من الخليل بدأ استيطان الضفة ومنه قد ينتهي أمرها إلى الأبد
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
بعد "النكسة" بشهور قليلة وفي بدايات عام 1968 نزلت مجموعة من اليهود الإسرائيليين لأول مرة في فندق النهر الخالد بمدينة الخليل التي تقع في الضفة الغربية إلى الجنوب من القدس الشريف بنحو 35 كيلومترا، وذلك لقضاء أيام عيد الفصح بالتنسيق مع جيش الاحتلال.
وكان المفترض أن تكون زيارة سريعة بغرض السياحة، لكن هذه المجموعة بقيت ورفضت المغادرة لتؤسس أول بؤرة استيطانية في الخليل.
يبلغ عددهم 73 يهوديا، ويتزعمهم الحاخام اليهودي المتطرف موشيه لفينغر الذي سيصبح لاحقا الأب الروحي لحركة الاستيطان في الخليل ثم في سائر أنحاء الضفة الغربية، وسوف يؤسس في عام 1974 منظمة "غوش إيمونيم" وتعني "كتلة الإيمان"، والتي ستأخذ على عاتقها دعم حركة الاستيطان في مناطق الضفة الغربية.
وبعد عيد الفصح المذكور رفضت هذه المجموعة إخلاء الفندق واعتصمت داخله، وتلقت دعما عبر زيارات كثيفة من رجال دين وساسة إسرائيليين أظهروا تأييدهم لمشروع "لفينغر" الاستيطاني في الخليل.
وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية -التي كانت تحكمها أحزاب اليسار في ذلك الوقت- قد عارضت هذا المشروع فإنه وبسبب صعوبة حماية هذه المجموعة في قلب المدينة وتعرّض الفندق لهجمات من شبان فلسطينيين ألقوا عليه الحجارة ومواد حارقة صادرت قيادة جيش الاحتلال قطعة أرض كبيرة تقع إلى الشرق من الخليل وبعيدة نسبيا عن الحيز العمراني في ذلك الحين، ومنحتها لهم ليضعوا فيها اللبنات الأولى لمستوطنة "كريات أربع" التي ستصير لاحقا معقلا للمتطرفين اليهود من أنصار "الصهيونية الدينية".
في "كريات أربع" سيؤسس الحاخام اليهودي مائير كاهانا -وهو أحد أبرز قيادات الصهيونية الدينية- حركة (كاخ) المتطرفة، والتي سيخرج منها الطبيب المتطرف باروخ غولدشتاين منفّذ مذبحة المسجد (الحرم) الإبراهيمي في مدينة الخليل عام 1994.
إعلانفي فجر الجمعة 25 فبراير/شباط 1994 الموافق 15 رمضان 1415 للهجرة وقف المستوطن باروخ غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش عليهم وهم سجود، وفي الوقت نفسه ساعده آخر في تعبئة الذخيرة التي احتوت "رصاص دمدم" المتفجر.
وأسفرت مجزرة الحرم الإبراهيمي عن استشهاد 29 مصليا وإصابة 15 آخرين، قبل أن ينقض مصلون على غولدشتاين ويقتلوه.
وبعد انتهاء المذبحة أغلق جنود الاحتلال الموجودون في الحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج المسجد من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.
وبعد 31 عاما من المجزرة الأولى أبلغ الارتباط الإسرائيلي وتحديدا في 26 فبراير/شباط 2025 إدارة الحرم الإبراهيمي أن الأعمال في الحرم قد نُقلت من وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى هيئة التخطيط المدني الإسرائيلي.
وبموجب القرار الذي أعلنت الأوقاف الفلسطينية رفضه، سيُستأنف العمل في سقف المنطقة المعروفة باسم "الصحن" الخاص بالمسجد الإبراهيمي.
وكان مستوطنون يهود وضعوا خيمة في مكان الصحن قبل 20 عاما، وخصصوها مكانا للعبادة وبقيت قائمة حتى اليوم، إذ يطالب المستوطنون ببناء سقف للصحن وتخصيصه رسميا مكانا للعبادة.
وبالفعل، كانت قوات الاحتلال قد شرعت في سقف الصحن بألواح الزينكو في 9 يوليو/تموز 2024، لكنها أوقفت العمل بعد يومين إثر احتجاجات فلسطينية.
