الكتَّاب العرب يديرون ظهورهم للوكيل الأدبي!
تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT
في الغرب ينشط الوكلاء الأدبيون، فلا يوجد كاتب تقريباً دون وسيط، ينوب عنه في الاتفاق على عقود النشر، والقراءات، والترجمة، والندوات، وكذلك تحويل أعماله إلى السينما، وبالتالي يتفرغ الأديب ذهنياً ونفسياً للكتابة.
أما في العالم العربي فلا تزال الفكرة في مرحلة الحبو، فالكتَّاب الذين يملكون وكلاء أدبيين يمكن إحصاؤهم ببساطة، أما الغالبية العظمى من الأدباء فيتفاوضون على كل شيء بأنفسهم، وهم غالباً ينظرون إلى الوكيل الأدبي، باعتباره مصَّاص دماء يأتي ليأخذ نسبة ضخمة من مبيعاتهم، دون أن يبذل الكثير من الجهد.
في هذا التحقيق نسلِّط الضوء على هذه الظاهرة، ونتحدث مع أدباء عرب لديهم وجهات نظر متباينة حول الفكرة، كما نتحدث مع وكيلة أدبية، تعدد من وجهة نظرها مهام الوسيط ودوره المهم في الزمن الحديث.
دعاية جيدة
الكاتب المصري أشرف العشماوي يؤكد أن لديه وكيلا أدبيا في القاهرة يوفر له دعاية جيدة، ويسوِّق أعماله لبيعها درامياً وسينمائياً، كما يتفق له على ندوات وفعاليات في مصر والدول العربية وكذلك بعض الدول الأوروبية وأمريكا. أيضا يساعده كثيراً في ترجمة رواياته إلى لغات متعددة وقد وصلت ترجماته الآن إلى 11 لغة.
فكرة الوكيل الأدبي في ظنه غير منتشرة بالوطن العربي بسبب تكلفة الوكيل وحصوله على نسبة تقارب 25% من عائد أي عمل يقوم به لصالح الكاتب، ولأن مبيعات الغالبية من الكتَّاب ليست مجزية. يقول: «أتمنى أن توفر دور النشر الكبيرة هذا الوكيل أو تقوم به لصالح الكاتب».
الوعي يتسع
الكاتبة الفلسطينية نداء غانم تقول إنه في السنوات الأخيرة، ازداد الحديث عن دور الوكيل الأدبي في المشهد الثقافي العربي، وبدأ الوعي بأهميته يتَّسع. ظهرت عدة وكالات أدبية تسعى إلى تمثيل الكتَّاب وحماية حقوقهم، مثل وكالة رولا الأدبية، ووكالة الشارقة الأدبية في الإمارات، ووكالة كلمات الأدبية، ووكالة حرف الأدبية في السعودية.
عُرض على نداء غانم الانضمام إلى أكثر من وكالة أدبية، وما زالت تراجع بعض التفاصيل قبل اتخاذ القرار. تقول: «أؤمن بأهمية الوكيل الأدبي ودوره في تمثيل الكاتب وحماية حقوقه المادية والقانونية، فهو يشكل حاضنة تساعده في تحقيق انتشار أوسع وتطوير مسيرته».
يرجع غياب دور الوكيل الأدبي إلى عدة عوامل، بالنسبة لها، أبرزها ضعف العائد المادي الذي يجنيه الكاتب، مما يجعله مترددًا في مشاركة جزء منه مع طرف ثالث. كما أن غياب ثقافة العمل الاحترافي بين دور النشر والكتَّاب، والاعتماد على العلاقات الشخصية في النشر، وتقصير تلك الدور في الترويج لأعمال الكُتَّاب، إضافة إلى ضعف سوق النشر وقلة الوعي بأهمية الوكيل الأدبي، كلها عوامل أسهمت في تأخر انتشار هذه الفكرة.
نداء غانم تؤكد أن الوكيل الأدبي يُمثِّل الكاتب في المفاوضات مع دور النشر والجهات الأخرى، ويسهم في تأمين العقود وجذب الفرص الجديدة. كما يتولى تحرير المسودات ومراجعتها لغوياً، بالإضافة إلى الإشراف على عملية النشر والتوزيع. ولا يقتصر دوره على ذلك، بل يمتد ليشمل تأمين حقوق الترجمة والتفاوض مع دور النشر الأجنبية، مما يفتح آفاقًا أوسع لانتشار الكاتب وأعماله عالمياً.
