كمين غسان.. اقتفاء أثر غسان كنفاني
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
الدراسات والمقالات والأبحاث عن أدب غسان كنفاني تكاد تكون متشابهة، ولا تقدم بالعموم أفكارا وأبعادا وزوايا جديدة غير مسبوقة، معظم هذه الدراسات والمقاربات متوقعة وتدور حول فكرة مديح عالم غسان وربطه بالوطن والاحتلال واللجوء والمقاومة، ويبدو وأرجو أن أكون مخطئا أن قداسة غسان ككاتب فلسطيني محترم ومقاوم غطت على عديد من الأفكار النقدية أو على الأقل على كثير من المساحات الفكرية والجمالية التي يمكن أن يستفزها أو ينبشها عالم غسان الواسع والغني، لكن أحدا لم يتقدم لنبش وتوسيع دلالات وآفاق أعماله (قراءته من منطلقات علوم أخرى كعلم الاجتماع أو الفلسفة أو علم النفس أو التاريخ) وحرث عالمه وربطه بالمحيط الاجتماعي أو النفسي وتأمل عبارته، وسرده واستخراج دلالات طازجة من سياقاته الشخصية العائلية و التاريخية والوطنية.
أمامي كتاب جديد للكاتب الدكتور محمد نعيم فرحات عنوانه (كمين غسان كيف تعقب النص تاريخه وأدركه) والكاتب أستاذ علم الاجتماع والمتخرج من الجامعة التونسية وهو أمين عام الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وانطلاقا من علم اجتماع الثقافة كما يكتب الشاعر مراد السوداني عن الكتاب: (كان فرحات واحدا من أهم حفاري طبقات النص الكنفاني، عبر جولانه في فضاءاته الجمالية، المؤثثة على ملكوت فكرة هذه الفلسطين، وجلال معناها، ويضيف الشاعر السوداني: إنها دراسة تتغيا العلاقة بين النص والتاريخ، في مجاورة فذة جعلت من الكتابة، قنطرة جمالية عليا في محاولة قطف الدلالة المتوارية في حديقة نص كنفاني). يهدي الكاتب نصه كما كتب: إلى فلسطين البهية ومعانيها العالية في الزمن والروح والتاريخ ولوجدان من تمثلوها وحاولوا رسمها، ما استطاعوا إليها سبيلا.
الكتاب محكم من طرف مركز البحث العلمي في الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية وهذا المركز تابع لإدارة البحث العلمي- وزارة التعليم العالي الجزائرية.
يقع في 237 صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر عام 2023 عن الاتحاد الكتاب والادباء الفلسطينيين وينقسم إلى أربعة أقسام، هي: في علاقة الأدب- كنصّ بالعالم: معضلة أم معنى أم جدلية، والحالة والسياق: صعود اللغة لمجابهة الواقع، وكيف تعقّب النص تاريخه وأدركه، ووعي الخطاب، يكتب الناقد الفلسطيني المعروف فيصل دراج في مقدمته للكتاب: (أيقظ الكاتب في قارئه أرواح غسان الأديب والمثقف الأكثر تكاملا ومأساوية في تاريخ الادب الفلسطيني)، دراج حين يقدم كتابا، نفهم منه فورا دون حتى قراءة هادئة، أن هذا الكتاب يشتغل على ثيمة الوعي الكبير والعالي الذي بثه غسان داخل قرائه، الوعي الذي قدمته دراسة فرحات من منطلق سوسيولوجي محكم وذكي وواسع. كثيرة هي الخطابات الثقافية التي انبثقت من وجع الفلسطينيين لكن خطاب غسان كنفاني، كان مختلفا فقد كان أمينا جدا لحدث النكبة من حيث تصوير دلالاته وأبعاده ومن حيث تصوير هذا الزلزال الهائل في بنية الحياة الاجتماعية الفلسطينية، وتفجير وعي ثقافي ذكي وشجاع.، تمحورت هذه الدراسة المهمة في البحث عن العلاقة بين بنية وعي الخطاب وبنية وعي الواقع، ويذهب الكاتب فرحات الى تأمل فعل الخروج كما سماه، الخروج الذي مارسه الفلسطينيون فعليا ومجازيا من مكانهم ومجالهم ومعناهم الذي اعتادوا عليه باتجاه المنفى والغياب والتفكك، وبقراءة خطاب غسان من منظور فعل الخروج ونصوصه سيبدو باقي الخطاب وكأنه تداعيات لهذا الفعل في تطوره وتراكمه وتحولاته، ويدرس الكاتب النصوص الأساسية لفعل الخروج في خطاب غسان الثقافي مثل عائد الى حيفا وما تبقى لكم والعروس، في هذه الأعمال تحضر العناصر الثلاثة المؤسسة لفعل الخروج كما حددها الكاتب وهي :الآخر الخصم، وأبنية المحيط العربي وأشكال تداخلها وموقف الجماعة الفلسطينية إزاء التحديات التي واجهتها وطريقة وعيها لذلك وتعاطيها مع الواقع المتشكل.
