الإمارات: المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا مطلب ضروري
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
نيويورك (الاتحاد)
أخبار ذات صلةأكدت دولة الإمارات العربية المتحدة أن المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا تعد مطلباً ضرورياً لإحراز تقدمٍ ملموس في كل المسائل، مجددةً دعم كل المساعي التي تهدف إلى بناء الثقة بين القيادات العسكرية والأمنية وتوحيد صف الليبيين.
ودعت الإمارات، في بيان ألقاه أمام مجلس الأمن الدولي سعود المزروعي، المنسق السياسي بالإنابة في البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة أمس،
كل الأطراف الليبية إلى الاستمرار في مساعيها والبناء على التفاهمات الأخيرة التي أعدتها لجنة «6+6» لتحقيق توافق حول قوانين الانتخابات،
للتوصل إلى حل شاملٍ وعادل لهذه المسألة وتَجاوُز حالة الانسداد السياسي، مؤكداً ضرورة تجنب كل الأطراف لأي مبادرات أحادية الجانب قد تؤدي إلى تعميق الانقسام الحالي.
وقال: «لا بد من التغلب على القضايا المتبقية في مسودة الإطار القانوني للانتخابات الذي أعدته لجنة 6+6 لتحقيق توافق مقبول لدى كل الأطراف، بحيث يتيح عقد انتخاباتٍ برلمانية ورئاسية متزامنة، تكون مبنيةً على أسسٍ قانونية متينة، وتحظى نتائجها بالاحترام من قبل جميع الأطراف لإنهاء المرحلة الانتقالية بما يلبي إرادة الشعب الليبي الشقيق».
وأكد البيان على دعم جهود المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي والبعثة الأممية في تيسير العملية السياسية التي يقودها الليبيون ويتولون زمام أمورها.
وأكد ضرورة مواصلة العمل على معالجة مختلف التحديات الأمنية المستمرة بالتفاقم في ليبيا، مثل التطورات المقلقة للأوضاع في طرابلس مؤخراً.
وقال: «دولة الإمارات، وإذ تعرب عن خالص تعازيها ومواساتها لأسر الضحايا المدنيين جراء الاشتباكات الأخيرة، تؤكد على دعوتها الأطراف كافة إلى خفض التصعيد وحل الخلافات سلمياً، وإلى الحفاظ على سلامة المدنيين، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، لضمان عدم تكرار هذه الأحداث المؤسفة».
وأكد على الضرورة الملحة للمضي في توحيد جميع مؤسسات الدولة الليبية الحيوية، لتمكين ليبيا من مواجهة التحديات والأخطار المحتملة بشكل أكثر فعالية، مشيراً إلى أن الأوضاع في عدد من دول الجوار قد تهدد بتقويض المكتسبات التي حققتها ليبيا خلال السنوات الأخيرة.
كما ثمن سعود المزروعي، في البيان، عقد اجتماع مجموعة العمل الأمنية الدولية في نهاية شهر يوليو في بنغازي، بحضور أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، مشيداً بالتزام الأطراف الجاد والمسؤول في مساعيهم للتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقال: «تؤكد بلادي على مواصلة دعم تلك المساعي، وأي مساعٍ تهدف إلى بناء الثقة بين القيادات العسكرية والأمنية، وتوحيد صف الليبيين».
وأضاف: «نضم صوتنا إلى مجموعة العمل الأمنية في حث الأطراف الليبيين على خلق بيئة مؤاتية لعقد الانتخابات، ونشدد على ضرورة استمرار المساعي لتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وإخراج كل القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة بشكل متزامن، ومرحلي، وتدريجي، ومتوازن».
وأكد البيان على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لدعم الجهود الوطنية الليبية الرامية إلى معالجة مسألة الهجرة غير النظامية وأسبابها الجذرية، مع احترام سيادة ليبيا وتشريعاتها الوطنية، داعياً لأن تتوسع هذه الجهود لتشمل بلدان المنشأ ودول العبور.
كما أكد البيان على أهمية أنْ تَظَل حقوق الشعب الليبي والحفاظ على ثرواته وأصوله المُجَمَّدة أولوية قُصوى، داعياً إلى صونها للأجيال القادمة، مع مُراعاة مشاغِل الجانب الليبي بشأنِها، وخاصة فيما يتعلق بمسألة تآكل الأصول ومحاولات السيطرة والاستحواذ عليها من جانب الغير.
