عبدالفتاح البنوس
يا لها من عظمة، ويا له من علو، ويا له من خلود وشــموخ وعنفوان، ويــا لها من عزة وكرامة، ويا له من تكريم إلهي، واصطفاء رباني، ويا له من حب حباه الله لشــهيد الإسلام والإنسانية سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، ويا لها من خاتمة حســنة، ويا له من وداع مهيب يليق بمقام صاحبه الرفيع، وخليفته في الأمانة العامة والشــهادة السيد هاشم صفي الدين رضوان الله عليه.
مشــهد يعجز الكتاب وأرباب الأقلام عن وصفه، ويجد البلغاء صعوبة بالغــة في التعبير عنه، ويقف الشــعراء في حالة من التبلــد والذهول أمام تفاصيل عظمته، مشــهد متفرد على كل المشــاهد المماثلة، مشــهد بديع رســم لوحــة أكثر إبداعــا وألقــا وتميزا، لوحــة وفاء لرمــز الوفاء، الســيد المجاهــد الصــادق مــع الله عهــدا ووعدا وإيمانــا وجهادا وبــذلا وعطاء وتضحية وفداء.
طوفان بشري من مختلف أرجاء المعمورة، منذ مســاء الجمعة الفائتة وهــم يتقاطــرون عــلى ضاحية بــيروت الجنوبية للمشــاركة في مراســيم تشــييع شــهيد الإســلام و الإنســانية الأمين ســماحة الســيد حسن نصر اللــه وخليفته المؤتمن ســماحة الســيد هاشــم صفي الدين رضــوان الله عليهما، الكل في حالة من الشــوق والحنين إلى الحبيب الذي ألفوه ونهلوا مــن معينــه العــذب، وتربوا على ســيرته الجهادية، ودرســوا في مدرســته الإيمانية الحســينية الرافضة للخنوع والخضــوع والذل والهوان، جاءوا ليلقوا النظرة الأخيرة على جســده الشريف، والسلام على روحه الطاهرة في يوم الوداع الحزين.
مشــهدية مشــبعة بالســمو والشــموخ، في وداعية الأمينــين المؤتمنين الشــهيدين القائدين العظيمين الحســن بن نصر الله، مــن نصرالله طيلة حياتــه ومســيرته الجهادية، وانتــصر لدينه وللمســتضعفين من عباده، والهاشــم صفــي الديــن ومعتمده الأمــين من حمــل الراية، في زمــن الغدر والخيانــة، غــير مبــال بالمــوت، ولا مكترث بالحيــاة، ليعانقا الشــهادة في سبيل الله على يد أعداء الإسلام والمسلمين الصهاينة البغاة المجرمين.
مشهدية الأحد قل أن نجد لها نظيرا في عصرنا الراهن، مشهدية تعكس حجم الانتصار الذي صنعه حزب الله بقيادة نصر الأمة وشهيدها السيد حســن نصر الله، وشــاهدة عــلى هزيمة النــتن ياهو وحكومتــه اليمينية المتطرفة والصهاينة المجرمين ومن معهم من تحالف الأشرار.
مشــهدية ســتظل شــاهدة على انتصــار الدم على الســيف، وشــاهدة على عظمة المقاومة وقادتها الشــهداء، وســمو مكانتهــم ورفعتها، والله ســتظل محفورة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، حاكية عن بطولات خالدة، لقــادة عظمــاء، تقدمــوا صفــوف المجاهدين، وســطروا ملاحــم البطولة والتضحيــة والفداء، فجادوا بأرواحهم الطاهرة في ســبيل الله، ليتوجوا بذلــك مســيرتهم الجهادية التــي تشرئب لهــا الأعناق، بالفــوز بالجائزة الإلهيــة الكــبرى، والحصول على الوســام الرباني الأغلى، وبلــوغ المكانة والمقام الأسمى في مقعد صدق عند مليك مقتدر، رفقة الأنبياء والصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
المكان توشح الســواد، والحزن كان طاغيا على المشيعين ذكورا وإناثا، قلــوب بعظيم الفقد وألم الفــراق مكلومة، وأعين بالدمــع فياضة، الكل في حالة من الألم والأسى لعظيم المصاب الجلل، وفداحة الخســارة العظمى التي تعرضت لها الأمة بخسارة أمينها الأمين وخليفته المؤتمن، في معركة الحرية والكرامة على طريق القدس، دعما وإسنادا لغزة العزة، ولا غرابة فهم يدركون حجم الفراغ الذي تركه رحيل شــهيد الإســلام والإنســانية، ويدركــون ما الــذي يمثله هــذا الرحيل المر في هــذه المرحلــة الأكثر مرارة والأشــد تعقيدا، ويدركون ما الذي كان يمثله شهيدنا العظيم في المنطقة والعالم.
