سياسة الضعفاء: سوريا الجديدة وإسرائيل الاستعمارية القديمة
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
في تصريح استعماري نموذجي، قال بنيامين نتنياهو إن إسرائيل «لن تسمح بانتشار قوات هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد جنوب دمشق» المنطقة التي تشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة التي قال كذلك إنه يريدها أن تكون منزوعة السلاح. رئيس الوزراء الإسرائيلي أضاف إن إسرائيل لن تتسامح مع أي تهديد لمجتمع الدروز في جنوب سوريا».
الإدارة الجديدة تركت التعليق على هذه البلطجة للسيدة هدى الأتاسي، واحدة من سبعة أعضاء في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سورية. فكان أن أدرج في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري بند حول تصريح نتنياهو، لا هو مما يحتمله سياق البيان، ولا هو ينم عن تقدير خطورة مضمون ذلك التصريح. ولعل في ذلك ما يشير إلى قلة الحيلة، أكثر مما يشير إلى قلة الوسيلة، أو ببساطة إلى غفلة عن الواقع وسوء تقدير، أكثر مما يشير إلى الضعف العسكري السوري المعلوم.
الضعيف عسكرياً لا يمكن أن يكون قويا سياسياً، هذا مفهوم، وهو مفهوم أكثر إن كان كذلك ضعيفاً على كل مستوى آخر، تثقل كاهله تركة باهظة. لكن الضعيف يمكن أن يلجأ إلى سياسة الضعفاء التي تعمل على كسب الصراعات أو عدم خسارتها بالاستناد إلى وسائل القانون الدولي، ومحاولة كسب الرأي العام في الإقليم والعالم، و«القوة الناعمة» الفكرية والسياسية والأخلاقية، وقبل كل شيء بتحويل ملكية البلد من الحكم الأسدي إلى الضعفاء من عموم السوريين، على نحو يوسع قاعدة المسؤولية عن المصير الوطني.
ليس المطلوب بحال تصريحات عنترية من الفريق الحاكم الجديد، ولا التهديد الطقسي بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ولا «التكويع» نحو خطاب الممانعة الذي كان ذريعة مشرعة لتدمير البلد من قبل الحكم الأسدي وحماته. المطلوب والممكن بالأحرى التزام سياسية الضعفاء بصورة متسقة، على نحو يتوافق مع وضع سورية الفعلي، ويقطع مع سياسة قوة لا سند لها.
وأول أركان سياسية الضعفاء عدم الانجرار إلى مواجهة مسلحة، هي مما لا يحتاج الحكم الجديد في سورية إلى نصيحة بشأنها على كل حال. من الآن ولسنوات طويلة قادمة سورية لا تستطيع الدفاع عن نفسها عسكرياً في مواجهة أي جيران أقوياء. لا ينبغي التكتم على ذلك، فهو معلوم للجميع، الأعداء قبل الأصدقاء. ولكن الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، يستطيع إدانة الاعتداء عليه، وتسميته باسمه: عدوان غير مبرر وغير مسبوق باستفزاز. بل هو أسوأ: تلاعب استعماري ببنية المجتمع السوري من قِبَل قوة قومية إثنية ارتكبت للتو جريمة الجينوسايد في غزة.
في المقام الثاني محاولة الاستفادة مما يتيحه القانون الدولي والمؤسسات الدولية من حماية. القانون الدولي يعتبر مرتفعات الجولان أرضا سورية محتلة، ومن باب أولى التوسعات الإسرائيلية الأخيرة، وإن لم تُبلّغ الأمم المتحدة بشأنها فيما يبدو. يشعر المرء بالحرج والسخف وهو يدعو إلى تقديم شكوى موثقة إلى الأمم المتحدة حول اعتداءات إسرائيل على المجتمع السوري والتراب السوري منذ اليوم الأول لسقوط الحكم الأسدي، إذ أن ذلك لا يحتاج إلى نباهة خاصة، ولا يصعب القيام به. ربما يقال إن اللجوء للأمم المتحدة ليس بالشأن المهم، فهناك قرارات من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن حول فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، لم تجد سبيلها إلى التنفيذ.
