تآكل الأجور في ليبيا.. زيادة في الرواتب يقابلها تضخم بالأسعار
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
على مدار 15 عاما، تصاعدت فاتورة الإنفاق على الرواتب في ليبيا بوتيرة غير مسبوقة، فمنذ عام 2009 قفزت فاتورة الأجور من 9 مليارات دينار (1.84 مليار دولار) إلى 67.6 مليار دينار (قرابة 14 مليار دولار) خلال العام 2024، بحسب مصرف ليبيا المركزي.
وفي ظل اقتصاد ريعي وسوق غير منتج، قد يسعد الموظفون بتلك الزيادات في الأجور، لكن سرعان ما سيواجهون واقعا مختلفا عند التوجه للأسواق، عندما يكتشفون أن ما تلقوه من زيادة يذوب بسرعة مقابل غلاء الأسعار، لا سيما بعد توقع وزير المالية في حكومة الوحدة خالد المبروك أن يتجاوز الإنفاق على الرواتب حاجز 100 مليار دينار (20.
فهل يعود التوسع في الإنفاق إلى زيادة حقيقية في الأجور؟ وما تأثيره على القوة الشرائية وتضخم الأسعار؟ وأي انعكاسات على سوق العمل؟
تآكل الدخل"لم تعد قيمة الرواتب تواكب غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة" هكذا يرد الموظف في القطاع العام أسامة الورفلي في حديث للجزيرة نت.
ويضيف الورفلي: "مهما زاد راتبي، قدرتي الشرائية تتراجع، فالدينار ينهار والأسعار ترتفع" وأرجع السبب إلى سياسة التوظيف التي وصفها بالعشوائية التي جعلت الرواتب أشبه بالمعونة الشهرية، مؤكدا أنّ هذه المعادلة غير المستدامة أضعفت الإنتاجية وحوّلت المواطن إلى عالة على الدولة بدل أن يكون جزءا من دورة اقتصادية فاعلة، حسب قوله.
إعلانوتستعرض الموظفة في القطاع الخاص سندس سعد، تجربتها في حديثها للجزيرة نت، قائلة "بدأت مسيرتي المهنية في القطاع الخاص براتب 500 دينار (حوالي 102 دولار) واليوم أتقاضى ألف دينار (205 دولارات) ورغم هذه الزيادة، فإن غلاء الأسعار كان له تأثير كبير على قدرتي الشرائية، ولم يعد الراتب كافيا لتغطية احتياجاتي الأساسية مثل النقل، والدراسة، والمستلزمات الشخصية".
وأوضح وكيل وزارة المالية السابق، مراجع غيث، في حديثه للجزيرة نت أن سياسية "التوظيف العشوائي" ساهمت في تفاقم التضخم الذي يضغط بدوره على الاستدامة المالية والسياسة النقدية.
ويقول "يصرف المواطن راتبه على السلع الاستهلاكية وليس على الاستثمار أو الادخار، لذلك فإن النتيجة الحتمية هي ارتفاع معدل التضخم وغلاء الأسعار".
ويلفت غيث إلى أن مصرف ليبيا المركزي أعلن مطلع العام 2025، عن بلوغ حجم الإنفاق على بند الرواتب 67 مليار دينار في سنة 2024. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس فقط قيمة الرواتب، بل تشمل 11 بندا ضمن الباب الأول، مشيرا إلى أن البنود الأخرى في هذا الباب تمثل نحو 20% من أوجه الإنفاق، وتشمل مزايا خاصة للمسؤولين مثل العلاوات التمييزية، والسكن، والتأمين الصحي، وغيرها من الامتيازات.
ترهل حكومياعتبر أستاذ الاقتصاد الدكتور يوسف يخلف، أن التوسع في التوظيف الحكومي من دون إنتاجية حقيقية يعكس فشل السياسات الاقتصادية في خلق فرص عمل مستدامة، مؤكدا أن ضخ هذه الأموال في سوق غير منتج يؤدي إلى موجات تضخمية جديدة، تلتهم أي زيادة في الأجور، ما يجعل تحسين القوة الشرائية أمرا شبه مستحيل.
وتوقع يخلف في حديثه للجزيرة نت سيناريوهين لتضخم الإنفاق على الرواتب:
السيناريو الأول: زيادة الإنفاق على الرواتب بسبب التوظيف
ويؤثر ذلك على استقرار المالية العامة من خلال تفاقم العجز المالي، وتحميل المالية العامة أعباء إضافية من دون زيادة حقيقية في الإنتاجية أو فعالية في القطاع العام. لجوء مصرف ليبيا المركزي إلى تمويل العجز المالي عبر الاقتراض الداخلي أو طباعة النقود لمجابهة ضغوطات السيولة، بسبب الزيادة في الإنفاق الحكومي غير الفعال.السيناريو الثاني: زيادة الإنفاق على الرواتب بسبب رفع الأجور والتسويات المالية المتأخرة
إعلان زيادة الإنفاق على الأجور إن لم تقترن بتحسن حقيقي في الإيرادات العامة أو الإنتاجية؛ فستؤدي إلى تدهور المالية العامة على المدى الطويل. سيؤدي ذلك إلى رفع معدلات التضخم، وزيادة أسعار السلع والخدمات، واستنزاف الاحتياطيات النقدية، وهذا يزيد من خطر تقلبات قيمة العملة المحلية ويفاقم من أزمة السيولة.وعلى صعيد تأثير زيادة الأجور على القدرة الشرائية وحجم الاستهلاك، أكد رئيس غرفة التجارة والصناعة في طبرق إبراهيم الجراري، أن زيادة النفقات الاستهلاكية من دون دعم الإنتاج تؤدي إلى ضخ كميات كبيرة من السيولة في السوق، وهذا يؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم النقدي.