سلطة القارئ
«الوكيل الأدبي يعني، بصراحة، تسليع الأدب. أو اعتبار الإبداع سلعة تجارية مثل أية سلعة أخرى». بهذه الكلمات يبدأ الكاتب السوري خليل النعيمي حديثه، مضيفاً: «والأمر، من هذه الزاوية، ليس مستغرباً، لا في الغرب، ولا عندنا في الشرق. لكننا، الآن، نتساءل، أو نطرح السؤال بشكل يوهِم أن الكاتب العربي مشغول، هو الآخر، بمسألة «التجارة الأدبية». ونحن نعرف، تماماً، أن هذه الإمكانية التجارية، في السوق الإبداعية العربية، مسألة بعيدة جداً عن المعنى، أو هي مسألة مقحَمَة في مجال، هو اليوم، ليس لها».
وفيما يتعلَّق به شخصياً، يوضح أنه غير معني بمسألة الوكيل الأدبي، هذه. وليس له أي وكيل، في أي شأن من شؤون الحياة. يعلق: «أنا كاتب محدود التوزيع. قليل القراء. لا تهمُّني مسآلة «المقروئية» ولا تعني، بالنسبة لي، إلاّ شيئاً واحداً: «استلاب الكاتب بالقارئ المجهول». أو هي، بمعنى آخر، الخضوع لسلطة القارئ، والتنازل عمَّا يهمُّ الكاتب. وأنا، منذ «رواية الخُلَعاء»، أدركت، وأعلنت أن مَنْ يقبلْ أي تنازل في اللغة، يقبلْ أي تنازل في الحياة. وفي النهاية، الوكيل الأدبي، هو سمسار كلمات بامتياز، ولا يختلف عن أي سمسار عقاري، أو تجاري آخر. أنا لست ضد السمسرة كمنهج للعيش، لكنني ضد الكاتب الذي يكتب من أجل السمسرة. لأنه يجعلنا نرى، بوضوح كاشف، سقوط الإبداع المدوِّي الذي كنا نأمل منه أن يكون نهاية ممتعة للوجود».
عملية شاقة
أما الكاتبة التونسية فائقة قنفالي فتقول إن عملية النشر بالنسبة لها شاقة ومتعبة نفسياً وكان بودها لو أن هناك من يقوم بهذه العملية بدلاً منها، لذلك ضروري أن يكون للكاتب وسيط أدبي، فمهمته هي الإبداع فقط. وتعلق: «لا أملك وكيلاً أدبيَّاً الآن لكن بودِّي جداً أن أتعامل مع أحدهم في المستقبل».
فائقة ترى أن الوكالة الأدبية كما هو متعارف وسيط للتفاوض على حقوق الكاتب، فهي من يتفاوض على بنود العقد وشروطه وحقوق كل طرف من جهة قانونية، أما من الجهة العملية فهي على دراية بتوجه الكاتب وكذلك دور النشر، وهي خير من يدفع العمل لمكانه المناسب فلا يضيع عمل فكريٌّ وسط عمل أدبيٍّ أو علميٍّ ولا يضيع عمل أدبيٌّ وسط أجناس أخرى. أعتقد أن فكرة الوكيل الأدبي غير منتشرة في العالم العربي بسبب عدم أخذ الكتابة على محمل الجد، بمعنى أنه يُنظر لها على أنها عمليَّة غير مربحة تجارياً واقتصادياً، خاصة مع تراجع نسبة الإقبال على القراءة والتوّجه إلى الصورة ومنصات التواصل الاجتماعي. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهي غير معروفة لدى الكتَّاب وكل مجهول هو مصدر ريبة رغم أنها الآن تبدو أكثر المشاريع المريحة للأدباء والناشرين».
مقارنة
من جهته يقول الكاتب الجزائري محمد جعفر: «وأنا أتأمل في فكرة الوكيل الأدبي، أحاول أن أستعيد فكرتي عنه، ولعل ما أحوزه من أفكار أكون قد استقيتها من سِير بعض الكتَّاب في الغرب لما أشاروا إليه وإلى دوره الخاص، أو من خلال بعض الأفلام التي عرَّجت على سِير المشاهير من المبدعين وكشفت علاقتهم بوكلائهم الأدبيين، وما لعبه هؤلاء في صنع شهرتهم وتقديمهم إلى جمهور القراء والمهتمين في العالم ككل».
