سودانايل:
2025-03-29@18:47:47 GMT

التصوف في السودان: بين التاريخ والتحديات المعاصرة

تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT

دخل التصوف السودان مع موجات الإسلام الأولى عبر التجار والصوفية الوافدين من مصر وشمال إفريقيا في القرون الوسطى، ووجد بيئة خصبة في المجتمع السوداني المتعدد الثقافات. انتشر عبر الطرق الصوفية الكبرى مثل القادرية والشاذلية، وفي القرن الثامن عشر، ظهرت طرق محلية متأثرة بالبيئة السودانية، مثل السمانية التي أسسها محمد بن عبد الكريم السمان، والختمية التي أسسها محمد عثمان الميرغني، والتي ارتبطت لاحقًا بالسياسة عبر حزب "الاتحاد الديمقراطي".


التصوف وتشكيل الهوية السودانية
الدور التعليمي والاجتماعي
عملت الزوايا والخلاوي الصوفية كمراكز تعليمية وروحية، حيث حُفظ القرآن، ودُرِّس الفقه، وأُديرت النزاعات عبر "المحاكم الصوفية". كما قدمت دعمًا للفقراء من خلال نظام التبرعات.
المقاومة الثقافية
خلال الاستعمار التركي-المصري (1821–1885)، تحولت الطرق الصوفية إلى قوى اجتماعية فاعلة. قادت الثورة المهدية (1881–1898) بقيادة محمد أحمد المهدي، الذي استند إلى رؤى صوفية في دعوته للجهاد ضد المستعمر.
التعايش الديني
ساهم التصوف في دمج الإسلام بالثقافات المحلية، كما في جبال النوبة ودارفور، حيث تأثرت طقوس مثل "الزار" والاحتفالات المحلية ببطرق الاحتفال الاسلامي" بالعادات المحلية، ما عزز التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين.
الرمزية والطقوس الصوفية
الحضرة
طقس جماعي يجمع الذكر بالإنشاد والحركات الدائرية، ويعكس تأثير الثقافة الإفريقية في الإيقاع والرقص.
السجادة الروحية
نظام لترسيخ الشرعية الروحية عبر سلسلة الإسناد المتصلة بالنبي محمد ﷺ.
الشعر الصوفي السوداني
تميّز بلهجة محلية، ومن أبرز رموزه البرعي، حمد النيل، الشيخ غريب، وحسب الرسول، حيث دمجوا الحكمة الشعبية بالروحانية.
التصوف والسياسة: من التحالف إلى الصراع
بعد الاستقلال (1956)، تحالف زعماء الطرق الصوفية (كالختمية مع حزب الأمة) مع النخب السياسية، لكن منذ سبعينيات القرن العشرين، واجه التصوف تحديات من التيارات السلفية التي انتقدت "البدع" مثل زيارة الأضرحة. في العصر الحديث، أصبح التصوف جزءًا من الهوية الوطنية، خاصةً بعد انفصال جنوب السودان (2011)، حيث استُخدم خطابًا للتماسك في شمال متعدد الأعراق.
التصوف اليوم بين التحديات والتكيف
تصاعد الخطاب السلفي
شهد السودان تناميًا للتيارات السلفية المدعومة خارجيًا، والتي هاجمت ممارسات صوفية كزيارة الأضرحة وطقوس "الحضرة"، مما أدى إلى تقليص دور الزوايا في الفضاء العام، خاصة بعد سقوط نظام البشير (2019).
تآكل دور الزوايا في التعليم الديني
كانت الخلاوي والزوايا حاضنات رئيسية للتعليم، لكن مع انتشار المدارس النظامية، تراجع دورها لصالح مناهج تعليمية تُفضِّل تفسيرات فقهية أكثر حرفية، مما أضعف التواصل بين الأجيال حول التراث الصوفي.
دور المرأة الصوفية
رغم أن النساء يشكّلن عمادًا في طقوس مثل "الحضرة" وزيارات الاضراحة إلا أن أدوارهن ظلت محصورة في الإطار الشعبي، دون وصولهن إلى القيادة الروحية، باستثناءات نادرة مثل الشيخة فاطمة أحمد في كردفان.
التحولات الاجتماعية السريعة
أدت العولمة والتحضر إلى تغيّر أنماط الحياة، خاصةً بين الشباب الذين أصبحوا أكثر ارتباطًا بالثقافات الرقمية، مما قلل من اهتمامهم بالطقوس الصوفية التقليدية.
التداخل مع السياسة والدولة
حاولت بعض الحكومات توظيف التصوف كأداة لاحتواء الغضب الشعبي خلال الاحتجاجات، أو نشر خطاب "السلام الاجتماعي"، مما أثار تساؤلات حول استقلاليته.
استجابة التصوف السوداني: محاولات التجديد
لم تستسلم الطرق الصوفية لهذه التحديات، بل سعت إلى التجديد عبر:
• دمج التكنولوجيا: بث طقوس "الحضرة" عبر الإنترنت، وإنشاء مجموعات تواصل للمريدين.
• إحياء الاحتفالات: تحويل موالد الأولياء إلى مهرجانات ثقافية لجذب الشباب.
• الحوار مع التيارات الأخرى: تنظيم مؤتمرات مع مثقفين وعلماء دين لإثبات أن التصوف جزء من الإسلام "المعتدل".
هل ينجح التصوف في تجديد نفسه؟
رغم الضغوط، يظل التصوف السوداني ذاكرة جمعية للشعب، ووعاءً لتاريخه وتنوعه. نجاحه في البقاء يعتمد على توظيف أدوات العصر دون التخلي عن جوهره الروحي، وانحيازه إلى هموم الناس اليومية، كفقراء يبحثون عن العدالة قبل أن يكونوا مريدين يبحثون عن النور.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطرق الصوفیة