رمزية الخليل والمسجد الإبراهيميمن الخليل بدأ الاستيطان في الضفة الغربية، وفي الخليل معقل مستوطنات التيارات اليمينية المتطرفة، وهناك أيضا الحرم الإبراهيمي الذي يسميه اليهود "مغارة المكفيلة" أو "كهف البطاركة"، وهو أقدم بناء مقدس مستخدم حتى اليوم دون انقطاع تاريخي، وهو رابع الأماكن المقدسة عند المسلمين، وثاني الأماكن المقدسة عند اليهود بعد ما يسمونه "جبل الهيكل" حيث يقع المسجد الأقصى الشريف.
إعلانهذا ما يجعل المعركة على الخليل وعلى المسجد الإبراهيمي تبدو أعقد وأهم المعارك في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأكثرها رمزية بعد المعركة على القدس والمسجد الأقصى.
وينسب المسجد (الحرم الإبراهيمي) إلى النبي إبراهيم الخليل -عليه السلام- الذي تشير بعض المرويات التاريخية إلى أنه دُفن فيها قبل 4 آلاف عام، وسميت مدينة الخليل باسمه، وفيه قباب مغطاة تقول مصادر تاريخية إنها قبور للأنبياء إبراهيم وزوجته سارة، إضافة إلى إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وزوجاتهم عليهم السلام.
يذكر أن أول محاولة لبدء النشاط الاستيطاني في الخليل بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، لكن تداعيات "ثورة البراق" عام 1929 -وهي أول انتفاضة فلسطينية على محاولة تهويد القدس في عهد الانتداب البريطاني التي تضمنت مصادمات عنيفة بين أهالي مدينة الخليل والمستوطنين اليهود فيها- أدت إلى خروج المستوطنين اليهود منها، بحيث باتت الخليل منذ ذلك الوقت عصية على النشاط الاستيطاني إلى حين احتلال إسرائيل بقية الأرض الفلسطينية في حرب 1967.
"تشير الأدلة المقدمة لنا إلى أن الدكتور باروخ غولدشتاين تصرف بمفرده، كما أن السرية التامة لعمله وكونه عملا مستقلا بصورة حاسمة ينسجمان مع شخصية هذا المهاجم وسلوكه".
ورد هذا الكلام في تقرير لجنة "شمغار" التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية عام 1994 برئاسة رئيس محكمة العدل العليا الإسرائيلية آنذاك القاضي مئير شمغار، للتحقيق في مذبحة المسجد الإبراهيمي، ولتغلق إسرائيل بذلك الباب أمام المطالبات بتحقيق دولي رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يوم 18 مارس/آذار 1994 يدين المجزرة ويدعو إلى اتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين، بما فيها نزع سلاح المستوطنين.
وتضمّن تقرير اللجنة محاولة لتبرير الحادثة بكونها كانت سلوكا فرديا، كما برأ الجنود الإسرائيليين المكلفين بحراسة المسجد الإبراهيمي من أي مسؤولية عما جرى، واعتبر أنهم لم يثبت تواطؤهم مع الجاني أو مساعدتهم له.
إعلانكما قال التقرير إن فحص آلة الكشف عن المعادن -والتي يمر عبرها المصلون- قد أدى إلى اكتشاف أنها كانت معطلة.
كذلك برأ التقرير جنود الاحتلال الذين أغلقوا أبواب المسجد بعد المذبحة ومنعوا المصلين من الخروج، معتبرا أن "إغلاق بوابات المسجد -ولا سيما البوابة الشرقية- من قبل أفراد الجيش كان ضروريا لحماية أنفسهم من الجموع الهائجة التي يمكن أن تتدفق عبر البوابة".
لكن الأكثر أهمية من ذلك هو توصيات التقرير التي رسخت تقسيم المسجد الإبراهيمي إلى قسمين: القسم المسمى "الإسحاقية"، وهو مخصص لصلاة المسلمين، وبقية المسجد مخصصة لصلوات اليهود، على أن تغلق الحضرة الإسحاقية أمام المسلمين في الأعياد والمناسبات اليهودية، وبلغت مساحة ما خُصص لليهود 56% من المساحة الإجمالية للمسجد الإبراهيمي.
يذكر أن اعتداءات اليهود على حرم المسجد بدأت مبكرا قبل ذلك التاريخ، لكنها اتخذت طابعا رسميا منذ يناير/كانون الثاني 1972 عندما سمحت السلطات الإسرائيلية لليهود رسميا بأداء الصلوات في المسجد بشكل غير تظاهري وفي غير أوقات صلاة المسلمين.