ويضيف: «ودون أن أتمالك نفسي أجدني مُقحماً في مقارنة لا أدري إذا كانت تجوز أو لا تجوز بين واقعنا الثقافي في البلاد العربية وبين واقع الثقافة في دول الغرب حيث اشتهر عمل الوكيل الأدبي وتأكد حضوره. ويمكنني على ضوء ما توفر أن أتطرق إلى نقاط ثلاث أحاول من خلالها حصر الفكرة، وتناولها بالشكل الذي يناسب. أولاً بحكم أني كاتب جزائري، أفضل بادئاً أن أنطلق من المناخ الذي أنتمي إليه، وعليه أشير إلى أن سوق النشر في الجزائر تأثرت بوباء كورونا، وأنها لم تستطع استعادة عافيتها مع مرور الوقت، فتدنت بذلك أرقام السحب بشكل مهول، خصوصاً مع منافسة من دور حديثة النشأة تفتقد إلى الكثير من الجدة والطموح وتراهن في غالبيتها على الدفع المسبق من طرف الكتَّاب المبتدئين ما أفسد الوضع الثقافي برمته. وفي ظل هذا الوضع المفلس تقريباً لا أعتقد أنه بإمكان أي كاتب المراهنة على وكيل أدبي على الأقل محلياً، كما أن جزءاً من وظيفة هذا الأخير البحث عن استثمارات للمنتج الأدبي خارج مبيعات الكِتاب نفسه، أي من خلال الترجمة، السينما، المسلسلات، ما يعني لزوم توفر أنشطة فنية وثقافية موازية، وأظن هذا غائباً لدينا في الجزائر، ومن هنا بات التوجه إلى الدور العربية ضرورة ملزمة، وعليه جاء رهاني على التعاقد مع دار مصرية من خلال إصداري الجديد، في محاولة مني للانطلاق على أرض أكثر صلابة ومتانة، ولتدعيم الفكرة لا بد أساساً، وبحكم عدم خبرتي ومعرفتي بالوسط الجديد الذي بت أنتمي إليه، التعويل على وكيل أدبي يقوم بمهام تقديم أعمالي للناشرين مستقبلاً والبحث عن أفضل العقود لي والترويج لأعمالي وطرحها للترجمة والإخراج الفني من مسرح وسينما وما إلى ذلك، مما قد يخفف عن كاهلي العبء والكثير من التعقيدات ويسمح لي بالتركيز على الكتابة والإبداع».
ثانياً يظن جعفر أن تراجع الاهتمام بفكرة الوكيل الأدبي مرتبط أساساً بواقعنا الثقافي، فالمجال قد لا يسمح له بالعمل والمناورة في كثير من البلاد العربية، وبخلاف ذلك يرى أن الوضع مشجع في مصر مثلاً وفي السعودية مع الانفتاح وفي الكويت ودولة الإمارات وهي البلدان التي تأسَّست فيها صناعة حقيقية للكتاب كما تحاول بعضها أيضاً تحقيق مناخات موازية لهذه الصناعة بما يتيح العمل والنشاط وتحقيق الفاعلية.
ويؤكد ثالثاً أن توفر الكفاءة والخبرة اللازمة والمعرفة بالوسط من طرف الوكيل الأدبي هو ما يرهن نجاح الفكرة من عدمها، ويحتاج هذا في اعتقاده إلى مزيد من الجهد، والتأكيد على دور الوكيل الأدبي، والذي لا يجب أن يبقى نشاطه مرهوناً بأسماء حققت وجودها على الساحة فيأتي دوره كدعم لها، بل كدعامة لأسماء مغمورة يكتشفها ويقدمها بكل الوسائل المتاحة لجهور القراء، وإن لا يبدو هذا واضحاً اليوم بسبب النقص الفادح في الوكلاء حتى أن الكثير منا يعتقد أنهم مجرد أشباح ولا وجود لهم.
إنسان خارق
الكاتبة العمانية ليلى عبد الله ترى أن الكتابة هي موهبة فردية لا تعوز من الإنسان الكاتب سوى أن يجلس ويكتب فحسب. حتى صلاته بقرائه لم تكن متاحة كما هي اليوم، وتكاد تكون علاقة ملتبسة، يبدو فيها الكاتب في نظر القارئ إنساناً خارقاً لا يماثل البشر العاديين في ممارسة حياته، لكن التقنيات الحديثة كسرت هذا الهاجس الضبابي ما بين الكاتب وقرائه.
