ملخص
(الحرب القائمة في السودان حالة قصوى من العزة بإثم السلاح وهرجه. ولم يسلم من عدوى هذا الهرج حتى من خرج للحق متأبطاً سلاحه بلا حاجة لذلك. فلن يقف حامل السلاح عند تحرير نفسه بالعنف من الخصم الذي خرج له أول مرة. بل ستجده يلجأ للسلاح أيضاً متى أشكل عليه أمر في حركته نفسها كما رأينا في انقسام الحركة الشعبية في 2017.

ولربما ربما كانت هذه الحرب على علاتها مناسبة لا للعن ظلام صفوة الحكم منذ 1956 وحسب، بل للعن ظلام من حاربوها بالسلاح في حين ظلت هذه صفوة نكداء في المركز تسقط بالثورة المدنية المركز اللعين في كل مرة بينما السلاح الذي خرج لقتالها في أغماده. وكما قال مارتن لوثر كينغ "إنك لن تحارب الظلام بالظلام")

لم تروج الحرب القائمة لنقد صفوة الحكام الوارثين للدولة السودانية من الاستعمار الإنجليزي في 1956 على نطاق واسع فحسب، بل وفي سياق محاولة حثيثة لتبديله حيث هو في الخرطوم بيد “الدعم السريع” لا باللسان من الهامش كما كان قبل ذلك.
وأكثر شكوى نقاد هذا الحكم لصفوة الشمال النيلي أنه ضرج حياتنا بالحرب ضد كل من خرج عليه يطلب حقاً. فأظهر زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان عبدالعزيز الحلو عزة شديدة في حديثه بالوسائط للجنة المقاومة في حي العباسية بمدينة أم درمان في 11 سبتمبر (أيلول) 2020 بنهوض الهامش السوداني منذ 1983 بالسلاح لرفع الغبن التنموي والسياسي الواقع عليها من نخبة الأفندية “الشمالية” التي استأثرت بالحكم منذ الاستقلال. فما خرج أحد بمظلمة حتى لاقته هذه النخبة الحاكمة بالسلاح، ثم اكتشفت أخيراً أنها لا تحتكر وحدها السلاح. فجاءها من كل صوب.، وبينما صح نعي الحلو هذه النخبة لمفاسدها في الدولة وإفراطها في العنف لتبقى على كراسيها إلا أنه أعفى من مؤاخذة من خرجوا لـ”عتابها”، في قول الشاعر بشار بن برد، بالسلاح من كل تبعة في الأزمة السودانية وعنفها. فالذين خرجوا بالسلاح أعداهم غروره بالمثل وضربهم هرجه.
وكان الحلو نفسه ضحية رفاقه من حملة السلاح. فاعتزاله الدولة والثورة والحرب السودانية لياذاً بدولته المحررة بجبال النوبة جنوب غربي البلاد أثر من خذلان رفاق السلاح له في أوائل القرن الحالي. فكان طلب من الحكومة الانتقالية بعد سقوط حكومة الإنقاذ في 2019 أن تعلن علمانية الدولة، أو أن تمنح جبال النوبة حق تقرير المصير الذي يأذن باستقلالها متى أراد أهلها ذلك.
قال الحلو لشباب مقاومة حي العباسية بأم درمان أنه غير ملح مع ذلك على علمانية الدولة وسيكتفي بتقرير مبدأ فصل الدين والدولة، والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وجهان لعملة واحدة بالطبع.
إذا أردنا معرفة لماذا اعتزل الحلو الثورة والحكومة الانتقالية والحرب القائمة عدنا إلى مفاوضات السلام التي انعقدت بين دولة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان في 2002. وهي المفاوضات التي تحقق بها لجنوب السودان، الذي هو الأصل في دعوة السودان الجديد التي استجاب لها الناس في جبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق ودارفور، ألا يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وحق تقرير المصير الذي انتهى بالجنوب للانفصال من السودان في 2011 فيما خرجت جبال النوبة والنيل الأزرق صفر اليدين من ذلك الحق. في حين أنها حاربت لأجله كتفاً بكتف مع الحركة الشعبية، بل وباسمها، للحصول عليه.
