في أواخر شهر يناير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة مثيرة للجدل، تتمثل في إخلاء قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين وترحيلهم إلى دول مجاورة، وذلك في إطار مشروع «تجديد عقاري» أمريكي ضخم.

وأثارت الخطة الأمريكية جدلاً واسعاً في الأوساط الداخلية والخارجية، ونشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تحليلاً نقدياً يوجه انتقادات حادة للخطة وداعميها من داخل إسرائيل.

وقالت الصحيفة إن للوهلة الأولى، قد يتصور البعض أن هذا الإعلان كان مجرد مناورة دبلوماسية، تهدف إلى الضغط على الأطراف المعنية لتقديم حلول أفضل للقضية الفلسطينية، وأن ترامب كان يمارس لعبة النفوذ على مستوى المنطقة.

لكن مع مرور الوقت، بدأت تتكشف أبعاد أكبر لهذه الخطة، وخصوصًا عندما بدأت بعض الأصوات اليمينية في إسرائيل في دعم هذه الفكرة، ووجدت تلك الأصوات لنفسها أرضًا خصبة لترويج فكرة إخلاء غزة على أنها «حل إنساني» للفلسطينيين.

كما سخرت الصحيفة الاسرائيلية من موقف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أصبح أحد المدافعين الرئيسيين عن خطة ترامب، وأنه تبنى موقفًا «أكثر دبلوماسية» في طرح فكرته.

ففي تصريحات له، أكد نتنياهو أن خطة ترامب قد توفر لسكان غزة «مستقبلًا مختلفًا»، لكن المستقبل الذي يتحدث عنه يبدو أنه يشمل المنفى الدائم للفلسطينيين، وهو ما يراه البعض بمثابة سياسة تطهير عرقي مؤكدة.

الطرد الإنساني

استخدمت الصحيفة الإسرائيلية عبارة «Expulsion is humanitarian» التي تعني «الطرد هو عمل إنساني»، وذلك للسخرية من التبريرات الإسرائيلية المتطرفة لفكرة طرد الفلسطينيين من غزة لمساعدتهم لتحسين ظروفهم المعيشية.

وأن ذلك الطرد أو التهجير ليس حلًا إنسانيًا بل هو نوع من التشريد أو التطهير العرقي، إذ يتم دفع الناس بعيدًا عن أراضيهم وأوطانهم بدلاً من توفير حلول عادلة ومستدامة لحياتهم وحقوقهم.

وانتقدت الصحيفة ظهور لوحات إعلانات ضخمة على الطرق السريعة في إسرائيل، بعد ساعات قليلة من إعلان ترامب تحمل رسائل تطالب بـ «دعهم يهاجرون!»، وتروج لحملات اليمين المتطرف التي تدعي أن إخلاء الفلسطينيين من غزة هو بمثابة حل إنساني.

ومن خلال تأطير الطرد على أنه «مساعدة»، قالت الصحيفة إنه تم إضفاء طابع أخلاقي على الخطة، رغم أن المنطق والحقائق التي قامت عليها هذه الادعاءات كانت كاذبة، ومثال على ذلك أن هناك صحفية روجت في صحيفة «إسرائيل هيوم» الإسرائيلية، لفكرة أن الطرد القسري هو عمل عادل، مدعية أن «جرائم» حركة حماس تبرر هذا الفعل.

وانتقد الصحيفة ذلك الموقف الادعائي وقالت إن هذا المنطق لا يستند إلى مبدأ العدالة الفعلية، بل إلى خطاب غير متوازن يربط كل الفلسطينيين في غزة بجماعة حماس.

حسابات خاطئة واستغلال بيانات مشوشة

أحد التكتيكات التي استخدمها مؤيدو خطة ترامب من داخل إسرائيل كانت محاولة تقديم إحصاءات وتحليل بيانات بطريقة مضللة.

وذكرت الصحيفة مثال على ذلك من خلال مقابلة مع جوزيف براود رئيس مركز اتصالات السلام، الذي قدم إدعاءات زاعما بأن «معظم سكان غزة يرغبون في المغادرة»، مستندًا إلى استطلاع سابق من مركز البحوث الفلسطينية.

لكن هذه الإحصائية لم تعكس المشاعر الحقيقية لسكان القطاع، ولم تأخذ في اعتبارها التغيرات التي طرأت على الوضع في غزة منذ العدوان الإسرائيلي.

وعلى نحو مماثل، في مقابلة أجريت مؤخرا مع صحيفة «واشنطن فري بيكون»، زعم رئيس مركز اتصالات السلام أن معظم سكان غزة يريدون المغادرة، مدللا بذلك أنه قبل السابع من أكتوبر 2023، كان أقل من ثلث الفلسطينيين في غزة قد أخبروا مستطلعي الرأي من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية أنهم يفكرون في المغادرة، لذلك استنتج بشكل قاطع وليس بشكل واقعي، أن «من المؤكد» أن المزيد منهم يرغبون الآن في المغادرة.

وكدليل على ذلك، أجرت مجموعة براود مقابلات فيديو مع سكان غزة، مدمجة في المقال، لمناقشة مدى صعوبة الحياة هناك، ولكن في الحقيقة أن الفيديو الذي استمر أكثر من دقيقة بقليل، تضمن 4 متحدثين فقط من سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2 مليون شخص.

وأوضح الفيديو أن أحدهم يرغب في المغادرة، أما الآخرون يريدون فتح المعابر للمساعدة في علاج الجرحى والمرضى، أو يأملون في أن تساعدهم الدول في إعادة بناء غزة حتى يتمكن السكان الفلسطينيون من العيش هناك مرة أخرى.