ووفقا لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، نظم الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ في أغسطس/آب 1972 صلاة تظاهرية مع أتباعه بالقرب من المسجد الإبراهيمي.
وقبل نهاية السنة نفسها صلى الحاخام نفسه مع أتباعه داخل الحرم خلال أوقات صلاة المسلمين، ثم في نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها قرر الحاكم العسكري الإسرائيلي زيادة عدد الساعات المخصصة لليهود، بحيث أصبحت هذه الصلوات جزءا من الواقع فاقتضى تنظيمها.
لذا، يمكن القول إن التقسيم الزماني للمسجد الإبراهيمي قد بدأ في عام 1972، قبل أن يجري لاحقا التقسيم المكاني.
عقبة المفاوضاتعندما انطلقت مفاوضات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية "أوسلو-1″ في عام 1993 و"أوسلو-2" في عام 1995 كان وضع مدينة الخليل استثنائيا في مخرجات عملية التفاوض، نظرا لأهميتها الخاصة لإسرائيل وارتباطها بتوازنات حرجة بين قوى المجتمع الصهيوني، فلم تنسحب إسرائيل من الخليل كما انسحبت من مدن أخرى في الضفة الغربية.
إعلانونصت اتفاقية "أوسلو-2" على أن توضع "ترتيبات خاصة لمدينة الخليل"، وازداد الأمر تعقيدا بعد اغتيال إسحاق رابين في العام نفسه وصعود حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، ورفض نتنياهو الانسحاب الجزئي من الخليل الذي كان مقررا، وعوضا عن ذلك وقّع مع منظمة التحرير الفلسطينية في 15 يناير/كانون الثاني 1997 ملحقا لاتفاقية أوسلو يسمى "بروتوكول الخليل"، وينظم إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في المدينة.
وقُسّمت الخليل بموجبه إلى منطقتين، هما "الخليل 1" ويرمز لها بـ"إتش 1″، وتشكل نحو 80% من مساحة المدينة، وتخضع للسلطة الوطنية الفلسطينية أمنيا ومدنيا، والأخرى هي "الخليل 2" ويرمز لها بـ"إتش 2″، وتشكل نحو 20% من مساحة مدينة الخليل وتخضع أمنيا للسلطة الإسرائيلية، وتشمل كامل مساحة البلدة القديمة، بما فيها المسجد الإبراهيمي.
ومؤخرا، عادت الخليل مرة أخرى وعاد المسجد الإبراهيمي ليتصدرا واجهة الصراع، ومن المرجح أن يستمر هذا التصدر ضمن محاولة حكومة نتنياهو تنفيذ أجندة دينية تتعلق بجعل إسرائيل دولة يهودية خالصة، واستكمال السيادة على كافة مناطق الضفة الغربية.
ولأن نتنياهو يحاول تثبيت ائتلافه الحكومي الهش عبر إقناع شريكه الأكثر تطرفا بتسلئيل سموتريتش وزير المالية رئيس حزب الصهيونية الدينية بالاستمرار في دعم الائتلاف الحاكم رغم احتمالية تراجع نتنياهو عن وعوده الخاصة له باستئناف الحرب مجددا بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار فإن نتنياهو في المقابل سوف يستمر بتعويض ذلك عبر العديد من الإجراءات التي تلبي المطالب الأيديولوجية للصهيونية الدينية، وسيكون المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي دائما في قلب هذه الإجراءات.
إعلانفإذا كان استيطان الضفة الغربية قد بدأ من الخليل منذ ستة عقود مضت؛ فإن إجراءات تهويد الخليل الحالية، قد تتوج دورة استيطانية، قد تنهي واقع الضفة الذي عهدناه، وهذا ما يتمناه المتطرفون، لكن من جانب آخر؛ قد تشكل محاولات فرض واقع نهائي بتهويد كامل المسجد الإبراهيمي محفزا إضافيا للمقاومة الآخذة في التصاعد بالفعل في الضفة الغربية، والتي رجح معهد ستراتفور أن تشهد انتفاضة مسلحة خلال عام 2025.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبعاد المسجد الإبراهیمی الحرم الإبراهیمی فی الضفة الغربیة مدینة الخلیل من الخلیل فی الخلیل فی عام
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: منظمات الإغاثة تكافح لتوفير احتياجات آلاف النازحين في الضفة الغربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سلطت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها اليوم الأحد على الوضع الراهن في الضفة الغربية حيث تكافح منظمات الإغاثة لتوفير احتياجات آلاف النازحين بعدما أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى نزوح 40 ألف شخص من مخيمات اللاجئين.
