الذكاء الاصطناعي والأديان.. معادلة من أصعب المعادلات؟
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
مؤيد الزعبي
هل تساءلت يومًا عن شكل الأديان في المستقبل؟ وهل ستتأثر بما نشهده من تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي بلا أدنى شك ستتغلغل أكثر في حياتنا خلال السنوات القادمة، متجاوزة حدود عقولنا لتصل حتى إلى روحانيتنا ومعتقداتنا؟
لا أتحدث هنا عن دين معين؛ بل عن جوهر الوجود الإنساني الذي حفظه تاريخنا البشري منذ بدء الخليقة.
قد يعتقد البعض أن المسافة بين الأديان والذكاء الاصطناعي طويلة يصعب تقليصها، إلّا أن الواقع يُشير إلى أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات قد دخلت بالفعل بعض دور العبادة والكنائس، وأصبحت تؤدي أدوار الكهنة والرهبان في بعض الحالات؛ فهل سنجدها يومًا ما في مساجدنا وفي حلقات الذكر؟ هذا تساؤل آخر يستحق التأمل والإجابة دون تردد.
تُعد الأديان والمعتقدات من أكثر المفاهيم الإنسانية تعقيدًا، ليس فقط بسبب عمقها الفكري، ولكن أيضًا نتيجةً لارتباطها الوثيق بتجربة الإنسان الروحية والوجدانية، ولن أخوض هنا في تفسير الأديان بحد ذاتها؛ بل سأحاول الإجابة عن تساؤل محوري: كيف سيكون شكل الأديان في المستقبل؟ وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفهم شعورًا معقدًا كالإيمان، الذي يربط الإنسان بالكون من حوله ويمنحه توازنًا يساعده على الاستمرار في الحياة؟
حتى الآن، يلتزم الذكاء الاصطناعي بالتعريفات التي وضعها البشر للأديان، لكن هذا لا يعني أن الأمر سيبقى على حاله إلى الأبد. فماذا لو بدأت محاولات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل المفاهيم الدينية؟ هنا تكمن الخطورة الحقيقية.
ببساطةٍ.. الأديان هي علاقة الإنسان بمن يعبُده، وعلى الرغم من قوة إيمان البشر بأديانهم، إلّا أن الشك كان وما زال دافعًا للتساؤل حول ماهية الأديان؛ بل سببًا في تخلي البعض عنها واتجاههم إلى الإلحاد. وفي ظل ذكاء اصطناعي يعتمد على الخوارزميات والأرقام والاحتمالات، يظل الشعور بالإيمان أمرًا بالغ التعقيد يصعب تفسيره من منظور رقمي بحت. لذلك، فإن العبث بالمفاهيم الدينية عبر الذكاء الاصطناعي ليس أمرًا مستبعدًا في المستقبل؛ بل قد يصبح واقعًا يفرض تحديات غير مسبوقة. فاستهداف المؤسسة الدينية من خلال هذه التقنيات قد يحمل عواقب يصعب تخيلها؛ فهل نحن مستعدون لمواجهة هذا المستقبل؟
على صعيد آخر، فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى عُقر دار الأديان ومساهمته في تفسير العديد من المفاهيم والنصوص أو إعادة إنتاجها بصياغة جديدة سيخلق لنا الكثير من التحديات والفوائد في الوقت نفسه، وقد قدمت التحديات على الفوائد لأننا سنواجهها أولًا قبل أن نتمكن من تطويع الذكاء الاصطناعي لتحقيق الفوائد المرجوة. فكما ذكرت سابقًا؛ لقد طرق الذكاء الاصطناعي أبواب الكنائس والمعابد، وقريبًا سيطرق أبواب المساجد، لنجد أنفسنا أمام روبوت ذكاء اصطناعي توليدي قادر على تفسير النصوص الدينية، والإجابة عن تساؤلاتنا بشأن الحلال والحرام، ولا أستبعدُ أن يُستخدم في إصدار الفتاوى والتشريعات الدينية، أو في كتابة خطب الجمعة والدروس الدينية؛ بل وحتى في اختيار مناهجنا الدينية، فهل لا تزال تعتقد أن المسافة بين الذكاء الاصطناعي والأديان طويلة؟!
لا يمكننا إنكار أن الذكاء الاصطناعي سيسهل على الكثيرين معرفة أمور دينهم ودنياهم، كما سيُسرِّع عملية إصدار الفتاوى بالاعتماد على كمّ هائل من البيانات والمعطيات. ولكن، ما الذي يضمن لنا أن الذكاء الاصطناعي سيتعامل مع أصول أدياننا كما هي، دون أن يُحرِّفها أو يخلطها ببعضها البعض؟ أو دون أن يُفضِّل مذهبًا على آخر؟ أو أن يُستخدم كأداة للتبشير بدينٍ معين؟ أو أن يُوظِّفه البعض لنشر أفكار دينية تخدم مصالحهم؟ بل ماذا لو قام أحدهم باختراع دين جديد مُصمم خصيصًا لعصر الذكاء الاصطناعي، وبدأ في الترويج لأفكاره بطرق ذكية يصعب كشفها أو التنبؤ بها؟ حينها، ما الذي يُمكننا فعله؟
في الحقيقة، إذا وصلنا إلى تلك النقطة، فلن يكون هناك مجال للتراجع أمام قوة كاسحة قادرة على الانتشار بفضل ذكائها المتطور، ولكن ما يجب أن نضمنه هو عدم حدوث ذلك أساسًا، وهنا يبرُز التساؤل: من الذي سيضمن لنا ذلك؟ في الواقع، لا أحد! وهذا ما يثير الرعب، فنحن أمام خيارين: إما أن نحجب الذكاء الاصطناعي عن أدياننا ونحصرها في بيوت العبادة ودورها، أو أن نسمح له بالوصول إليها ونواجه مستقبلًا مجهولًا لا يمكننا التنبؤ بعواقبه.
