5 طرق فشلت في هزيمة حماس.. ماذا عن السادسة؟
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
#سواليف
كان مقال “إستراتيجية السماح لحماس بهزيمة نفسها” واحدا من أبرز 10 مقالات اختارها محررو مجلة فورين أفيرز لعام 2024، وقد كتبت المقال #أودري_كيرث_كرونين هي مديرة #معهد_كارنيجي ميلون للإستراتيجية والتكنولوجيا، ومؤلفة كتاب “كيف ينتهي الإرهاب: فهم تراجع وزوال الجهات الإرهابية”.
تقدم الكاتبة في مقالتها منظورا مغايرا لتعامل #إسرائيل مع حركة المقاومة الإسلامية ( #حماس )، وطرحت فيه 6 مسارات محتملة لإنهاء ما سمتها “الجماعات الإرهابية”، مع تركيز خاص على الإستراتيجية المعتمدة على “الفشل الذاتي”.
هذا التقرير يسلط الضوء على النقاط الرئيسية التي استعرضتها الكاتبة، كما ينقل رد فعل الجانب الإسرائيلي على مقال كرونين.
مقالات ذات صلة إعلام إسرائيلي: “حماس” حققت أهدافها من مراسم إطلاق سراح الأسرى وقد تتوقف عن إقامتها 2025/02/26نتائج معاكسة وكارثة إستراتيجية
تقر كرونين بأنه رغم حجم #الإجراءات_العسكرية_الإسرائيلية الكبير، فقد تسببت #دولة_الاحتلال في #زيادة_الدعم_لحماس بين #الفلسطينيين وفي أضرار جسيمة لمكانة الاحتلال الإسرائيلي العالمية، كما فرضت ضغوطا شديدة على علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة التي وصفتها بأنها الشريكة الأكثر أهمية.
وتشير الكاتبة إلى أن الأسوأ مما سبق، أنه رغم زعم تل أبيب أنها قتلت الآلاف من مقاتلي حماس، فإن هناك أدلة -قليلة من وجهة نظرها- تشير إلى أن “الحركة قادرة على #تهديد_إسرائيل وقد تعرضها للخطر بشكل كبير”.
وتستشهد الكاتبة أيضا باستطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية -في مارس/آذار 2024- يظهر أن نسبة الدعم لحماس بين سكان غزة تجاوزت 50%، بزيادة 14 نقطة منذ ديسمبر/كانون الأول 2023.
ومع أن الكاتبة تعتبر حركة حماس “تلبي جميع المعايير اللازمة لاعتبارها منظمة إرهابية”، وترى من دون شك أن القضاء عليها “سيكون مفيدا للفلسطينيين وإسرائيل والشرق الأوسط والولايات المتحدة”، إلا أنها تعتبر أن الرد الإسرائيلي شديد الفتك بالمدنيين الفلسطينيين كان في مصلحة حماس.
وفي نظر الأوساط العربية والإسلامية وحتى الشباب في الغرب، بحسب كرونين، فإن الرواية الأكثر قبولا كانت هي التي تدعم رواية حماس وترى أن إسرائيل هي المعتدي الإجرامي، وأن حماس هي المدافع عن الفلسطينيين الأبرياء.
وبعبارة بسيطة، تؤكد الكاتبة مرة أخرى أنه رغم بعض الانتصارات التكتيكية، فقد كانت الحرب الإسرائيلية في غزة بمثابة كارثة إستراتيجية لإسرائيل. ومن وجهة نظرها حتى تتمكن إسرائيل من هزيمة حماس، فإنها تحتاج إلى إستراتيجية أفضل، مستنيرة بفهم أعمق للكيفية التي تنتهي بها “الجماعات الإرهابية” عموما.
6 طرق أساسية
استنادا إلى دراسة لبيانات تضم 457 حملة ومنظمة إرهابية على مدار قرن، تشير الكاتبة إلى أنها توصلت إلى 6 مسارات رئيسية تؤدي إلى زوال الجماعات الإرهابية. هذه المسارات ليست منفصلة تماما، إذ غالبا ما تعمل أكثر من آلية في الوقت ذاته، حيث تتداخل عوامل متعددة وتساهم مجتمعة في إنهاء نشاط تلك الجماعات.