روت الدبلوماسية النرويجية التي شاركت في مفاوضات السلام السودانية في أوائل القرن هيلدا جونسون، في كتابها “شن السلام في السودان” 2011 عن تنازل العقيد جون قرنق عن شمول جبال النوبة والنيل الأزرق عن ذلك الحق ولوازمه مثل ألا تطبق الشريعة وسطهم. فقد عارضت الحكومة أن يكون للمنطقتين ما للجنوب لأنهما واقعتان في حدود شمال السودان منذ استقلاله في 1956 ويجري عليهما ما يجري عليه. ولما جعلت الحكومة استفتاء المنطقتين عن مصائرهما خطاً أحمر تكون به المفاوضات أو لا تكون تنازل قرنق متحرجاً. وجدت هيلدا مخرجاً لقرنق من حرجه حيال رفاق سلاحه. فاقترحت عليه منح المنطقتين ما عرف لاحقاً بـ”المشورة الشعبية” التي قالت إنها مستمدة من تجربة تيمور الشرقية مع إندونيسيا. وبمقتضاها لا يسقط عن المنطقتين حق الانفصال فحسب، بل وتطبق الشريعة الإسلامية فيهما أيضاً. وتعويضاً لهما عن الفقد سيكون لمجالس المنطقتين النيابية الشورى في مدى التزام الحكومة بما اتفقت عليه حيالهما في اتفاق السلام الشامل عام 2005. ومن حق تلك المجالس أن تقرر، على ضوء جردها لما تحقق من ذلك الالتزام، أن كانت سعيدة بسجل الحكومة في الخصوص أو أن تعطل اتفاقية السلام معها، وتطلب الاستفتاء المؤدي للانفصال. وتركوا كل ذلك لزمانه ومكانه تحت الحكومة الانتقالية التي سيكون للحركة الشعبية فيها حظ كبير.
وبلغ من حرج قرنق لخروجه بالاستفتاء والعلمانية، إذا كان لا بد، للجنوب دون المنطقتين أن سأل هيلدا أن تراضي الحلو وزعيم الحركة الشعبية بمنطقة النيل الأزرق مالك عقار على صيغة المشورة الشعبية التي اعترفت هي نفسها أن نسختها الإندونيسية شملت الاستفتاء نصاً. وللمراضاة وعدت هيلدا الحلو وعقار أنها ستحشد الرأي العام العالمي لتقوم انتخابات المجالس التشريعية في المنطقتين حرة نزيهة، وأن تقف دولتها، النرويج، بقوة مع خياراتهما في المشورة الشعبية. وكان ذلك مما يسميه الفرنجة “جر الصوف على عين محدثك”، أي خداعه، فقالت إن العالم لم يلتزم بأي مما التزمت به هي لهما. فنسي المنطقتين. ولم تجنِ أي منهما ثمار السلام المسمى شاملاً فحسب، بل ساق غموض مفهوم المشورة الشعبية الملتبس إلى الحرب بين الحكومة والحركة الشعبية في المنطقتين خلال 2011. ووصفت هيلدا ذلك التنصل من تلك الالتزامات بالخيانة التي ارتكبها العالم وصفوة الخرطوم بما فيها صفوة الحركة الشعبية الحاكمة التي كانت طرفاً ذا ثقل في الحكومة الانتقالية من 2005 إلى 2011. وزادت هيلدا بقولها إن شعبي المنطقتين يشعران بالمرارة من هذه الخيانة وعليه وجب اعتبار هذه المرارة في أي سيناريوهات قادمة لحلحة أزمة السودان.
وأخذ الحلو على النخبة التي اختطفت دولة ما بعد الاستقلال أنها جعلت الحرب سمة تاريخنا المعاصر، وجعلت العنف شريعة ضد كل صاحب مظلمة. والأحرى بالقول إنها جعلت العنف شريعة فينا. فلم تجد الحركة الشعبية المسلحة، التي كان الحلو نائب القائد العام لها، بداً من تصفية الخلافات التي ثارت وسطها في 2017 إلا بالعنف، فانقسمت يومها إلى جناحين. كان على رأس واحد منها رئيس الحركة عقار وأمينها العام ياسر عرمان وناطقها الرسمي مبارك أردول، بينما كان الحلو على رأس الجناح الثاني حيث نجح في حيازة غالب أصول الحركة المادية والبشرية. فأجلى خصومه من إقليم جبال النوبة الذي يدين له بالهوية العرقية بجانب أمور أخرى. ولاحقهم في إقليم النيل الأزرق الذي ينتمي عقار لبعض شعبه. وأضعفهم للغاية. والتحم جيشا الجمعين في مثل معركة قوز البقر 19 فبراير (شباط) 2018 بالدبابات والسيارات المحملة بالمدافع الرباعية والدوشكا. وعم شر القتال أهالي المنطقة فأسرعوا بالألوف للجوء إلى دولة جنوب السودان، فيما ناشد وجوه القوم من المنطقة الحلو أن يبتعد عنها ويمتنع عن الفتنة بين مكوناتها. واستنكر مبارك أردول على الحلو أن يوقف العدائيات مع حكومة البشير في حين يوجه بنادقه إلى صدور رفاقه.
وكان لهذا العنف بين الرفاق الأعداء ومقاتلة ذيوله السياسة المضرجة بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. فامتنع الحلو عن الجلوس على مائدة واحدة مع جناح عقار في مفاوضات السلام بجوبا في 2020 لأنه لا يعترف بتمثيل عقار لأي من المنطقتين، جبال النوبة والنيل الأزرق، كما يدعي.