وأضاف الجراري في حديثه للجزيرة نت أن هذا النمط من الإنفاق يضع مصرف ليبيا المركزي أمام تحديات معقدة، إذ يضطر إلى طباعة المزيد من النقود أو اللجوء إلى احتياطي النقد الأجنبي، الأمر الذي يزيد من تعميق الأزمة، وفق قوله.
يقول المحلل الاقتصادي محمد دريميش للجزيرة نت إن الاقتصاد الليبي يواجه اختلالات هيكلية أبرزها تراجع فرص العمل، وانخفاض دخل الفرد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور الخدمات العامة، وعزا ذلك إلى السياسات الاقتصادية التي وصفها بغير المدروسة، كان آخرها خفض قيمة الدينار الليبي بنسبة 70%، وهذا أدى إلى:
تضخم الميزانية العامة. خروج العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من السوق. زيادة الاعتماد على القطاع العام.كل تلك الأسباب مجتمعة -حسب دريمش- ساهمت في رفع الرواتب لمواكبة التضخم.
وأوصى دريميش بتبني سياسات لتحفيز بيئة المال والأعمال، والابتعاد عن القرارات التي تخدم المصالح الضيقة على حساب الاقتصاد المحلي ومعيشة المواطن.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإنفاق على الرواتب مصرف لیبیا المرکزی للجزیرة نت فی القطاع من دون
إقرأ أيضاً:
في ظل تنامي التهديدات... ما حجم الإنفاق العسكري لدول الناتو؟
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وما تبعه من مواقف متقلبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بات الاتحاد الأوروبي مضطرًا لإعادة النظر في استراتيجيته الدفاعية ومستويات إنفاقه العسكري.
تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأعضاء في الناتو من حيث حجم الإنفاق الدفاعي، إذ بلغت ميزانيتها لعام 2024 نحو 895.6 مليار يورو. وعلى مدار العام الماضي، ارتفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي بنسبة 11.7%، ليصل إلى ما يقارب 423.3 مليار يورو (457 مليار دولار)، ما يجعل عام 2024 العام العاشر على التوالي الذي يشهد ارتفاعًا في هذا الإنفاق.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2014 و2024، قفز الإنفاق الدفاعي في أوروبا بأكثر من 50%، ما يعكس تصاعد المخاوف الأمنية في القارة.
وتُعد ألمانيا من أبرز الدول الأوروبية من حيث حجم الإنفاق، إذ تمتلك رابع أكبر ميزانية دفاع في العالم، وقد سجلت ميزانيتها الدفاعية زيادة بنسبة 23.2% بين عامي 2023 و2024. ومؤخرًا، أقرّت الحكومة الألمانية مشروع قانون يتيح زيادة كبيرة في مخصصات الدفاع.
وفي السياق ذاته، تقدّمت بولندا إلى المرتبة الخامسة عشرة عالميًا في حجم الإنفاق الدفاعي، بعدما كانت في المركز العشرين عام 2022.
وبالنسبة للدول الـ23 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمنضوية ضمن الناتو، فقد بلغ إنفاقها الدفاعي مجتمعًا عام 2024 ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 2.04% عام 2025.
وأدت عودة ترامب إلى منصبه لتصاعد الضغط الأمريكي على الحلفاء الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي. فالرئيس الأمريكي الحالي يدفع باتجاه رفع هذا الإنفاق إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو في الناتو.
وقد أبدت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، تأييدها لهذا التوجه خلال كانون الثاني/ يناير، فيما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن سعيه لرفع الإنفاق الدفاعي الفرنسي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي خطوة تستدعي تمويلًا إضافيًا يُقدّر بـ30 مليار يورو سنويًا.
Relatedتقرير: ارتفاع قياسي للإنفاق العالمي على الأسلحة النووية في ظل التوترات العالميةالاتحاد الأوروبي يدافع عن إنفاقه 387 ألف يورو لتنظيم حفل افتراضي في ميتافيرس الإنفاق العسكري في أوروبا الغربية والوسطى بلغ مستويات أعلى من نهاية الحرب الباردة (تقرير)وتشير التقديرات إلى أنه في حال حافظت الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو على معدل النمو المسجل عام 2024، فإن إنفاقها الدفاعي سيصل إلى متوسط 3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال خمس سنوات، وقد يبلغ 5% خلال عقد. غير أن هذا السيناريو يبدو غير واقعي بالنسبة للعديد من الدول، التي قد تجد صعوبة في الحفاظ على وتيرة النمو المرتفعة تلك.
فعلى سبيل المثال، رفضت إسبانيا الانصياع لمطالب ترامب، معلنة أنها تهدف إلى بلوغ مستوى 2% من الإنفاق الدفاعي بحلول عام 2029، وهو ما يتطلب مضاعفة الميزانية الحالية التي بلغت 17.523 مليون يورو في عام 2024، لتصل إلى 36.560 مليون يورو خلال خمس سنوات.
وفي هذا الإطار، يرى جيرومين زيتلماير، مدير مؤسسة "بروغل"، أن "زيادة القدرات الدفاعية الأوروبية بتكلفة مقبولة تتطلب تنسيقًا جماعيًا وتجميعًا في المشتريات العسكرية".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية هل يؤيد البريطانيون إنشاء جيش أوروبي يضم المملكة المتحدة؟ أوروبا في مواجهة تحديات جديدة: هل تعود إلى السباق النووي لبناء الردع العسكري؟ دون دعم أميركي.. كم تحتاج ميزانية الدفاع الأوروبي من عدّة وعديد واستثمارات؟ ألمانيادفاعدونالد ترامبأوروباحلف شمال الأطلسي- الناتوقوات عسكرية