هذا صحيح فقط إن كان ينتظر من الأمم أن تعيد لنا الحقوق وتردع المعتدي، لكنه خاطئ إن فهم اللجوء إلى الأمم المتحدة كمسعى رديف يلتمس حماية القانون الدولي لبلد ضعيف، خرج لتوه من حرب طويلة ولا يكاد يقف على رجليه. ومن المساعي الرديفة كذلك مخاطبة الجامعة العربية وربما دعوة مجلسها إلى اجتماع عاجل، وذلك التماساً للدعم الدبلوماسي والإعلامي من الدول العربية، وربما مساعدات اقتصادية هي بالغة الأهمية اليوم.
ما يريده نتنياهو هو دفع البلد نحو حرب أهلية دائمة وإبقاء سوريا منقسمة ضعيفة
أما المسعى الأكثر إلحاحاً فيتجه نحو الجنوب السوري، نحو ترتيب العلاقة مع المحافظات المعنية على أسس تضمن التمثيل العادل والشراكة الوطنية، واحترام الخصوصيات المحتملة. ليس مواطنو السويداء ودرعا والقنيطرة هم من يتعين أن يردوا على نتنياهو، بل الفريق الحاكم الحالي. وسيكون أمراً طيباً أن يبادر مواطنو الجنوب السوري إلى الاحتجاج على البلطجة الإسرائيلية، لكن يجب أن يكون ظهرهم مسنوداً من قبل شاغلي موقع السيادة في بلدهم. ما تقوم به إسرائيل هو اعتداء على السيادة السورية، ومن يشغل موقع السيادة هو الفريق الحاكم الجديد، وهو من يتعين عليه الرد.
ويبقى أن الأساس في سياسة الضعفاء هو أن يساعد الضعفاء أنفسهم، أن يعتنوا بتعافي مجتمعهم وتوفير بيئة أنسب لتطوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتعليمي، والحقوقي والأمني. في هذا الشأن يبدو مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى يوماه قبل نشر هذه المقالة بيومين بمثابة فرصة ضائعة، محاولة لتلفيق شرعية مؤسسية دون أدنى تفويض للسلطة إلى المشاركين في الحوار، أو حتى لجنة السبعة التي وقع عليها أن «تُلهْوِج» جلساته التمهيدية كيفما اتفق.
هنا تعجل غير مفهوم من قبل من يتكلمون على مرحلة انتقالية تدوم ثلاث سنوات أو أربع أو خمس. وهو في فوقيته وانعدام شفافيته نقيض سياسة الضعفاء التي يفترض أن تعمل على تقوية المجتمع السوري لا على تركه مبلبلاً في الظلام لا يعرف ماذا يجري. بنود البيان التي قرأتها السيدة الأتاسي تبدو مسبقة الإعداد ولا تتضمن تعهدات ملزمة، أقرب إلى تعبيرات من السلطة عن نياتها الحسنة منها إلى تعبيرات من ممثلي المجتمع عما يتطلعون إليه.
سورية الجديدة في حاجة إلى أن تظهر وعيها بوضعها وتطلب من العالم، من القريب والبعيد، المساعدة في التعافي. كان يمكن قول أشياء مهمة عما عاناه السوريون وعما عاشوه طوال 54 عاماً، كان يمكن إيراد عناصر أساسية في وصف الحال اليوم، من نصف مليون من الضحايا على الأقل، إلى سبع ملايين مهجر خارج البلد (نحو 30 في المئة من السوريين) إلى 113 ألفاً من مجهولي المصير… إلى ثلاث ساعات فقط من الكهرباء في اليوم في العاصمة، وطلب العون من العالم والحماية من القانون الدولي، بخاصة في وجه دولة شبيحة، وضعت نفسها في استمرار مع الحكم الأسدي، فاحتلت أراض سورية جديدة ودمرت مقدرات عسكرية سورية في اللحظة التي لم يعد بشار الأسد قادراً على فعل ذلك. لم يحدث للأسف.