وفي غياب الحلو حصل جناح عقار من اتفاقية جوبا على حظ لا بأس به من المناصب. فخصته الاتفاقية بمنصب الوالي على النيل الأزرق ومنصب نائب الوالي في جبال النوبة، علاوة على نصيب معقول من حقائب الوزراء والمديرين وغيرها في المنطقتين. وزاد الطين بلة اعتلاء عقار بالاتفاقية سدة المجلس السيادي للدولة. وبالطبع أثقل على الحلو تعيين ياسر عرمان مستشاراً لعبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، وأردول مديراً للشركة الوطنية للمعادن، جوهرة ثروة السودان. ذلك كله في نظر الحلو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق. فاعتزل منبر جوبا يريد لحركته ذات الشوكة مائدة مفاوضات مستقلة لتناقش مطلبه بالعلمانية، أو بمنح دولته بجبال النوبة حق تقرير المصير. وهي عودة إلى مطلب خسره منذ 20 عاماً خلت على رغم أنه دفع ثمنه غالياً. ولا أعرف خسارة للحكومة الانتقالية توازن خسارتها من اعتزال الحركة الشعبية بغزارة تابعيتها وخبراتها السياسة والعسكرية لها. وفي المقابل لا أعرف خسارة للحركة الشعبية مثل اعتزالها لثورة هي بنت اجتهاد قوى المقاومة المدنية وصفها الحلو نفسه بـ”المجيدة”. وقال في تحية شبابها في أم درمان إنها كسرت ظهر نخبة مركزية متشبثة بكراسي الحكم ومستأثرة به لتتخطى “جميع أدوات وآليات فرق تسد بدءاً من اللون والدين والعرق والإثنية والثقافة والجهة لتوحد كل السودانيين حول المشتركات والقضايا الأساسية التي تجمعهم كلهم”.
ليست الزعزعة التي ضربت إقليم النيل الأزرق في خريف 2022 وقتلت المئات وشردت الألوف ببعيدة عن صراع الحلو وعقار المار ذكره بصورة غير خالصة التأكيد بعد. فمن رأي المحللين أن ظاهر الصراع كان بين شعب الهمج وحلفائه، مما يسمى بالمكونات الأصلية للمنطقة، وبين شعب الهوسا المستوطن فيها، ولكنه كان في باطنه صراعاً بين عقار والحلو من جناحي الحركة الشعبية. ونفى الواثق كمير، العليم في شأن الحركة الشعبية، أن يكون لها دخل فيه على رغم الاتهامات التي وجهت للحلو وقائد جناحه في النيل الأزرق جوزيف تكة بإذكاء الفتنة بين المكونات الاجتماعية هناك.
وقال الواثق إن هذا الفهم ربما ترسخ “في أذهان البعض على خلفية الاتهامات والملاسنات المتبادلة بين قيادات الحركتين”. فمن جانب، صرح والي النيل الأزرق من جناح عقار أحمد العمدة، بأن “جهات أجنبية والحركة الشعبية شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، ضالعة في أعمال العنف القبلي الذي وقع بالإقليم هذا الشهر”. وحمل جناح الحلو، من الجانب الآخر، الوالي وعقار مسؤولية تأجيج الصراع علاوة على فشل اتفاق جوبا في توفير الأمن والاستقرار. ومع أن الواثق المحسن للتحري مصدق في الشأن إلا أن تبادل الجناحين الاتهامات في أمر جلل كمحنة النيل الأزرق لا بد أن فيه ما فيه. فالمنطقة عظمة نزاع بينهما ولا يتصور المرء أنهما اعتزلا مجرياتها المأسوية حباً وكرامة. فليس الجناحان ممن يعف عند المغنم. فالسلاحف وحدها، في قول السودانيين، من تحسن عض واحدها الآخر ولا أحد يرى.
الحرب القائمة في السودان حالة قصوى من العزة بإثم السلاح وهرجه. ولم يسلم من عدوى هذا الهرج حتى من خرج للحق متأبطاً سلاحه بلا حاجة لذلك. فلن يقف حامل السلاح عند تحرير نفسه بالعنف من الخصم الذي خرج له أول مرة. بل ستجده يلجأ للسلاح أيضاً متى أشكل عليه أمر في حركته نفسها كما رأينا في انقسام الحركة الشعبية في 2017. ولربما ربما كانت هذه الحرب على علاتها مناسبة لا للعن ظلام صفوة الحكم منذ 1956 وحسب، بل للعن ظلام من حاربوها بالسلاح في حين ظلت هذه صفوة نكداء في المركز تسقط بالثورة المدنية المركز اللعين في كل مرة بينما السلاح الذي خرج لقتالها في أغماده. وكما قال مارتن لوثر كينغ "إنك لن تحارب الظلام بالظلام".