ومع الانفتاح على ترجمات العوالم الغربية، أدرك الكاتب العربي، بحسب ليلى، الهالة التي تحيط بنظيره الغربي، الذي يتعاطى مع الكتابة لا بقداسة كالعربي بل بجدية وصرامة، بدءاً باتخاذها مهنة تدر عليه مالاً، وتمنحه شهرة واسعة معززة بفعاليات وندوات ولقاءات وحوارات، ومروراً بتقديمه ورشاً تعليمية وغيرها، هذه النجاحات الكبيرة تجعل الكاتب الغربي يرزح تحت ضغط هائل ويكون مضطراً لمجاراتها، لذا أغلبية الكتَّاب حين تنفقئ عزلتهم على خلفية فوزٍ بجائزة ما أو التواجد في قائمة بيست سيلر يجدون أنفسهم بطريقة ما متورطين في سلسلة طويلة من ضغوط هائلة تجرفهم بعيداً عن طقوسهم الكتابية وعن عزلتهم المنزَّهة يجارونها رغماً عنهم لا رغبة.
أما الكاتب العربي، كما تقول ليلى، فقد أغراه الانفتاح على الآخر بأن يكون أكثر من مجرد مُنتِج أدبي، لذا سعى إلى استعارة تلك الحمولات الغربية، بدءاً من طقوس الكتابة، فالكاتب العربي الذي كان بالكاد يجد وقتاً لممارسة الكتابة وجد نفسه يحاول أن يخترع طقوساً كتابية لتشعره بذاته أكثر من كونها ذات فعالية حقيقية، فهو ليس بأقل شأناً من الكاتب الغربي مثلاً!
وتؤكد ليلى أن الكاتب العربي مع مرور الوقت يندفع منساقاً إلى مساقات لم تكن جزءاً من كينونته ككاتب عربي، كأن يكون صاحب مكتبة مثلاً أو ناشراً أو صاحب ورش لتعليم الكتابة رغم أنه ما يزال غرَّاً في مجاله، وتعوزه خبرات متراكمة. لكن ذلك لا يهم، فليس ثمة جهة ثقافية وليس ثمة مؤسسات متخصصة، أو حتى نقاد متخصصون يقومون بهذه المهمة، ومعظم هذه الجهات المعنية لم تعد معنية بمهنة الكتابة سوى أن تكون جزءاً من منظومة الجوائز والترشيحات وهلم جراً. لقد أصبحت الجوائز هي الرافعة الإعلامية التي تثبت جدارتك ككاتب وليس العكس وهذا ما يثبته يوماً بعد يوم التسطيح الإعلامي ومفرقعات التجمعات الكتابية، فتستحيل الكتابة في ذهنية الكاتب من هاجس وجودي وشغف تكويني إلى مجرد أداة تفرز منفعة اجتماعية ومادية وهالة شخصية يكون فيها نجماً!
وتقول ليلى إن النجومية تتطلب شروطا كي يظل الكاتب نجما، فهي تطالبه بأن يكون موسوعيا، فالقارئ يرى أن الكاتب النجم هو بطل الأبطال وهو القدوة فينمِّطه فوق هيئة ما كتمثال شمعي حتى إن تزحزح عنها الكاتب تنهار عوالمه كليا. في هذه المرحلة لا يرى الآخرون ما وراء الكاتب، لا يرون النص. يكفي أنه نجم بغض النظر عن مستوى النصوص التي ينتجها. وفي هذه المرحلة تحديدا، إما أن ينجرف إلى النجومية كليا مطمئنا إلى جمهوره الواسع الذي يقف خلفه مضخما ذاته، أو يتحول إلى نموذج يفقد ثقته بذاته ونصه تماما، ومنهم مَن يتمالك ذاته في مرحلة صعوده، رغم النجومية البراقة ويظل مُنتِجا جيدا على الصعيد الكتابي، أي أن النجومية تبنيه ولا تهدمه، هذا الأنموذج مستقل وبنَّاء ومليء بالثقة والتواضع أيضا.
لكن ماذا عن الكاتب المهمش، أو مَن ليس عضوا من أعضاء منظومة مجتمعات الكتابة؟ تسأل ليلى وتجيب على نفسها: «هذا الكاتب حين يبرز وهو ليس في قائمة النجوم المعروفة، يصبح منتصرا دائما ولا يخسر أبدا، فهو شخص امتلك زمام ذاته ولديه قراء نوعيون وأصدقاء جيدون لا تحكمهم المنفعة المتبادلة. هذا من الانتصارات العظيمة بحق لاسيما في وقتنا الراهن. انتصار النص الذي يرفع صاحبه عاليا في كينونة فردية لا تماثل سوى ذاتها. وهو ليس نسخة مكررة من أحد، ولا يشبه إلا نفسه».