ولكن ينبغي لإسرائيل، بحسب كرونين، أن تولي اهتماما وثيقا لطريق واحد على وجه الخصوص: “الجماعات لا تنتهي بالهزيمة العسكرية، بل بالفشل الإستراتيجي”، فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحاول إسرائيل سحق حماس أو قمعها حتى تختفي من الوجود، ولكن دون جدوى. والإستراتيجية الأكثر ذكاء تتمثل في التوصل إلى كيفية تقليص الدعم الذي تتمتع به الجماعة وتسريع انهيارها.
تحقيق الأهداف
ترى الكاتبة أن أول طريق لإنهاء جماعة هو تحقيق هدفها، وتشير إلى أمثلة من التاريخ مثل الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا الذي حارب الفصل العنصري.
كما تشير إلى مثال آخر وهي منظمة إرغون، وهي الجماعة اليهودية المسلحة التي استخدمت الإرهاب في محاولة لطرد البريطانيين من فلسطين، وإجبار العديد من المجتمعات العربية على الهجرة، والمساعدة في إرساء الأساس لإنشاء إسرائيل.
وتستبعد الكاتبة أن تنجح حماس في تحقيق هدفها المتمثل في “التحرير الكامل لفلسطين، من النهر إلى البحر”، إلا إذا قوضت إسرائيل وحدتها وسلامتها إلى الحد الذي قد يؤدي إلى تدمير نفسها وهو أمر غير وارد حاليا.
التحول إلى شيء آخروتضيف أن هناك طريقة ثانية يمكن أن تنتهي بها “جماعة إرهابية” عبر التحول إلى شيء آخر: شبكة إجرامية أو تمرد.
والهدف هنا أن تتوقف الجماعة عن محاولة تحفيز التغيير السياسي لصالح استغلال الوضع الراهن لتحقيق مكاسب مالية.
ومن الواضح أن تحول حماس إلى شيء آخر غير المقاومة والتحرير أمر مستبعد، وفقا للكاتبة.
القمع العسكري الناجحأما الطريقة الثالثة، فمن خلال القمع العسكري الناجح من جانب الدولة، وهذه هي النهاية التي أملت الحملة الإسرائيلية الحالية ضد حماس أن تحققها.
وتوضح الكاتبة أنه في إطار تبرير هذا النهج القمعي في غزة، ادّعى القادة الإسرائيليون أن حماس تشبه تنظيم الدولة الإسلامية، وأن بالإمكان هزيمتها باستخدام إستراتيجية مشابهة. إلا أن هذه الادعاءات لم تكن مقنعة، لا للإسرائيليين أنفسهم ولا للرأي العام الفلسطيني.
وتقر الكاتبة أن مكافحة الحركات بالوسائل العسكرية البحتة نادرا ما تنجح، وهو الأمر الذي ثبت بعد 15 شهرا من القتال.
اعتقال أو قتل القادةتشير الكاتبة إلى الطريقة الرابعة وهي اعتقال أو قتل الزعماء، ولكنها تؤكد أن الجماعات التي تنتهي بقطع الرأس تميل إلى أن تكون صغيرة، وذات بنية هرمية، وتتميز بعبادة الشخصية، وتفتقر عادة إلى خطة خلافة قابلة للتطبيق. وفي المتوسط، تعمل هذه الطريقة مع الجماعات التي عمرها أقل من 10 سنوات.
أما الجماعات الأكبر سنا والأكثر ترابطا في الشبكات، فيمكنها إعادة تنظيم نفسها والبقاء على قيد الحياة، وفقا لقول الكاتبة التي ترى أن حماس ليست مرشحا جيدا لإستراتيجية قطع الرؤوس، فهي منظمة ذات شبكات قوية يبلغ عمرها ما يقرب من 40 عاما، ولو كان قتل زعماء حماس كافيا لإنهاء الجماعة، لكان ذلك قد حدث منذ زمن بعيد، على حد قولها.
إن المثير للاهتمام هنا أن عمليات الاغتيال لقادة حماس مثل يحيى عياش وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار لم تؤثر على قدرات حماس أو مخططاتها، بل أحدثت ردود فعل أفادت الحركة من حيث الدعم والزخم الشعبي وانضمام مزيد من الأنصار، كما أثبتت الحركة قدرتها على استبدال القادة بقادة آخرين.
