حلّت علينا اليوم، الذكرى العطرة، لوفاة الصحابي الجليل صاحب رسول الله، سيدنا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي توفي يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، الموافق 23 أغسطس لعام 634 ميلادى وكان عمره ثلاثاً وستين سنة.

حكم الصلاة على النبي عند نسيان شيءٍ.. دار الإفتاء ترد ما هو الإحسان؟.. علي جمعة: النبي أوجزه بعمل واحد يجعلك ممن يحبهم الله

نزل في سيدنا أبي الصديق، قول الله تعالى ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: الآية 40].

أبو بكر الصديق هو أول من آمن بالرسالة المحمدية من الرجال، وأول الخلفاء الراشدين، أنزل الله - سبحانه وتعالى- فيه هذه الآية، التي تدل على المكانةِ الساميةِ التي حظي بها سيدنا أبو بكر، وتكريمِ الله – تعالى- له بذكر موقفه الخالد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة.

وصفه النبي بأنه صاحبه على الحوض وفي الغار؛ فعن ابن عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ»، رواه الترمذي.

وورد أن سيدنا أبي بكر الصديق، لم يشرب الخمر قبل الإسلام، فقيل له: يا أبا بكر هل شربت الخمر في الجاهلية، قال : لا .. كنت أريد أن أحفظ عرضي وأن أصون مروءتي، لأن من شرب الخمر فقد عقله وغُيب عن الوعي، وكان لمروءته وعرضه مُضيعًا ، فلما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: « صدق أبو بكر».


حياة أبو بكر الصديق

كانت الأوضاع في مكة غير ملائمة لبقاء المسلمين فيها وقد هاجر بعضهم للحبشة، حتى إن أبا بكر عقد العزم على الهجرة إليها أيضًا، واللحاق بمن هاجروا، كما يروي الإمام البخاري في صحيحه، وبالفعل أثناء رحلته إلى الحبشة التقى رجلًا يُدْعَى ابن الدَّغِنَةِ فقال: "أين تريد يا أبا بكر؟"، فقال أبو بكر: "أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي"، قال ابنُ الدَّغِنَةِ: "فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، إنك تَكْسِبُ المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتَقْرِي الضيف وتُعين على نوائب الحق" ورحل معه إلى مكة بعد أن كان قد وصل إلى قرب اليمن فطاف في أشراف قريش فقال لهم: "إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلًا يَكْسِبُ المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويَقْرِي الضيف ويعين على نوائب الحق" فأنفذت قريش جوار ابن الدَّغِنَةِ (أي منع إيذائهم لأبي بكر)، وقالوا له: "مُرْ أبا بكر فليعبُد ربَّه في داره فليُصَلِّ فيها ولْيَقْرَأْ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يسْتَعْلِنْ به، فإنا نخْشَى أن يفتن نساءنا وأبناءنا"، فقال ذلك ابنُ الدَّغِنَةِ لأبي بكر، فصار أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يؤدي صلاته علانية ولا يقرأ القرآن في غير داره.

وبعد مدة قرر أبو بكر أن يخصص مسجدًا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فكان نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه ويتدافعون لرؤيته وسماعه حتى يسقط بعضهم على بعض، وكان أبو بكر رجلًا بكَّاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنَةِ، فقالوا: "إنا كنا أجَرْنَا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانْهَهُ، فإنْ أَحَبَّ أنْ يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبَى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يَرُدَّ إليك ذمتك" فأتى ابن الدَّغِنَةِ إلى أبي بكر فأخبره بما كان من أمر أشراف قريش وزعمائها، فقال أبو بكر: "فإني أردُّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل".

بعد ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين: «قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وهما الحَرَّتَان (الحَرَّة: الأرض السوداء)، فهاجر من هاجر قِبَلَ المدينة، وتجهَّز أبو بكر مهاجرًا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» قال أبو بكر: "هل ترجو ذلك بأبي أنت؟" قال: «نعم»، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصحبه، وعلف راحلتين (ناقتيْن) كانتا عنده أربعة أشهر، تقول السيدة عائشة: "فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: "هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا (أي مغطيًا رأسه)، في ساعة لم يكن يأتينا فيها"، فقال أبو بكر: "فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر".

قالت: "فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستأذن، فأذن له، فدخل".. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإني قد أُذن لي في الخروج»، فقال أبو بكر: "الصحابة بأبي أنت يا رسول الله" (أي أريد المصاحَبة)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»، قال أبو بكر: "فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيَّ هاتيْن"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالثَّمَنِ» (فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع ثمن ناقته التي هاجر عليها)، قالت عائشة : "فجهزناهما أحَثَّ الجَهَاز وصنعنا لهما سُفْرَةً (أي زادًا وطعامًا) في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين"، قالت: "ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكَمَنَا فيه ثلاث ليالٍ (أي اختفيا فيه)، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر"... إلى آخر ما ورد في قصة الهجرة المباركة.

