من قمة الويب 2025.. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتغلب على الإرهاق والاحتراق الوظيفي؟
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
يعد الإرهاق والاحتراق الوظيفي أحد أبرز القضايا المتعلقة ببيئات العمل في العصر الحديث، ورغم أنه منتشر في عديد من القطاعات حول العالم، فإن المبرمجين أكثر من يشعر به، وفي النهاية يجد المبرمجون أنفسهم مضطرين للعمل على فترات طويلة تتخطى ساعات العمل المعتادة.
ومن أجل هذا، تحدث نيك دوركين مدير التكنولوجيا الميداني لشركة "هارنس" (Harness) عن أهمية الذكاء الاصطناعي وآلية استخدامه من أجل تجنب هذا الاحتراق الوظيفي والإرهاق المستمر للمبرمجين في مختلف القطاعات حول العالم.
استهل نيك دوركين حديثه عن استخدام الذكاء الاصطناعي للتغلب على الإرهاق بالإشارة إلى أن المستخدمين يخلطون بين التقنيات المختلفة ويطلقون عليها جميعا ذكاء اصطناعيا، ولكن في الواقع، هناك مجموعة من الأدوات والتقنيات المناسبة لكل نوع من المهام، لذا يوجد الذكاء الاصطناعي التوليدي والتوقعي وحتى الأتمتة والتعلم الآلي.
وأشار أيضا إلى الذكاء الاصطناعي يجب أن يقوم بما لا يرغب البشر في القيام به، لذلك، فبدلا من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي للبرمجة وكتابة الأكواد، يمكن جعله يراجع الأدوات والمهام المملة والمكررة في عملية البرمجة مهما اختلف التطبيق.
إعلانومن أجل تحقيق هذا بالشكل الأفضل، يجب على المطور استخدام نوع الذكاء الاصطناعي الأنسب لكل مهمة، كما أشار دوركين إلى أن استخدام عملاء الذكاء الاصطناعي قد يكون مفتاحا لحل كثير من المشاكل المتعلقة بصناعة البرامج والتقنية بشكل عام.
التفكير بعقلية الذكاء الاصطناعيتحدث نيك دوركين عن جانب مهم في رأي مخالف للآراء السائدة، فبينما يرى العالم أجمع أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يفكر مثل البشر، كان رأي دوركين أن البشر يجب أن يبدؤوا بالتفكير في عقلية الذكاء الاصطناعي.
وذلك من أجل نشر المعلومات والوصول إليها في الوقت المناسب الذي تحتاجه من أجل اتخاذ القرار اللازم وتحقيق النتيجة التي تسعى إليها، وهذا بدلا من جعل المعلومات تسير في الطرق المعتادة ليصبح الأمر أشبه بنقل العمل من قسم إلى قسم.
تساهم هذه العقلية في خفض التوترات الناتجة في سوق العمل وتقريب الفرق المختلفة داخل أي شركة من بعضها بعضا لتتعاون في تحقيق النتيجة النهائية لها، أي الوصول بالمنتج إلى المرحلة المناسبة وطرحه في الأسواق.
وحتى لا يكون حديث دوركين نظريا بشكل مبالغ فيه، فقد بدأ بذكر مجموعة من الحالات التي استخدموا فيها عملاء الذكاء الاصطناعي داخل شركة "هارنس" من أجل تسريع عملية التطوير ونشر المنتج البرمجي النهائي للأسواق.
وفي مستهل حديثه حول هذا الأمر، وضح أن هذه الآلية تمكنت الشركة من توفير 14 دقيقة في تطوير النموذج الاختباري الذي عرضه دوركين في حديثه، فضلا عن توفير الأموال والمجهود وتقديم منتج فعال في النهاية بوقت أقل، وبينما كان للذكاء الاصطناعي دور كبير في هذا التحسين، إلا أن الفضل يعود لطريقة التفكير المبتكرة.