حل سياسي طويل الأمدتقترح الكاتبة أن خيارا أمام إسرائيل قد يكون بديلا لاستهداف قادة حماس واللجوء إلى القوة، هو تبني الطريقة الخامسة من خلال التحدث والتفاوض مع الحركة للتوصل إلى حل سياسي طويل الأمد.
ولكنها تستدرك، أنه بلا شك أن هذه الفكرة سوف تكون لعنة على أغلب الإسرائيليين. ولن يكون أي شخص على دراية بالتاريخ الطويل من المفاوضات الفاشلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين -ناهيك عن الغضب العميق الذي يشعر به الطرفان حاليا- أحمق إلى الحد الذي يجعله يوصي بإجراء محادثات سلام الآن.
وتقول الكاتبة إن “المفاوضات محفوفة بالمخاطر بالنسبة للجماعات الإرهابية، لأن الظهور على طاولة المفاوضات يكشف عن معلومات استخباراتية مفيدة ويقوض الرواية القائلة إنه لا يوجد بديل سوى الانخراط في العنف”.
ولا شك أن المفاوضات لا بد أن تتضمن شيئا ملموسا يمكن التفاوض عليه، وأكثر المفاوضات نجاحا مع “الجماعات الإرهابية” تنطوي على صراعات على الأراضي وليس على الدين أو الإيديولوجية، على حد قولها.
ولكن حتى في غياب الاتفاق، تستدرك الكاتبة، فإن المحادثات الجادة قد تتسبب في انقسامات داخل الجماعات الإرهابية، فتخلق شقوقا بين أولئك الذين يسعون إلى تسوية سياسية وأولئك الذين ما زالوا متمسكين بالقتال.
ولم تتوقع كرونين أن حماس ستفاوض بذكاء ومرونة، إذ أشارت في مقالتها قبل عدة أشهر إلى أنه قد لا تبدو المفاوضات السبيل المحتمل لحماس. وخلصت لهذه النتيجة اعتمادا على أن الحركة تمتعت بتاريخ طويل من ازدراء المحادثات مع إسرائيل.
ولكن الكاتبة لم تقطع أهمية هذه المفاوضات بالنسبة لإسرائيل من زاوية أن من شأن ذلك أن يخلف آثارا مفيدة، بل إنه قد يخلق الظروف التي قد تكون الوسيلة الأكثر ترجيحا لإنهاء حماس عبر ما أسمته “الهزيمة الذاتية”.
الفشل بالانهيار الداخليتطرح الكاتبة الحل السادس المتمثل في انهيار حركة حماس داخليا نتيجة فقدانها للدعم الشعبي، وتصف هذا الخيار بأنه إستراتيجي.
وتناقض الكاتبة نفسها حيث أشارت إلى الدعم الشعبي لحماس في بداية المقال ثم عادت للحديث عن تراجع شعبيتها قبل عقد من الزمن، وإلى افتراض أن العشائر والشبكات الإجرامية ستنافس حماس على السيطرة وتعمل على تقويض الحركة في غزة، وهو ما ثبت فشله خلال العدوان، وبشكل أوضح بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار وبدء سريان المرحلة الأولى منه.
وترى الكاتبة أنه على إسرائيل أن تعمل على تغيير الواقع بطرق تشعر الفلسطينيين في غزة بوجود بديل لحماس وبإمكانية تحقيق مستقبل أكثر أملا، وبدلا من تقليص المساعدات الإنسانية إلى مستويات منخفضة، تدعو إلى تقديم مساعدات إنسانية بكميات ضخمة.
وتقترح أن إسرائيل يجب أن تتجاوز سياسة تدمير البنية التحتية والمنازل، وأن تنخرط في وضع خطط لإعادة إعمار القطاع في المستقبل بعد حماس.
وتشدد على أهمية الابتعاد عن العقوبات الجماعية التي تعزز الغضب، مع ضرورة نقل رسالة للفلسطينيين تفيد بوجود تمييز بين مقاتلي حماس وبقية السكان المدنيين في غزة، الذين لا علاقة لهم بالحركة ويعانون من حكمها.