وتحدث العلماء عن الحزن الذي أصاب أبا بكر الوارد في الآية، فقالوا إنه لم يكن جُبْنًا منه، وإنما كان إشفاقًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: "إنْ أُقتل فأنا رجل واحد وإن قُتِلْتَ هلكت الأمَّة".

كما كانت معيَّة الله تعالى هي الحافظة لرسول الله وأبي بكر، فعن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثهم، قال: "نظرت إلى أقدام المشركين فوق رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: "يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميْه أبصرنا تحت قدميه"، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» رواه مسلم.

وتبدو واضحة جلية بعض معالم شخصية أبي بكر الصدِّيق -رضي الله عنه- المخلص في الدفاع عن قائده ومعلمه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمحب له، والمفتدي له بروحه وماله، رضي الله عنه وأرضاه.

وفاة أبو بكر الصديق 

وروت السيدة عائشة خبر وفاة أبيها أبي بكر فقالت: «أول ما بُدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه»، وقالت السيدة عائشة: قال أبو بكر: «انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي»، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (البعير الذي يُستقى عليه) كان يسقي بستانًا له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: «رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا».
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: أبو بكر الصديق رسول الله صلى الله علیه وسلم أبو بکر الصدیق رضی الله عنه ه فی داره أبی بکر

إقرأ أيضاً:

أوقاف الفيوم تنظم ندوة علمية من المسجد الكبير بفيديمين

عقدت مديرية أوقاف الفيوم برئاسة الدكتور محمود الشيمي وكيل الوزارة، ندوة علمية بالمسجد الكبير بإدارة أوقاف فيديمين، بعنوان: “عناية الإسلام بالمرأة.. أمًا وبنتًا وأختًا وزوجة”.

يأتي هذا في إطار دور وزارة الأوقاف المصرية ومديرية أوقاف الفيوم العلمي والدعوي، وضمن جهودها لتحقيق مقاصد الشريعة وتقديم خطاب ديني وسطي رشيد.

جاء ذلك تنفيذا لتوجيهات الدكتور أسامه السيد الأزهري وزير الأوقاف، وتحت إشراف الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، وبحضور كل من فضيلة الشيخ طه علي مسؤول المساجد بالمديرية محاضرا، وفضيلة الشيخ محمد حسن مدير إدارة أوقاف فيديمين، وفضيلة الشيخ أحمد رجب السيد، إمام المسجد مقدما، وفضيلة الشيخ عبد الله فريح قارئا ومبتهلا، ونخبة من الأئمة والعلماء المميزين، من خلال ندوة بعنوان: “عناية الإسلام بالمرأة.. أمًا وبنتًا وأختًا وزوجة”.

العلماء: الشرع أولى جانب المرأة عناية عظيمة واهتماما كبيرا

وخلال اللقاء أكد العلماء أن الشرع أولى جانب المرأة عناية عظيمة واهتمامًا كبيرًا، فتكاثرت النصوص لبيان رفعة مكانتها ووجوب تقديرها،فجعلت الجنة تحت قدميها أمًّا، وجزاء مَن أحسن إليها بنتًا، وتمامَ دين الرجل بكونها له زوجة وشطرًا؛ فعن معاوية بن جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ أن جَاهِمَةَ (رضي الله عنه) جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قال: نعم، قال: «فَالْزَمْهَا؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا»، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)،عن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهِنَّ، وَضَرَّائِهِنَّ، وَسَرَّائِهِنَّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ»، فقال رجل: أو ثنتان يا رسول الله؟ قال: «أَوِ اثْنَتَانِ»، فقال رجل: أو واحدة يا رسول الله؟ قال:«أَوْ وَاحِدَةٌ».

وأشار العلماء إلى أن هناك نصوص واضحة مُحْكَمَةٌ في بيان قدر المرأة في الإسلام، وعلى ذلك تواردت نصوص الوحيين كتابًا وسنة، وعلى هذا التكريم السامي يجب أن تفهم سائر أدلة الشريعة فليس في الشرع انتقاص للمرأة وازدراء لها بأي وجه من الوجوه، وما يُدَّعى فيه خلاف ذلك فيجب رد المـُشْكَلِ فيه إلى المـُحْكَم الذي يجلي إشكاله. 

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: الإسلام يحرم الإسراف في استهلاك المياه
  • حكم استحباب البدء بالصلاة على سيدنا محمد في مهمات الأمور
  • «اللهم رب الناس أذهب البأس».. دعاء المريض كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • علي جمعة: تقوى الله وحسن الخلق أكثر ما يدخل الجنة
  • المراد بالنصيحة في حديث النبي عليه السلام "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!
  • صلاة الشروق كم ركعة وماذا يقرأ فيها؟.. انتبه لـ7 حقائق
  • أوقاف الفيوم تنظم ندوة علمية من المسجد الكبير بفيديمين
  • رمضان عبد المعز: كلام سيدنا النبى بيطمنا ويعلمنا منخافش من بكرة