لبيــك يا نصر الله، هيهات منــا الذلة، الموت لإسرائيــل، الموت لأمريكا، هتافــات صدحــت بها قلوب المشــيعين قبــل حناجرهــم، في يــوم الوفاء، لســيد الوفاء، الــكل كانوا على العهد، لم يتخلــف منهم أي حر من أحرار لبنان المقاومة، ومن تســنى لهم الحضور من أحرار العالم، جاءوا من كل حــدب وصوب، ليودعوك يــا أبا هادي ورفيقــك في درب المقاومة والجهاد والاستشــهاد، فــكان المشــهد عظيمــا بعظمتــك، وكبــيرا بحجمــك، أيها الخالد في القلوب.
نم قرير العين يا شهيدنا الحبيب، لقد أرعبتهم يا نصر الله في حياتك، فكنت شــوكة في نحورهــم، لقد حرمتهــم لذيذ المنام وظل شــبحك يؤرق مضاجعهم ويحيل حياتهم إلى جحيم، وها أنت ترعبهم وأنت تشــيع إلى مثواك الأخير شهيدا، فذهبوا للتحليق بطائراتهم الحربية وكسر حاجز الصوت أثناء مراســيم التشــييع، ظنا منهم بأن هكذا تصرف أبله، سيؤثر على جموع المشــيعين لك ورفيقــك، الذين اكتظت بهــم المدينة الرياضية والشوارع والساحات المؤدية إليها.
ســنفتقدك كثيرا أيها الشــهيد الخالد في القلوب، لروحك الطاهرة وكل رفاقك الشــهداء العظماء الخلود في أعلى عليين، هنيئا لك يا ســيدي هذا العلــو الذي لا يليق إلا بك وبأمثالك مــن القادة العظام، التي تنحني لهم الهامات وترفع لهم القبعات تقديرا وإجلالا.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: نصر الله
إقرأ أيضاً:
سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
لأول مرة يرتعب جنرالات الحركة الإسلامية سافكو دم شعبهم، بعد أن علموا بأن الله قد منّ على المستهدفين بالبراميل المتفجرة الساقطة على رؤوسهم، بسلاح نوعي يحميهم، جعل القلوب الخافقة تهدأ والنفوس الوجلة تستقر، فالرب قد استجاب لتلك المرأة المسكينة، التي رفعت كفيها بالدعاء على من أحرق زرعها وضرعها وبيتها، بأن يحرقه، وهي امرأة وحيدة وضعيفة ومسكينة على أعتاب التسعين، أبرها الله الذي وصفته بأنه (ليس ابن عم أحد)، في تضرع صادق خارج من صميم قلب مكلوم مهيض الجناح لا يلوي على شيء، هذه الحرب أدخلت مجرمي الإسلام السياسي في جحر ضب خرب، وكشفت عن بشاعة النفس التي بين جنبيهم، وأبانت كيف أن النشأة الأولى لم تكن على أساس ديني قويم، وإنّما كانت بناء على انحراف خلقي واخلاقي، وإلّا لما جاءت النتيجة بعد ثلاثين عاماً من تجربة الحكم استهدافاً قاسياً للمسلمين الفقراء الكادحين الذين لا حول لهم ولا قوة، جرمهم الوحيد أنهم يسكنون هذه الأرض، وما يزال القاتل الأكبر يتربص بهم كيف أنهم أنجبوا هؤلاء الرجال الأشداء المقاتلين من أجل الحق؟، الذي استمات الحركيون الإسلاميون في تمييعه، بين نفاق الإعلام الكذوب وإفك فقهاء الجنرال الظلوم الجهول "مدّعي الربوبية"، الذي ذُعِر أيما ذُعر وهو يتحدث عن حصول (الرجال) على السلاح النوعي، المانع لآلته المجرمة والقاتلة من أداء مهمتها الجبانة والقذرة، ألم يتلو آيات الذكر الحكيم القائلة أن الباطل لابد وأن يزهق، كيف بربك يتلوها وهو القاتل الغاصب الفاسق الرعديد؟.