وتختتم الكاتبة بقولها إنه رغم عقود من الصراع مع حماس والأشهر الأخيرة من العمليات العسكرية الكبرى، لا يبدو أن إسرائيل قادرة على القضاء على الحركة، ولكنها يمكن أن تحقق الفوز من خلال مساعدة حماس على الانهيار ذاتيا، وذلك عبر تقديم بدائل واستغلال الانقسامات والخلافات داخل أروقة الحركة.
رد إسرائيلي
لم تكن هناك حاجة لرد فلسطيني لتفنيد جوهر مقالة أودري كرونين، حيث تولى المهمة أوفير فالك، مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقال نشر في المجلة نفسها أشار فيه إلى أن كرونين أخطأت في افتراضها أن حركة حماس ستنهار من تلقاء نفسها إذا تركت “لتهزم نفسها”، مؤكدا أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك.
وشدد فالك على ضرورة الحل العسكري، معززا موقفه بسلسلة من الادعاءات التي وصفها البعض بأنها غير واقعية، مثل زعمه أن إسرائيل تسعى جاهدة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، مضيفا أن الحرب يمكن أن تنتهي على الفور إذا ألقت حماس سلاحها، ووافقت على الاستسلام غير المشروط، وأفرجت عن جميع الرهائن.
في المقابل، ترى كرونين أن الحل يكمن في استخدام نقاط ضعف حماس ضدها، من خلال تحريض الشعب عليها وتعميق الانقسامات والخلافات الداخلية في صفوفها. وتصف هذا النهج بأنه مسار إستراتيجي طموح، بل أكبر من مجرد تحقيق هدف منع تكرار السابع من أكتوبر.
لكن الواقع على الأرض يشير إلى مسار مختلف تماما، فقد ازدادت شعبية حماس داخليا وخارجيا بسبب أدائها العسكري وصمودها في المعارك، كما يعزز الالتفاف الشعب الفلسطيني حول الحركة بعد كل جولة من تبادل الأسرى شعبيتها، علاوة على ذلك، فإن إطلاق آلاف الأسرى الفلسطينيين يساهم في تعزيز التضامن مع الحركة.
ومع ذلك، ورغم فشل جميع الإستراتيجيات السابقة في القضاء على حماس، يتعين على الحركة أن تظل يقظة ومستعدة للطرق الجديدة التي قد يلجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي لاستهدافها، بما في ذلك النهج الإستراتيجي الذي اقترحته كرونين ودعت إسرائيل إلى اعتماده.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف إسرائيل حماس الإجراءات العسكرية الإسرائيلية دولة الاحتلال الفلسطينيين تهديد إسرائيل الجماعات الإرهابیة أن إسرائیل الکاتبة أن من خلال أن حماس فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
تعمل الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أَسقُفٍ أو مستويات: أعلى، ووسط، وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!
أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة. وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.
أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع.
إعلانسيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف، مع إيجاد بيئات ضاغطة دولية وعربية وحتى فلسطينية داخلية (وتحديدًا من سلطة رام الله ومؤيديها)، وربما محاولة المراهنة على اصطناع دائرة احتجاج ضد المقاومة في القطاع نفسه والسعي لتوسيعها؛ بحيث تتضافر حملات سياسية وإعلامية عربية ودولية لإظهار حماس وكأنها هي الطرف المتعنِّت والمُعطِّل للاتفاق، والمتسبِّب بمعاناة القطاع.
كما سيتمُّ تقديم وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ووقف مشروع التهجير، والفك الجزئي للحصار والسماح لإدارة فلسطينية (بمواصفات سلطة رام الله) باعتبارها "تنازلات" إسرائيلية كبيرة، وبالتالي محاولة "تبليع السكِّين" لحماس، وربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع بموافقة حماس والمقاومة على نزع أسلحتها، والخروج من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني.
تكمن خطورة هكذا إستراتيجية في السعي لتحقيق الهدف الأساس من الحرب، مع محاولة إظهاره في الوقت نفسه كمطلب عربي ودولي، وإظهاره وكأنه "إنجاز" وطني وقومي للدول العربية المطبّعة الرافضة للتهجير، التي تتقاطع في الوقت نفسه، مع الإسرائيليين والأميركان، في العداء لخط المقاومة ولتيار "الإسلام السياسي". كما تُظهر سلطة رام الله وكأنها بديلٌ يُنهي معاناة الفلسطينيين.
أبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيليةمن خلال القراءة الموضوعية والتحليلية لما صدر عن الجانب الإسرائيلي من تصريحات ومواقف، ومن خلال استقراء سلوك نتنياهو وحكومته وجيشه على الأرض، يمكن استخلاص النقاط التالية، كأبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة ومستقبله:
إعلان محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها. محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة. محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية. السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة. السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة. رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية. محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى. الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي، وتقاطع عدد من الدول العربية مع التوجهات ضد المقاومة وضد "الإسلام السياسي"، وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية. إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة. تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب. تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة. إعلان نزح سلاح المقاومةكثر الحديث في الأيام الماضية عن ربط ترتيبات "اليوم التالي" في القطاع بنزع أسلحة حماس وإخراجها من المشهد السياسي، وتحدث عن ذلك قادة أوروبيون مثل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرغم من إظهار حماسته لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما حاول بعض المحسوبين على سلطة رام الله استغلال حالة المعاناة الهائلة للحاضنة الشعبية في القطاع، ومحاولة تنفيس الغضب باتجاه حماس وقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية، بدلًا من الاستمرار في تحميل الاحتلال مسؤولية عدوانه وجرائمه.
التصعيد الإسرائيلي بخرق الهدنة، وإحكام الحصار على القطاع، ومنع دخول أي من الاحتياجات الضرورية، تبعها عدوان دموي ومجازر وحشية كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وأعاد احتلال أجزاء من القطاع، مع إعادة تهجير أعداد كبيرة من أبناء القطاع المنهكين أصلًا والمستنزفين في دمائهم وأموالهم ومساكنهم، ليرفع وتيرة الضغط إلى مديات لا تكاد يحتملها إنسان؛ مع إعادة الحديث عن أجنداته بسقوفها العليا.
غير أن المقاومة عادت لتفاجئ العدو بتفعيل أدائها العسكري المؤثر، ولتقوم بحملة سياسية موازية تؤكد صلابتها في الثوابت، كما تؤكد مرونتها القصوى في ملفات تبادل الأسرى وغيرها، بما يحقن دماء الشعب الفلسطيني، وينهي الحرب، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
سلاح المقاومة خط أحمرأمام هذه الإستراتيجية "الصفرية" لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لا تبدو ثمة بوادر حقيقية لإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار (على الأقل إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول)، وفتح المجال لإعادة الإعمار، إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت استنزاف الجيش والاقتصاد والأمن الإسرائيلي، والدفع لإيجاد بيئات داخلية إسرائيلية أكثر قوة وضغطًا، ورفع الأثمان التي يدفعها الاحتلال إلى مديات لا يستطيع احتمالها.
إعلانوقد قطعت المقاومة شوطًا كبيرًا في ذلك، مع تزايد المأزق الإسرائيلي، خصوصًا بعد استئناف المقاومة عملياتها النوعية، واعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن الحرب في غزة قد تأخذ شهورًا أو سنوات.
كما أن طبيعة ترامب النَّزقة والمتقلبة والمستعجلة للإنجاز لا توفر لنتنياهو وقتًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، يترافق معها حاجة ترامب لتحقيق اختراقات في ملفات التطبيع في المنطقة، وفي الملف النووي مع إيران. كما يترافق ذلك مع بيئة عربية قلقة تحمل بذور التغيير والانفجار، وبيئة دولية تآكل فيها الدعم للكيان إلى حده الأقصى، حتى في محيط حلفائه الأوروبيين.
وليس ثمة ترف خيارات أمام المقاومة في خوض هذه المعركة "الصفرية" التي تستهدف اجتثاث الشعب الفلسطيني وقضيته، وبالتالي تظل المراهنة على المقاومة وسلاحها شرطًا أساسيًا وخطًا أحمر في مواجهة الاحتلال وإفشال مشاريعه.
والتجربة التاريخية طوال أكثر من مائة عام تشهد أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع التي تستهدفه، وقادر أيضًا، بعون الله، على إسقاط هذه الإستراتيجية وعلى إفشال هذا العدوان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline