نسخة طبق الأصل من البشر.. شاهد فعاليات مؤتمر الروبوتات العالمي بالصين
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
أقيم في الصين مؤتمر الروبوتات العالمي في دورته الثامنة ليعرض أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال القائم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي جذبت أنظار العالم خلال الآونة الأخيرة من خلال تقديم أداة ChatGPT، وانطلقت فعالياته يوم الأربعاء 16 أغسطس ويستمر حتى الثلاثاء 22 أغسطس.
وفقا لتقرير موقع "ديلي ميل" البريطانية يعرض المؤتمر مجموعة كبيرة من الروبوتات منها المخيف ومنها الغريب جدا ومنها المضحك وأيضا الروبوتات الأكثر براعة في العالم.
يقام هذا الحدث السنوي، في مركز إيترونج الدولي للمعارض والمؤتمرات في بكين وهو منصة عالمية و صرح كبير من خلاله يتم عرض وترويج الأعمال في قطاع الروبوتات.
ومن بين الآلات المعروضة كائنات بشرية تشبه البشر تماما ذات جلد صناعي، و"كلاب" ذات أربعة أرجل، وروبوتات ضيافة تقدم الطعام والشراب للعملاء، وفي الوقت نفسه، نرى الروبوتات بالأذرع الآلية الرشيقة ذات المفاصل المتعددة المستخدمة في المصانع لتكون بديلا عن البشر.
واحدة من أكبر عوامل الجذب في هذا المؤتمر هو وحدة الـ "أنيماترونكس"في جناح EX Robots التي تقدم روبوتات شبيهة جدا بالبشر لدرجة غريبة ومخيفة مع الجلد الصناعي الذي يبدو حقيقيا، هذه الروبوتات تجسد صورة ما يفترض أن تكون عليه الروبوتات في المخيلة الشعبية، بجلد اصطناعي وتعبيرات وجه نابضة بالحياة مع أذرع وأيدي متحركة.
قال الرئيس التنفيذي للمؤتمر، لي بويانغ إن روبوتات أنيماترونكس مثالية في التعامل مع البشر لأنها تتفاعل معهم وتدخل في أحاديث مع الجمهور والزوار، وبالتالي ستكون ملائمة جدا للعمل في المتاحف ومناطق الجذب السياحي والمدارس.
وفي جزء آخر من قاعة المؤتمرات، يقوم روبوت متخصص في الجراحة مصنوع من قبل شركة Shurui شوري، بمهام معقدة، مثل تقشير بيضة السمان، لإظهار دقته العالية، وبحسب الشركة هو قادر على جراحة المنفذ الواحد وهو إجراء جراحي يتم من خلال شق واحد، ويتم استخدامه بالفعل في المستشفيات في جميع أنحاء العالم لإجراء عمليات مختلفة بما في ذلك جراحات الكلى واستئصال المثانة.
وفي جناج آخر من المعرض، نرى نوعًا آخر من الروبوتات مختلف كل الاختلاف عن الإنسان الآلي الطبيب أو مقدم الخدمات، نرى روبوت "الفنان الفرنسي" ذو القبعة والشارب برسم رسومات للجمهور المحيط به.
كما دخلت الكلاب الآلية أيضا في المعرض وشاركت بشكل فعال وقوي، وهي الدعامة الأساسية لمعارض التكنولوجيا العالية ، بما في ذلك كلب B1 من شركة Unitree Robotics، وهي شركة مقرها في مدينة هانغتشو في الصين.
في المؤتمر، تصافح الكلاب الآلية المقدمة من قبل العديد من الشركات المصنعة رواد المعرض من خلال أياديهم الأمامية و تقف على أقدامها الخلفية. كما تم تصوير ابتكار آلي آخر وهو يلعب كرة السلة مع صديق له في ملعب مصغر في مركز المؤتمرات، وهو نوع آخر من الروبوتات المتخصصة في الرياضة.
ظهر في المعرض أيضا CyberOne، وهو عبارة عن إنسان آلي بقيمة 104000 دولار تم تطويره بواسطة شركة شاومي Xiaomi الشهيرة المتخصصة في الإلكترونيات ويمشي تمامًا مثل الإنسان.