وجدد الدعوة إلى تحييد قطاعي النفط والمال عن الاستقطاب السياسي والحفاظ على وحدتهما ونزاهتهما، مؤكداً دعم دولة الإمارات جهود المجلس الرئاسي في تشكيل آلية الرقابة المالية.
وقال: «لا يفوتنا التأكيد هنا على ضرورة أن ينظر مجلس الأمن جدّياً في نظام العقوبات على ليبيا بشكل عملي ومتجدد لجعله ملائماً للواقع الحالي، وليصبح وسيلةً لدعم كل الجهود الوطنية الليبية لا لعرقلتها وخاصة في الجنوب الليبي».
وفي ختام البيان، شددت الإمارات على أن إكمال عملية المصالحة الوطنية في ليبيا، بحيث تكون شاملة وجامعة ولا تقصي أحداً، يعد مطلباً ضرورياً لإحراز تقدمٍ ملموس في كل المسائل السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: ليبيا الإمارات الأزمة الليبية مجلس الأمن الدولي مجلس الأمن فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
البيان الأخير لجماعة الإخوان.. بين المقاومة الأيديولوجية والتوظيف السياسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
جاء البيان الصادر عن ما يُعرف بـ"المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين – تيار التغيير" في القاهرة، تعليقًا على قرار السلطات الأردنية حظر نشاط الجماعة، ليكشف مرة أخرى عن السمة الأبرز في خطاب الإخوان السياسي: تلك المفارقة الصارخة بين الشعارات المرفوعة والمواقف الفعلية. ففي الوقت الذي يُقدَّم فيه البيان بوصفه دفاعًا عن "المقاومة" و"قضايا الأمة"، يتبيّن عند التمحيص أنه خطاب محض تنظيمي، يستخدم لغة المواجهة والتعبئة للتغطية على أزمات داخلية وفقدان للشرعية، لا سيما بعد تراجع نفوذ الجماعة في معظم العواصم العربية، وافتقادها للعمق الشعبي والسياسي الذي طالما تباهت به.
الأهم من ذلك أن البيان يعيد إنتاج ازدواجية اللغة التي باتت ملازمة للخطاب الإخواني في العقد الأخير: لغة تدّعي التحدث باسم الشعوب وتضع التنظيم في موقع "قائد الأمة"، بينما تُمارس في الوقت ذاته نوعًا من الابتزاز الرمزي لقضايا كبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. إذ لا يتردد "تيار التغيير" في تصوير قرار سياسي سيادي كحظر جماعة غير مرخصة، على أنه تآمر ضد المقاومة، بل يذهب بعيدًا في خلط الأوراق، محاولًا تلبيس المشروع التنظيمي عباءة "الممانعة"، رغم أن هذه الجماعة – تاريخيًا – لم تكن يومًا على قلب واحد مع المشروع الوطني الفلسطيني، وإنما على وفاق دائم مع مصلحة التنظيم، أيًا كان الثمن.
الشعب لا الجماعة: خلط المقاماتيسعى البيان من السطور الأولى، إلى ربط قرار السلطات الأردنية بحظر جماعة الإخوان بتصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكأن الدولة الأردنية تتحرك بتنسيق مباشر مع "المشروع الصهيوني" لضرب "المقاومة". هذا الربط ليس جديدًا في خطاب الإخوان، بل يعكس استراتيجية خطابية مألوفة لديهم تقوم على توظيف القضايا العادلة – وعلى رأسها فلسطين – كستار لتمرير أجندات تنظيمية داخلية، ودرع رمزية لحماية وجود الجماعة من أي محاسبة قانونية أو سياسية على أراضي الدول التي تحتضنهم أو كانت تفعل.
الخلط المتعمَّد بين الجماعة والشعب، وبين القرار الإداري والمواجهة الوجودية، هو جوهر هذا البيان، الذي يسعى إلى إيهام المتلقي بأن أي إجراء قانوني ضد جماعة الإخوان – في أي بلد – لا يمكن تفسيره إلا بوصفه امتدادًا لخطة دولية لضرب "قوى الأمة الحية"، وفقًا لتعبير البيان. وبهذا التعميم، تُختزل الأمة كلها في تنظيم سياسي واحد، وتُصبح الجماعة بقدرة لغوية خطابية هي "المقاومة"، بل تصبح صوت الشعوب وضميرها، وكأنها الكيان الوحيد المخوّل بالحديث باسم القضايا الكبرى.