حرصنا على الاستماع إلى صوت الوكلاء الأدبيين، من خلال رولا البنا، فأكدت أن دور الوكيل الأدبي ليس مجرد وسيط بين الكاتب والناشر، بل هو شريك في رحلة الكتابة من بدايتها. وقالت: «في وكالة رولا الأدبية، نؤمن بأن دور الكاتب يجب أن يتركز بالكامل على الإبداع والكتابة، بينما نتولى نحن كل ما يتعلق بجوانب النشر الأخرى. منذ أن تكون الفكرة مجرد مسودة، نعمل مع الكاتب لنكون ظله خلال مرحلة الكتابة، نساعد في التحرير أثناء العملية وبعدها، ثم نبحث عن أفضل العروض من دور النشر، ونشرف على مشاركات الكتب في المعارض، ونتابع الترجمات مع وكالات ومترجمين دوليين لضمان وصول الكتب إلى أكبر عدد من القراء، ليس فقط في العالم العربي، بل عالمياً أيضا»ً.
وأضافت صاحبة وكالة رولا الأدبية: «إلى جانب ذلك، نهتم بإدارة فعاليات الكاتب بشكل استراتيجي، بما يتناسب مع طبيعة المادة التي يقدمها، سواء كانت أدبية أو غير أدبية. وهذا ما يجعل المجال مفتوحا جدا لوكالات الأدب، حيث يتجاوز دورها مجرد التفاوض على العقود ليشمل بناء مسار الكاتب الأدبي وضمان حضوره في المشهد الثقافي. ورغم أن نموذج الوكالة الأدبية لا يزال جديدا في المنطقة العربية، إلا أننا في وكالة رولا الأدبية لا نقتصر على تقديم هذه الخدمات فحسب، بل نسعى أيضا إلى تدريب وكلاء أدبيين جدد ليكونوا قادرين على تلبية الاحتياج المتزايد من الكتّاب ودور النشر، ما يعزز من انتشار مفهوم الوكالة الأدبية في المنطقة».
وتقول رولا البنا أخيرا إن الفكرة لا تزال جديدة وهي قيد التجربة، وعدم سرعة انتشارها قد يرجع لبعض القيود المادية، وتؤكد أن الكتاب مقبلون جدا على الفكرة وأيضا دور النشر وقد وجدت تجربتها الخاصة كل ترحيب من دور النشر.
عوائد مالية
أما جنان جمعاوي، مديرة العلاقات العامة في دار «نوفل - هاشيت أنطوان» فتؤكد أن الوكيل الأدبي مفهوم لا يزال فتيا في العالم العربي، وإن كانت هناك محاولات خجولة لترسيخ هذا العمل، سواء من قبل دور النشر نفسها، أو بمبادرات فردية من بعض الكتَّاب العرب.
وتشير إلى أن الكاتب قد يتعاقد مع الوكيل الأدبي، وتكون مهمة هذا الوكيل ضمان حقوق موكِّله وتسويق أعماله، أي أن يجد أفضل العروض لنشر كتابه، أولا مع دار النشر العربية، ثم العمل على بيع حقوق ترجمة العمل لدور النشر الأجنبية (لغات متعددة: إنجليزية/ الولايات المتحدة وبريطانيا/ فرنسية، ألمانية، صينية، تركية، إيطالية ...)، أو حتى بيع حقوق تحويل العمل إلى مسلسل أو فيلم أو كتاب صوتي. وبإمكان دور النشر التعاقد مع وكيل أدبي، مهمته البحث عن فرص لبيع حقوق ترجمة إصدارات الدار إلى لغات متعددة، أو حتى بيع حقوق تحويل ما هو مناسب من هذه الاصدارات إلى مسلسل أو فيلم أو حتى كتاب صوتي. ويحصل الوكيل لقاء هذا العمل على نسبة من الأرباح أو أجر متفق عليه، وهنا تماما يكمن أحد أسباب عدم انتشار مهنة الوكيل الأدبي في العالم العربي، حيث أن قلة من الكتَّاب العرب، بالكاد يتمكنون من بيع الطبعة الأولى من أعمالهم، فضلا عن أن العوائد المالية التي يحصِّلها الكاتب ليست بالكبيرة، لهذا نرى أن لدى غالبية الكتَّاب العرب مهنة تعود عليهم بمردود منتظم، ليتمكنوا من ممارسة شغفهم بالكتابة الأدبية، بينما قلة منهم يتعاقدون مع وكلاء أدبيين.
