الثورة نت:
2025-04-24@08:23:43 GMT

“لقاء الأربعاء”

تاريخ النشر: 26th, February 2025 GMT

 

 

‏لم يكن مشهدًا لتشييع سماحة السيد حسن، فحسب؛ بقدر ما كان مشهدًا لتعريف لبنان مجدّدًا، وكما ينبغي. بل: ولتجديد العهد- حتى على مستوى أحرار العالم- بالاصطفاف إلى جوار القيم الإنسانيّة النبيلة الصافية، نقيّةً كما في مهدها الإنسانيّ العام الأول، والمتّفق عليه!
بكل حياد، وبمنأى عن كلّ عاطفة، ينبغي الاعتراف بأن سماحة السيد حسن، وبإثبات مشهد التشييع، أكبر من أن تختزله طائفة، أو تحتكره لبنان، أو يُحسب رمزًا- فحسب- من رموز العرب، أو باعتباره زعيمًا تاريخيًّا من زعماء المسلمين.


لقد أحبّه كل الأحرار في العالم، ومع الوقت فسوف يتم تداول اسمه كرمزٍ إنسانيٍّ عام؛ متجاوزًا لوضعه الطائفي، وانتمائه الدينيّ، وبلدته لبنان، ومحيطه العربي، وزعامته الرّوحيّة لدى كافة المسلمين.
ومثلما تحولت فلسطين إلى أيقونةٍ لكلّ بني الإنسان، في الطوفان هذا على الأخص، ورمزًا لكل الأحرار الذين يرفضون هيمنة الطاغوت، ونهج الشيطان، وتسلط الغرب المستعمر البغيض، واليـ.ـهوديّ القذر، وشوفينيّة الاستكبار الجديد!
وفي بيروت، ذهب كلٌّ للاحتفاء برمزه الخاص، وتجديد العهد على ذات نهجه؛ ولأنّ سماحة السيّد، وصفيّهُ بضعةٌ منه على نهجه، وكما أثبت تشييع اليوم: لم يكن رمزًا شيعيًّا فحسب، ولا إسلاميًّا فحسب، ولا لبنانيًّا فحسب، ولا عروبيًّا فحسب، ولكنه كان رمزًا متجاوزًا للمألوف، ويحبّه كل النّاس وكأنّه قائدهم وحدهم!
لقد خلق لبنانًا متجاوزًا للمحاصصة، إذ بات رمزًا لكلّ الأحرار من كافّة طوائفها؛ ليبرز أن الطائفيين أعداؤه، ولأنهم لا يستطيعون حتى أن يظهروا إلى جواره، أو أن يلتفت إليهم الناس- حتى- دون استغلال نظام المحاصصة، أو في أغلب الأحيان، وإن تحرينا الدقة.
دون استغلال أحقاد “بعض” أبناء النفط، وعيال “الغاز”، ومخلفات عهد انطوان لحد، وبشير الجميّل، وإفرازات التاريخ الخيانيّ العفن، والمعروف، والمُبرهن بالوقائع المثبتة على صفحات تاريخ لبنان الحديث.
من يزايدون بتجاوز “سقف الطائف”، إذن، هم الخاسر الأكبر بالفعل، ولأن حالة اليوم تتجاوز عمليًّا- وبالحب لا غيره- كل سقوف لبنان الحرب الأهلية وما تلاها!
ما حدث اليوم استفتاءٌ أيضًا على خيار المقاومة، رفضٌ بالتأكيد لمحاولات “تزييف لبنان”، وفي بيروت تحشّد لبنان الحقيقيّ لتشييع محبوب لبنان الحقيقيّ!
لتلقى في ساحة التشييع سنّيًّا يعزيه أخوه الشيعيّ، يحتضنهما ثالثٌ مارونيٌّ، رابعٌ درزي! العمامة تلقاها والقلنسوة؛ القوميّ إلى جوار الشيوعيّ؛ والشيخ إلى جواره قسيس؛
وجميعهم يهتفون: هيهات منا الذلة، وجميعهم يهتفون: إنّا على العهد، وجميعهم يبكون محبوبهم، كلٌّ بعينه ومن زاويته.
لكنه كان لبنان بمجموعه جميلًا، حرًّا، متحابًّا، عروبيًّا، مُقاومًا، قارئًا، ويعرف الفرق- بالتأكيد- بين الحقيقة التي ستروى، وبين الزيف المبهرج المنحطّ المصطنع!
من يأبه بعدها بديما صادق أو رامي نعيم، باللقيس أو أليسا، بال mtv أو الجزيرة أو العربيّة الحدث، ما دامت كلها وجوهٌ للقناة ١٤ العبرية، أو من أفراخ الوحدة 8200!
على الأقل، وحتى لمن ينادون بتجاوز المحاصصة إلى الدولة، فلا وجه للقياس بين الجمهور والجمهور؛ ولا أحدٌ يستطيع منافسة سماحته شهيدًا على أي مكانة، كما كان لا يستطيع- تمامًا وبالضبط- منافسته بيننا على أيّ مكان.
ليس في لبنان فحسب،
ولكن في كل ديار العرب الأقحاح!
ليكشف الميدان، وبالفعل، أن العملية تحتاج- لأن تستحوذ على القلوب والعقول- جهدًا أكبر من تفريخ النشطاء واستنساخ المذيعين، وشراء ترددات النايلسات، أو تخليق الذباب على منصات التواصل!
إن الناس دائمًا أذكى من هذا، وأصعب مراسًا، ويعرفون التمييز بين الجيد والرديئ، بين الحقيقة والزيف، بين النقيّ وأبناء القاذورات، بين الرجل الحقّ وبين أشباه الرجال، وأتراب البغال، وقيعان النعال، وأحفاد النغال؛
بين الذين يشبهون سحنة الأرض وعنفوان الجبل،
وبين أولئك الذين لا يشبهوننا، ولا يشبهون لبنان، ولا يشبهون تاريخ العرب؛
ولا يشبهون حتى أبناء الإنسان،
من يملك الحد الأدنى من الأخلاق المتعارف عليها بين كافة بني البشر، إلى الآن ومنذ آدم الطّيب النّقي المؤمن الأول!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون

 

عائشة بنت سالم المزينية
هناك أشخاص حين تلتقي بهم، تشعر أنك لم تلتقِ بشخص، بل بدعاء سكن قلبك يوما، ولبّاه الله لك دون أن تدري. أولئك الذين يشبهون الدعاء لا يمرّون مرور الكرام في حياتنا، بل يزرعون شيئا ناعمًا في الروح، شيئًا لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكلمات، لكنه يبقى. يبقى كأثر المطر على الأرض، وكطمأنينة السجود بعد ضيق.
ولأنهم يشبهون الدعاء، فإن حضورهم لا يكون صاخبا، بل هادئا يشبه نسيم الفجر، يدخل القلب دون استئذان، ويُضيء العتمة دون أن يُشعل ضوءًا. هم أولئك الذين يكفون عن الكلام حين يحين وقت الإصغاء، ويُحسنون الظن بك حين تعجز عن تبرير صمتك. وجودهم لا يعتمد على قرب المسافة، بل على نقاء النية، وصدق الشعور، وسخاء القلب.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر، لا بد أن تصادف شخصًا واحدا على الأقل، يُعيد ترتيبك من الداخل. لا يطلب شيئا، لا ينتظر رد الجميل، لا يسعى لفرض حضوره، فقط يكون هناك حين تحتاج، كأن قلبه يرنّ مع ألمك، وكأن نفسه لا تهدأ حتى يطمئن عليك. هؤلاء لا يُنسَون، لأنهم ببساطة يشبهون تلك اللحظات التي بُثّت فيها أمنياتنا إلى السماء.
ولذلك، حين تتقاطع دروبنا مع أشخاص بهذه الروعة، فإننا نكسب شيئا أكبر من مجرد علاقة، نحن نكسب امتدادا روحيا لا يشيخ، لا يتغير بتقلبات المزاج، ولا يتبدد مع الزمن. وفي الحقيقة، ليست الصداقات التي تدوم هي الأطول عمرا، بل هي الأصدق أثرا. هؤلاء، هم أولئك الذين تجد آثارهم في كل لحظة فرح أو حزن، في كل إنجاز أو سقطة، كأنهم يرافقونك سرا حتى حين لا يكونون بجانبك.
ومن اللافت أن هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أن يكونوا مميزين، هم فقط يعيشون ببساطة، ولكنهم يحملون قلوبا أكبر من العالم. تراهم في كلماتهم، في طريقة إنصاتهم، في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد سواهم. هم يصغون أكثر مما يتحدثون، ويمنحون أكثر مما يأخذون، ويبتسمون رغم ما يخبئونه من أثقال.
ومع مرور الزمن، تكتشف أن أجمل العلاقات هي التي لا تحتاج إلى إثبات دائم. الذين يشبهون الدعاء لا يجعلونك تشك في محبتهم، لا يُربكونك بتقلّباتهم، لا يجعلونك تُرهق نفسك بتأويل كلماتهم. هم ببساطة نعمة، ومن رحمة الله بالقلوب أن يرزقها بأمثالهم في الوقت الذي يكون فيه الإنسان بأمسّ الحاجة ليد خفيفة على كتفه، أو لصوت صادق يقول له: "أنا هنا".
وعلى الرغم من أن الحياة تمضي، والوجوه تتغير، والأيام تأخذنا في دوّاماتها، إلا أن أولئك الذين يتركون فيك هذا الأثر الطيب، يبقون في القلب كأنهم تعويذة راحة، كأنهم غيمة طيبة تظلل عليك كلما اشتد الحر، كأنهم سكينة أُهديت لك في لحظة حيرة.