تعتمد طريقة دوركين للاعتماد على عملاء الذكاء الاصطناعي على جعل الذكاء الاصطناعي يحلل الكود كاملا ليفهمه ويصبح قادرا على كتابته وإصلاحه، ثم بدلُا من اختبار جميع المزايا والنتائج الخاصة به، فإن الذكاء الاصطناعي يفحص الاختلافات المباشرة بين الإصدارات المتتالية، أي أنه يختبر جزءا بعينه بدلا من الكود البرمجي بأكمله.
إعلانوينطبق هذا الأمر على الفحوص الأمنية للتحديث ثم جمع المعلومات اللازمة وتقديم تقرير مباشر للمبرمج بما يحتاج إلى فعله حتى يصبح الكود فعالا وقادرا على العمل بشكل أيسر وأسهل كثيرا، وذلك بدلا من القيام بكل هذه الأمور بشكل يدوي عبر مجموعة متنوعة من الفرق المختلفة.
هل يمكن أن يخفض الذكاء الاصطناعي الاحتراق الوظيفي؟يعرف علماء النفس مفهوم الاحتراق الوظيفي بأنه الممل المستمر من الوظيفة وعدم القدرة على أدائها بالكفاءة ذاتها بعد مرور فترة في الوظيفة ذاتها، وبينما يحاول علماء النفس إيجاد حلول لمواجهة هذا الشعور والتخلص منه، فإن الذكاء الاصطناعي حقا يقدم الحل الأمثل.
فجميع الوظائف تملك أجزاء مملة لا يرغب أحد في القيام بها ولا يحبها، ولكن في النهاية، هي أجزاء ضرورية ومحورية للوظيفة الأساسية، لذا يجب على شخص ما القيام بها، وبينما تقع هذه المهمة في بعض الأحيان على كاهل حديثي التعيين، إلا أن الذكاء الاصطناعي جاء لينقذها.
يستطيع الذكاء الاصطناعي إنهاء المهام الرتيبة التي لا تتطلب مهارة بشرية في وقت قياسي مقارنة بالطرق اليدوية التقليدية، وإلى جانب ذلك، يخفض من الضغط الناتج عن القيام بها والوقت المهدر، وهكذا لن يحتاج المبرمجون إلى البقاء حتى وقت متأخر من أجل انتظار نتائج المهام التقليدية، فالذكاء الاصطناعي يقوم بها بشكل سهل ويسير.
بالطبع، تظل فكرة دوركين مجرد فكرة نظرية رغم تطبيقها في شركة "هارنس"، إذ يجب على الشركات اختبارها بما يكفي لتدرك إن كانت مناسبة لسير العمل الخاص بها أم لا، ولكن في النهاية، تمثل هذه الفكرة الحل الأقرب إلى الواقع والمنطق من أجل خفض المجهود المتعلق بالذكاء الاصطناعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب قمة الويب فی النهایة من أجل
إقرأ أيضاً:
التوزيع الوظيفي.. بين الواقع والاعتبارات الإنسانية
عباس المسكري
مهنة التعليم والتمريض ليست مجرد وظائف، بل هي رسائل حياة تُكتب بأيدي أولئك الذين يكرسون أرواحهم لخدمة الآخرين، إنهم المعلمون والممرضون الذين يقفون في الصفوف الأمامية، ليزرعوا الأمل في عيون الأجيال ويهدوا العناية لمن هم في أمس الحاجة إليها.
وهذه المهن تتجاوز كونها وظائف يومية، فهي لبنة أساسية في بناء المجتمعات؛ فالعقول تُصاغ والكفاءات تُبنى على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يضعون علمهم وحبهم في خدمة الإنسان، ومع ذلك، لا بد من أن يُحاط هؤلاء الكوادر بالعناية والدعم، بدءًا من لحظة تعيينهم، ليحظوا بالاستقرار النفسي والإجتماعي الذي يعزز قدرتهم على العطاء المتواصل، فتُثمر جهودهم وتظل بصماتهم حاضرة في كل زاوية من زوايا المجتمع.
