واستضافت الحلقة الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية في موريتانيا "تواصل" محمد جميل ولد منصور، إلى جانب رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية الدكتور ديدي ولد السالك، ومداخلات للكاتب والمحلل السياسي الولي ولد سيدي هيبة.

واستعرضت الحلقة الخلفية التاريخية لموريتانيا، التي عُرفت منذ قرون كمركز للعلم الشرعي والفقهي، حيث شكلت المحاضر العلمية إحدى أهم الروافد الفكرية التي أسهمت في تشكيل الوعي الإسلامي في البلاد.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الإسلاميون والثورات العربية.. قراءة نقدية للتجربة وحصادهاlist 2 of 4المعارضة الموريتانية في “عباءة” السلطة قبيل الانتخابات الرئاسيةlist 3 of 4أحمد مزيد البوني.. الرجل الذي رَقْمنَ المحظرة الشنقيطيةlist 4 of 4هل يتسبب تعديل قانون الأحزاب بموريتانيا في أزمة سياسية بها؟end of list

ورغم أن الدولة الموريتانية لم تعرف تنظيما إسلاميا بالمعنى الحركي قبل الاستقلال، فإن ظهور تيارات يسارية وقومية في السبعينيات دفع مجموعة من الشباب إلى تأسيس أول كيان إسلامي عرف باسم "أنصار الله المجاهدين"، الذي انبثق عنه لاحقا التيار الإسلامي في البلاد.

وأكد محمد جميل ولد منصور أن الحركة الإسلامية في موريتانيا نشأت نتيجة التقاء رافدين أساسيين، أولهما الثقافة الإسلامية التقليدية المتجذرة في المحاضر، والتي وفرت للحركة رصيدا علميا متميزا، وثانيهما أدبيات الحركات الإسلامية المعاصرة، التي حملها الطلاب العائدون من الخارج، خصوصا من مصر والخليج وبعض الدول الأوروبية.

وأشار إلى أن هذا المزج منح التيار الإسلامي في موريتانيا خصوصية جعلته مختلفا عن نظيراته في المنطقة.

إعلان مجتمع محافظ

وحول علاقة التيار الإسلامي بالمجتمع المحافظ في موريتانيا، أوضح ولد منصور أن نشأة الحركة لم تكن من باب الصدام مع البيئة التقليدية، بل جاءت كعملية إحياء وتجديد للطرح الإسلامي في سياق أكثر شمولية، معتبرا أن غياب التعدد الديني في البلاد لم يكن مانعا من ظهور الحركة، حيث كانت مهمتها الأساسية إعادة إحياء المرجعيات الإسلامية التقليدية في الواقع المعاصر.

من جهته، تناول الكاتب والمحلل السياسي الولي ولد سيدي هيبة أثر التيارات اليسارية في ظهور التيار الإسلامي، موضحا أن الحزب الحاكم في بدايات الاستقلال كان يضم شخصيات يسارية تأثرت بالمدارس الاشتراكية العالمية.

وأضاف أن التيار اليساري في البلاد حمل أطروحات ذات بعد أيديولوجي تتصادم مع القيم الدينية، مما أوجد بيئة دفعت الإسلاميين إلى العمل المنظم لمواجهة هذه الأفكار.

أما بخصوص علاقة التيار الإسلامي بالسلطة، فقد أشار ولد منصور إلى أن الإسلاميين تماهوا مع النظام العسكري في عهد الرئيس محمد خونة ولد هيدالة خلال الثمانينيات، مستفيدين من رفعه لشعار تطبيق الشريعة الإسلامية.

لكن سرعان ما اصطدموا بخلفه معاوية ولد الطايع، الذي زج بقياداتهم في السجون وأغلق مؤسساتهم الدعوية، ومع سقوط ولد الطايع، دخل الإسلاميون مرحلة جديدة عبر مبادرة "الإصلاحيين الوسطيين"، التي مثلت تحولا نحو العمل السياسي العلني.