ولو سألتني عن خياري، فسأقول لك بكل بساطة: لن نتمكن من مواجهة الذكاء الاصطناعي إلّا بالذكاء الاصطناعي نفسه، ولهذا علينا تبنِّي منهجيات الذكاء الاصطناعي لدعم جهودنا في الحفاظ على مفاهيم ونصوص أدياننا مستقبلًا، ولكن ما أخشاه حقًا هو أن تَرفُض مؤسساتنا الدينية الاعتراف بما هو قادم، أو أن تتأخر في خوض هذه المعركة المصيرية. وحينها، سيستمر تطور الذكاء الاصطناعي بمعزل عن الأديان وأخلاقياتها، وعندئذٍ قد يصبح الحلم بالعودة إلى نقطة اليوم ضربًا من المستحيل.
في النهاية، عزيزي القارئ، ما أود اختصاره هنا هو أننا مقبلون على مستقبل مليء بالتساؤلات والسيناريوهات غير المتوقعة، وما أود التأكيد عليه للمرة المليون بأننا اليوم لا تزال الفرصة سانحة أمامنا لنؤثر، ولو قليلًا، في ملامح هذا المستقبل، لذا من الضروري أن تبدأ المؤسسات الدينية بوضع شروطها في برمجة الذكاء الاصطناعي المستقبلي، أو أن تدعم تطوير ذكاء اصطناعي ديني قادر على قيادة مُستقبل الأديان في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يهدد مستقبل التصوير الفوتوغرافي
في خبر صادم لهواة التصوير ومحترفيه، كشفت نتائج بحث أجرته شركة التكنولوجيا الأميركية جوجل بالتعاون مع دار النشر الإسكندنافية بونييه نيوز أن الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر شعبية من الصور الحقيقية.
ومن خلال تطوير واختبار تطبيق ذكاء اصطناعي يسمى "بونز أيه.آي"، اكتشفت دار النشر بونييه ومبادرة جوجل نيوز أن الصور المنتجة باستخدام التطبيق سجلت معدلات نقر أعلى من الصور الحقيقية عند عرضها للمستخدمين.
نتائج صادمة
في بيان مشترك، أعلنت بونييه وجوجل أن "النتائج المبكرة أظهرت تفوقًا واضحًا للصور المولدة عبر تطبيق بونز أيه.آي على الصور الحقيقية في الإعلانات".
وأضاف البيان أن الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي حققت في بعض الحالات تحسنًا مذهلًا وصل إلى 100% في معدل النقر مقارنة بالصور الأصلية.
تزايد اعتماد الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإخبارية
رغم أن بونييه وجوجل لا تشجعان استخدام الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي في المقالات الإخبارية، إلا أن الاتجاه نحو الذكاء الاصطناعي في الإعلام يتسارع. وبحلول منتصف عام 2023، أفاد مسح أجراه الاتحاد العالمي لناشري الأخبار "وين أفرا" بأن حوالي نصف غرف الأخبار باتت تستخدم برامج الدردشة الآلية في عملها اليومي. وإذا استمر التوسع في استخدام الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي، فقد يشكل ذلك تهديدًا مباشرًا لمستقبل المصورين المحترفين والهواة.
أخبار ذات صلة
اقرأ أيضاً.. الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات مراقبة القلب بدقة مذهلة
اندماج ضخم بين "جيتي إيمدجز" و"شاترستوك"
وفي سياق آخر، وافقت شركة جيتي إيمدجز، التي تقدم خدمات الصور عبر منصتها آي ستوك، على صفقة اندماج ضخمة مع شاترستوك بقيمة 3.7 مليار دولار. وقد أثار الإعلان ردود فعل متباينة، حيث أطلق بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي على الكيان الجديد اسم "جوترستوك" في إشارة إلى الدمج بين الشركتين.
أهداف الاندماج وتأثيره على سوق التصوير
وفقًا لبيان مشترك، تسعى الشركتان من خلال هذه الصفقة إلى تلبية "الاحتياجات المتطورة للصناعات الإبداعية والإعلامية والإعلانية" عبر الاستثمار المشترك في إنشاء المحتوى، وتغطية الأحداث، وتطوير التكنولوجيا.
كما يهدف الاندماج إلى خفض النفقات التشغيلية بما يتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار بحلول العام الثالث من الاندماج.
تأثير الاندماج على المصورين
حاليًا، يمكن للمصورين الذين يرفعون أعمالهم على أي من المنصتين الحصول على 10 سنتات كحد أدنى لكل عملية بيع للصور، وذلك وفقًا للشروط والحقوق الحصرية. ومع هذه التغيرات الكبيرة في سوق التصوير، يبقى التساؤل حول مستقبل المصورين في ظل صعود الذكاء الاصطناعي وهيمنة الشركات الكبرى على قطاع الصور الرقمية.