في قلب كل قرار إداري، هناك إنسانٌ يعيش تحديات قد تكون أكبر من مجرد إنتقال جغرافي، في واقع الحال، يُعيّن العديد من المعلمين والممرضين في أماكن نائية، على بُعد مئات الكيلومترات عن موطنهم، رغم وجود شواغر في مناطقهم أو تلك القريبة منها، فليس مجرد تحديد مكان العمل هو ما يحكم حياة هؤلاء، بل التحديات النفسية والإجتماعية التي يتعرضون لها، فالموظف الذي يُجبر على ترك أسرته، خصوصًا في حالات العناية بالوالدين المسنين أو تربية الأطفال الصغار، يصبح في صراع مستمر بين إلتزامه الوظيفي ومسؤولياته الأسرية، وفي هذا التباعد بين الواجبين، يتشكل عبء لا يمكن تحمله بسهولة، إذ يمتد الشعور بالوحدة والقلق ليُحاصر الموظف، مما ينعكس سلبًا على أدائه وجودة العطاء الذي يقدم.
وتظل الغُربة القسرية عن الأهل، ذلك الشعور الذي يثقل قلب الموظف، ويجعل روحه تتيه بين أبعاد العمل وحنين الوطن، وما أن تبتعد المسافة بينه وبين من يحب، حتى يصبح القلق رفيقًا دائمًا، يعبث بصفو عقله ويشوش على نقاء قلبه، وهذا التشتت النفسي لا يمر دون أثر، فهو يخلق فراغًا في داخله، يتراءى له كظلال داكنة تحجب ضوء شغفه، فتتضاءل همته، وتتراجع رغبة العطاء، ومن هنا، قد يكون لهذا العبء الثقيل أن يفتك بجودة العمل، بل يصل ببعضهم إلى حدود فقدان الأمل والإنسحاب من الميدان، رغم أن فؤادهم مليء بعشق المهنة ورغبة صادقة في تقديم كل ما هو نافع ومؤثر.
تبدو هذه القضية، للوهلة الأولى، مسألة إدارية بحتة، لكنها في حقيقتها تتجاوز الأرقام والجداول إلى أعماق إنسانية وإجتماعية لا يمكن إغفالها، فالموظف ليس مجرد إسم في كشف توزيع، بل هو إنسان يحمل بين جنباته آمالًا وأحلامًا، ويدير حياة مليئة بالتحديات والتضحيات، إنه لا يعيش في معزل عن محيطه، بل ينتمي إلى أسرة وأرض وأحبة، يواجه مسؤولياتهم وتطلعاتهم، وإن هذه الأبعاد الإنسانية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من قرارات صُنّاع القرار، إذ لا يمكننا النظر إلى الموظف كقطعة من آلة العمل، بل يجب أن نراه كعنصر حي ينبض بالحب والواجب، ويستحق كل الإهتمام والرعاية التي تضمن له التوازن بين واجبه المهني وأسرته.
ومن هنا، نتوجه بقلوب مملوءة بالثقة والتقدير إلى أصحاب القرار، نناشدهم برحابة صدرهم وسمو نظرتهم أن يُدرجوا البُعد الإنساني ضمن إعتبارات التوزيع الوظيفي، فالموظف ليس آلة إنتاج، بل روح تُثمر حين تزرع في بيئة قريبة من أهلها، آمنة في حضن أسرتها، وإن تمركز الموظف في محيطه الجغرافي لا يُسهم فقط في إستقراره النفسي والإجتماعي، بل يُعزز إحساسه بالإنتماء، ويضاعف من جودة عطائه، ويقوي أواصر العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يخدمه.
إن مراعاة الظروف الإنسانية في التوزيع الوظيفي للمعلمين والممرضين ليس مطلبًا إداريًا فحسب، بل استثمار في مستقبل المجتمع ، فاستقرارهم النفسي والاجتماعي يُترجم إلى عقول مُبدعة وأيادٍ حانية تُشكل أجيالًا وتُعافي أرواحًا، لذا ندعو إلى سياسات تُحقق هذا التوازن، ليظل هؤلاء الأبطال شعلة تنير دروب التقدم الوطني.