في الذكرى الثالثة لرحيل الشاعر هلال العامري إضاءة على دوره في خدمة الثقافة العمانية
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
الشاعر الشيخ هلال بن محمد بن هلال العامري أحد أبرز الذين عُـــنُوا بالعمل الثقافي في البلاد، من خلال المواقع الوظيفية التي أنيطت به، وقد أعانته مؤهلاته العلمية على القيام بالمسؤوليات التي أسندت إليه، فهو حاصل على درجة البكالوريوس في تخصص الإدارة والاقتصاد من جامعة دنفر الأمريكية، وعلى دبلومٍ عالٍ في إدارة القنوات التلفزيونية من جامعة مانشستر البريطانية، وعلى دبلومٍ عالٍ في إدارة الجامعات من جامعة ديوك الأمريكية في كارولينا الشمالية.
وهذه الأهلية العلمية التي تمتع بها الشيخ هلال، ثمرة من ثمار الرؤية النهضوية للسلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب اللهُ ثراه - فقد اهتم اهتمامًا كبيرًا بتأهيل القوة البشرية الوطنية تأهيلًا علميًا عاليًا من خلال نظام الابتعاث إلى عدد من جامعات العالم الشهيرة، ورصد لذلك موازنات مالية سنوية كبيرة في الخطط التنموية الخمسية طيلة فترة عهده الزاهر، وكانت الحصيلة أعدادًا كبيرة من العمانيين المؤهلين في شتى التخصصات، وهو ما أدى إلى تحقق الوعد الذي قطعه السلطان الراحل - طيب اللهُ ثراه - على نفسه عند توليه مقاليد الحكم حيث قال: «إني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي، أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية...، سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل... وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب».
وبعد فترة وجيزة من توليه الحكم قال في مقابلة أجرتها معه مجلة التاريخ العربي (مجلة مُحَكَّمَة): «ما من شك أنَّ التعليم هو مشكلتنا الأولى في عُمان، لأن الإدارة والتخطيط يحتاجان إلى مخططين ومديرين، وإلى موظفين مثقفين، ونحن نريدهم من أبناء الشعب نفسه، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا انتشر التعليم... سنعلمهم ولو تحت ظلال الشجر، نهضتنا لن تتحقق إلا إذا سبقتها نهضة تعليمية»؛ فكان الشيخ هلال العامري واحدًا من مئات الآلاف من العمانيين الذين حصلوا على تأهيلٍ علميٍّ عالٍ ومتنوعٍ بفضل نظام البعثات الذي أنشأه السلطان قابوس - طيب الله ثراه.
وفي أول سُلَّمِهِ الوظيفي عمل الشيخ هلال مديرًا لدائرة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام، ثم عُيّنَ مديرًا عامًا للتلفزيون في عام 1985م، ثم نقلت خدماته إلى جامعة السلطان قابوس حيث عُيِّنَ نائبًا لأمين عام الجامعة من عام 1985 إلى عام 1990م، ثم نُقلت خدماته إلى وزارة التراث القومي والثقافة -سابقا- فعُيِّنَ مديرًا عامًا للثقافة من عام 1995 إلى عام 2000م، وخلال ذلك أسندت إليه مسؤولية الإشراف على المركز الثقافي بصلالة، وعلى المنتدى الأدبي بمسقط، وما من شك أن إدارة هذه المرافق تحتاج إلى رجل ذي فكر وثقافة تعينه على تخطيط العمل في المجالين الثقافي والإعلامي بصورة تؤدي إلى نجاح الخطاب الموجه إلى عقول المتلقين، ويؤثر إيجابًا في توجهاتهم، وذلك يستلزم دقة في اختيار المواد والبرامج والقائمين على إعدادها.
وإنَّ حصاد الممارسة الوظيفية للشيخ هلال، في التلفزيون، وفي الجامعة، وفي وزارة التراث القومي والثقافة -سابقا-، وما نتج عنها من مخرجات، تمثل برهانًا على جدارة عطائه، وهو عطاءٌ قد لا يكون أخذ بُـعدَهُ المنشود، خاصة في مجال العمل الإعلامي لما يحدُّهُ من مرعيات سياسية، وقيود قانونية، وأحيانًا عرفية اجتماعية، ولهذا قد لا تصل جهود المباشر لهذا النوع من العمل لغاياتها المرجوة مهما تفانى، إلا إذا أتيح له أن يمارس وظيفته بصلاحيات تطابق المتطلبات الفعلية للعمل الإعلامي، الذي يوازن بين موجبات حماية القيم الحافظة للهوية الوطنية، والمعززة لحرية التعبير والكرامة الإنسانية، وبين التوجهات الحكومية، وبين الحاجة الداعية إلى مواكبة العصر بمستجداته المتوالية والمتغيرة باطراد، دونما وصاية على المتلقين، ولعل هذا من المثاليات التي قلَّ ما تكون.
