د. احمد التيجاني سيد احمد

مقدمة: إرث الفشل السياسي والانهيار الوطني
منذ استقلال السودان في ١٩٥٦، تعاقبت أنظمة حكم مدنية وعسكرية على إدارة الدولة، إلا أن النتيجة كانت واحدة: فشل متواصل في بناء دولة وطنية قائمة على المواطنة والعدالة والتنمية. فقد أفضت الصراعات السياسية وانعدام الرؤية الوطنية إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية، بدءًا من إبراهيم عبود (١٩٥٨)، إلى جعفر نميري (١٩٦٩)، ثم عمر البشير (١٩٨٩)، حيث تحولت الدولة السودانية إلى إقطاعيات حزبية ودينية وعسكرية، تدار بعقلية الاستحواذ لا بعقلية الحكم الرشيد.


السودنة: من مشروع وطني إلى هيمنة نخبوية قاتلة
عندما تم تنفيذ “السودنة” عقب خروج الاستعمار، لم تكن عملية لبناء مؤسسات دولة حديثة، بل كانت مجرد إعادة تدوير للنفوذ السياسي داخل نخب معينة، وتهميش لبقية مكونات السودان، خاصة في الجنوب ودارفور والمناطق المهمشة. فبدلاً من تأسيس دولة قائمة على التنوع، تم تكريس سلطة ضيقة على أساس الولاءات القبلية والدينية.
الأحزاب التقليدية: الفشل المستمر
الأحزاب التي ورثت السلطة بعد الاستقلال لم تكن قادرة على تطوير مشروع وطني حقيقي، بل انشغلت بصراعاتها الداخلية والبحث عن السلطة. لم يكن لديها برنامج سياسي واضح سوى توظيف الطائفية والقبلية والدين كأدوات للهيمنة، مما مهد الطريق للحكم العسكري، الذي أتى مدعومًا بفصائل عقائدية كرست سلطتها عبر القمع والتمكين الأيديولوجي.
الإخوان المسلمون وتحويل الدولة إلى أداة للتمكين
مع انقلاب البشير في ١٩٨٩، دخل السودان في مرحلة الحكم العقائدي الأكثر قسوة، حيث تم تصفية الجيش وتحويله إلى مؤسسة اخوانية مؤدلجة تماما، وإنشاء أجهزة أمنية سرية، وتشكيل ميليشيات مسلحة، مثل الدفاع الشعبي، وامثال مليشيات البراء الإرهابية، وأخيرًا قوات الدعم السريع، التي أصبحت تدريجيا بعد سقوط البشير لاعبًا مستقلاً يومن بالتحول الديمقراطي المدني، و بالعلمانية الفدرالية.
حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣: حصاد الفشل والتفكك
بعد سقوط البشير في ٢٠١٩، لم تتمكن النخبة السياسية من الاتفاق على رؤية موحدة لإدارة السودان، مما خلق فراغًا استغله العسكريون لإعادة فرض سيطرتهم. ومع تفاقم الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع، اندلعت حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣، وهي حرب لم تكن مجرد صراع على السلطة، بل إعلانًا رسميًا لانهيار الدولة السودانية، حيث تحولت البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة بين الفصائل المسلحة، دون أي سلطة مركزية قادرة على فرض النظام.
ما حدث في نيروبي: بداية تغيير حقيقي
وسط هذا الخراب، برزت مبادرة **مشروع تأسيس السودان الجديد** في نيروبي تحت رعاية الحكومة الكينية، كأمل جديد لاستعادة السودان من براثن العسكر والمليشيات. اجتمع ممثلو القوى (التي اختارت الديمقراطية والحرية ومناهضة انقلاب البرهان) الحزبية، والمهنية، والشخصيات المستقلة، والإدارات الأهلية، وحركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وقوات الدعم السريع، والحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، وآخرون.
الميثاق التأسيسي يهدف إلى بناء دولة مدنية
الميثاق التأسيسي يهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تعتمد على التعددية السياسية والإثنية والدينية وحكم القانون، والمواطنة المتساوية، بدلًا من دولة الطوائف والمليشيات. وقد تم الاتفاق على عدة خطوات مفصلية، منها:
١. صياغة الميثاق الذي ينادي بالعلمانية بشكل نهائي والتوقيع عليه.
٢. عرض الميثاق على الدول الإقليمية والدولية لكسب الدعم والتأييد.
٣. مناقشة الدستور وإكمال هياكل الحوكمة.
٤. تكوين حكومة قومية لكل السودان: انتقالية تقنية إسعافية (هدفها الاول ايقاف الحرب وحماية المواطنين و عودتهم الفورية) وإعلانها داخل السودان.
لماذا يُغضب هذا الإسلاميين؟
إن الخطوة التي جرت في نيروبي تمثل تهديدًا وجوديًا للحركة الإسلامية في السودان، لأنها تنسف مشروعهم القائم على استغلال الدولة لصالح فئة أيديولوجية ضيقة. فالإسلاميون يدركون أن نجاح هذا الميثاق يعني نهاية نظام “التمكين”، وانهيار التحالفات العسكرية التي كانوا يستخدمونها للحفاظ على نفوذهم. لهذا، يسعون بكل الوسائل إلى إفشال أي حل سياسي حقيقي، واستمرار الفوضى الأمنية، حتى يظل السودان رهينة للمليشيات والفساد والتقسيم.
خاتمة: هل يكون نيروبي بداية الخلاص؟
بينما يقف السودان على حافة الانهيار الكامل، تمثل مبادرة نيروبي فرصة نادرة لتصحيح أخطاء الماضي وبناء دولة حديثة قائمة على المواطنة والعدالة. ولكن النجاح ليس مضمونًا، فالقوى المتضررة من هذا التغيير ستحارب بكل الوسائل للحفاظ على امتيازاتها. يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتحد السودانيون لإنقاذ وطنهم، أم ستظل الحروب والانقسامات هي القدر المحتوم؟