مراجعات فكرية

وأكد الدكتور ديدي ولد السالك أن المبادرة جاءت في سياق مراجعة الحركة الإسلامية لخياراتها، حيث أقرت بقبول الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى السلطة، وأعادت تعريف نفسها كتيار سياسي وطني، بعيدا عن الشعارات التقليدية للحركات الإسلامية.

واعتبر أن هذه الخطوة مكنت الإسلاميين من الحصول على ترخيص حزب "تواصل"، الذي بات لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية.

لكن دخول الإسلاميين في الحكومة خلال فترة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أثار جدلا واسعا، لا سيما أن الحكومة حينها لم تكن قد قطعت علاقاتها بإسرائيل.

إعلان

وعلّق ولد منصور على هذه النقطة، موضحا أن مشاركتهم جاءت في سياق اتفاق سياسي، وأن الهدف منها كان الدفع باتجاه إنهاء التطبيع، وهو ما تحقق لاحقا.

الربيع العربي

وفيما يتعلق بموقف الإسلاميين من الربيع العربي، أكد ولد منصور أن التيار الإسلامي في موريتانيا تأثر بالأحداث في المنطقة، ورفع شعار "الإصلاح قبل فوات الأوان"، لكنه أقر بأن الظروف الداخلية لم تكن مهيأة لثورة شعبية على غرار ما حدث في تونس ومصر.

وأضاف أن الحراك الذي قادته المعارضة لم يكن مدعوما بزخم اجتماعي كاف لإسقاط النظام، وهو ما دفع الحركة إلى مراجعة مواقفها والعودة إلى أساليب المعارضة التقليدية.

وفي سياق متصل، ناقشت الحلقة مسألة التداول القيادي داخل حزب "تواصل"، حيث شهد الحزب تغيرات على مستوى القيادة، لكن بعض تلك التغييرات أفرزت خلافات داخلية، دفعت عددا من قياداته، من بينهم ولد منصور، إلى الاستقالة.

وأوضح الأخير أن استقالته لم تكن بسبب خلاف شخصي، بل جاءت نتيجة تباينات حول مدى انفتاح الحزب على مختلف المكونات الوطنية، مؤكدا أن نجاح أي حزب سياسي إسلامي يعتمد على قدرته على تجاوز الإطار الحركي الضيق والانفتاح على المجتمع الأوسع.

وفي ختام الحلقة، تطرق الدكتور ولد السالك إلى تراجع تمثيل "تواصل" في الانتخابات الأخيرة، مشيرا إلى أن العوامل التي ساهمت في ذلك تشمل استقالات بعض قياداته، وضعف التنسيق بين قوى المعارضة، إلى جانب نجاح السلطة في احتواء المناخ السياسي عبر خطاب التهدئة، مع تأكيده أن الحزب لا يزال يحظى بقاعدة جماهيرية تجعله لاعبا مؤثرا في المشهد السياسي.

26/2/2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب التیار الإسلامی فی موریتانیا الإسلامی فی فی البلاد فی سیاق لم تکن

إقرأ أيضاً:

الطريق المنسي في العمل الإسلامي

في أحد وجوه التصوف، أو أبرز مقاصده الأساسية، أن انفعالات الإنسان وجوارحه واستعداداته وطموحه وغرائزه ونظرته للعالم ينبغي أن توزن جميعها بميزان الروح مصحوبا بالعقل، حتى يتحقق التوازن بين باطنه وظاهره.

فالإنسان مدفوع بطبعه إلى التفاعل مع الحياة، ولكنه إذا افتقد التوازن الروحي الذي يوجه انفعالاته وتوجهاته، فإن هذه التفاعلات قد تخرج عن حدودها السوية. إن الميزان الذي يجمع بين العقل والروح هو الأساس في تحقيق الانسجام بين الداخل والخارج في الإنسان، ومن خلاله يعرف ما يتجاوز حده وما اختل مساره، فيتمكن من معالجة دوافعه الداخلية وتوجيه سلوكياته بما يحقق التوازن النفسي والروحي.