ومن المهم أن نعي، أنه كما نُرزق بهؤلاء الأشخاص، فإن علينا أيضا أن نسعى لنكون نحن من يشبهون الدعاء للآخرين. أن نُخفّف، لا أن نُثقل. أن نستمع، لا أن نحكم. أن نترك أثرا طيبا، حتى لو لم نعد موجودين. فالحياة لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بجودة القلوب التي مرّت بنا.
وهنا، لا بُد أن نتأمل: من الأشخاص الذين يأتون إلى ذاكرتنا حين نكون في قاع الحزن؟ من أولئك الذين نشعر بوجودهم حتى وهم بعيدون؟ من الذين نُرسل لهم في سرّنا دعاءً خالصا لأننا لا نملك إلا أن نحبهم دون مصلحة؟ هم بلا شك الذين يشبهون الدعاء، أولئك الذين نحتفظ بهم في دعائنا لأنهم نادرا ما طالبوا بشيء، لكنهم أعطونا كل شيء.
ولعلّ أجمل ما في هذا النوع من البشر، أنهم لا يتبدلون حين تتبدل الظروف، ولا يخذلون حين يشتد التعب. هم الثابتون حين يتغيّر كل شيء. تراهم في رسائل بسيطة، في مكالمة مفاجئة، في دعاء صامت، في نصيحة غير متكلّفة، في وقفة لا يُرجى منها مقابل.
وما أجمل أن نكون مثلهم، أن نمرّ في حياة الآخرين كنسمة طيبة، لا تُؤذي، لا تُثقل، لا تُحاكم، بل تُساند، وتبتسم، وتدعُو في ظهر الغيب. إن الذين يشبهون الدعاء لا يحتاجون إلى مقدمات طويلة، ولا إلى تبريرات عند الغياب، لأن حضورهم يكفي ليملأ القلب رضا، وذكراهم تكفي لتسند الروح حين تتعب.
وهنا، تأكد أن الحياة لا تحتفظ بكل من مرّ بك، لكنها لا تنسى أبدا من شابه الدعاء في حضوره، وأثره، ونقائه. فلا تكن من أولئك الذين يعبرون الحياة بأصواتهم المرتفعة، بل كن من الذين يعبرونها بأثرٍ لا يُمحى، ومن أولئك الذين إذا ذُكروا، سبقتهم دعوة صادقة من قلب أحبهم بصدق.
فالذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون، لأن الله وحده هو من وضعهم في دروبنا، في اللحظة التي كنّا فيها بأمسّ الحاجة لهم.
 

مقالات مشابهة

  • سموتريتش يهدد باسقاط “حكومة نتنياهو” في حال دخول أي مساعدات الى غزة 
  • العفو الدولية : “إسرائيل” ارتكبت جرائم حرب بحق المدنيين في لبنان
  • حارس “الكناري” مرباح يعود للتدريبات الجماعية بعد 217 يوما
  • 2970 خرقًا “إسرائيليًا” واستشهاد 147 لبنانيا منذ دخل اتفاق وقف اطلاق النار حيز التنفيذ
  • تقرير: 2970 خرقًا “إسرائيليًا” واستشهاد 147 لبنانيا منذ دخل اتفاق وقف اطلاق النار حيز التنفيذ
  • حسين سجواني “داماك”: تبادلت وترامب الأفكار والرؤى في لقاء مثمر بالبيت الأبيض
  • بعد تأجيلات وأزمات.. هاني سلامة يبدأ تصوير “الحارس”
  • “نزع سلاح المقاومة”
  • غرفة المدينة تنظم لقاء بعنوان “قطاع السياحة والترفيه مع الجهات الداعمة”
  • الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون