سودانايل:
2025-02-27@12:58:10 GMT

دولة 56 الحقيقة المغيبة

تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT

تُعد فترة الحكم الوطني الأولى في السودان، التي قادها كلاً من السيد إسماعيل الأزهري والسيد محمد أحمد المحجوب، واحدة من أكثر الفترات إثارة للجدل في التاريخ السياسي السوداني. فحين يرى البعض أنها كانت بمثابة حقبة ذهبية من الديمقراطية والبناء الوطني، يعتبرها مرحلة اتسمت بنوع من الاضطراب وعدم الاستقرار. كما ظل استقلال السودان نفسه محل اختلاف في الكثير من الروايات التاريخية، يصفه الأزهري الذي تعود جذوره إلى غرب السودان بأنه تحقق "من غير طق ولا شق"، أي من دون حاجة إلى كفاح مسلح أو ثورة دامية، على عكس ما حدث في دول إفريقية أخرى مثل الجزائر أو كينيا.


وقد بدأ السيد إسماعيل الأزهري، قائد الحركة الوطنية وزعيم الحزب الوطني الإتحادي مسيرته السياسية منادياً بالوحدة مع مصر، وتحول لاحقاً إلى تبني فكرة الاستقلال الكامل للسودان. ثم تولى منصب أول رئيس وزراء للسودان المستقل عام 1956، ثم أصبح رئيساً لمجلس السيادة حتى أطاح به انقلاب جعفر نميري عام 1969. ولعب الأزهري دوراً محورياً في استقلال السودان، حيث قاد المفاوضات السياسية التي أدت بالفعل إلى إعلان الاستقلال دون حاجة إلى كفاح مسلح. وشكّل مع محمد أحمد المحجوب، السياسي والدبلوماسي البارع، ثنائياً سياسياً متميزاً. ثم تولى رئاسة الوزراء مرتين (1965-1966 و1967-1969)، واشتهر بحنكته السياسية وبراعته في الخطابة والكتابة، بالإضافة إلى تركيزه على تعزيز علاقات السودان مع العالم العربي والإفريقي. ومع ذلك، واجهت مسيرته الحزبية صراعات حالت دون استمرار حكمه لفترة أطول.
بعد الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات المدنية، تعرضت تجربة الحكم الوطني الأولى لتشويه متعمد من قبل الأنظمة العسكرية المتعاقبة، التي صورت تلك الفترة على أنها مرحلة فشل سياسي واضطراب حزبي. ومن أبرز الادعاءات التي طالت هذه الفترة اتهام الأحزاب السياسية بالفشل في تحقيق الاستقرار السياسي، وهو ادعاء يتجاهل حقيقة أن التدخلات العسكرية المتكررة هي التي عرقلت التجربة الديمقراطية الناشئة. وتصوير الزعامات الوطنية على أنها غير مؤهلة للحكم، رغم أن هذه الزعامات قادت البلاد إلى الاستقلال ومارست الحكم بطرق ديمقراطية. قد تتحمل الحكومات المدنية مسؤولية كل الأزمات اللاحقة، في حين أن الانقلابات العسكرية هي التي أدت بشكل رئيس إلى تدهور الأوضاع وفرض النظم الشمولية.