وتقول جنان: «دور النشر، هي بدورها، ليست بأفضل حال. كما هو معروف فإن صناعة النشر في العالم العربي تعاني من صعوبات كثيرة: كلفة عالية لإنتاج الكِتاب، مقابل مقروئية محدودة. والقراء أنفسهم يعانون من قلة الإمكانيات، في عالم يشقى فيه المرء للحصول على قوت يومه. وتنافس هذا الكتاب الأصلي، المكلِف، نسخات مزوَّرة رديئة قد يبدو سعرها أكثر جاذبية للقارئ، النادر أصلاً. وفي ظل هذا الواقع الصعب الذي تعاني منه دور النشر الجدية، كيف يمكن أن تستثمر في تعيين وكيل لتسويق أعمالها؟!».
وتضيف: «في الأصل، مهمة الوكيل الأدبي، هي مشابهة تماما لوكيل الأعمال بالنسبة للفنانين. على الكاتب أن يجتهد في الكتابة، وألا يشغل باله بمهام لوجيستية أو مالية أو تسويقية يمكن للوكيل أن يقوم بها، بذلك يكون الوكيل صلة الوصل بين الكاتب المنصرف لفنه، وبين دور النشر سواء العربية لنشر العمل بلغته الأصلية، أو دور النشر الأجنبية لنشره بلغات متعددة. كما تضم مهام الوكيل أيضا، إذا أمكن، بيع حقوق تحويل العمل الأدبي إلى مسلسل أو فيلم أو كتاب مسموع. بمعنى آخر، يهتم الوكيل بأعمال الكاتب من الألف إلى الياء، ما عدا فعل الإبداع والكتابة نفسها. أما دور النشر، فعندما تكلِّف وكيلا أدبيا، فمهمته تكون تسويق إنتاجها، سواء إعلاميا أو مع دور نشر أجنبية علَّ هذا الوكيل يتمكن من بيع حقوق ترجمة هذا الكتاب أو ذاك، إلى لغات متعددة.
هل تتعامل دار نوفل مع وكلاء أدبيين؟ أسأل وتجيب: «على مدى السنوات الماضية حاولت دار نوفل التعاقد مع أكثر من وكيل أدبي لتسويق أعمالها لدى دور النشر الأجنبية. لا نزال في مرحلة التجريب. وخصوصا أن الكثير من عروض ترجمة إصداراتنا إلى لغات متعددة، تأتينا مباشرة من الدار الأجنبية المهتمة بهذا العمل أو ذاك. ونحن نقوم داخليا، من دون وساطة وكيل أدبي، ببيع هذه الحقوق. ولكننا نسعى إلى إيجاد وكيل أدبي يمكنه أن يتبنَّى أعمالنا وتسويقها لدى الدور الأجنبية. ناهيك عن أن الدار تشارك سنويا، إلى جانب المعارض العربية كافة، في معرضي فرانكفورت ولندن للكتاب، اللذين يعتبران المركزين الثقافيين الأبرز لبيع وشراء حقوق الكتب، وتحاول جاهدة التعريف بأعمالها وتسويقها لدى دور النشر الأجنبية، على أمل أن نتوفق يوما ما بفتح ثغرة في هذا العالم الرحب».
فكرة غريبة
الكاتب والمترجم المصري طلعت شاهين يؤكد في بداية حديثه أنه ليس لديه حاليا وكيل أدبي وإنما يقوم بنفسه بهذا الدور، حيث يبحث عن ناشر لأي عمل ينجزه سواء كان إبداعيا أم ترجمة، وهذا لأن الوكيل الأدبي فكرة غربية موجودة في الغرب منذ زمن، أما في مصر والعالم العربي فنشأت حديثا، وهو يعتقد أن من يقوم بهذا العمل حاليا قليل، وأبرزهم النشر التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وإن اقتصرت على التعاقد مع عدد محدود من الكتَّاب المصريين أو الفائزين بجوائز، خاصة جائزة نجيب محفوظ التابعة للجامعة.
ويقول: «بالطبع أتمنى أن يكون لديَّ وكيل أدبي، ليس لي فقط ولكن لكل الزملاء المبدعين، لأن وجود الوكيل الأدبي يوفر على الكاتب وقتا وجهدا يمكِّنه من التفرغ لعمله، لأن عملية التسويق لأي منتج أدبي شاقة ومكلفة زمنيا وماديا». ويضيف: «عندما نشرت أول كتاب مترجم لي كانت لديَّ 4 كتب أخرى في الدرج تنتظر أن تجد ناشرا، لكن بعد نجاح الكتاب الأول وتحقيقه صدىً واسعا أقبل ناشرون آخرون على التعاقد معي، بعضهم كان قد رفض من قبل نشر ترجماتي، لأن مؤلفيها غير معروفين في سوق النشر العربية».