نواصل
د . أحمد التيجاني سيد أحمد
٢٦ فبراير ٢٠٢٥ هلسنكي، فنلندا
Sent from my iPhone

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی نیروبی

إقرأ أيضاً:

أول دولة تعلن عيد الفطر 2025 .. وهذا موقفه في مصر ومواعيد الصلاة بالمحافظات

يتساءل الكثير من المواطنين عن موعد عيد الفطر لعام 2025 والإعلان عن رؤية هلال شهر شوال لتحديد أول أيام العيد.

أول دولة تعلن موعد عيد الفطر المبارك 

أعلن ‏مجلس الإفتاء الأسترالي في ‎أستراليا، رسمياً، موعد عيد الفطر المبارك وأول أيام شهر شوال.

أكد مجلس الإفتاء بأستراليا، في بيان أصدره، أن آخر يوم في رمضان هو الأحد المقبل 30 رمضان، ليكون أول أيام عيد الفطر المبارك ‎يوم الاثنين 1 من شوال، بناء على عدم توفر شروط الترائي في أستراليا.

وأوضح مجلس الإفتاء الأسترالي في البيان أنه "بعد تحرّيه من المراصد المحلية والعالمية، أن هلال شوال سيولد في سيدني يوم السبت 29 مارس 2025، الساعة 9:57 مساءً بتوقيت شرق أستراليا - بعد غروب شمس تلك الليلة. 

أما في بيرث، فسيولد الهلال في نفس اليوم الساعة 6:57 مساءً بتوقيت غرب أستراليا، بعد غروب الشمس أيضًا. وبما أن الهلال سيولد بعد غروب الشمس في كلتا المدينتين، فلا يُمكن أن يكون اليوم التالي هو الأول من شهر شوال".

وتعتمد الطريقة التي حدد بها مفتي عام أستراليا ومجلس الإفتاء الأسترالي نهاية شهر رمضان، وأول يوم من شهر شوال، ويوم عيد الفطر على حساب ميلاد الهلال قبل غروب الشمس، ومدة غروبه بعد غروب الشمس، وإمكانية رؤيته.

 وقال بيان المجلس إن هذه الطريقة اعتمدتها العديد من المجالس العلمية العالمية المرموقة والمرموقة.وأعرب مجلس الأئمة الوطني الأسترالي ومجلس الإفتاء الأسترالي عن تفهمهما واحترامهما الأئمة والعلماء الذين قد يختلفون في الرأي مع المجلسين.

 وطالبا جميع المسلمين باحترام الآراء المختلفة في هذا الشأن، والعمل على وحدة الأمة الإسلامية في الحفاظ على القيم والمصالح المشتركة التي تجمعهم جميعًا.

كانت أستراليا من أولى الدول التي أعلنت أول أيام شهر رمضان 2025، وكان يوم السبت 1 مارس 2025.وكانت 20 دولة بدأت صيام شهر رمضان المبارك 1446 هـ يوم السبت 1 مارس 2025 وهي: مصر والسعودية وقطر وعمان والإمارات وسوريا والكويت والبحرين وفلسطين وليبيا وتونس والجزائر والسودان واليمن والأردن ولبنان والعراق وأستراليا وتركيا وإندونيسيا.

 عيد الفطر في مصر 

ارتفعت معدلات البحث حول موعد أول أيام عيد الفطر 2025، وموعد صلاة العيد بعد قرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بالموعد الرسمي لإجازة عيد الفطر المبارك.