ومن أهم القضايا البارزة التي أثيرت حول استقلال السودان هي أنه تحقق دون حاجة إلى ثورة مسلحة أو كفاح طويل الأمد، كما حدث في دول أخرى. هذه الرؤية تختزل النضال السوداني في بعده العسكري فقط، متجاهلة الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلها القادة السودانيون، وعلى رأسهم إسماعيل الأزهري ورفاقه، لتحقيق الاستقلال عبر المفاوضات بدلاً من المواجهة المسلحة.
ومن العوامل التي ساهمت في نجاح الاستقلال السلمي وجود حركة وطنية قوية استطاعت توحيد مطالب الاستقلال، بالإضافة إلى مهارة القادة السودانيين في إدارة المفاوضات مع دولتي الحكم الثنائي (بريطانيا ومصر). ومن الجدير بالذكر أن أول من نادى باستقلال السودان من داخل البرلمان كان عبد الرحمن دبكة، نائب دائرة دارفور الجنوبية، وذلك خلال جلسة البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1955. قدم دبكة، العضو في الحزب الوطني الاتحادي، مقترحاً بإعلان استقلال السودان التام، قائلاً: "نظراً إلى أن السودان قد استكمل كافة مقوماته الدستورية، فإنني أقترح أن يُعلن البرلمان استقلال السودان التام، وأن يُخطر دولتا الحكم الثنائي بهذا القرار". لقي هذا الاقتراح تأييداً واسعاً من أعضاء البرلمان، بما في ذلك رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري، مما مهد الطريق للإعلان الرسمي لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. كما لعب مشاور جمعة سهل العضو البارز من أقليم كردفان في البرلمان والناشط السياسي، دوراً مهماً في دعم قرار الاستقلال داخل البرلمان، وكان من أبرز القيادات التي دعت إلى استقلال السودان الكامل عن الحكم الثنائي البريطاني-المصري.
تُعتبر فترة حكم الأزهري والمحجوب تجربة ديمقراطية ناشئة واجهت تحديات داخلية وخارجية، لكنها ظلت نموذجاً لحكم مدني سعى لبناء دولة حديثة. ورغم أن السودان لم يشهد كفاحاً مسلحاً لتحقيق الاستقلال، فإن ذلك لا يقلل من قيمة النضال السياسي والدبلوماسي الذي قاده القادة السودانيون. وإن قراءة التاريخ بإنصاف تتطلب الاعتراف بجهود هؤلاء القادة الذين وضعوا أسس لقيام الدولة السودانية، بدلاً من إسقاط المسؤوليات والاخفاقات اللاحقة نتيجة الانقلابات العسكرية التي أعقبت تلك الفترة. ولكن بعض الأشخاص يلجؤون إلى إلقاء اللوم على الآخرين أو تحميلهم مسؤولية المشكلات بدلاً من مواجهتها بأنفسهم. هذه السلوكيات قد تكون وسيلة للتهرب من المسؤولية أو تجنب تحمل العواقب، لكنها نادرًا ما تكون حلًا فعالًا على المدى الطويل. تحمل المسؤولية والتفكير في حلول إيجابية يُعدّ نهجًا أكثر نضجًا وفاعلية في التعامل مع التحديات. فالتعلم من التجارب والعمل بدلًا من إلقاء اللوم على المؤسسين السابقين أفضل بكثير من إلقاء اللوم.