هذا كتاب مهم يشكل إضافة الى المكتبة الفلسطينية والعربية ويشكل مرجعا مهما لعديد من الدراسات والمقالات التي سوف تبحث عن أبنية الوعي في خطاب غسان، وتحولات هذه الأبنية وأنساقها المتعددة.
الكاتب في سطور
هو الدكتور محمد فرحات، من مواليد سعير في الخليل عام 1962، اشتغل من عام 1988 كاتبا صحفيا متخصصا في شؤون الشرق الأوسط، وفي رصيده أعمال عديدة منها "الفلسطينيون والمنفى" عام 2014، و "كمين غسان" عام 2023، و "هناك كتاب ثالث على الطريق (أن تكون هناك)"، ويعمل حاليا أستاذا لعلم الاجتماع في جامعة القدس المفتوحة، كما عمل أستاذا في جامعة بيت لحم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«ابن قلاقس.. سلني عن الحب يا من ليس يعرفه».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
أصدرت وزارة الثقافة، متمثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن إصدارات سلسلة ديوان الشعر المصري، كتاب «ابن قلاقس.. سلني عن الحب يا من ليس يعرفه»، من اختيار وتقديم الشاعر أحمد الشهاوي.
ويقول أحمد الشهاوي في تقديمه للكتاب: «يكاد يكون ابن قلاقس شاعرًا مجهولا في ثقافتنا العربية، على الرغم من أن خليل مطران قدم في بدايات القرن العشرين الميلادي منتخبات من شعره، لكنها للأسف لم يعد طبعها، كما لا توجد دراسات أكاديمية كافية حول شعره وحياته الغامضة الغريبة الملأى بالعجائب، إذ إنه ابن السفر والرحلة، وأيضًا هو لم يعش حياة طويلة مثل غيره من شعراء عصره، ولا أحد يذكره، ولا أحد يطبع شعره الذي كان شهيرًا في زمانه؛ كي يكون متاحا أمام قارئ الشعر خصوصا، والقارئ بشكل عام، هو عندي شاعر غريب في سلوكه وحياته، مات ولم يبلغ الأربعين من عمره في "عيذاب" على شاطئ البحر الأحمر شوال سنة سبع وستين وخمسمائة هجرية، وهو المكان نفسه الذي مات ودفن فيه القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي بعد ابن قلاقس بنحو مئة سنة، حيث توفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب، وكان متوجها إلى مكة في أوائل ذي القعدة ٦٥٦ هجرية، عاش ابن قلاقس - (وقلاقس : بقافين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبينهما لام ألف وفي آخره سين مهملة، وهو جمع قلقاس بضم القاف وهو معروف فريدا سائحا جوالا، جواب آفاق، كان كثير الترحال، محبا لركوب البحر، وزاد من ذلك اشتغاله بالتجارة، وعبر عن هذا الحب بقوله: (والناس كثر ولكن لا يقدر لي.. إلا مرافقة الملاح والحادي)».
وأضاف: «كان ابن قلاقس شاعرًا مُكثرًا ، نشر ديوانه في سنة ١٩٠٥ ميلادية بتحقيق الشاعر خليل مطران في مصر، وكان مخطوط ديوانه في خزانة الشيخ علي الليثي بمصر، وفي المكتبة الأهلية بباريس، مخطوطة (رقم (۳۱۳۹)، ولابن نباتة المصري مختارات من ديوان ابن قلاقس، كما تُنسب إليه كتب أخرى من أشهرها: (الزهر الباسم في أوصاف القاسم "القائد الصقلي"، وروضة الأزهار في طبقات الشعراء، ومواطر الخواطر)، وقال عنه الزركلي هو : شاعر نبيل من كبار الكتاب المترسلين، كان في سيرته غموض».