روبوت CyberOne بخوارزمية تفاعل الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تسمح له بإدراك الفضاء ثلاثي الأبعاد، بالإضافة إلى التعرف على الأفراد والإيماءات والتعبيرات، وفقًا لشاومي يمكن للروبوت التعرف على 85 صوتًا بيئيًا مختلفًا و45 مشاعر إنسانية.
وقد تم تصميم الروبوتات الأخرى المعروضة لتقوم بمهام الضيافة لزائري المعرض، لتحل محل الموظفين البشريين وربما توفير أموال المؤسسات. تم التقاط صور من فعاليات المعرض وخلالها نرى الأطفال وهم يتحلقون حول روبوت يقدم حلوى الآيس كريم، بينما يقدم آخر أكوابًا صغيرة من الشاي الصيني للبالغين.
وفي أماكن أخرى من المعرض، تقوم أذرع روبوتية بقطف التفاح من الكروم، بينما تقوم أذرع روبوتية أخرى بقذف كرات بينج بونج وتدليك الزائرين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الصين الذكاء الاصطناعي شاومي روبوت من خلال آخر من
إقرأ أيضاً:
الإنسانُ
كنتُ طوال هذه المدّة أفكِّرُ فـي هذا الكائن الغريب العجيب الموجود على وجه الأرض، الإنسان، فلسفـيّا وعلميّا ودينيّا وأخلاقيًّا. وبدأتُ بمفارقة كبرى بين الإنسان والبشر، ذلك أنّ الإنسان فـي وجه من وجوه التصوُّر القرآني هو الصورة المتطوِّرة للبشر، فالبشر لفظًا، هو الكيانُ الجثماني، الحيوانيّ، قبل أن تُداخله الرّوح وقبل التكليف، وهو لفظ راجعٌ إلى ما يُجريه العرب وسْمًا لظاهر بشرة البشر، فهو بشرٌ لأنّه -وفقًا للسان العرب- دالٌّ على «ظاهر الجلد»، والبشرة أعلى جلدة الوجه، والجسد من الإنسان، ويعنى به اللَّون والرقّة، ومنه اشتقت مباشرة الرجل المرأة لتضامِّ أبشارهما.
والبشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان، وفـي الحديث: لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم»، فخارج الإنسان ممّا يتكوَّن منه مِن هيكلٍ هو البشر، أمّا لفظة الإنسان، فهي حاملة للهيكل والرّوح والعقل، قال تعالى: «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنَّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»، فالخلْقُ الأوَّل، صناعةً من طينٍ قبل الاستواء، هو خلق البشر، وأمّا الاستواء والنفخُ فإنّه يُحوّلُ هذا الهيْكل إلى إنسانٍ، عاقلٍ، مُكَلَّف، حاملٍ لأمانةٍ. البشريَّة إذن أعرَقُ وأقْدَمُ من الإنسانيَّة، وأعْلقُ بالحيوانيّة، وبالوجود الجثمانيِّ الهيكليّ فحسبُ.