وفي الحقيقة وبعد استخدام تلك الحجج التي يعتبرها الجانب الإسرائيلي أنها دليل على أن الفلسطينيين يريدون أن يغادروا القطاع، انتقدت الصحيفة الاسرائيلية استخدام كلمات مثل «معظم» أو «أغلبية» بناءً على رأي قلة قليلة من السكان، «حقاً، لا تفعل ذلك»، ففظاعة الظروف المعيشية بعد العدوان الإسرائيلي على غزة هي التي أجبرت القليلين أن على المطالبة بمغادرة القطاع، وهذا ما لم يوضحه رئيس مركز اتصالات السلام اليهودي الذي ادعى ذلك.

وقالت إنه يفشل في ذكر أن عدة مئات الآلاف من الفلسطينيين هاجروا إلى شمال غزة في غضون أيام على الرغم من الظروف المزرية هناك.

وتطرقت الصحيفة الإسرائيلية إلى التفكير في الإنسانية والعدالة، حيث قالت أن قضية الفلسطينيين في غزة ليست قضية معزولة عن الظروف السياسية والإقليمية المعقدة التي تشهدها المنطقة.

لذلك فإن القبول بفكرة الطرد أو التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة لا يمكن أن يفهم إلا في سياق تحركات سياسية تهدف إلى فرض حل بالقوة على حساب الشعب الفلسطيني.

كما انتقدت الصحيفة وجهة نظر الداعمين لخطة ترامب بأنهم يرون أن «الفلسطينيين غير موجودين»، وعندما يروج البعض لفكرة أن هذه السياسات «إنسانية» أو «عادلة»، فإنهم يغفلون عن حقيقة أن الفلسطينيين أنفسهم لا يمتلكون الرأي الذي يؤثر في قرارات مصيرهم، وأن أي محاولة للتعامل مع هذه القضية دون أخذ آرائهم بعين الاعتبار لن تؤدي إلا لتعزيز الاحتلال وزيادة معاناتهم.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: قطاع غزة غزة تهجير الفلسطينيين مقترح دونالد ترامب دونالد ترامب فی المغادرة خطة ترامب سکان غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ترامب يتوعد باتخاذ إجراء قانوني ضد صحيفة نيويورك تايمز

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء، أنه يدرس إمكان اتخاذ إجراء قانوني ضد صحيفة نيويورك تايمز، في أحدث هجوم على إحدى وسائل الإعلام الأميركية الكبرى.

وانتقد ترامب -في منشور على منصته تروث سوشال- الطريقة التي تعاملت بها الصحيفة مع دعواه القانونية على شركة باراماونت المالكة لشبكة "سي بي إس"، وقال إن تغطيتها الصحفية "تجعلهم مسؤولين عن التدخل غير المشروع، بما في ذلك في الانتخابات، وندرس ذلك باهتمام".

والدعوى المقامة على باراماونت، محورها مقابلة أجراها برنامج "60 دقيقة" مع المرشحة الديمقراطية السابقة كامالا هاريس قبل الانتخابات العام الماضي، والتي يقول ترامب إنها حررت لإبطال رد محرج.

وقال ترامب، إن "القضية التي لدينا ضد برنامج 60 دقيقة وسي بي إس وباراماونت، هي قضية رابحة فعلا".

وأضاف "تزعم صحيفة نيويورك تايمز الفاشلة التي تعتمد الأخبار الكاذبة سواء في الكتابة أم في استطلاعات الرأي، أن الناس قالوا، إن القضية لا أساس لها من الصحة".

وتابع "لم يحدث شيء مثل هذا من قبل، خلق إجابة لمرشح رئاسي بشكل غير قانوني، وعليهم أن يدفعوا ثمن ذلك، وعلى صحيفة التايمز أيضا أن تتحمل مسؤولية سلوكها غير القانوني المحتمل".

إعلان

وأفادت وسائل إعلام أميركية عدة في الأيام الأخيرة، أن إدارة شركة باراماونت وافقت على خطط للتوصل إلى تسوية مع ترامب، للمساعدة في الحصول على موافقة الجهات التنظيمية على بيع الشركة لشركة أخرى.

وفي تقاريرها عن التسوية المحتملة، قالت وسائل إعلام منها صحيفة نيويورك تايمز، إن العديد من المحللين القانونيين ينظرون إلى قضية ترامب على أن لا أساس لها من الصحة، ومن المرجح أن تُفرض أو تفشل في ظل الحماية الواسعة لحرية الصحافة.

مقالات مشابهة

  • صحيفة بريطانية: ترامب وعد بالسلام لكن “المدنيين” يقتلون في غزة واليمن
  • ترامب يتوعد باتخاذ إجراء قانوني ضد صحيفة نيويورك تايمز
  • ألفاظ خارجة.. انتقادات حادة لـ تيم حسن بسبب «تحت سابع أرض»
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • من الحدود للرسوم الجمركية.. ترامب يترك بصمة حادة على الملفات الساخنة خلال 100 يوم
  • صحيفة إسرائيلية تكشف عن خسائر غير مسبوقة في جيش الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة
  • صحيفة عبرية: حملة إسرائيلية ضد قطر وسط مفاوضات غزة لحماية نتنياهو
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • صحيفة إسرائيلية: نتنياهو يخطط لإنهاء الحرب في أكتوبر
  • صحيفة عبرية: واشنطن تواجه معضلة بشأن الحوثيين في اليمن.. بين التصعيد أو الانسحاب (ترجمة خاصة)