من ظن أن السودانيين سيواصلون صمتهم الخجول الممتد لسبعة عقود، عن المجازر المخطط لها بعناية ودقة فائقة وممنهجة من زمان "حسن بشير نصر" و"أبو كدوك" إلى زمان المختبئين وراء المليشيات الإرهابية، يكون غائب عن الوعي وغير مدرك لحتميات حركة التاريخ، وكما في حياتنا الرعوية مقولة "قصعة الجرّة"، التي تعني اجترار الحيوان لكل ما التهمه من عشب النهار ليلاً، بدأ مجرمو مؤسسة الموت والهلاك والدمار يطرشون ما اختزنوه من خطيئة سفك دماء الأبرياء، فجميع من ترونهم من لواءات وعمداء وعقداء يسقطون من السماء على الأرض، ويرقص حول جثثهم المحترقة الأحرار في حفلات شواء ناقمة، ما هي إلّا عملية استفراغ لما ارتكبوه من جرم بشع وعمل شنيع لا يشبه فعل إبليس. على المستوى الشخصي حينما سمعت خبر مقتل العقيد وليد ابن اخت الجنرال الهارب، أيقنت أن القصاص لن يترك فرداً ولا جماعة ولغت في دم عشيرة الغبراء التي أقسمت على الله فأبرها، هذا "الوليد" هو مهندس مجازر الجنينة كما كان (خاله) وجده "اللواء الدابي"، هل تعلمون أن الملازم وليد في تسعينيات القرن المنصرم ارتكب مجزرة بحق سكان قرية بدارفور، شهودها جنود في "جيش (العشب) الواحد"؟، روى تفاصيل الجريمة النكراء "رقيب معاش" ما زال حياً، وأنا على يقين من أنه قد رفع كفيه للسماء بعد أن علم بالخبر وقال "الحمد لله"، إنّ جند الجيش "الكتشنري" سوف يتذوقون ذات طعم الحنظل الذي أذاقوه للسودانيين ما دامت الأكف مرفوعة بالدعاء.
يقول المثل "المصيبة ليست في ظلم الأشرار ولكن في صمت الأخيار"، وانا أقول "المصيبة ليست في صمت الأخيار ولكن في عدم وجود (أخيار) من الأساس"، لأن الرجل الخيّر لن يصمت عن قول الحق، ولن يتسامح مع المجرمين والمنافقين والمدلسين والمزورين والكذابين والأفّاكين، وطالما أن هنالك بيننا من يعتقد في أن الجنود السودانيين الذين يعملون تحت راية (القوات المسلحة)، والمرسلين لليمن من معسكر "سركاب" أنهم "متمردين"، ويتجاهل كونهم نائمين على أسرة (معسكر الجيش) وهم منزوعي السلاح، داخل بيت ضيافة (القوات المسلحة)، تأكد من حقيقة واحدة لا ثاني لها، هي حتمية انتصار كل من رفع البندقية في وجه هذا (الجيش)، الذي فقد الزخم المصطنع الذي عاشه السودانيون مائة عام، إذ كيف لجيش عمره قرن يورث الناس الحرب والدمار والخراب؟، لماذا لم يؤد دوره الوطني المنوط به؟، لقد أعاد "جيشنا جيش الهنا" الخرطوم للعهد الذي بدأ بدخول "كتشنر" حيث عربة "الكارو" الناقلة لماء الشرب، التي يسحبها حمار لتقوم بمهمة سقيا الناس قبل قرن وربع القرن، إنّه (فرض عين) على الشعب السوداني أن يثور ثورته الأخيرة القاضية، ليقضي على العصابة المنحرفة المتواجدة في بورتسودان، وإلّا ستشهد بورتسودان نفسها ما شهدته "نيالا" و"الفاشر"، على أهل الشرق أن يكونوا كما قال المثل " السعيد يشوف في أخوه"، إنّ شر الإخوان قد أوصل مصر لدرك سحيق خلال حقبة حكم لم تتجاوز السنة الواحدة، أما الشعب السوداني فليس في مقدوره إخراج (الأذى) إلّا بعد أن يستعين بصديق، فإن لم يفعل ولن يفعل، فليبشر بطول أمد المعركة الدائرة الآن بين حق السودانيين في الحياة الكريمة، وباطل الحركة الإسلامية (الإخوان) في استعباد السودانيين.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com