ويرى طلعت أننا في العالم العربي لا نحظى بمثل هذه المهنة، أولا لأنه عمل يحتاج إلى مهارات خاصة، ليست تجارية فقط، بل مهارات في التسويق ودراسة سوق النشر، ويجب أن يكون الوكيل على دراية بأهم مستجدات الإبداع على الساحتين المحلية والعالمية، لأن الوكيل يمكنه أن يوجه المبدع وينبهه إلى أحدث ما وصل إليه الإبداع وتوجهات القرَّاء. يمكنه أيضاً أن يوفر للمبدع محررا يكفيه جهد المراجعة والتدقيق. ونظرا لحداثة هذا التوجه فقد شاب نشاط عمل الوكيل الأدبي، حديث العهد في العالم العربي، سلبيات، منها على سبيل المثال الاستحواذ على نسبة كبيرة، ما يجعل العائد المادي للمبدع قليلا ولا يشجع على التعاقد مع وكيل أدبي، أو يكون الوكيل الأدبي في بعض الأحيان عائقا أمام التعاقدات مع أي منتج أدبي.
يذكر طلعت واقعة محددة كان طرفا فيها: «اتصل بي ناشر إسباني وأبدى إعجابه برواية «أصوات» للأستاذ سليمان فياض وطلب مني مساعدته في الاتصال به ومحاولة إقناعه بالتعاقد على طبعة إسبانية لها، وقد اتصلت بالأستاذ سليمان فعلا فاعتذر متعللا بأن حقوق النشر تملكها حصريا الجامعة الأمريكية، فاتصلت بها، لكنها طلبت مقابلا ضخماً فتخلى الناشر الإسباني عن فكرته وفتر حماسه».
وأنهى حديثه قائلا: «أعتقد أن مهنة الوكيل الأدبي لا تلقى قبولا من المبدعين في مصر والعالم العربي، لأنهم لا يعرفون ما هي مهمته بالضبط، وفي المقابل أيضا فإن تلك المهنة لا يتصدى لها إلا الطماعون، ممن يريدون الحصول على النسبة المالية الأكبر، وهم لا يوفرون للكاتب محررا يساعده على سرعة الإنجاز ولا مدققا يوفر له جهدا وزمنا، ومثل هؤلاء حاليا يقبلون تمثيل مبدعين متحققين ولا يحاولون مساعدة المبدعين الشباب لأن خبرتهم لا تساعدهم على معرفة الموهبة الحقيقية من الزائفة».
الكاتب والمؤسسة
الكاتب العماني محمود الرحبي يقول: «وأنا اقرأ منذ مدة قريبة متوالية قصصية جميلة بعنوان «الدكتور نازل» للكاتب الكويتي طالب الرفاعي، ورد في سياق الحدث السردي، اتصال البطل - من أجل الإعلان عن سلعته المتمثلة في عطر العود الهندي- بوكيل نجمة أمريكية معروفة، وذلك لكي يتمكن من دعوتها للإعلان عن تلك السلعة. ونلاحظ هنا أنه لم يسعَ للبحث عن النحمة إنما عن وكيلها. فالوكيل بمثابة الوسيط المعتمد».