ومع ذلك فالشيخ هلال بذل طاقته مخلصًا لوطنه، فنهض بدور ثقافي هو جزء من تركيبته النفسية.
وحين نُقلت خدماته إلى الجامعة كانت آنذاك تخطو في سنيّ بدايتها، فَـبَـــدَتْ فرصتُــهُ في خدمة الحركة الثقافية مواتية أكثر مما مضى، لأن التعامل هنا يكون مع العقول مباشرة وليس عن طريق الـمُرسَلات الأثيرية كما هو الحال في التلفزيون، ولهذا شارك مشاركة فعالة في وضع برامج الأنشطة الطلابية وآليات عملها، وكانت تلك البرامج بمثابة منابر أبْـــرَزَ الموهوبون خلالها أفكارهم الأدبية والفنية، وأصبحوا يسهمون في بلورة حركة ثقافية تمور بنشاط يتأسس للتو، ويمارسون خلالها ما يسمى في المجال الثقافي بالتجريب، مستندين إلى مُـتلقياتهم المعرفية سواء تلك التي يتلقونها في قاعات الدرس الجامعي، أو التي يستقونها من قراءاتهم، أو التي يفرزها عصرٌ حافلٌ بالمستجدات العلمية والسياسية والاقتصادية والفكرية، ومتجدد بالتيارات الأدبية والفكرية والفلسفية العالمية التي تترك أثرَها في أذهان المتلقين، وينعكسُ ذلك في سلوك البعض منهم، وفي نتاجهم الفكري والأدبي.
كما عمل الشيخ هلال على تطبيق ما حَصَّلَه بالدراسة من مفاهيم تتصل بدور الجامعة في محيطها المجتمعي، وذلك لما لها من دورٍ مُشِعٍّ وخطابٍ ثقافيٍّ يُثري الساحة في مختلف تجليَّاتِها، وربما كان نشاطه الثقافي الملحوظ في الجامعة، وراء التفات الجهات المعنية إليه كشخصٍ جديرٍ بتولي مسؤولية النشاط الثقافي حيث تم نقل خدماتــه إلى وزارة التراث القومي والثقافة -سابقا-، وعُــيِّنَ مديرًا عامًا للثقافة، وهنا أصبحت مسؤوليته عن خدمة الثقافة أوسع، وقد شملت مجالات الأدب من شعرٍ فصيحٍ، وعامِّيٍّ وقَص، كما شملت مجالات الثقافة الأخرى من مسرحٍ وفنٍّ تشكيلي، وفنونٍ شعبية، وندواتٍ ثقافية، وأمسياتٍ شعريَّةٍ وفنية، وتنظيم المعارض والفعاليات المتنوعة، وأصبحت مسؤوليته من السعة بحيث أُسند إليه الإشراف على المركز الثقافي في صلالة، وعلى المنتدى الأدبي في السيب، وقام مع معاونيه بتعزيز دور المنتدى الذي له رصيدٌ سابقٌ في إثراء المناشط الفكرية المختلفة، ولا يمكن للباحث المنصف إلا أن يسجل تقديره للجهد العلمي الذي بذله المنتدى منذ تأسيسه، يتمثل فيما تضمنته كتبه السنوية من حصاد للدراسات والبحوث التي شملت توثيق سير وإنجازات بعض علماء وأدباء عُمان، كما شملت بحوثًا عن كثير من المدن العمانية، وهي دراسات أصبحت تسد حاجة الباحثين في ثقافة وأدب عُمان ومعالمها وشخصياتها.