هذا التطوُّر من البشريّة إلى الإنسانيّة حاملٌ لأبعادٍ ومعانٍ، ذلك أنّ التمايز بين الكائنين بيّن وجليٌّ فـي القرآن الكريم، فالسياقاتُ التي وردت فـيها لفظة «بشر» تدلُّ على الهيئة والشكل والقالب الذي اتّخذه الإنسان، ولذلك فقد استعمل اللّه عز وجلّ سمة البشريّة فـي التعبير عن بداية خلق آدم عليه السّلام، يقول: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 28)، ويقول فـي السّياق ذاته، بيانًا لرفض إبليس السّجود لبشرٍ من الطّين: «قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» (الحجر: 33)، ونساءُ امرأة العزيز فـي موقف خروج يوسف عليهن انبهرن بالجثمان والشكل، ولم يكنَّ على درايةٍ بالإنسان، ولذلك وسمنه بالبشريَّة، يقول تعالى: «فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» (يوسف: 31)، ولعلّ الصّورة الأجلى والأبين فـي تجسُّد الملك لمريم وهي بمحرابها منعزلةً، إذ اتَّخذ الملَك صورة البشر هيئةً وجسْمًَا، وبقي الفارق حاصلًا بين الإنسان والملك، يقول تعالى: «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا» (مريم: 17)، والدلائل عديدة على هذا التمايز بين البشر والإنسان فـي القرآن، لا يتّسع لها هذا المقام، ولكن يُمكن الإشارة إلى أنَّ إجراء لفظة الإنسان واستعمالها يُقرَن دومًا بالتكليف، وبدخول المشاعر إلى البشر ذاته، وإلى العصيان والإيمان، وكلّ ما له صلة بالشعور الإنساني من جهة وبتحمُّل الأمانة وهي اكتساب العقل والرّوح من جهة ثانية «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (يونس: 12). هذا وجهٌ يدعو إلى التدبُّر والتفكُّر، خاصَّة فـي وجود نظريَّات علميّة مستندة إلى حفريَّات واكتشاف علميّ لبقايَا بشرٍ أوّل، مهَّدت لظهور الإنسان العاقل هومو سابينس الذي يردُّنا العلم إليه، مع وجودِ ممكن لبشرٍ سابقين، وهذا لا يتعارض البتّة مع الخطاب القرآني، بل إن تمعنّا هذا الإشكال لوجدنا أنّ القرآن سبَّاق لإظهار الفارق بين الإنسان العاقل والبشر، أو من اتّخذ هيْئة الإنسان دون أن يكون له الإدراك ودون أن يكون مُكلَّفًا، فاللّه قد مايز كما سبق أن ذكرنا بين الإنسان (وهو ما يُمكن أن يُصطلَح عليه فـي لغة العلم اليوم بالإنسان العاقل) والبشر، وهو متَّخذٌ الشكل فحسب، بل إنّ مفهوم الإنسان المنتصب Homo erectus يُمكن أن يُدرَك فـي مفهوم خَلْقي وهو الاستواء، وفـي كلّ الحالات فإنّ القرآن قد أقرّ أنَّ الإنسان فـي معناه الآدميّ قد خُلق عبر مراحل وتطوّرَ تدريجيًّا، يقول عزّ وجلّ: «وقد خلقكم أطوارًا» (نوح 14)، وهذا يقودنا إلى فكرةٍ تُعالجها الفلسفة اليوم بعمق، وتعيد طرح مفهوم الإنسان، بعيدًا عن الإشكالات الأخلاقية والوجوديّة التي طُرحت بعمق فـي ستينيّات القرن العشرين.
اليوم بأدواتنا اللّسانيّة والذهنيّة والعلميّة يُمكن أن نُوجِد تصوُّرًا لأبينا الأوّل دون تنافُرٍ مع الدّين، ودون رفضٍ للعلم وللحفريّات، وأعتقد أنّ مخنق الدّرس ماثلٌ فـي الفاصل الفارق بين الإنسان المكلّف العاقل، الذي مرجعه آدم ويسمّيه العلم هومو سابينس Homo sapiens والإنسان فاقد التكليف، أو البشر، فالكائنات البشريّة السابقة للإنسان العاقل مثل Homo erectus وNeanderthals، يُمكن أن تمثّل نواةً أولى لبشرٍ، ويُمكن أن تُشكِّل تأويلًا لقوله: «وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة 30)، وهو بابٌ حمَّالُ أوجه، على الباحثين فـي الخطاب القرآني إحياء تأويله. هذا على مستوى التطوّر الجثماني والإدراكي للكائن الذي يُمثِّل محور هذا الكون، وهو الإنسان، الذي خُصِّصت له نظريّات فلسفـيّة لفهم عمقه، وكُرِّست له نظريّات علميّة لإدراك جيناته والبحث عن أصوله، وبدايات خلْقه، تبقى أخلاقُه، ولا أحبّ أن أعود إلى فـيلسوف الأخلاق نيتشة ونحن على أبواب فتْحةٍ فـي العلم والتكنولوجيا قد تُنْهي البشريّة القديمة.
أخلاقُ الإنسان وسلوكه هي الإشكال سواء امتلك ذرةً من العقل والإدراك أو امتلك بحرًا، الإنسانُ القاتل، الباحث عن الدَّمار، المنصرف إلى أكْل لحم أخيه الإنسان، هل تطوّر وانصقل وتهذَّب؟