لكن هذه المقاربة تتجاهل عمدًا السياق السياسي والتاريخي الذي يحيط بعلاقة الدولة الأردنية بجماعة الإخوان. فالأردن، على عكس ما يصوّره البيان، كان من أوائل الدول التي شرعنت وجود الإخوان ومنحتهم مساحة واسعة من العمل الدعوي والسياسي لعقود طويلة، بل إن الجماعة كانت شريكًا فعليًا في منظومة الحكم لسنوات، وحازت على تمثيل نيابي وبلدي واسع. العلاقة لم تكن يومًا علاقة قمع أحادي، بل علاقة تواطؤ مرحلي وتنسيق عميق، تعرّض لاحقًا لاختلالات حادة نتيجة تحوّل الجماعة إلى لاعب إقليمي يتجاوز الساحة الأردنية، وتحولها في نظر الدولة إلى تهديد للأمن الوطني، خاصة في ظل استغلالها للقضية الفلسطينية كرافعة للتحشيد السياسي.
من هنا، فإن تصوير حظر الجماعة وكأنه استهداف مباشر لفلسطين أو للمقاومة، لا يعدو كونه محاولة لتأميم الشعور القومي وتجييره لصالح مشروع تنظيمي خاص. بل إن هذا الخطاب – في جوهره – يُفرغ التضامن الحقيقي مع فلسطين من مضمونه، حين يُراد له أن يُختزل في الولاء لتنظيم بعينه، وكأن دعم القضية لا يكون إلا عبر الإخوان. وهذا تزييف خطير للوعي السياسي الجمعي، لا يقل ضررًا عن التواطؤ مع الاحتلال، لأنه يستبدل فلسطين الحقيقية بفلسطين الرمزية التي تستخدم في معارك الجماعة مع خصومها، لا أكثر.
شيطنة الدولة وتبرئة الجماعةيتبنى البيان خطابًا يقوم على سردية مؤامراتية مغلقة، ترفض الاعتراف بأي مسؤولية ذاتية للجماعة في ما آلت إليه الأمور، وتُسقِط اللوم كاملًا على الدولة الأردنية، بل وعلى "منظومة الأنظمة القمعية" كما يسميها. إذ يصف البيان القرار الأردني بأنه "خيانة للقضية" و"تفكيك لخنادق المقاومة"، وهي تهم سياسية كبرى تُطلق بلا سند واقعي أو تحليل موضوعي، وتغلب عليها اللغة التعبوية الانفعالية، التي تهدف في جوهرها إلى شيطنة الدولة الأردنية وتبرئة الجماعة من أي مساءلة أو نقد.
هذه السردية لا تأخذ في الحسبان السياق الداخلي في الأردن، ولا مواقف الجماعة الأخيرة التي أثارت حفيظة الدولة والمجتمع معًا، لا سيما بعد الربيع العربي وتحوّلات المنطقة. فالخطاب الإخواني بات يُقرأ – سياسيًا وأمنيًا – كخطاب متقاطع مع أجندات خارجية، ويتقاطع أحيانًا مع مشاريع الفوضى لا مشاريع الإصلاح، ما دفع العديد من الدول، ومنها الأردن، إلى إعادة النظر في تموضع الجماعة وشرعيتها السياسية. تجاهل هذه التحوّلات والرد عليها بمنطق المؤامرة لا يُنتج فهمًا، بل يعمّق القطيعة بين الجماعة والواقع.
الأدهى أن البيان يُقدّم الجماعة وكأنها حارسة للمقاومة وممثلة عن فلسطين، من دون أن يراجع سجلها العملي في هذا الشأن. فالجماعة – عبر تاريخها وفروعها المختلفة – لم تطرح يومًا مشروعًا وطنيًا شاملًا لتحرير الأرض أو لمواجهة الاحتلال، بل اكتفت بتقديم نفسها كبديل للنظام السياسي القائم، لا كشريك في مشروع تحرري أو تنموي جامع. وبهذا، كان هدفها الأول هو السلطة، لا التحرير، والشرعية التنظيمية، لا الشرعية الشعبية.