وكان للشيخ هلال خلال هذه الفترة من عمله الثقافي سَبْق تنظيم أول معرض للكتاب العربي في سلطنة عُمان، وكان حس المثقف في شخصيته وراء الفعاليات الغزيرة التي تضمنها المعرض في دورته الأولى مثل الندوات والمحاضرات والأمسيات التي أقيمت على هامشه، ودُعِيَ إليها العديد من مفكري الوطن العربي بمختلف اتجاهاتهم الفكرية، وظل الشيخ هلال يرعى تطوير هذا المعرض دورة تلو الأخرى إلى أن أصبح تقليدًا ثقافيًا سنويًا.
وفي فترة تالية برزت للجهات العليا في الدولة ضرورة داعية لإنشاء هيئة معنية حصرًا بالنشاطات الشبابية الثقافية والرياضية، فصدر المرسوم السلطاني رقم 1991/113 وقضى بإنشاء الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية، وبناء عليه تم نقل المديرية العامة للثقافة من وزارة التراث إلى الهيئة الجديدة، وتم تعيين الشيخ هلال بوظيفة مدير عام النشاط الثقافي والاجتماعي بالهيئة، وبذلك أصبح معنيًا بروافد النشاط الثقافي، كمسرح الشباب، ومرسم الشباب، وفرق الفنون الموسيقية، والمسابقات الأدبية والثقافية، بالإضافة إلى الملتقيات الأدبية، والمهرجانات الفنية، والندوات والمحاضرات، والمعسكرات الشبابية، وغيرها.
وخلال هذه المرحلة استمر الشيخ هلال في خدمة الحركة الثقافية، مواصلًا عطاءه بالوتيرة نفسها من الجهد والبذل، ومحققًا أهداف النشاطات المرصودة في خطط المديرية، ولعل رعاية ذوي المواهب التشكيلية هو النشاط الذي ينبغي الإشارة إليه هنا لما شهده من تميز، حيث قام منهج المديرية في هذا السياق على تعريف الموهوبين بالمدرسة التشكيلية للفنان محل الدراسة من خلال بروز ملامح المدرسة التي ينتمي إليها فنُّهُ في أعماله، ثم يُــلْحَق الموهوب بدورات وحلقات عمل لصقل موهبته ليتضح اتجاهه ويتبلور فنُّهُ في المدرسة التشكيلية التي يميل إليها إلى أن يصبح محترفًا، وكذلك الحال في مسرح الشباب، وأما الشعراء فإن الملتقيات الأدبية التي تنظمها الهيئة سنويًا أثمرت عن مبدعين أصبحوا عنوان ذلك الجهد.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أغلب الأسماء الشعرية والقصصية والمسرحية المتحققة اليوم في الساحة الثقافية إنْ هيَ إلا ثمرة من ثمار الرعاية التي قامت بها المديرية العامة للنشاط الثقافي والاجتماعي ومديرها العام الشيخ هلال، وبتوجيهٍ وبذلٍ من المسؤولين في المراتب العليا، وللدلالة على ذلك أثْبِــتُ هنا شهادة الكاتب سليمان بن علي المعمري، ففي حوار أجريته معه ونشرته في الملحق الثقافي الذي كنت أقوم على تحريره بجريدة عُمان أيام كنت رئيسًا للقسم الثقافي بها، قال سليمان حين سألته عن المنابر والفعاليات التي عَرَّفَــتْ به كقاص:
«أنا أَدِيْنُ بالفضل الكبير للهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية التي تلقفتني منذ نعومة أقلامي، وشجعتني معنويًا وماديًا». ملحق عُمان الثقافي، العدد 7233، بتاريخ 22 من مارس 2001م.
وهكذا كان للشيخ هلال العامري دوره المنظور والمقدر في خدمة الحركة الثقافية العمانية الحديثة من خلال مواقع المسؤولية التي نهض بها بجدارة، الأمر الذي حَدَا بالجهات المعنية لأن تضع اسمه ضمن العشرة الذين تم تكريمهم بوسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون أثناء فعاليات الأسبوع الثقافي الأول الذي نظم في أبريل من عام 2001م. كما مُـنِـحَ وسام التقدير للخدمة المدنية الجيدة في عام 2009م، ومنحته الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي وسام المشاركات الأدبية والثقافية في عام 2013م.
