كارل ياسبرس.. فيلسوف ألماني ومواجهته المسؤولية الأخلاقية بعد الحرب العالمية الثانية
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
يُعد الفيلسوف الألماني كارل ياسبرس واحدًا من أبرز المفكرين الذين تناولوا قضية المسؤولية الأخلاقية بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد شهد صعود النازية وتداعياتها الكارثية، ولم يكن مجرد مراقب صامت، بل واجه تلك الحقبة بأفكاره الفلسفية العميقة التي ما زالت تُناقش حتى اليوم. ورغم أنه لم يكن ناشطًا سياسيًا، إلا أن كتاباته حملت نقدًا مبطنًا للاستبداد، خاصة فيما يتعلق بالقمع الفكري وإنكار الحريات الفردية.
منذ البداية، كان ياسبرس معارضًا للأيديولوجيا النازية، التي رآها قائمة على التلاعب بالجماهير واستخدام العنف المنهجي. لم يكن من الممكن أن يعبّر عن آرائه علنًا في ظل نظام قمعي، لكنه دفع ثمن مواقفه حين أُجبر على التقاعد من جامعة هايدلبرغ عام 1937. زواجه من امرأة يهودية جعل وضعه أكثر خطورة، حيث كان معرّضًا للاضطهاد وربما الاعتقال، ومع ذلك، لم يتخلَ عن قناعاته، بل ظل متمسكًا بمبادئه حتى انهيار النظام النازي.
بعد سقوط النازية، انشغل ياسبرس بالسؤال الأخلاقي حول مسؤولية الألمان عما حدث. في عام 1946، نشر كتابه الشهير “مسألة الذنب”، حيث قدّم تحليلًا عميقًا لفكرة الذنب والمسؤولية الجماعية. لم يكن هدفه إدانة المجتمع الألماني بقدر ما كان يسعى إلى دفعه لمواجهة الحقائق والاعتراف بالأخطاء من أجل بناء مستقبل أكثر إنسانية. اعتبر أن هناك مستويات مختلفة من الذنب، تبدأ بالمسؤولية القانونية لمن ارتكبوا الجرائم، لكنها تمتد أيضًا إلى المسؤولية الأخلاقية لأولئك الذين سكتوا أو تغاضوا عن الجرائم التي ارتكبها النظام النازي.
أثار هذا الطرح جدلًا واسعًا في ألمانيا، حيث لم يكن الجميع مستعدًا لمواجهة الماضي بهذه الصراحة. ورغم ذلك، أصر ياسبرس على أن الاعتراف بالمسؤولية هو الخطوة الأولى نحو التعافي الوطني. وقد لعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الفكر الفلسفي والسياسي في ألمانيا بعد الحرب، حيث دعا إلى التمسك بالديمقراطية والحرية كقيم أساسية لمستقبل البلاد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: النازية الحرب العالمية الثانية النظام النازي المزيد لم یکن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: هناك محاولات لطمس القيم الأخلاقية تحت شعارات خادعة
استقبل الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، حيث ألقى كلمة في ندوة بعنوان "دور الدين في بناء الإنسان" بكلية الحقوق بجامعة المنصورة، ضمن نشاط المفتي المكثف في توعية وتثقيف طلاب المدرس والجامعات بمحافظات مصر.
واستهل كلمته بالترحيب بالحضور، مهنئا الجميع بقرب حلول شهر رمضان المبارك، وداعيًا الله أن يعيده على الأمة بالخير والبركات.
كما أعرب عن شكره وتقديره للواء الدكتور طارق مرزوق، محافظ الدقهلية، والدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، على تنظيم هذه الفعالية المهمة.
وأكد المفتي أن الإنسان ينال موقعًا فريدًا في هذا الكون، حيث كرّمه الله عز وجل، موضحًا أن تحقيق السعادة الإنسانية يرتبط بحسن الفهم لدوره في الحياة.
وأشار إلى التحديات التي تواجه المجتمع العربي والإسلامي، ومن أبرزها محاولات طمس الهوية الإسلامية، والتقليل من دور الحضارة الإسلامية، والسعي للقضاء على الثوابت التاريخية والثقافية للأمة.
كما حذر من الانسياق وراء الدعوات التي تهدف إلى تقويض العلاقة بين الإنسان ودينه، مشددًا على أن الدين هو الذي ينشئ الفضيلة ويحقق التوازن بين متطلبات الجسد والروح.
وأوضح أن المقاصد الشرعية تهدف إلى إبقاء الإنسان والحفاظ على استقراره وكرامته، وهو ما يظهر في جميع الرسالات السماوية.