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحکومة الانتقالیة الحرکة الشعبیة الحرب القائمة النیل الأزرق جبال النوبة الشعبیة فی الذی خرج فی حین من خرج

إقرأ أيضاً:

جنوب السودان على حافة حرب أهلية.. كيف تطورت الأزمة بين سلفاكير ومشار؟

تطورت الأزمة بين شريكي السلطة في جنوب السودان بشكل متسارع خلال الأيام الأخيرة، لتجعل البلد الأفريقي على حافة العودة للحرب الأهلية من جديد.

وأعلنت حكومة جنوب السودان رسميا أن، رياك مشار النائب الأول للرئيس وضع "قيد الإقامة الجبرية" بعد اعتقاله على أيدي القوات الموالية للرئيس سلفاكير ميارديت قبل أيام.

وقال الناطق الرسمي باسم حكومة جنوب السودان، مايكل ماكوي لويث، إن الرئيس سلفاكير أمر بوضع رياك مشار قيد الإقامة الجبرية، معتبرا أن ذلك يدخل في صميم صلاحياته.

وأضاف المتحدث باسم الحكومة في بيان أن "مشار وزملاءه المناهضين الذين تم اعتقالهم سيجري التحقيق معهم وتقديمهم للعدالة وفقا لذلك" متهما مشار بالسعي إلى شن تمرد على الحكومة "بهدف تعطيل السلام وحتى لا تجرى الانتخابات ويعود جنوب السودان إلى الحرب". بحسب تعبيره.

ومع تأكيد حكومة جنوب السودان، رسميا وضع رياك مشار، قيد الإقامة الجبرية، دعت سفارات غربية رعاياها لمغادرة جنوب السودان، فيما تصاعد الدعوات للهدوء وسط مخاوف من شبح حرب أهلية مدمرة.


"إلغاء اتفاق السلام"
وفي أول تعليق منه قال حزب مشار (الحركة الشعبية) إن اعتقاله يلغي فعليا اتفاق السلام لعام 2018 الذي أنهى حربا أهلية استمرت خمس سنوات بين قوات الدينكا التابعة لكير ومقاتلي النوير الموالين لمشار، وراح ضحيتها أكثر من 400 ألف قتيل، وتسببت في نزوح وتشريد ما لا يقل عن مليون شخص.

وتم إبرام الاتفاق عام 2018 برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" وكان يفترض - وفق الاتفاق- أن يتم توحيد الجيش، ويكتب دستور جديد للبلاد، وتنظم انتخابات ويتم نزع السلاح، لكن بنود الاتفاق، لم يتم تنفيذها، ومع ذلك استمرت الهدنة والشراكة بين الطرفين.

واندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان سنة 2013 بعد خلافات بين سلفاكير ومشار، حيث قام الأخير بالتمرد وحمل السلاح ضد الجيش النظامي احتجاجا على إقالته من منصب نائب الرئيس، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق سلام في 2018.

كيف تطورت الأزمة الحالية؟
تبادل الطرفان على مدى الأسابيع الماضية الاتهامات بشأن أسباب التوتر الحالي، بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار، لكن قبل نحو أسبوعين اندلعت مواجهات مسلحة في ولاية أعالي النيل في الشمال وبالتحديد في منطقة الناصر، بين القوات الحكومية وقوات محسوبة على الحركة الشعبية التي يقودها مشار.

وتتحدث منظمات دولية أن الاقتتال اندلع بسبب شائعات تقول إن النظام كان يسعى لنزع السلاح من الجماعات المحلية.

وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن جيش دولة جنوب السودان هاجم مواقع لجماعات الشباب المسلح، الأمر الذي أدى إلى مواجهات راح ضحيتها ما لا يقل عن 5 قتلى من المدنيين.

لكن تقارير إعلامية تقول إن الأزمة انفجرت قبل أشهر بعدما طالبت القوات الحكومية في الناصر، بتبديلها عقب مكوثها هناك لأكثر من 12 عاماً، فقررت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية في اتفاقية السلام، التقصي، ووجهت بتبديل القوات، لكن الحكومة حاولت إرسال قوات أخرى غير القوات التي يفترض أن يتم نشرها بحسب اتفاقية السلام، ما تسبب في مهاجمة مليشيا "الجيش الأبيض" المحسوبة على مشار للقوات الحكومية بقيادة الجيش في الناصر.


وحسب ذات المصادر الإعلامية فقد تمت خلال الهجوم محاصرة قائد الجيش في المنطقة اللواء مجور داك وعدد من الجنود، قبل أن تتدخل بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، لإجلاء المحاصرين، عقب حصولها على موافقة وضمانات من الطرفين، لكن العملية فشلت بعد هجوم المسلحين على عملية الإجلاء ومقتل قائد الجيش مجور داك وعدد من جنوده، ثم بدأت بعدها السلطات حملة اعتقالات طالت مسؤولين في الحركة الشعبية التي يقودها مشار.

يذكر أنه في الآونة الأخيرة، سيطرت قوة ميليشيا "الجيش الأبيض"، والتي تتكون في معظمها من قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار، على مدينة ناصر في ولاية أعالي النيل الشمالية في البلاد.

مغادرة الرعايا الغربيين
وعلى إثر هذا التصعيد دعت دول غربية راعياها إلى مغادرة جنوب السودان، حيث دعت بريطانيا رعاياها إلى مغادرة جنوب السودان، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تقليص عدد موظفيها هناك، ونصحت رعاياها بالمغادرة.

كما حثت كندا رعاياها على المغادرة فورا، وأعلنت سفارة النرويج إغلاقها أبوابها لأسباب وصفتها بالأمنية، فيما طالبت ألمانيا من رعاياها عدم السفر إلى جنوب السودان.

"عاصفة من الأزمات"
في غضون ذلك حذرت الأمم المتحدة من احتمال تجدد الحرب الأهلية في جنوب السودان بسبب تصاعد خطاب الكراهية، داعية إلى جميع الأطراف إلى ضبط النفس.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن جنوب السودان، تواجه "عاصفة كاملة" من الأزمات المتفاقمة التي تهدد بانزلاقها مجددا إلى حرب أهلية ودعا قادة البلاد إلى "الحوار وخفض التصعيد".

وقال الأمين العام للأمم المتحدة الجمعة، إن الوضع "مأساوي وخطير"، مبينا أن البلاد تشهد "حالة طوارئ أمنية" تتضمن تصاعد الاشتباكات، وقصفا جويا للمدنيين.

وأضاف غوتيريش أن "الاضطرابات السياسية" بلغت ذروتها مؤخرا باعتقال النائب الأول للرئيس، ريك مشار، مما أدى إلى وضع اتفاق السلام "في مهب الريح".

وتابع أن جنوب السودان يعيش "كابوسا إنسانيا" حيث يحتاج نحو ثلاثة من كل أربعة مواطنين إلى المساعدة، ويعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع تفشي وباء الكوليرا.


كما أشار إلى "أزمة نزوح" تعصف بالبلاد حيث عبر أكثر من مليون شخص الحدود من السودان منذ بدء القتال هناك، وإلى الانهيار الاقتصادي مع تراجع عائدات النفط وارتفاع التضخم بمعدل 300%.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، إن البلاد تعاني أيضا من "أزمة تمويل" حيث تنخفض معظم المساعدات الإنسانية والتنموية المحدودة أصلا. وحذر من أن "الاستهداف القبلي والسياسي من قبل قوات الأمن"، بالإضافة إلى انتشار المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، يشعل فتيل أزمة أسوأ.

ودعا غوتيريش، قادة جنوب السودان إلى "إنهاء سياسة المواجهة" والإفراج عن المسؤولين العسكريين والمدنيين المحتجزين، واستعادة حكومة الوحدة الوطنية بشكل كامل.

كما حثهم على "التنفيذ الكامل للوعود التي قطعوها من خلال التزاماتهم باتفاق السلام"، الذي وصفه بأنه "الإطار القانوني الوحيد لإجراء انتخابات سلمية وحرة ونزيهة في ديسمبر 2026".

ودعا المجتمع الإقليمي والدولي، بوصفهما ضامنين لاتفاق السلام، إلى "التحدث بصوت واحد لدعم عملية السلام ومناهضة أي محاولات لتقويضها".

وتابع: "ما نراه يذكرنا بشكل قاتم بالحربين الأهليتين في 2013 و2016، اللتين أودتا بحياة 400 ألف شخص".

جهود أفريقية لاحتواء الأزمة
وفي محاولة منها لاحتواء الأزمة أعلنت كينيا، أنها سترسل رئيس وزرائها السابق رايلا أودينجا بصفته مبعوثا خاصا إلى جنوب السودان لاحتواء الازمة.

وقال الرئيس الكيني وليام روتو، الذي يرأس مجموعة شرق أفريقيا، إنه تحدث مع كير بشأن اعتقال مشار، وإنه سيرسل مبعوثا خاصا للمساعدة في تهدئة الوضع وإبلاغه بالتطورات.

كما أعلن الاتحاد الأفريقي أنه سيرسل "لجنة حكماء" تتضمن عدة للمساعدة في تهدئة الوضع.
وحصلت جمهورية جنوب السودان التي تعتبر أحدث دولة في العالم، على استقلالها عن السودان في استفتاء أجري عام 2011.

وانزلقت البلاد إلى حرب أهلية سنة 2013 بعد أن اتهم الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه رياك مشار، بأنه كان يخطط لـ"محاولة انقلاب".

ورغم توقيع اتفاق سلام في 2018، فإن التوتر ظل حاضرا بين الطرفين، حيث يتم رصد أعمال عنف بين الحين والآخر بين القبائل والمجموعات المختلفة.

مقالات مشابهة

  • الملك سلمان بن عبد العزيز يغرّد بمناسبة عيد الفطر ويؤدي الصلاة مع عدد من الأمراء (فيديو + صور)
  • “الشعبية”: مصادقة العدو الإسرائيلي على مشروع استيطاني جديد يمثل تطهيرا عرقيا ممنهجا
  • النائب العام يستدعي بن قدارة للتحقيق بشأن اتفاقية مع “إيني”
  • البرهان: السبيل الى وقف الحرب هو أن تضع المليشيا المتمردة السلاح أو “على الباغي ستدور الدوائر”
  • الأنواء الجوية: أمطار في المنطقتين الوسطى والشمالية
  • جنوب السودان على حافة حرب أهلية.. كيف تطورت الأزمة بين سلفاكير ومشار؟
  • الأمم المتحدة: نريد تهيئة الظروف لاستمرار السلام في جنوب السودان
  • “اغاثي الملك سلمان” يوزّع 850 سلة غذائية في السودان
  • ولي العهد السعودي يلتقي “البرهان” في الرياض غداة إعلان تحرير الخرطوم
  • أنوشكا تكشف كواليس ضربها لـ ياسمين عبد العزيز: “لم يكن سهلاً!”