وحين دعمت الجماعة فصائل المقاومة الفلسطينية – كحركة حماس – فإن هذا الدعم لم يكن خارج الحسابات التنظيمية المغلقة، بل كان مشروطًا وموجّهًا لخدمة صورة الجماعة ومكاسبها السياسية في العالم العربي والإسلامي. لم يكن دعمًا نابعًا من موقع جماهيري عام، أو من موقع المسؤولية الوطنية، بل من موقع المنافسة على تمثيل القضية والاستحواذ على رمزية المقاومة. وهذا يفسر الانزعاج الإخواني من أي فاعل عربي أو إسلامي يشارك في دعم فلسطين من خارج مظلتهم، لأنهم يرون في المقاومة وسيلة لتعزيز حضورهم، لا قضية جامعة لكل أبناء الأمة.
المقاومة كغطاء أيديولوجييُلاحظ في البيان الإفراط المقصود في استخدام مفردة "المقاومة"، حيث تتكرر بشكل شعاراتي أشبه بالتعويذة السياسية، من دون أي تحديد دقيق لماهية هذه المقاومة أو طبيعة مشروعها وأدواتها. فالمقاومة، بحسب الخطاب الإخواني الوارد في البيان، لا تُفهم بوصفها فعلًا تحرريًا واسع الأفق ومتعدد المستويات، بل تُقدَّم كمجرد غطاء أيديولوجي لتبرير وجود الجماعة ومراكمة الشرعية السياسية لها، حتى في وجه قرارات قانونية سيادية تتعلق بتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع.
في هذا السياق، لا يبدو أن البيان حريص فعليًا على نصرة الفلسطينيين أو دعمهم، بقدر ما يُستخدم "خط الدفاع عن المقاومة" كأداة لغسل السمعة السياسية للجماعة في الداخل الأردني والمصري، والتغطية على فشلها في بناء مشروع وطني حقيقي. فالدفاع عن فلسطين لا يكون بشيطنة الدولة الأردنية أو بإثارة الغضب الشعبي من داخل المجتمعات العربية، بل بالعمل على تعزيز التماسك الداخلي وتوفير بيئة مستقرة تُشكّل سندًا فعليًا لأي جهد تحرري.
بل إن أخطر ما في هذا الخطاب هو اختزال "المقاومة" في شخص الجماعة وهيكلها التنظيمي، بحيث تُصبح كل مقاومة لا تمر عبر بوابات الإخوان إما غير شرعية أو مشكوكًا في صدقيتها. هذا الاحتكار المفاهيمي يُفرغ القضية الفلسطينية من بعدها الجامع، ويحوّلها إلى ملف تتاجر به الجماعة في وجه خصومها، بدل أن يكون ميدانًا مفتوحًا أمام كل من يملك الإرادة والموقف لدعمه، سواء كان إسلاميًا أو قوميًّا أو وطنيًا أو حتى مستقلًا.
إلى ذلك، فإن توظيف المقاومة بهذا الشكل لا يخلو من ارتباطات مشبوهة بحسابات إقليمية عابرة للحدود، تستثمر في الفوضى والانقسام وتغذّي الصراعات الداخلية في الدول العربية تحت راية "نصرة فلسطين". وهي علاقات سبق أن ثبت توظيفها لخدمة تحالفات معقدة مع قوى إقليمية تستخدم الجماعة كورقة ضغط أو ذراع نفوذ، لا كفاعل مبدئي في معادلة التحرير. وهنا تصبح المقاومة مجرد بند في لعبة توازنات أكبر، لا قيمة جوهرية له إلا بمقدار ما يخدم أجندات سياسية خارجية، لا القضية ذاتها.
الدعوة إلى المواجهة: لغة خطيرةأخطر ما تضمنه البيان الصادر عن "المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين – تيار التغيير" هو اللغة التحريضية الصريحة التي تعتمد مفردات المواجهة والتصعيد، وتُصور القرار الأردني السيادي باعتباره نقطة فاصلة تستوجب "الحسم"، وليس مجرد إجراء قانوني ضمن منظومة دولة. هذا التصعيد اللفظي لا يعبّر عن موقف سياسي متزن أو احتجاج مشروع، بل يكشف عن ذهنية تنظيمية لا ترى في الدولة الوطنية شريكًا أو إطارًا ناظمًا للعمل العام، بل خصمًا يجب التمرد عليه وتحديه، بل والانقلاب عليه إن لزم الأمر.
