رحل اللواء بحر أحمد بحر تاركا فراغا كبيرا في البنية العسكرية السودانية، وكاشفا غمة كبيرة عما تبقى من كتائب قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، والتي طالما صنفت أحمد بحر ضمن ألد أعدائها.

لا يعرف حتى الآن سبب مباشر لحادث تحطم الطائرة التي كانت تقل اللواء بحر وعددا من رفاقه العسكريين، لكن المؤكد أن حجم الحزن على الرجل في الدوائر السياسية والعسكرية السودانية القريبة من الجيش أو المحسوبة على التيار الإسلامي يكشف أنه كان بمركز أساسي ونوعي في الطرفين.

وباستثناء انضباطه العسكري وحسن بلائه في المواقع التي وكلت إليه قيادتها، وشيء من الخصومة التي سبق فيها الكثير من أقرانه مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" فإن المتداول عن الرجل قليل، مثل أي قائد عسكري غلبت عليه العسكرية صفّا، والانخراط في أعمالها العميقة وقتا واهتماما.

في شمال كردفان استنارت أولى خطوات أحمد بحر، واستقامت مسيرته العسكرية بتخرجه في الدفعة الـ35 من الكلية الحربية بالسودان، وما زالت العسكرية السودانية تشيد بتلك الدفعة التي تخرجت في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري.

وسرعان ما لمع نجم الرجل بين أقرانه العسكريين بكفاءته باعتباره مقاتلا بارعا ورجل استخبارات واستعلام حصيف.

????اللواء ركن بحر أحمد بحر مخاطباً أهله بقريته أم قناص شمال مدينة أم روابه بولاية شمال كردفان بعد إطلاق سراحه في أغسطس 2022.

حيث كان متهماً في قضية محاولة إنقلاب الفريق أول ركن هاشم عبدالمطلب رفقة ضباط آخرين.#أخبار_شرق_كردفان#معركة_تحرير_كردفان https://t.co/3EzSX1NPkZ pic.twitter.com/CDLCptv3R5

— أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) February 26, 2025

إعلان مسيرة في عيون اللهب

ارتبطت مسيرة أحمد بحر بالعمل العسكري، فكان قائدا ميدانيا مؤثرا في عمليات عسكرية متعددة بجنوب السودان، كما كان القائد الأكثر تأثيرا في أحداث جبل الملح سنة 1998 والعنصر الفعال في تأمين الطرق والمسارب بين مناطق السودان، خصوصا بين جوبا وتوريت، وفقا لوسائل إعلام سودانية.

ولاحقا، سيظهر اسم بحر أيضا مرة سنة 2013، إذ كان أبرز قادة عمليات أبو كرشولا الواقعة في الشمال الشرقي لولاية كردفان، والتي شهدت معارك دامية بين الجيش السوداني وما عرفت حينها بقوات الجبهة الثورية السودانية.

وقد تعددت المهام العسكرية التي شغلها الرجل، إذ ترقى -وفقا لوسائل إعلام سودانية- إلى منصب نائب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، ثم قائد منطقة الخرطوم العسكرية أهم قوة ومنطقة عسكرية في السودان.

وفي أواخر يوليو/تموز 2019 أعلن الجيش السوداني إحباط "محاولة انقلاب" اُتهم رئيس الأركان وضباط من الجيش وجهاز الأمن بالمشاركة فيها، إلى جانب قيادة من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني.

وبالتزامن مع ذلك، شُنت حملة اعتقالات واسعة طالت رئيس هيئة العمليات المشتركة الفريق آدم هارون ومدير التدريب اللواء بحر أحمد بحر وقائد المدرعات اللواء نصري الدين عبد الفتاح، وآخرين.

 

❓أين وقعت الطائرة؟

✔️بحسب المشاهد المتداولة وما ذكرته وسائل إعلام، فقد سقطت الطائرة في الحارة 75 في أم درمان.

✔️بحساب المسافة بين موقع الانطلاق في قاعدة وادي سيدنا وموقع التحطم، تبيّن أنها 5.5 كم فقط.

✔️وفقًا للمصادر كان على متن الطائرة فادة من الجيش أبرزهم اللواء بحر أحمد… pic.twitter.com/097SQlYQ2K

— EekadFacts | إيكاد (@EekadFacts) February 26, 2025

مواجهة قوية مع الدعم السريع

يصنف اللواء أحمد بحر على قمة أعداء قائد قوات التجمع السريع محمد حمدان حميدتي، وسرعان ما أنشب حميدتي أظافره في قوة أحمد بحر وثلة من القادة العسكريين الذين كان يراهم سدا منيعا أمام أهدافه في السيطرة على السودان، وهو ما لم يخفَ عن الرأي العام السوداني الذي ظل أغلبه مقتنعا بأن حميدتي أزاح بحر حين طُرد من الجيش واُتهم بالمشاركة في التخطيط لانقلاب عسكري، قبل أن يُلقى به في السجن.