غالبا ما يعجز الإنسان عن التمييز بين الصالح والطالح من حركات نفسه إذا اكتفى بميزان العقل أو العقل والشرع وحدهما؛ لأن العقل قد تضلله الشهوات، والشرع قد يُختزل أحيانا في صورته الظاهرة دون أن تنفذ أحكامه إلى أعماق النفس. أما الروح، فهي النور الذي يكشف له دقائق نفسه وخفاياها، فهي التي توجه العقل وتعمل على تنقيته من التراكمات السلبية التي قد تؤثر على حكمه وتوجهاته. في غياب الروح، أحيانا لا يستطيع الإنسان أن يميز بين المخلص والمنتفع، بين الطاهر والدنس، وهو ما يجعل مساراته أحيانا تتقاطع مع مسارات خاطئة.

هذه الرؤية الجوهرية للتوازن الروحي هي ما غاب عن العديد من الحركات الإسلامية السياسية التي نشأت في العالم العربي والإسلامي. ففي البداية، كانت هذه الحركات تحمل شعارات نبيلة تدعو إلى الإصلاح والعدالة، وتحقيق المساواة والحرية. ولكن مع مرور الوقت، بدأ يظهر في داخل هذه الحركات تصدع واضح ناتج عن غياب هذا التوازن الروحي
هذه الرؤية الجوهرية للتوازن الروحي هي ما غاب عن العديد من الحركات الإسلامية السياسية التي نشأت في العالم العربي والإسلامي. ففي البداية، كانت هذه الحركات تحمل شعارات نبيلة تدعو إلى الإصلاح والعدالة، وتحقيق المساواة والحرية. ولكن مع مرور الوقت، بدأ يظهر في داخل هذه الحركات تصدع واضح ناتج عن غياب هذا التوازن الروحي. فقد نشأت هذه الحركات على تصورات فكرية أو تنظيمية غير متجذرة في فهم عميق لروح الدين، بل كانت تعتمد بشكل أساسي على العقل السياسي والنظريات الحركية السطحية التي لا تتعامل مع الإنسان من داخله. لقد كان غياب الوعي الروحي هو العامل الأساسي في تفكك هذه الحركات، حتى أن الأمراض النفسية والأخلاقية بدأت تتسرب إلى قياداتها وأفرادها دون أن تجد من يعالجها بعمق.

في هذا السياق، نجد أن التفكك كان كامنا في بنيتها من البداية، إذ كان الفكر التنظيمي يطغى على الروحانية التي ينبغي أن تكون أساسا لتحرك هذه الحركات. ومع مرور الوقت، أصبح من الصعب التمييز بين الصالح والطالح داخل هذه الحركات، فاختلط المخلصون بالمنتفعين، وفقدت الحركات قدرتها على الانضباط الأخلاقي والسياسي. وفي النهاية، تحللت هذه التنظيمات وتفككت، دون أن يدرك قادتها السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار. كانت الأزمات تعصف بها، والمؤسسات تتوقف عن العمل، ومع ذلك لم يتم البحث الجاد في الأسباب الروحية والنفسية لهذه الأزمات، بل كانت المعالجات تدور غالبا في إطار تنظيمي أو سياسي سطحي لا يمس أعماق المشكلة.

إن الأزمة هنا ليست فقط أزمة سياسية أو اجتماعية، بل هي أزمة روحية عميقة. فبغياب الوعي الروحي، يصبح من الصعب على هذه الحركات أن تلتزم بالقيم الإسلامية الحقيقية التي تدعو إلى العدالة والمساواة والرحمة. بدلا من ذلك، يتم تبرير العديد من التصرفات غير الأخلاقية تحت شعارات دينية، ويتم استخدام الدين لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية، وهو ما يؤدي إلى إفقاد الناس الثقة في هذه الحركات وفي الدين نفسه.