البيان لا يكتفي بإعلان الرفض، بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يطالب بـ"مواجهة الأنظمة" باعتبارها "ضرورة استراتيجية"، وهو تعبير يتجاوز بكثير حدود العمل السياسي السلمي أو الدعوة إلى الإصلاح. إن الدعوة إلى المواجهة بهذه الصيغة تفتح الباب أمام استنساخ تجارب الفوضى والانقسام والعنف التي شهدناها في بلدان عربية عدة، حين تماهت الشعارات الكبرى مع أجندات تنظيمية مغلقة، وارتفعت راية "المقاومة" في الداخل، بينما كانت النتيجة تدمير المجتمعات من الداخل.
ثمّة خطورة أكبر في نبرة التحريض المباشر التي يتوجه بها البيان إلى "شباب الحركات الإسلامية" في الأردن، واصفًا إياهم بـ"سلاح الأمة"، وهي عبارة ذات دلالات تعبويّة تتقاطع مع خطاب الجماعات الراديكالية التي لطالما وظّفت الشباب في معارك خاسرة، تحت عناوين فضفاضة مثل "تحرير الأقصى" أو "مواجهة الاستبداد". مثل هذه اللغة تضع الشباب في مواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة، وتحوّلهم إلى وقود محتمل لصراعات لا تخدم لا فلسطين، ولا المجتمعات التي ينتمون إليها.
والواقع أن هذا النمط من الخطاب، الذي يخلط بين المقاومة والتحريض، وبين الأمة والدولة، وبين القانون والمؤامرة، يعكس أزمة عميقة في العقل السياسي الإخواني الذي لم ينجح في مغادرة منطق الجماعة المغلقة نحو أفق العمل الوطني المشترك. بل هو خطاب يعيد إنتاج مناخات ما بعد 2011، حين تحوّل الغضب إلى رافعة للدمار، واستُبدلت الشعارات الإصلاحية بالدعوات إلى "الحسم"، فانتهى الأمر إلى تقويض الأوطان باسم الدفاع عنها.
استثمار لحظة غزة: ما بعد الطوفان؟يستخدم البيان الصادر عن "المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين – تيار التغيير" ما يُسمّى بـ"طوفان الأقصى" كذريعة للربط بين الأحداث الراهنة في فلسطين وبين الحراك السياسي للجماعة في الدول العربية. وهذا الربط يبدو في جوهره محاولة لاستثمار اللحظة العاطفية العميقة التي يعيشها الشارع العربي جراء التصعيد الصهيوني في غزة، بهدف إعادة تلميع صورة الجماعة وتحسين موقعها في المشهد السياسي العربي. إذ يسعى البيان إلى استثمار مشاعر التضامن مع القضية الفلسطينية ليس فقط في سياق الدعم الشعبي لفلسطين، بل أيضًا في سياق تحشيد الأنصار في الداخل العربي، وهو ما يُظهر نوعًا من الاستغلال السياسي لهذه اللحظة العاطفية بدلًا من أن يكون مبدئيًا وواقعيًا.
لكن هذا الربط بين الأحداث الجارية و"حراك الجماعة" على المستوى الداخلي يطرح سؤالًا جوهريًا عن مواقف الفصائل المقاومة في فلسطين نفسها. فالفصائل التي تقاتل على الأرض، سواء كانت حماس أو غيرها من الحركات، لم تُفوّض الإخوان ولا غيرهم للحديث باسمها أو فرض أجندات سياسية تنظيمية. في الواقع، على الرغم من تاريخ طويل للجماعة في دعم المقاومة الفلسطينية، فإن الجماهير العربية تدرك أن الواقع لا يجب أن يتحول إلى فرصة لتنفيذ أجندة إخوانية ضيقة. بدلًا من أن يكون هناك تكامل في الجهود، يتم استثمار القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية تخص الجماعة، وهو ما يمكن أن يساهم في إضعاف المسار الوطني العام.