إقرأ أيضاً:

لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!

عندما تسمع مقولة ( *سخرية القدر* ) فإنما هي نوع من السخرية الظرفية التي تنطوي على تلقي الشخصيات عكس ما تتوقعه وتستحقه . فبعيد إندلاع الحرب في أبريل من العام ٢٠٢٣م ، إهتم بعض الوسطاء بالأمر، وحاولوا تهدئة الخواطر وإطفاء نار الحرب، والمساعدة في تأسيس السلام وإصلاح ذات ما بين ( *الطرفين* ) فكانت المبادرة السعودية – الأمريكية التي سعت بين الأطراف حتى جمعتهم في مدينة جدة في شهر مايو، أي بعد شهر من الإقتتال
وجاء الطرفان ( *رأسًا برأس* ) يقود وفد الجيش اللواء محجوب بشرى أحمد، بينما يؤم وفد الدعم السريع ( *وقتها* ) العميد الرُكن عمر حمدان، والقوني شقيق حميدتي، وفارس النور وهو مستشار.

الوساطة المكونة من السفير الأمريكي بالرياض والمُلحق العسكريّ، فضلاً عن ممثلي البلد المضيف من الخارجية السعودية، وقتها كان سقف الأمل عند ( *البعاتي* ) ما يزال عاليًا، برغم فشل المحاولة الأولى في الفتك بالبرهان، وما يزال رصيد الرجال والحديد ذاخرًا، وهو الذي إستطاع بالغدر أن يضع يده على كثير من المقار السيادية، القصر الجمهوري، الوزارات، المطار، تقاطعات الطرق، مراكز خدمات المياه والكهرباء، مصفاة البترول، التصنيع الحربي وغيرها من المواقع المهمة والحساسة، وكانت يد الحرص تتحسس هذه المواقع كما يتحسس ذو مالٍ محفظته؛ لأنها رأس مال المفاوض، وبعد إسبوع من السعيّ بين الوفود خرج الطبيب ليبشّر بالمولود المسمى ( *إعلان جدة* ) الذي تمّت تغطية حقيقته بكثيرٍ من اللفائف والضمادات، لأنه يعاني من عيوب ( *خَلقية* ) ستجعل حياته مفرطة الحساسية، بالغة كلفة المتابعة والمداواة، ولذلك تليت أمامه كل مقرّرات الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، ومواد القانون الدولي الإنساني في مناطق النزاعات، وأسرفت صياغاته في سرد القيم والمطلوبات من الطرفين، حتى تجعل الحرب أخلاقية، والنزاع نبيلاً، وتُضفي على وجوه الموتى إبتسامات الرضى، وعلى المشرّدين الموافقة والقبول.