إنَّ ما تقدم كان حديثًا عن دور الشيخ هلال العامري في خدمة الحركة الثقافية، وبقي عليَّ أن أذكر لمحة عنه كشاعر وعن رؤيته للشعر، وهنا سأنقل عن لسانه بالنص، فقد قال لي في حوار أجْرَيْتُــهُ معه عن هذا الجانب من حياته:
«الإرهاصات الأولى للتكوين المعرفي هي الدافع نحو الإبحار باتجاه الشعر، والسَّــبْــلَةُ (مجلس العائلة والقبيلة) لها الدور الأكبر في البدايات، إلا أن الغرس لا ينمو إلا بالري، فزاولت القراءة ولم أحبذ اتجاهًا بعينه أو شاعرًا بعينه، قرأت للكل، واستهوتني القصيدة المبدعة أكثر من مبدعها، وآثرت أن أترك الباب مشرعًا للحلم، فحاولت الكتابة بتجارب مختلفة، والحكم عليها من خلال سفر النص في أذهان المتلقين»... و«القضية التي يتعرض لها شعري هي في شتى المجالات: الهمَ العربي والقومي والوطني والإنساني والغزلي والحب والجمال، والإبداع لا يؤطر بموضوع، ولا يمكن أن يُكْبَحَ جَمَاحُه، والقصيدة لا يمكن أن تكتب بقرار»... وقد «شاركتُ في العديد من المهرجانات الثقافية والأدبية عربيًا ودوليًا فقد دُعِيتُ للمهرجان الدولي لشعراء العالم في كوريا واليابان والهند، وعربيًا شاركتُ في مهرجان المربد وجرش وأصيلة والقرين والجنادرية ولقاءات البابطين، ومعرض الكتاب في القاهرة حيث كانت لي فيه أمسية سنوية على مدى اثنتي عشرة سنة». ملحق عُمان الثقافي، العدد 7282، بتاريخ 10 من مايو عام 2001م.
وكالغيمة التي تتلاشى بعد أن تسكب ماءها على الأرض، انتقل الشيخ هلال من دار الفناء إلى دار البقاء بعد عمرٍ دام 69 عامًا حيث ولد في أكتوبر من عام 1953م في ولاية سمائل، وتُوفي يوم الثالث من رجب من عام 1443هـ / 5 من فبراير من عام 2022م بعد عطاء حافل على الصعيد الوظيفي مَرَّ ذكرُه، ونشاط ثقافي، ونتاج أدبي تمثل فيما ترك من مؤلفات في الجانب الشعري هي: هودج الغربة، 1983م، وقطرة في زمن العطش، 1985م، والكتابة على جدر الصمت، 1987م، واستراحة في زمن القلق، 1989م، والألق الوافد، 1991م، تقبله الله وأثابه على ما قدم من أعمال صالحة.
سعيد بن سالم النعماني كاتب وصحفي عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وزارة التراث الشیخ هلال لا یمکن من خلال ثقافی ا یمکن أن من عام مدیر ا
إقرأ أيضاً:
نجم الزُبَانَى
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
واليوم نتحدث عن نجم الزُبَانَى الذي يعتبر أحد نجوم الأنواء عند العرب، ويقع في كوكبة الدّلو، وهو من النجوم التي يمكن رؤيتها بسهولة في السماء، يُطلق عليه أيضًا اسم «ألفا الدّلو»، ويُعدّ أحد ألمع النجوم في هذه الكوكبة، ويتميز بلونه الأبيض الذي يميل إلى الزرقة، يقع ضمن الأنواء التي كان يُعتمد عليها في تحديد بعض الفترات الزراعية أو الفصول السنوية، وقد أُطلق عليه هذا الاسم من قبل الفلكيين العرب، ويعني «الزبانة» في اللغة العربية «المشرف» أو «الذي يُوجه»، وذلك بسبب موقعه في السماء بالقرب من نهر الفلك. وقد ذكره المرزوقي في كتابه الأزمنة والأمكنة فقال: «الزباني، وسمّي زباني العقرب وهما