الأكثر أهمية هنا هو أن الجمهور العربي، خاصة في لحظات التحول الوطني الكبرى، يعي تمامًا أن "ما بعد الطوفان" لا يجب أن يكون مشروعًا إخوانيًا مغلّفًا بخطاب ديني ثوري، كما يُحاول البيان تقديمه. إن هذه اللحظة تتطلب مشروعًا وطنيًا تحرريًا جامعًا، لا تقتصر فيه الأولوية على الأجندات التنظيمية أو السياسية الضيقة، بل على توحيد الجهود الوطنية والدولية لدعم القضية الفلسطينية، والارتقاء بالخطاب العربي إلى مستوى التحديات الحقيقية التي يواجهها، دون تلاعب بالشعارات لمصالح ضيقة.
وفي هذا السياق، يبرز الخطاب الإخواني الموجه من خلال البيان كخطاب استثماري أكثر منه نابعًا من رؤية استراتيجية واضحة. إذ يُحاول القائمون على البيان تصوير "طوفان الأقصى" كمرحلة تحوّل تتطلب دعمًا لأجندتهم التنظيمية، في الوقت الذي تُظهر فيه المعادلات السياسية والجماهيرية في العالم العربي ضرورة إعادة بناء الخطاب الوطني حول القضية الفلسطينية بعيدًا عن الاستغلال الأيديولوجي.
خاتمة:
البيان الصادر عن "تيار التغيير" في جماعة الإخوان المسلمين لا يقدم جديدًا على صعيد الفكر أو الاستراتيجية، بل يعكس استمرار الجماعة في محاولة تبرير أزمتها البنيوية عبر أسلوب التلبيس الأيديولوجي. بدلًا من أن يكون هناك تقييم نقدي أو مراجعة داخلية، يُستمر استخدام الخطاب الشعبوي المرتبط بالقضية الفلسطينية كوسيلة للتغطية على العجز التنظيمي والسياسي الذي تعيشه الجماعة منذ سنوات. فالبيان يعكس، في النهاية، رغبة في العودة إلى مربعات الماضي، بعيدًا عن ضرورة تجديد الخطاب وتطوير الآليات السياسية التي تواكب التحولات الحالية.
ما تحتاجه الأمة في الوقت الراهن ليس تنظيرات جديدة متكئة على لغة قديمة تقتصر على الصراع الأيديولوجي، بل حاجة ماسة إلى مقاومة واعية ومدروسة، قادرة على التفريق بين مفاهيم أساسية يجب أن تُفصل بوضوح. أولًا، التفريق بين "الدولة" و"النظام"؛ فالأمة العربية بحاجة إلى خطاب يميز بين مؤسسات الدولة الوطنية التي ينبغي الدفاع عنها من جهة، وبين الأنظمة التي قد تكون مشوهة أو مستبدة من جهة أخرى. يجب أن تُفهم المقاومة على أنها مشروع يهدف إلى الإصلاح والبناء، وليس مجرد التصعيد ضد الأنظمة الحالية دون اعتبار للمآلات أو العواقب.
ثانيًا، لا بد من التفريق بين "التنظيم" و"الحركة الشعبية". ففيما يسعى التنظيم إلى استغلال قضايا كبرى لصالح أجندته الخاصة، تبقى الحركة الشعبية هي الأداة الفعالة لتحقيق التغيير الشامل والمستدام. الجماعات يجب أن تدرك أن التحولات التي تمر بها المنطقة تتطلب مشاركة شعبية واسعة ومستدامة، لا تقتصر على الجهود التنظيمية الضيقة التي لا تستطيع أن تمثل الأمة ككل أو تواكب متطلبات المرحلة.
أخيرًا، يجب أن يُفصل بين "تحرير الأرض" و"قفز الجماعات على دماء الشعوب". إن ما يحدث في فلسطين، كما في بقية الأقطار العربية، ليس مجرد معركة تحرير أرض، بل هو صراع طويل من أجل كرامة الشعوب وحريتها. وفي هذا السياق، يجب أن تكون المقاومة شاملة وعادلة، دون أن تستغلها الجماعات لتحقيق مصالحها السياسية. لن تكون الفوضى أو العنف الطريق إلى التحرير، بل التوحد الوطني والاستراتيجية الواضحة التي تُفرّق بين التحرير الحقيقي وبين محاولات احتكار النضال باسم الشعب.