وأوضحت الصحيفة أن العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استمرت لأشهر، أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، وهي أزمة تقول السلطات المحلية إنه لا توجد أي بوادر لانحسارها، حيث تكافح منظمات الإغاثة، المُقيدة بالقيود الإسرائيلية وصعوبات التمويل، للاستجابة.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل شنت العملية في يناير الماضي عندما نشرت قوات ودبابات وجرافات مدرعة في مخيم جنين للاجئين، رمز المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث مزّقت الطرق وهدمت المنازل ومنعت السكان من العودة. وبحلول ذلك الوقت، كان العشرات من المسلحين الذين تحصنوا هناك سابقا قد فروا إلى حد كبير أو أُسروا أو قُتلوا.
وتابعت أن العملية العسكرية أدت إلى النزوح القسري لأكثر من 40 ألف شخص من مخيمات اللاجئين والمجتمعات المحيطة بها في جنين وطولكرم، وفقًا للأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، هدمت القوات الإسرائيلية مئات المنازل والوحدات السكنية أو ألحقت بها أضرارًا بالغة، وفقًا للأمم المتحدة والسلطات المحلية ومقاطع فيديو وشهادات السكان.
ووفقًا لرولان فريدريش، مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الضفة الغربية، فإن حجم النزوح الآن غير مسبوق منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. حوالي ثلث الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية - أو ما يقرب من 900 ألف شخص - مسجلون رسميا كلاجئين، بعد أن فرت عائلاتهم أو طُردت من منازلهم خلال حرب عام 1948 التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل.
ووضعت السلطات المحلية آلاف السكان الأكثر ضعفًا في ملاجئ مؤقتة، وقدمت، إلى جانب الجهات المانحة والمنظمات الدولية، مساعدات طارئة. لكن القيود الإسرائيلية وانعدام الأمن ونقص التمويل تعيق قدرتهم على تقديم الإغاثة للمشردين حديثا - وقد ينفد تمويل الملاجئ قريبًا.
وقال محمد الصباغ، رئيس لجنة الخدمات الشعبية في مخيم جنين: "هذه أزمة غير طبيعية. إنها كارثة جديدة لمخيم جنين".
واستعرضت الصحيفة معاناة السكان حيث قالت عرين علاقمة، 29 عامًا، إنها سمعت بعد عدة أيام من بدء العملية، طائرة مسيرة إسرائيلية تحلق فوق منزل عائلتها في المخيم حيث "كانت الطائرة المسيرة تخبرنا: لديكم مهلة من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً للمغادرة. إذا لم تغادروا، فسنفجر المنزل".
لذلك، سلكت علاقمة وعائلتها الطريق الذي حدده الجيش الإسرائيلي، تحت نيران كثيفة وعلى طرق "مليئة بالحفر"، على حد قولها، مضيفة أنهم لم يكن لديهم الوقت لجمع أمتعتهم. وفي المجمل، أُجبر حوالي 21 ألف شخص على إخلاء مخيم جنين، وفقا للسلطات المحلية، تاركينه خاليًا.
وسرعان ما لجأت علاقمة إلى مركز محلي للمكفوفين حيث أُعيد استخدامه كمأوى للنازحين. تنام حوالي 24 عائلة هناك على سريرين متكدسين معًا، ويطبخون معًا في مطبخ بسيط. وفي البداية، جلبت الجمعيات الخيرية المحلية والمانحون للعائلات الملابس والبطانيات والفرش وغيرها من اللوازم الأساسية، وفقًا لما ذكرته نساء في الملجأ. ولكن مع تزايد أعدادهم ومرور الوقت، تضاءلت المساعدات.
وبعد عدة أسابيع من نزوحهم، حاولت علاقمة وبعض قريباتها العودة إلى منازلهم لأخذ ملابس حيث قالت إن قناصا إسرائيليا أطلق النار على المجموعة خمس مرات لكنهم تمكنوا من الفرار سالمين والتجأوا إلى مبنى مهجور لمدة سبع ساعات، حتى وصلت سيارة إسعاف لنقلهم.
ولم يجرؤ معظم النازحين على المخاطرة. وبدلًا من ذلك، يعيشون على المساعدات، التي تأتي في معظمها من المؤسسات المحلية والجهات المانحة فيما يُعد مخيم جنين من أفقر مناطق الضفة الغربية حيث كان معظم الناس عاطلين عن العمل ويعيشون تحت خط الفقر، وفقًا لمسؤولين محليين. كما تواجه البلديات والسلطة الفلسطينية في رام الله قيودا مالية شديدة تجعلها غير مجهزة لإدارة حالة الطوارئ.