فلما إشترط الجيش خروج الدعم من المرافق، والأعيان، ومنازل المواطنين، وإعادة تجميعه في معسكرات محددة ، ونزع سلاحه الثقيل، ومن ثم النظر في إعادة دمجه في القوات المسلحة، الأمر الذي يحتمل ضمنيًا، بقاء قيادته في داخل المعادلة السياسية في مستقبل السودان، وكان ذلك ممكنًا بحسب تطوّر مراحل الإتفاق .
أما الدعم السريع وهو يجد النشوى ويتبختر في ردهات القاعات الوثيرة، وتسعى بين يديه أمريكا والمملكة لإرضاء غروره، فقد إشترط أن يُعيد عقارب الساعة إلى ما قبل ١٥ أبريل، وإعتبار ما كان لم يكن، وتعود قواته بكل آلياتها إلى معسكراتها المعلومة، وتستأنف وزارة المالية صرف المرتبات، والإمتيازات المالية كاملة، ويتم علاج الجرحى داخل وخارج السودان، ويسمح للقادة السفر أنّى شاؤوا.

نعم كانت هذه إشتراطات الدعم السريع لكنّها لم تضع نقطة الختام بعد؛ فقد إشترط أن يُعاد إعتقال ( *الهاربين من السجون* ) والمقصود عناصر النظام السابق الذين كانوا في السجون، وتم إطلاق سراحهم من قبل وزارة الداخلية ( *مصلحة السجون* ) بواسطة المدير العام برتبة الفريق، مع تعهدهم بالمثول متى ما طلب منهم.

هذا الشرط تفوح منه ريح ( *قحط* ) النتنة، في سعيها لتوظيف منبر التفاوض لدق اسفين الفتنة بين قيادة الجيش، وجموع الإسلاميين المستنفرين في صفوفه، وأوضحوا لقيادة الدعم أن التفاوض مع البرهان ليس أمرًا مقصودًا لذاته، بقدر ما هو مراوغة لإرهاقه، وكسب الوقت، وفرض واقع عسكري في الميدان، والشاهد على ذلك هو تسارع إيقاع عمليات الدعم، والتوسّع والإنتشار، فما إنتهى العام ٢٠٢٣ م إلا وتاتشرات الدعامة تطوي فيافي ولايات الوسط، وزادت شهيتها بالتوجه لإجتياح بورتسودان، لتضع نهاية دولة الجلابة ٥٦، وتبدأ مرحلة ( *ملك آل دقلو العضود* ) وقد خرجت التصريحات من غالب قيادات ( *قحط* ) بما يؤكّد ذلك، فهم لا يجدون مبررًا لخروج الدعم من بيوت الناس، فهي عندهم مغانم حرب، ومكاسب قتال، لن تعود ( *بأخوي وأخوك* ) ، بل إن ذلك الأمر إتفق مع مشروعات توطين السُكّان الجُدد ( *عربان الشتات* ) خاصةً بعد تم ترحيلهم بمئات الآلاف من حيثُ هم، وفعلاً تم تسكينهم في البيوت.

كانت هذه صورة الواقع قبل أن يغضب الجيش الحليم، إذ خرج البرهان ذات مقام، وقال لا يغرنّكم أنكم في جبل موية، وسنجة، والسوكي، والدندر، وأكّد على حتمية النصر للقوات المسلحة، هُنا ضحك الدعامة والقحاطة، وطفقوا يسخرون من ( *آبلدا أب قاش* ) يقصدون الجيش حيثُ يتنادى أبناؤه من ضبّاط الصف والجنود بينهم بكلمة ( *يا بَلد* ) يعني يا إبن بلدي، ويختصرونها أحيانًا ( *يا بُلده* ) ولكن الدعامة لا يفقهون.