قرناها، كوكبان وهو مأخوذ من الزّبن وهو الدّفع، وكلّ واحد منهما عن صاحبه غير مقارن لها ونوؤها ثلاث ليال وتهبّ معه البوارح. وفضل وقت لرؤية الزُبَانَى هو في شهر أغسطس تقريبًا عندما تكون الكوكبة في أعلى نقطة لها في السماء، وقد أثبتت الدراسات الفلكية أن هذا النجم يبعد حوالي 36 سنة ضوئية عن الأرض، مما يجعله قريبًا نسبيًا من كوكبنا في المقاييس الفلكية، وتبلغ درجة حرارته حوالي 12,000 درجة مئوية، وهي حرارة مرتفعة جدًا مقارنةً بشمسنا، وهو أكثر سطوعًا من شمسنا بنحو 30 مرة، وأكبر من قطر الشمس بنحو 4 مرات. وقد ذكر هذا النجم كثيرًا في أشعار العرب قديمها وحديثها، ونجد كذلك أن البحار العماني أحمد بن ماجد ذكره في منظومته الفلكية فقال:
وَيَعتدِل يا صاحبي الزُباني
مَعَ السهيلِ فافهَمِ المَعَاني
في ذلكَ الموسمِ غيرَ خافي
وهُم براسِ الحدِّ ستَّه وافي
وأشهر الشعراء الأمويين الذين ذكروا هذا النجم منهم ذو الرمة الذي ذكر هذا النجم في أكثر من قصيدة في ديوانه، ومنها قوله:
وَرَفْرَفَتْ لِلزُّبَانَى مِنْ بَوَارِحِهَا
هَيْفٌ أَنَشَّتْ بِهَا الأَصْنَاعَ وَالخَبِرَا
رَدُّوا لِأَحْدَاجِهِمْ بُزْلاً مُخَيَّسةً
قَدْ هَرْمَلَ الصَّيْفُ عَنْ أَكْتَافِهَا الوَبَرَا
ففي قصيدة أخرى نجد ذو الرمة يذكر نوء الزبانى وبعض التغيرات المقونة بهذا النوء فيقول:
فَلَمَّا مَضى نَوْءُ الزُّبَانَى وَأَخْلَفَتْ
هَوَادٍ مِنَ الجَوْزَاءِ وَانْغَمَسَ الغَفْرُ
رَمَى أُمَّهَاتِ القُرْدِ لَذْعٌ مِنَ السَّفَا
وَأَحْصدَ مِنْ قُرْيَانِهِ الزَّهَرُ النَّضْرُ
وهذا الشاعر الأموي الأخر الكميت بن زيد الأسدي يذكر هذا النوء فيقول:
وَلَمْ يَكُ نَشؤُكَ لِي إِذْ نَشَأْتَ
كَنَوْءِ الزَّبَانِي عَجَاجاً وَمُورَا
وَلِكِنَّ نَجْمَكَ سعْدُ السعُو
دِ طَبَّقْتَ أَرْضيَ غَيْثًا دَرُورَا
وفي العصر العباسي نجد الشاعر الشهير ابن المعتز يذكر هذا النجم في قصيدة له فيقول فيها:
إِذا شدَّ خِلتَ الأَرضَ تَرمي بِشَخصِهِ
إِلَيها وَيَدعوها لَهُ فَتُجيبُ
مُعِدٌّ لِأَخيارِ الرِياحِ طَليعَةً
يُراقِبُ زَبّانينَ حينَ يَأوبُ
وكذلك الشاعر محمد بن يزيد الحصني المسلمي الذي عاش في العصر العباسي يقول:
إلا وغفرُ الزبانى
يلوحُ فيه العمود
كأنه قُرَشيٌّ
تهفو عليه البنود
ونجد شاعر إشبيلية المتصوف الأعمى التطيلي يذكر هذا النجم في قصائده فيقول:
ولو أنّهُ هزَّ يُمناكَ رمحًا
وركّبَ بأْسََ فيه سنانا
لقامَ فَبَدَّدَ شمْلَ الثريّا
ولو أنّها زَبَنَتْ بالزُّبَانى
وكذلك نجد الشاعر الأندلسي ابن دراج القسطلي يذكر هذا النجم بقوله:
سليبَ المُلْكِ مُنْبَتَّ الأَمانِي
وفَقْدُ العِزِّ إِحْدى المِيتَتَيْنِ
طريدَ الرَّوْعِ لَوْ حَسِبَ الزُّبانى
تلاحِظُهُ لَغارَ مع البُطَيْنِ
كما نجد الشاعر ابن عُنَيْن الذي عاش في الدولة الأيوبية يفصل في ذكر هذا النجم فيقول:
وَأَهدى لَها الوَسمِيُّ سبعًا وَسَبعَةً
طُلوع الزُبانى قَبل ذاكَ مَع الفَجرِ
فَما بَسطت كَفُّ الخَضيبِ بِنانَها
عَلى الأَرضِ إِلّا وَهيَ مَوشيَّةُ الأُزرِ