وقدمت مجموعة من المنظمات الدولية طرودا غذائية، ومستلزمات نظافة، ونقل مياه، ومساعدات أخرى للنازحين حديثًا. ومع ذلك، يقول عمال الإغاثة إن أزمة بهذا الحجم عادة ما تستدعي استجابة أكثر قوة وتنسيقا لكن تضافر عوامل عديدة عقّد قدرة المنظمات الدولية على المساعدة.
وتُعد الأونروا، التي تأسست عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، عادةً أول جهة تلجأ إليها هذه الفئة من اللاجئين حيث قدمت الوكالة دفعات نقدية طارئة لآلاف العائلات النازحة، وأنشأت خطوطًا ساخنة للدعم النفسي، وفتحت عيادات متنقلة ومراكز صحية طارئة لمن كانوا يعتمدون على عيادات الأونروا في المخيمات.
لكنها تواجه قوانين إسرائيلية جديدة تهدف إلى تقويض عملها حيث أوضح فريدريش أن أحد القوانين يحظر الاتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفي الأونروا، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الجيش الإسرائيلي عند اقتحام الجنود منشآت الأونروا في الضفة الغربية. وأضاف أن الموظفين لا يزالون يتعرضون للمضايقة من قبل الجنود عند نقاط التفتيش.
كما تعاني الوكالة من نقص في السيولة. وقال فريدريش إن تخفيضات إدارة ترامب للمساعدات الخارجية الأمريكية أجبرت الأمم المتحدة والوكالات الأخرى على اتخاذ خيارات صعبة بشأن أين تذهب أموالها. وبالنسبة للعديد من المانحين، طغت الكارثة الإنسانية في غزة على الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية.
ومن جانبها، قالت بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات في الأراضي الفلسطينية المحتلة في منظمة أوكسفام الدولية: "لقد تقلصت قدراتنا ومواردنا لدرجة أننا نكاد نضطر فيها إلى اتخاذ قرار بين غزة والضفة الغربية، وهو ما يتعارض مع مبادئنا الإنسانية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه بجانب الموارد المالية، يواجه العاملون في المجال الإنساني قيودًا على الوصول ناجمة عن تزايد عدد نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية، واعتداءات الجنود والمستوطنين، والمخاوف الأمنية المتعلقة بالعمليات العسكرية والأضرار التي تلحق بالمنشآت الإنسانية، وذلك وفقًا لمقابلات مع عمال إغاثة وتقرير صادر عن ائتلاف من المنظمات غير الربحية في فبراير الماضي.
ولفتت الصحيفة إلى أن العديد من العائلات الفلسطينية تتقبل فكرة أنها قد لا تعود إلى ديارها أبدًا حيث جلست أم خالد، البالغة من العمر 75 عامًا، في سكن الجامعة العربية الأمريكية الذي تتشاركه الآن مع حفيدها في إحدى الأمسيات مؤخرًا، مستذكرةً منزلها متعدد الطوابق في مخيم جنين الذي بدأت هي وزوجها بنائه قبل نصف قرن.
قالت: "حملتُ الأسمنت على كتفي. وضعنا كل مدخراتنا في المنزل، لكنه الآن رمادا".
وكشفت الصحيفة أنه منذ بدء العملية، هدمت القوات الإسرائيلية 200 مبنى سكني في مخيم جنين للاجئين، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية الأسبوع الماضي، نقلًا عن مصادر أمنية كما أصدرت إسرائيل هذا الشهر، أوامر هدم لنحو 90 مبنى، قال جرار إنها ستُشرد 300 عائلة.
وتحولت الشوارع إلى أكوام من الخرسانة المحطمة والحطام، وفي أماكن أخرى، سوّى الجيش الإسرائيلي المباني بالأرض لإفساح المجال للدبابات، التي نُشرت في فبراير الماضي في الضفة الغربية لأول مرة منذ عقود. وتسد أكوام ترابية ضخمة بناها الجنود الإسرائيليون مداخل المخيم.
ومع ذلك، يتعهد الكثيرون بالعودة. وبدموعٍ تملأ عينيها، تذكرت أم خالد الحديقة التي كانت تعتني بها خلف منزلها، مليئة بأشجار البرتقال والزيتون.