إعلان

ولم يكن حميدتي أصلا ليرتاح لبحر الذي كان قد عبر عن رأيه تجاه الدعم السريع بصراحة مكتوبة، مقترحا الآليات والوسائل وطرق التنظيم التي يراها الأسلم لإقامة جيش من المشاة أولي جاهزية كبيرة للتدخل والحسم عند الاقتضاء.

ويتحدث مغردون ونشطاء سودانيون عن مواجهة وقعت بين الرجلين خلال تلك الفترة وصلت ذروتها بقول أحمد بحر مخاطبا حميدتي "أنا أصغر عسكري عندي نمرتو العسكرية أقدم منك، صدّقت نفسك فريق ولا شنو؟".

وإذا كان اللواء بحر قد أصبح بعد الاعتقال والإقالة والتسريح عنصرا مدنيا تقريبا فإن فورة الدم العسكري في عروقه لم تجف، فلم يطل انتظاره حتى عاد قائدا بدون قرار رسمي وبمبادرة منه بدعم القوات العسكرية السودانية، ومقاتلا ذا قدرات عسكرية عالية عندما اقتحم مقر القيادة العسكرية متحديا ما يصفها أنصاره بـ"نيران الجنجويد" ومدافع الدعم السريع.

ومع بدء المواجهة الشاملة مع الدعم السريع أصبح اللواء بحر قائدا للعمليات في منطقة الخرطوم بحري ذات القتال العنيف والممتد رغم أنه لا يملك أي صفة رسمية يكون بها جنديا أحرى أن يكون قائدا، هكذا تقول حرفية النصوص، ولكن أنصار الرجل يقولون إن الوطنية والانتماء والعقيدة القتالية قد صنعت منه عسكريا لا يمكن أن يتخلف عن نداء السلاح، وإن مهارته وقدراته الفائقة أعادته إلى حيث ينبغي أن يكون في صدارة القيادة.

صانع انتصارات الجيش

وينسب أنصار بحر والعارفون به إليه التحول الكبير في عمليات الجيش السوداني بالعاصمة الخرطوم، وصناعة الأوقات والظروف التي هيأت للانهيار الكبير لدفاعات الدعم السريع، وحولت قوات الجيش من الدفاع في عدد من مناطق العاصمة وضواحيها إلى الهجوم، مما أنهى حصار سلاح الإشارة ومهد الطريق سريعا لتحرير أم درمان ذات التاريخ الأثير في سودان الاستقلال والحرب والثورة والتحرير.

وإذا احتفى السودانيون ببطولات بحر فقد احتفوا أيضا بإنسانيته وتواضعه، إذ ينتقل من الميدان إلى أسر ضحايا الحرب مواسيا ومعزيا، متجولا بين مناطق السودان لزيارة أسر أصدقائه وضباطه العاملين معه.

إعلان

حادث غامض

لا أحد يعرف حتى الآن على وجه اليقين أسباب تحطم الطائرة التي كانت تقل بحر وآخرين، ففي حين اكتفى الجيش السوداني بالقول إن الطائرة العسكرية أقلعت من مدرج مطار قاعدة وادي سيدنا العسكرية (إحدى أكبر القواعد الجوية في البلاد) وسقطت في "الحارة 75 إسكان" شمال غرب أم درمان -أي على بعد 7 كيلومترات فقط من المطار- نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري سوداني تأكيده أن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني".

لكن ذلك لم يكن كافيا لإزالة الغموض عما حدث، فقد تساءل كثيرون على مواقع التواصل عن أسباب الحادث وخلفياته، ولم يستبعد بعض المدونين فرضية التصفية من طرف ما داخل المؤسسة العسكرية كما هو حال المغرد أبو عمار، في حين تساءل آخر قائلا "هل هي صدفة (أعطال جوية) كما يدعي المناصرون للجيش؟ أم دخول منظومة دفاع جوي حديثة كما يدعي أنصار الدعم السريع؟!".

ويمضي بحر برفقة 46 آخرين من ضحايا تحطم طائرة "أنتونوف آن-32" روسية الصنع، في حين يعاني 10 آخرون من آثار الجراح، وتطوى بذلك الحادث المؤلم مسيرة رجل يؤمن السودانيون بأنه من أكثر رجالهم شجاعة وقوة ونفاذ بصيرة وأسبقهم مواجهة للدعم السريع، فهل مات بحر في حادث طبيعي أم تدخلت إيادٍ من عدو أو صديق لصناعة تلك الخاتمة المأساوية لمسيرة عسكرية امتدت لسنوات طويلة؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب العسکریة السودانیة الجیش السودانی الدعم السریع اللواء بحر بحر أحمد أحمد بحر من الجیش

إقرأ أيضاً:

وزير سوداني متسائلا: هل الشعب الإماراتي يوافق على تصرفات حكومته ببلادنا؟

اتهم وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، دولة الإمارات العربية المتحدة بتوفير طائرات مسيّرة لقوات الدعم السريع، قائلاً إن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، هو من قام بتمويلها وتزويد الميليشيا بها عبر معابر متعددة.  