من المقرر أن تكون إجازة عيد الفطر 2025 في الفترة من يوم السبت الموافق 29 من شهر مارس عام 2025 ميلادية حتى يوم الثلاثاء الموافق 1 من شهر إبريل عام 2025 ميلادية إجازة رسمية مدفوعة الأجر للعاملين في الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، وذلك بمناسبة عيد الفطر، وفقا لقرار مجلس الوزراء بشأن إجازة عيد الفطر 2025.

ونص القرار على أنه إذا أسفرت الرؤية الشرعية لهلال شهر شوال 1446 هجرية عن أن يوم الإثنين الموافق 31 من مارس عام 2025 ميلادية هو أول أيام شهر شوال 1446 هجرية، فتمتد الإجازة السابق الإشارة إليها حتى يوم الأربعاء الموافق 2 من إبريل عام 2025.

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025

وتتضمن الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 منذ بداية العام ما يلي:

- الثلاثاء 7 يناير: إجازة عيد الميلاد المجيد.

- السبت 25 يناير: إجازة ثورة 25 يناير.

- الاثنين 31 مارس: إجازة عيد الفطر المبارك.

- الاثنين 21 إبريل: إجازة الاحتفال بيوم شم النسيم.

- الجمعة 25 إبريل: إجازة عيد تحرير سيناء.

- الخميس 1 مايو: إجازة عيد العمال.

- الجمعة 6 يونيو: وقفة عرفات.

- السبت 7 يونيو: إجازة عيد الأضحى.

- الجمعة 27 يونيو: إجازة رأس السنة الهجرية.

- الاثنين 30 يونيو: إجازة ذكرى ثورة 30 يونيو.

- الأربعاء 23 يوليو: إجازة ثورة 23 يوليو.

- السبت 6 سبتمبر: إجازة المولد النبوي.

- الاثنين 6 أكتوبر: حرب أكتوبر 1973.

مواعيد صلاة عيد الفطر 2025

وفيما يلي مواعيد صلاة العيد في عدد من محافظات ومدن مصر 2025، وتختلف مواعيدها من محافظة إلى أخرى وفقًا لتوقيت شروق الشمس، وفقا للهيئة العامة للمساحة:

القاهرة: 6:13 صباحًا

الجيزة: 6:12 صباحًا

الإسكندرية: 6:16 صباحًا

بورسعيد: 6:07 صباحًا

السويس: 6:07 صباحًا

العريش: 6:01 صباحًا

ووفقًا للموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية، أن الصيغة التي يُكَبِّر بها المصريون من قرون طويلة، ويزيدون عليها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون: اللهم صَلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا. وهذا كله خيرٌ ومشروع، فهو ذكر الله كما نصّ الإمام الشافعي على ذلك حيث قال: وكلُّ ما زاد على ذلك من ذكر الله أحببته.

وجاءت هذه الصيغة كما يلي:

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [فيبدأُ الإمام فيقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر حتى يقولها ثلاثًا، وإن زاد تكبيرًا فحسن، وإن زاد فقال: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، الله أكبر، ولا نعبدإلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر- فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببتُه] اهـ. الأم للشافعي (1/ 276، ط. دار المعرفة).

وقال العلامة الجلال المحلّي: [وصيغته المحبوبة: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، ويستحب أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة: كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وفي «الروضة»: وأصلها قبل «كبيرًا»: الله أكبر، وبعد «أصيلًا»: لا إله إلا الله، ولا نعبدإلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده] اهـ. «شرح المحلي على منهاج الطالبين» (1/ 358، ط. دار الفكر)

مقالات مشابهة

  • الحركة الإسلامية في القدس تحذر من مخاطر كبيرة على الأقصى
  • تشاد .. الدولة (الحبيسة) تدعم المليشيا وتبحث عن وساطة
  • مهام الحركة الجماهيرية بعد انسحاب الدعم السريع من العاصمة
  • السودان .. سيطرة الجيش على الخرطوم بداية لـ «الاستقرار» أم استمرار لـ «الحرب»
  • اعلان تطهير عاصمة السودان بالكامل من فلول المليشيات التي هربت بشكل مخزي
  • الرئيس اللبناني: لن نسمح بتكرار الحرب التي دمرت كل شيء في بلادنا
  • هل تكتفي الحركة الإسلامية بحكم النهر والبحر؟
  • الحركة الشعبية المعارضة تفقد الاتصال ب “مشار” وتقرير أممي يكشف عن اشتباكات في جوبا
  • هذه التعيينات القضائية التي أٌقرّت في مجلس الوزراء
  • أول دولة تعلن عيد الفطر 2025 .. وهذا موقفه في مصر ومواعيد الصلاة بالمحافظات