها قبلة، وسيفعل، ثم يصالحها، ويسيطر على غضها يقول: " كان لابد ان أغتصب القبلة مهما غضبت وتعصبت، وبالفعل تركت يدي، ومشت غاضبة خطوات، اعتذرت لها، عاتبتني بتحذير مملوء بالدلال، رويت لها نكتة، سرقت منها ابتسامة، رويت لها الثانية، ضحكت بصوت منخفض، رويت الثالثة ضحكت بماء فيها، وكان الكون يضحك معها، ثم جذبت ذراعي، وهي تحلفني بحبها ألا أفعلها".
في قصة "عم حسن الذي لا يبيع ولا يشترى" كان مكان عمله "الدكان" هو النمط الذي تمحورت حوله القصة، والذي منه وقفنا على حياته الاجتماعية والنفسية. كان الدكان عتيقا لا يسمح بالبيع، ولا يسمح بالشراء، مما جعل من عم حسن رجل لا فائدة منه، فلا هو يبيع ولا هو يشترى.
وقد تعددت أنماط المكان في قصص مكاوي سعيد، لتشمل أنماطا مختلفة تنتمي كلها إلى الشعب المصري، وتنبع من داخل الإنسان المصري البسيط. كما أعتمد مكاوي سعيد في تقنية المكان على الأبعاد التي تحيطه، بدءا من البعد الجغرافي الذي يحدد أطراف المكان، ومرورًا بالبعد النفسي الذي يوضح العلاقة بين المكان وصاحبة.
وقد استخدم مكاوي سعيد تقنية تيار الوعي في قصصه بصورة قليلة، أو لنقل نادرة، وذلك أمر طبيعي، لان القصة تكون مكثفة ومركزة، ولا تسمح بتدفق مشاعر النفس الدفينة، على عكس الرواية المطولة، التي تأخذ مساحة أكبر للتعبير عن دواخل النفوس. من ذلك ما جاء في قصة الشال الأبيض الحرير وشال الصوف الأسود من مجموعة "سرى للغاية"، حيث جاءت تقنية تيار الوعي في القصة عندما بدأ الراوي في تذكر سحر وأبيها وأمها.
وأهمية تيار الوعي هنا تكمن في التعريف بالأسباب التي جعلته من البداية يكره سحر، ويكره كل غنى، ويغضب على فقرة، فقد عاد إلى السبب الأول لحالة الكراهية لديه، وهو الفقر، والذي يشاركه في سبب الكرة والعدائية عزة النفس. كذلك جاء تقنية تيار الوعي في قصة "الرجل الرومانسي" من مجموعة "الركض وراء الضوء" حيث تداعت الأفكار على الرجل الرومانسي المتهم بسرقة الأساور من يد الفتاة، والتي نعرف في نهاية سرده للحكاية من خلال تيار الوعي انها حبيبته، وأنه كان يحاول جذبها من يدها كما شاهد ذلك في أوبريت أغنية بالتلفزيون، يقول: "عرض علينا التلفزيون أمس أوبريت لا أذكر اسمه، لكن سأحكى لك عنه، أنا لا أهذى ولكن اسمعني يا سيدي هل ترضى أن أظلم؟ كان الأوبريت يحكى عن علاقة حب بين فتاة وشاب تدخل القدر بينهما فافترقا بعد خلاف، وفى أحد الأيام بعد ثلاث سنوات بينما الفتى يسترجع ذكرياته في مكان لقائهما رأها، تدللت ثم التقيا بقبلة عريضة وأنتهي الأوبريت بعد ان أثار في قلبي العواطف".
هذا التذكر كله الذي اعتمد فيه على تقنية تيار الوعي من خلال سرد حكايته من بدايتها ليبرئ نفسه من تهمة سرقة الأساور من يد الفتاة، وأنه كان يريد أن يفعل كما فعل الرجل في الأوبريت عندما وقف امام المصلحة التي كانت تعمل فيها وبدأ في تعقبها، يقول: "وقفت أمام المصلحة تعقبها فلم ترنى، جذبت يدها كما فعل الرجل في الأوبريت، صرخت، فجاء هذا الثور ليحطمني بقبضته ويقول إني سارق، هل ما زلت تصدق يا حضرة الضابط أن أسرق؟". وكأنه بتيار الوعي هذا أراد مكاوي سعيد أن يؤكد حقيقة مفادها ان كلام الأغاني شيء، والواقع شيء آخر، فالواقع ليس بهذا التساهل، وليس بهذه السهولة التي نراها في اوبريت الأغاني.
وفى خاتمة الكتاب يقول الباحث مصطفى ربيع: لقد نجح مكاوي سعيد في جعل شخصياته تعبر عن واقع المجتمع المصري بكل أطيافه المتشابكة في فترة زمنية معينة، وفى مكان محدد، (وسط البلد) بمدينة القاهرة، حيث تقع أعلب احداث القصص. وقد كانت القصة عند مكاوي سعيد متألفة حتى أننا لنشعر أن القصة الأولى تقود إلى القصة التالية، وتكملها، فالنص القصصي عبارة عن "بنية منسجمة تتآلف عناصرها فيما بينها، ولابد من معالجته على انه وحدة واحدة لا تتجزأ إلا ليعاد تركيبها. وتبقى القصة التي حاول أن يكتبها مكاوي سعيد من خلال نصة القصصي هي قصة حياته، تلك القصة التي نستطيع أن نستخرجها من وراء النص القصصي، فهو تارة طفل صغير، وهو تارة شاب له أحلام وأمنيات، وهو تارة كهل يبحث في الحياة، وهو رجل يستقبل الموت بكل رحابة، وهو تارة عائد على الماضي آخذا منه العبرة، وهو تارة عائش في الحاضر ساعيًا إلى تغييره، وهو خائف من المستقبل متأملًا فيه الخير.