د. سامر عوض حسين

samir.alawad@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إسماعیل الأزهری استقلال السودان

إقرأ أيضاً:

الإمارات: صون حقوق الشعب الفلسطيني موقف ثابت

القاهرة (الاتحاد)
جددت دولة الإمارات العربية المتحدة التزامها الراسخ بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، مشددةً على موقفها التاريخي الثابت في صون حقوق الشعب الفلسطيني، ومؤكدة ضرورة إيجاد أفق سياسي يفضي إلى حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، باعتبار أن ذلك السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وشارك أعضاء مجموعة الشعبة البرلمانية للمجلس الوطني الاتحادي في البرلمان العربي، في أعمال الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان العربي تحت شعار «إعمار غزة واجب.. وتهجير أهلها جريمة»، وفي أعمال الجلسة الثالثة من دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الرابع للبرلمان العربي، التي عقدت بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة.
وتضم مجموعة الشعبة البرلمانية الإماراتية معالي محمد أحمد اليماحي رئيس المجموعة، رئيس البرلمان العربي، وكلاً من، ناعمة عبدالله الشرهان نائب رئيس المجموعة، عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والتربوية والثقافية والمرأة والشباب، ومحمد حسن الظهوري عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية.

أخبار ذات صلة الإمارات تختتم مشروع ترميم الصرف الصحي في خان يونس «الأونروا»: الضفة الغربية تشهد امتداد الحرب في غزة

وفي كلمته خلال الجلسة، أكد معالي محمد اليماحي رئيس البرلمان العربي، أن تخصيص جلسة خاصة لنصرة الشعب الفلسطيني، يأتي انطلاقاً من مسؤوليتنا القومية وواجبنا الأخلاقي تجاه قضيتنا الأولى والمركزية، القضية الفلسطينية، وتأكيداً للرفض العربي التام لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، أو التعدي على حقوقه الثابتة والمشروعة، وكذلك دعماً لكافة الجهود العربية التي تهدف إلى إعادة إعمار قطاع غزة، وبما يضمن عدم تهجير سكانه أصحاب الأرض.
وقالت ناعمة الشرهان خلال الجلسة الطارئة، إن هذه الجلسة تأتي في مرحلة دقيقة تستدعي تضافر الجهود العربية والدولية لدعم الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، في ظل التحديات الإنسانية والاقتصادية الراهنة. 
كما أكدت التزام دولة الإمارات الراسخ بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وموقفها التاريخي الثابت في صون حقوق الشعب الفلسطيني.
وشددت الشرهان على ضرورة إيجاد أفق سياسي يفضي إلى حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وفي كلمته، أكد محمد الظهوري، أن الأوضاع الإنسانية الحرجة التي يواجهها المدنيون في غزة منذ أكثر من 15 شهراً تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً، وهو ما شددت عليه دولة الإمارات في جميع المحافل، منوها بأهمية دعوة دولة الإمارات لتضافر الجهود لضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وقال الظهوري، إن التحركات الإماراتية الداعمة للشعب الفلسطيني، ورفض أي محاولات تهجيره، تجسد موقفها الثابت والمتسق مع الموقف العربي.
وفي البيان الذي صدر عن البرلمان العربي في ختام أعمال جلسته الطارئة التي عقدت أمس، جدد رفضه القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، مؤكداً تمسكه بالقانون الدولي والقرارات الدولية اللذين يدعمان حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والعيش بكرامة على أرضهم. 
واعتبر البرلمان أن التصريحات الداعية إلى تهجير الفلسطينيين تعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كما تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه. 
وأكد في هذا المجال ضرورة تقديم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في التمسك بأرضه ومساندته لنيل جميع حقوقه غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس. 
ودعا في هذا المجال البرلمانات الدولية والإقليمية إلى حث دولهم على حماية هذه الحقوق ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المخططات والمبادرات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية للتصدي لهذا المخطط وإيقاف هذه الانتهاكات الجسيمة بحق شعب فلسطين المرابط على أرضه ودعم جهود الإغاثة الإنسانية له والضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها وتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم المشروعة. 
وأكد البرلمان، إيمانه الكامل بأن القضية الفلسطينية ستظل القضية الأولى والمركزية للعالم العربي وفي قمة أولوياته، مشدداً على أنه لن يقبل «أي محاولات أو مخططات لتغيير المعادلة أو تصفية القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

مقالات مشابهة

  • بليحق: قلمة ناقش قضايا السودان والكونغو في البرلمان الأفريقي
  • بمشاركة ليبيا.. البرلمان الإفريقي يناقش مستجدات الوضع في السودان والكونغو
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • القيادة تهنئ رئيس الدومينيكان بذكرى الاستقلال
  • الإمارات: صون حقوق الشعب الفلسطيني موقف ثابت
  • ما هي أبرز المناطق التي استعادتها القوات المسلحة السودانية من حركة الحلو
  • البرلمان يواصل مناقشة القضايا التي تلامس حياة المواطنين
  • موسكو: أوروبا التي اختارت نهج العسكرة فقدت حق المشاركة في المفاوضات حول أوكرانيا
  • الاتحاد السوداني للعلماء يرفض التعديلات على الوثيقة الدستورية التي حمّلها مسؤولية الحرب