الروحي الصادق ليس ترفا فكريا أو حالة عاطفية مؤقتة، بل هو ضرورة جوهرية لصحة النفس والمجتمع. فبغرس التوازن الروحي، يمكن للإنسان أن يحقق التنمية الذاتية الحقيقية، وأن يسهم في تطوير مجتمعه على أسس من العدل والرحمة
وإذا أردنا أن نفهم سببا آخر من أسباب هذا الانحراف، فلنتأمل كيف أن بعض الشباب يدفعون حياتهم ثمنا لأعمال تقع في إطار الجرائم، وهم يظنونها قُربات دينية، في حين أنهم لا يتحركون لمآسي ومجازر تطال أهاليهم وأبناء جلدتهم. هذه المفارقة العجيبة تجد تفسيرها في غياب ميزان الروح؛ إذ مع انحراف الغرائز واضطراب النفس، يختلط الدين بالعنف، وتُزَيَّن الجرائم بثياب الطاعة، ويتحول الإنسان إلى أداة بيد دوافعه المضطربة دون وعي حقيقي بجوهر الدين ولا بميزان الرحمة والعدل الذي يقوم عليه

وتلعب العوامل النفسية، مثل الحرمان العاطفي أو الشعور بالظلم أو الإحباط، دورا كبيرا في تشكيل هذه التصرفات العنيفة، حيث يعجز هؤلاء الشباب عن التفريق بين الجهاد الحقيقي وبين العنف الممنهج تحت لافتة الدين.

إن ما يحدث في هذه الحركات السياسية هو نتيجة غياب التوازن بين العقل والروح. فالروح هي التي تمنح العقل الرؤية الواضحة، وتمنحه القوة على التمييز بين الحق والباطل، بين الواجب والمصلحة. وعندما يغيب هذا البُعد الروحي، يصبح العقل عرضة للتشويش والتضليل، ويختلط في داخل الإنسان الحق بالباطل، ويصبح من السهل عليه أن يسلك الطرق المظلمة بدلا من الطريق النوراني المستنير.

لهذا، فإن السير الروحي الصادق ليس ترفا فكريا أو حالة عاطفية مؤقتة، بل هو ضرورة جوهرية لصحة النفس والمجتمع. فبغرس التوازن الروحي، يمكن للإنسان أن يحقق التنمية الذاتية الحقيقية، وأن يسهم في تطوير مجتمعه على أسس من العدل والرحمة. إن غياب هذا التوازن يؤدي إلى انزلاق المجتمع نحو الفوضى الأخلاقية والسياسية، تحت شعارات قد تكون في ظاهرها دعوة للتغيير، ولكنها في حقيقتها تخدم مصالح فردية أو حزبية.

في الختام، لا بد من العودة إلى هذا الميزان الروحي الذي يجمع بين العقل والقلب، بين الشريعة والروح، لعلنا نستطيع معالجة الخلل الذي أصاب الكثير من الحركات السياسية في عالمنا المعاصر، ولعلنا نعيد بناء مجتمعاتنا على أسس من العدالة الحقيقية والسلام الداخلي.

مقالات مشابهة

  • الطريق المنسي في العمل الإسلامي
  • جمعية “سور” في حلب تُنظم محاضرتين علميتين حول العمارة التقليدية في منارة حلب القديمة
  • القيادات الإسلامية البريطانية: منهج رابطة العالم الإسلامي يُمثّل نموذجًا إسلاميًّا معاصرًا بالغ الأهمية والتميّز يتعيّنُ استلهامُه وتدريسُه للأجيال
  • تنظيم معرض خاص بالمنتجات الجزائرية بنواكشوط في موريتانيا
  • مفتي الجمهورية: المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة
  • استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!
  • وعد فأوفى.. نشأت الديهي يعلق على حضور الرئيس السيسي لعقد قران ابنة الشهيد مالك مهران
  • الحركة الشعبية لتحرير السودان/ التيار الثوري الديمقراطي .. بيان حول إجتماع المكتب القيادي
  • موريتانيا تشارك في مناورات الأسد الأفريقي بالمغرب
  • مغطى بخام الحديد..أسترالي يلتقط صورًا على متن قطار الصحراء في موريتانيا