وأشار إلى أن الدين من أهم الحاجات الضرورية للإنسان، وهو الذي يحفظ الجوانب الروحية والمادية والسلوكية عبر المحافظة على المقاصد الشرعية من الدين، النفس، العقل، العرض، والمال، مما يعزز التوازن بين متطلبات الفرد والجماعة.
كما أكد أن بناء الإنسان يجب أن يكون شاملًا للجوانب الدينية، والفكرية، والبدنية، والروحية، مشيرًا إلى أن التكوين الفكري والعلمي ضروري لإنتاج شخص قادر على خدمة وطنه ومجتمعه، وأن الدين هو الذي يحفظ الإنسان من الانحراف في مواجهة التحديات المختلفة.
وأشار إلى أن جميع الرسالات السماوية تتفق في العقيدة والعبادة والسلوك، مستشهدًا بقوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، موضحًا أن الأخلاق تتلاقى مع ما يقره الناس بالفطرة، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين أقرَّ الأخلاقيات الفاضلة وضبطها بما يوافق الدين دون إفراط أو تفريط.
وحذر من الدعوات التي تقلل من أهمية الدين والعبادات، مؤكدًا أن التعبد ليس حجرًا على العقل، بل هو اختبار للالتزام والخضوع لله، مشيرا إلى آيات يقف العقل عاجزًا أمامها، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي وَمَا أوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا}.
كما أكد أن العبادات تضبط تصرف الإنسان وعلاقته بربه وبالناس من حوله، موضحًا أن "الدين المعاملة"، وأن الفلسفات والعقائد السابقة كانت تقوم على الأخلاق، لكن اليوم هناك محاولات لطمس هذه القيم تحت شعارات خادعة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وأشار إلى أهمية البناء النفسي للإنسان، مشيرًا إلى تفاوت النفوس بين الاستقامة والانحراف، وأن الاستقرار النفسي يعزز الرضا والتسليم لأمر الله، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
كما أكد على أهمية البناء البدني، عبر التوازن في الطعام والشراب، محذرًا من الإسراف والتفريط في الصحة، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}. وأوضح أن الحفاظ على العقل يتطلب الامتناع عن كل ما يضره، مؤكدًا أن الإنسان مسؤول عن بدنه وسيحاسب عليه يوم القيامة، مستدلًّا بقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}.
وأشار إلى أن العلم هو قاطرة التنمية وأداة التقدم، مشيرًا إلى أن الإسلام دعا إلى طلب العلم والمعرفة، حيث كانت خاتمة الرسالات السماوية تحمل رسالة العلم والنور، مستشهدًا بقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لَا إلَٰهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائكَةُ وَأولُو الْعِلْمِ قَائمًا بِالْقِسْطِ}.
وفي ختام الندوة، رحب الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، بالمفتي، معربًا عن سعادته بهذه الزيارة الكريمة، ومؤكدًا أن الجامعة تفخر باستضافته.
وأشار إلى أن المبادرات الرئاسية تعمل على بناء المواطن ودعمه في جميع المجالات، مشيدًا بتركيز القيادة السياسية على التنمية البشرية.
كما أشاد بدور دار الإفتاء المصرية في تنمية الوعي الديني والفكري والثقافي داخل المجتمع، مؤكدًا أن جامعة المنصورة تسعى إلى تعزيز التوعية الثقافية والتوجيه الفكري لطلابها، بما يسهم في تخريج أجيال قادرة على المنافسة محليًا ودوليًا، مع بناء وعي ديني متوازن.
ومن جانبه، أكد الدكتور تامر صالح، وكيل كلية الحقوق بجامعة المنصورة، أن الإنسان بحاجة ماسّة إلى الدين لضبط سلوكه وتوجيه تصرفاته، مشيرًا إلى أن الدين يعلم الإنسان كيف يعيش حياته بكرامة وسلام، بعيدًا عن الذل والهوان.
وفي هذا السياق أشار الدكتور وليد محمد الشناوي، عميد كلية الحقوق، إلى أن الإنسان هو أعظم مخلوق خلقه الله وكرّمه بالعقل والتكليف، موضحًا أن البعد عن الدين يؤدي إلى التيه والانحراف، وأن بناء الإنسان مقصد ديني أصيل لحفظ المجتمع وتحقيق النهضة.
وشهدت الندوة حضور عدد من عمداء ووكلاء الكليات، أعضاء هيئة التدريس، والطلاب، الذين أثنوا على محاضرة المفتي، وأكدوا على أهمية القيم الدينية في بناء الإنسان والمجتمع.
وفي لفتة تقدير وعرفان قدم الدكتور شريف السيد خاطر رئيس جامعة المنصورة درع الجامعة لفضيلته معربا عن سعادته بهذه المحاضرة الماتعة آملا تكرارها.