وأضاف الوزير أن عمليات قتل المدنيين وتدمير المنشآت الحيوية في السودان تُدار من "غرفة تحكم" في العاصمة الإماراتية أبوظبي، معربًا عن اعتقاده بأن الشعب الإماراتي لا يوافق على سياسات قيادته تجاه السودان، لكنه "مسلوب الإرادة"، على حد تعبيره.  



وفي سياق متصل، دعت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى رفع الحصار عن مخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب هجوم بري واسع شنته قوات الدعم السريع في 11 نيسان/أبريل الجاري، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وتشريد الآلاف.  


وقالت المنظمة، في بيان صدر أمس الاثنين، إن الهجوم ترك مئات الآلاف محاصرين داخل المدينة، محرومين من المساعدات الإنسانية الأساسية، في وقت وصل فيه نحو 25 ألف نازح إلى مدينة طويلة المجاورة، حيث تسعى الفرق الطبية إلى توسيع نطاق أنشطتها لمواجهة التحديات الصحية العاجلة. 
 
وناشدت المنظمة برفع الحصار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك عبر الإسقاط الجوي إذا لزم الأمر، مطالبة بتوفير ممرات آمنة للراغبين في مغادرة المنطقة.  

وأشار البيان إلى تقارير من داخل المخيم تؤكد قيام المقاتلين بإطلاق النار على مدنيين كانوا يختبئون في منازلهم، وإضرام النيران في أجزاء كبيرة من المخيم. 

كما دعت المنظمة جميع الجماعات المسلحة، خاصة قوات الدعم السريع، إلى الالتزام بحماية المدنيين، مطالبة المجتمع الدولي والدول المؤثرة بتحويل بيانات الإدانة إلى خطوات عملية.  

وتتزامن هذه التطورات مع تصعيد في الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، ما أدى إلى وقوع عشرات الضحايا، بحسب مصادر رسمية.  

من جهة أخرى، أعلنت محكمة العدل الدولية، الجمعة الماضية، أنها ستنظر في دعوى رفعها السودان ضد الإمارات، يتهمها فيها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، عبر تسليح قوات الدعم السريع.  


وتطالب الدعوى السودانية المحكمة بإصدار تدابير عاجلة تُلزم الإمارات بوقف أي دعم عسكري يمكن أن يسهم في ارتكاب أعمال إبادة جماعية في إقليم دارفور.  

ورغم نفي الإمارات هذه الاتهامات، فإن خبراء بالأمم المتحدة وعدداً من المشرّعين الأميركيين أكدوا أن هذه المزاعم "موثوقة".  

وتأتي الشكوى في أعقاب الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها، معظمها من القبائل العربية، ضد قبيلة المساليت في غرب دارفور، والتي وصفتها الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير الماضي بأنها "إبادة جماعية".  

وذكرت المحكمة أن مثل هذه القضايا تستغرق عادة سنوات للفصل فيها، غير أن إصدار تدابير احترازية يهدف إلى منع تفاقم النزاع خلال فترة النظر القضائي.  

يُشار إلى أن الحرب المستمرة منذ منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليونًا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما تشير أبحاث أكاديمية إلى أن عدد القتلى ربما تجاوز 130 ألفًا.  


وخلال الأسابيع الأخيرة، بدأ الجيش السوداني في استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، خاصة في العاصمة الخرطوم، حيث تمكن من السيطرة على القصر الرئاسي وعدد من المقار السيادية والعسكرية، في وقت تقلص فيه نفوذ قوات الدعم السريع إلى أجزاء محدودة في ولايات كردفان والنيل الأزرق، وأربع ولايات من إقليم دارفور.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يعلن مقتل 60 عنصراً من قوات الدعم السريع في الفاشر
  • بالفيديو.. شاهد الدمار الذي أحدثه اللواء “طلال” على برج المليشيا بالخرطوم في الساعات الأولى من الحرب بقرار انفرادي وشجاع منه نجح في قلب الموازين وحسم المعركة لصالح الجيش
  • الجيش السوداني: مقتل 60 عنصرا من "الدعم السريع" بهجوم على الفاشر  
  • الجيش السوداني يكذب الدعم السريع ويحذر ويكشف حقيقة فيديوهات ويعلن مقتل وإصابة 33 مواطنًا
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب مفاجئ لقوة تتبع  لـ”الدعم السريع” من الفاشر 
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎
  • السجن 10 سنوات لمتعاون مع الدعم السريع في فداسي
  • وزير سوداني: هل شعب الإمارات يوافق على تصرفات حكومته في بلادنا؟
  • وزير سوداني متسائلا: هل الشعب الإماراتي يوافق على تصرفات حكومته ببلادنا؟
  • “كمين المندرابة”.. الجيش السوداني يلقي القبض على قائد بقوات الدعم السريع وضباطه وجميع قواته