الآن وبعد مرور عام على ذلك الوعد، ها هو يتحقّق، والدعم ينهزم، ويسحق ويحرق، وينسف للريح ناجس عظمه واهابه، كما قال ( *الشاعر التجاني يوسف بشير* )

حيثُ أحاطت ريح الغضب والإنتقام المصفرة وإستقبلت كٌل أودية الجنجويد، والأكيدة هي ما إستعجلتم به وإستهنتم ريح فيها عذاب أليم، تدمّر كُل ما إدخره الدعم من سلاح وعتاد ومخازن ملأى بكُل أنواع المعينات، وأرتال من المتحركات، ومئات آلاف الجنود والمتعاونين، ونفير الحواضن، والمرتزقة المأجورين، ودعم وتحريض الجوار ومؤازرة الخونة، ومراكز العون الفنّي لإدارة العمليات، وكشف تحركات الجيش، كُل هذا الجهد ( *الخبيث* ) ركمه الجيش بفضل الله تعالى، وألقاه خارج إطار العاصمة الجميلة الخرطوم.

قادة الدعم، والمستشارين، وأركان المؤامرة ( *جماعة الإطاري* ) كلّهم جميعًا يتمنون لو أن لهم كرّة وعودة إلى مفاوضات جدة، التي أهلّت الدعم أن يقف في مواجهة الجيش سواءً بسواء، وأن المكاسب المنصوص عليها في إعلان جدة كانت كبيرة، تؤكّد على بقاء الدعم بشكل من الأشكال،

ولكن الواقع العسكري الذي أراده الشعب السوداني ( *عدا القحاطة* ) وعمل لأجله جيشه العظيم الذي لم يخيب الرجاء فيه أبدًا ، عبر حقب التاريخ السوداني ، فقد كان دائما على الموعد، ورأس الشعب مرفوع، وكرامة الشعب موفورة، هذا الواقع العملياتي أخرج الدعم ليس فقط من المعادلة السياسية في مستقبل السودان، بل أخرجه من معادلة الوجود البتّة، فبخروجه من العاصمة والمركز إنتهت تمامًا إمكانات السيطرة على السودان المزمعة من الدعم ومساندي الدعم من القوى السياسية، والأطماع الإقليمية، والدولية، وستبدأ مباشرة المطاردات الساخنة ( *لفلول الجنجويد* ) المعرّدين إلى حواضنهم، المستجيرين بظهور ( *أم قرون* ) وصدى صوت المبدع محمد وردي يردّد ساخرًا عليهم ( *يااااا صبية* ،،، *الريح أو الجيش ورايا* ،،،، *خلي من صدرك غطايا* ،، *خلي من حضنك ضرايا* ،،)
لسان حال كل الجنجويد، يردّد عاوزين جدة.

لكن بينكم وجدة لُجّة ( *حمراء* ) من دماء سفكتموها بغير حق.
فقد طمر إعلان جدة وإلى الأبد، تحت أطماعكم، وتحريضات أعوانكم القحاطة.
وهذه هي عين سخرية القدر:
( *تأباها مملحة تكوسا كجيم ما تلقاها* ) .
شعار السودانيين هذه الأيام المباركات:
عيدٌ بلا جنجويد.
*جيش واحد شعب واحد*
*ولا غالب الا الله*

لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سوريا والتحديات الداخلية والخارجية
  • لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
  • محمد رمضان لعمال مصر: أنتم الأبطال الحقيقيون وتصنعون التاريخ
  • أجواء أول عيد فطر في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد: بين الأمل والتحديات
  • محمد الطيب عربي في ذمة الله
  • الشرق الأوسط الجديد بين المخططات والتحديات.. خارطة جديدة تلوح في الأفق
  • الشرق الأوسط الجديد بين المخططات والتحديات.. خارطة جديدة تلوح في الأفق - عاجل
  • أبو هاشم: يكشف أسرار عائلته التى حملت راية التصوف فى مصر لأكثر من 250 عاما
  • مصحف الرغيف.. حسن دنيا يروي كيف أثرت نشأته الصوفية في مسيرته الموسيقية |فيديو