ما يريده نتنياهو هو دفع البلد نحو حرب أهلية دائمة وإبقاء سوريا منقسمة ضعيفة. كان بشار الأسد جيداً لإسرائيل لأنه كان إداري حرب أهلية لا تنتهي، ترك سوريا منقسمة ضعيفة، بل كان إداري إبادة، تماماً مثل نتنياهو ودولته حيال فلسطين وشعبها. وما يقطع الطريق على نتنياهو وعلى الحرب الأهلية معاً هو سياسة ضعفاء بصيرة وجسورة. سياسة الضعفاء ليست سياسة ضعيفة، مستكينة أو خانعة، بل يمكنها أن تكون سياسة نشطة وديناميكية، تخاطب دوائر أوسع من جمهور عالمي مستاء من التشبيح الإسرائيلي والأمريكي، وتوسع من دائرة الشركاء والحلفاء، لكنها قبل كل شيء تخاطب السوريين كمالكين لبلدهم ودولتهم، يحترمونها ويدافعون عنها.
سياسة الضعفاء ليست مطلوبة في مواجهة الأقوياء الخارجيين حصراً، فمحتواها الإيجابي هو الاستثمار في الحقوق والحريات والطاقات الاجتماعية، طاقات ملايين السوريين من النساء والرجال للنهوض بحياتهم المشتركة وببلدهم. سياسة الضعفاء هي السياسة التي تتمحور حول ضعف السوريين الفعلي، لكنها تعمل على تقويتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نتنياهو سوريا سوريا نتنياهو نزع السلاح الادارة الجديدة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الدولی الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
ناشطون: الجنوب السوري بين أطماع نتنياهو ووحدة الموقف الشعبي
يبدو أن السوريين أمام اختبار جديد لوحدتهم في مواجهة التحديات الخارجية، خاصة بعد التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأحد بشأن الجنوب السوري، فقد أثارت تصريحاته -التي طالب فيها بـ"نزع كامل للسلاح في جنوب سوريا"- موجة من الغضب والرفض الشعبي السوري.
وتحدث نتنياهو عن محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء كمناطق يجب أن تخضع لترتيبات أمنية مشددة، مشيرا إلى أنه "لن يسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق"، كما شدد على رفضه "أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا".
نتنياهو يطالب بجعل جنوب سوريا "منزوع السلاح بالكامل"، مؤكدا أن تل أبيب "لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب العاصمة دمشق"
المزيد: https://t.co/R4FScE7cxZ pic.twitter.com/YiiaRDRLKj
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) February 23, 2025
وفي رد مباشر على تصريحات نتنياهو أعلن قائد "تجمّع أحرار جبل العرب" في السويداء الشيخ سليمان عبد الباقي رفضه القاطع لتدخل أي جهة خارجية بالشأن السوري الداخلي.
وقال عبد الباقي في تصريح مقتضب "نحن سوريون وهويتنا سورية، نريد بناء الوطن والعيش بسلام، ومطالبنا كالسوريين جميعا هي البناء والسلام".
إعلانوأضاف أن أبناء سوريا قادرون على تقرير مصيرهم دون تدخل خارجي.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، عبّر سوريون عن غضبهم من تصريحات نتنياهو واعتبروها "استفزازا وقحا" يهدف إلى زعزعة أمن الجنوب السوري واستغلال الأقليات لتحقيق أهداف سياسية.
وطالب ناشطون الحكومة السورية المؤقتة باتخاذ موقف واضح وصريح يدين تهديدات إسرائيل للجنوب السوري.
نتنياهو وبتصريح علني ورسمي ، يحدد للجيش السوري مواقع انتشاره على أرضه الوطنية والتاريخية . ويهدد بالتدخل لمنعه ، إذا انتشر في جنوبي دمشق ، إلى محافظات الجنوب ، السويداء ودرعا والقنيطرة .
هل هذه بعض معالم النظام الدولي الترامبي في الشرق الأوسط ؟ !
— George Sabra (@GeorgeSabra_sy) February 23, 2025
واتهم مدونون رئيس الوزراء الإسرائيلي بمحاولة إشعال فتيل الفتنة في المنطقة، واصفين تصريحاته بأنها "عمل عدائي جديد لا يخدم جهود السلام".
وطالبوا الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بتحمل مسؤوليتها لحماية استقرار المنطقة والتصدي لخرق القانون الدولي الذي تمثله هذه التصريحات الصادرة من رئيس وزراء إسرائيل.
ودعا ناشطون إلى تنظيم مظاهرات غدا الثلاثاء في ساحة 18 آذار بمدينة درعا وساحة الكرامة في السويداء، بالإضافة إلى احتجاجات أخرى في محافظة القنيطرة، للتعبير عن رفضهم تصريحات نتنياهو وللتأكيد على وحدة الأراضي السورية.
تصريح نتنياهو هو إعلان حرب على سوريا.
1- الشعب السوري يجب أن يكون على قلب واحد.
2-أهل السويداء هم أمام التاريخ، وليس حكمت الهجري الذي هو مجرد خادم لأسياده.
3- يجب على الحكومة الجديدة الدخول في تحالفات إقليمية فورًا.
4-درعا وأهل درعا هم الدرع الحصين ل الجنوب ودمشق و السويداء pic.twitter.com/Ec6sRU8Qam
— مُحنّك سياسي (@Mohanaksyasi) February 23, 2025
واعتبر عدد من المراقبين أن تصريحات نتنياهو تعكس محاولات يائسة للهروب من أزماته الداخلية في إسرائيل، خاصة مع تصاعد الضغوط الناتجة عن قضايا فساد تحاصره وتدهور شعبيته إثر نتائج الحرب الأخيرة في غزة.
إعلانوقال محللون إن نتنياهو قد يلجأ إلى افتعال توترات أمنية أو حروب جديدة في المنطقة لتعزيز موقعه السياسي وإطالة أمد بقائه بالسلطة.
ودعوا السوريين إلى عدم الانجرار وراء الاستفزازات، والتوحد في مواجهة جميع التدخلات الخارجية التي تستهدف وحدة البلاد.
صدقوني محاولة هروب للامام .. اتفاق غزة سيخلق هدوء في المنطقة هو لا يريده .. بقاء حماس وعدم تخقيق اهداف الحرب كفيل باسقاطه في اسرائيل .. هو ايضاً متورط بقضايا فساد .. لا تعطوه طوق النجاة. سيفعل كل ما يستطيع ليبدء حرب جديدة ليطول بقاءه في السلطة. فوتوا عليه الفرصة وسيسقط قريبا
— خالد (@Az58043909) February 23, 2025
بدورهم، شدد ناشطون على أهمية أن تتولى الطائفة الدرزية في السويداء دورا تاريخيا في مواجهة التصريحات الإسرائيلية، وذلك من خلال إصدار بيان موحد من شيوخ الطائفة والشخصيات السياسية والمثقفين يؤكد رفض أي محاولة لإثارة الفتنة أو الدعوة إلى الانفصال.
كما طالبوا الرئيس السوري أحمد الشرع بالرد سريعا على تصريحات نتنياهو، بدلا من حصر المسؤولية في قيادات محلية مثل الشيخ حكمت الهجري.
دعوات للتظاهر في مدينة السويداء ضد مجرم الحرب نتنياهو #السويداء https://t.co/dMM2Z9RHs3 pic.twitter.com/UTBP2OBBH9
— Omar Alhariri (@omar_alharir) February 23, 2025
واعتبر عدد من النشطاء أن الحديث عن "حماية الطائفة الدرزية" ليس إلا ذريعة إسرائيلية لفرض أجندة جديدة على الجنوب السوري، وقال أحد الناشطين "نتنياهو لا يعبر إلا عن نفسه وعن توجهاته المتطرفة التي تستغل الأقليات لاختراق المجتمعات العربية، يجب أن نكون أكثر وعيا تجاه هذه اللغة المشحونة التي تمهد لحرب أهلية جديدة في سوريا".