ويضيف: «في الأدب ربما يبتعد هذا الهدف كثيرا، أي الهدف التجاري الإعلاني، ولكنه أيضاً يصب في نفس الغرض المتمثل في الوساطة بين الكاتب والمؤسسة. وهنا المؤسسة يمكنها أن تحمل صفات عدة، ضمنها الاجتماعي والتسويقي. فالكتاب يتحول إلى سلعة لها سعرها الاسمي في المكتبات ومعارض الكتب ما إن يخرج من أدراج الكاتب، شئنا أم أبينا هذا التوصيف، وليس من الحسن أن يقوم الكاتب بترويج كتابه بنفسه، لذلك يكون الوسيط أو الوكيل الأدبي هو هذه الوسيلة التوصيلية أو الإشعاعية للكاتب ونتاجه على حد سواء، وكل ما يتعلق بالترجمة والتسويق وتوقيعات الإصدارات وأيضا دعوات الكاتب للمشاركة لا تتم إلا عبر هذا الوسيط الذي يبرمج له جدوله ويستثمر فراغاته. والوكلاء الأدبيون عادة لديهم أكثر من كاتب. ولكن السؤال هل لدينا وكلاء أدبيون في عالمنا العربي؟ ليست لديَّ إجابة حاضرة، ربما ثمة وكلاء لبعض الكتاب المنتشرين وهو ما يساهم في حضورهم الكثيف، وربما البعض يجعل من أحد أقاربه وكيلا لشؤونه الأدبية فيوفر عليه الكثير من الوقت والجهد. الوكيل الأدبي أيضاً يتولى متابعة جديد الكاتب وربطه بدور النشر. يتولى أيضا متابعة جغرافيا توزيع الكتاب وتوسيعها. يتابع كذلك استرداد الحقوق والمتابعات القانونية. أظن الوكيل الأدبي مهم للكاتب العربي الذي تضيع في الغالب حقوق مبيعات كتبه حتى في حدودها الدنيا. فترى الكثيرين لديهم إصدارات كثيرة ولكن لا يعلمون شيئا عن عدد مبيعات كتبهم، ناهيك عن حقوقهم الأدبية المشروعة».
تواصل مباشر
الكاتبة المصرية سلوان البري تؤكد أنها ليس لديها وكيل أدبي، وتعتقد بأنها لن تستعين به مستقبلًا. فهي تفضِّل أن تتواصل بشكل مباشر مع الناشرين والقرَّاء، إذ تؤمن بأن علاقتها بأعمالها ومَن يتلقونها يجب أن تكون نابعة من رؤيتها الشخصية. تعلق: «أحب أن أختار بنفسي أين تذهب كلماتي، وأي يد ستحملها إلى العالم، فهذه حرية لا أفرِّط فيها. النشر بالنسبة لي ليس مجرد عملية احترافية، بل امتداد لفكري وإحساسي، ولهذا أفضل أن يكون لي القرار الأول والأخير في كل خطوة».
أما لماذا تظل فكرة الوكيل الأدبي في مرحلة الحبو لدينا فربما لأننا لم نعتد على وجود وسيط بين الكاتب والناشر، بحسب سلوان، أو لأن معظم دور النشر تعمل وفق آليات تجعل الكاتب هو مَن يسعى إليها، لا العكس. هناك أيضا فكرة مترسخة بأن الكاتب هو من يحمل عبء الوصول إلى جمهوره، وليس طرفا ثالثاً يتولى الأمر عنه. أما عن الوكيل الأدبي، فهو يمكن أن يكون درعا وحليفا في آنٍ واحد. هو من يفاوض، من يحمي حقوق الكاتب، من يفتح له أبوابا قد لا يملك الوقت أو الخبرة لطرقها بنفسه. في عالم مثالي، سيكون الوكيل شريكا للكاتب، يؤمن بصوته، ويدفع به إلى أماكن لم يكن ليصل إليها وحده. وتسأل سلوان: «ماذا يمكن أن يوفره لي الوكيل الأدبي؟ هل أريد أن أتنازل له عن حريتي في اختيار طريقي؟ بالطبع لا، لأنني بالأساس محامية وقانونية، وهذا يعني أنني أعي تماماً أهمية اتخاذ القرار بنفسي وألا أفوض أحدا ليتحدث باسمي أو يقرر نيابة عني. مع خالص تقديري لدور الوكيل الأدبي وأهميته في دعم الكاتب».
حسن عبدالموجود صحفي وقاص مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العالم العربی على التعاقد مع الکاتب العربی الأدبیة فی بین الکاتب الکثیر من هذا العمل أن الکاتب فی مرحلة بیع حقوق فی الغرب من خلال أکثر من من الکت أن یکون ی الذی فی مصر أو حتى
إقرأ أيضاً:
حماس: المقاومة حق مشروع لشعبنا حتى التحرير والعودة
سرايا - قال حازم قاسم المتحدث باسم حماس:
نتمسك بسلاحنا المقاوم سلاحا شرعيا وما نسب لموسى أبو مرزوق لا يمثل موقف الحركة.
سلوك الاحتلال العدواني والتدميري هو سبب الدمار بغزة وهو يكمل سياسة التدمير بالضفة.
ملحمة السابع من أكتوبر نقطة تحول إستراتيجي في مسار النضال الوطني الفلسطيني.
المقاومة بكل أشكالها حق مشروع لشعبنا حتى التحرير والعودة.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
طباعة المشاهدات: 622
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 24-02-2025 10:50 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...