لقد كان نشوء القوى التي تحمل الأيديولوجيا الإسلامية في قلب الشرق الأوسط ثمرة تفاعل معقد بين الإرث الاستعماري البائد ووطأة المظالم الاجتماعية والسياسية الراهنة والحركات الفكرية التي أذابت وأعادت تشكيل النسيج الإقليمي الحديث.

وقد نشأت الحركات الإسلامية غالبًا كاستجابة لخيبات الأمل التي أثارتها القومية العلمانية واستبداد الأنظمة التي تلت نيل الاستقلال.

ولا يمكن هنا أن يُفصل هذا التحول التاريخي عن الهشاشة الكامنة في هيكل الدول الناشئة، ما مهد الطريق لتطوير أطر أيديولوجية بديلة.

وكانت الجذور الراسخة في الحركات الاجتماعية والدينية المنطلق الرئيس الذي قدمت من خلاله الجماعات الإسلامية نفسها لا كسلطة روحية فحسب، بل كلاعب سياسي مهيمن، مستفيدة من مشاعر الاستياء الشعبية من الفساد والاستبداد. ومن هنا تحقق صعود الإسلاميين إلى الحكم في العديد من الدول العربية، لكن في سياقات يكتنفها الكثير من التعقيدات والظروف السياسية والاجتماعية المتباينة.

في ليبيا مثلًا، وعقب سقوط معمر القذافي في عام 2011، تمكّنت جماعات إسلامية من بسط نفوذها في الفراغ السياسي الذي نشأ، فكان لذلك دور كبير في تمزيق البلاد، وقد شهدت تونس تجربة مختلفة تمامًا؛ فحركة "النهضة" بقيادة راشد الغنوشي، التي تحولت من حركة فكرية إصلاحية إلى حزب سياسي، استطاعت أن تحقق صعودًا سياسيًا عبر الانتخابات بعد ثورة 2011، متبنية خطابًا يعدُّ التعددية والتركيز على ذلك، وبفعل التوترات السياسية وضغط الشارع، اختارت النهضة طواعية التخلي عن السلطة في عام 2014 لصالح حكومة تكنوقراط للإشراف على المرحلة الانتقالية مما أسس نموذجًا بارزًا للتسوية السياسية في المنطقة.

إعلان

أما في مصر، فقد صعدت جماعة الإخوان المسلمين، التي أنشأت نفسها كحركة شعبية تمزج بين تقديم الخدمات الاجتماعية والنشاط الإسلامي، إلى سدة الحكم بعد ثورة 2011، حيث انتخب محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب عبر صناديق الاقتراع. ولكن سرعان ما واجهت الجماعة موجات من الاستقطاب الداخلي والخارجي، لتؤول الأمور إلى الإطاحة بها في عام 2013 بعد احتجاجات شعبية هائلة.

وفي اليمن، برز حزب الإصلاح كقوة معارضة رئيسية ضد الرئيس علي عبدالله صالح، ليشارك في الحكومة الانتقالية بعد رحيله عام 2012. غير أن اندلاع الحرب الأهلية وصعود الحوثيين أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، ليغدو جزءًا من صراع لا نهاية له.

ومثلها، لعبت الأحزاب الإسلامية في الجزائر دورًا هامًا منذ التسعينيات، خاصة بعد فوز "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الانتخابات، لكن الجيش حال دون تمكينها من اعتلاء سدة الحكم.

ورغم أن الحركات الإسلامية حققت مستويات متفاوتة من النفوذ السياسي، فإن طريقها إلى السلطة كان محفوفًا بمقاومة داخلية، وعوائق عسكرية، وتحديات جيوسياسية إقليمية، مما جعل صعودها أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا في العديد من الحالات.

الإسلاميون بين صناديق الاقتراع وميادين القتال

تميز صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في تونس ومصر بعد ثورات الربيع العربي بعلاقة معقدة مع الهياكل العسكرية والإدارية القائمة. فقد تمكنت حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر من تحقيق النجاح السياسي عبر الانتخابات الديمقراطية، التي تلت انهيار الأنظمة القائمة. بيدَ أن مؤسسات الدولة بقيت قائمة في كلتا الحالتين، ففي مصر ظل الجيش هو القوة الحاسمة في المشهد السياسي، أما في تونس فقد تمكنت مؤسسات الدولة الأمنية بالبقاء دون تغيير جذري.

وفي سوريا كان المشهد مختلفًا تمامًا، إذ لم يكن بروز الإسلاميين على الساحة السياسية قد تم عبر مسار انتخابي معين وإنما جاء في سياق صراع طويل الأمد.

إعلان

فقد كان للإخوان المسلمين دور بارز في انتفاضة 1979-1982 ضد نظام الأسد، ولكنهم بقوا مهمشين في خضم الانتفاضة السورية منذ 2011 مع بروز فصائل إسلامية مسلحة أخرى، حيث ظهرت جماعات مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" كقوى معارضة لها حضور قوي في مراحل النزاع الأولى، إلا أن انقساماتها الداخلية والهزائم العسكرية أدت إلى تراجعها، وفي عام 2017، برز "الجيش الوطني السوري" كتحالف يضم فصائل معارضة، ومنها وحدات من "الجيش السوري الحر"، بدعمٍ تركي كبير.

ولكن رغم ذلك، كانت "هيئة تحرير الشام"، التي تطورت من "جبهة النصرة" – الفرع السوري لتنظيم القاعدة – والتي انفصلت عن القاعدة فيما بعد هي القوة الإسلامية الأقوى في شمال سوريا التي استغلت انقسامات المعارضة لتثبيت سيطرتها. ومن خلال معاركها مع النظام والفصائل الأخرى، نجحت الهيئة في توسيع نفوذها في إدلب، وابتكرت هيكلًا إداريًا موازيًا أزاح سلطة الدولة والفصائل المتناحرة في المناطق التي تسيطر عليها.

ولعل خصوصية النموذج السوري تكمن في تراجع سيادة الدولة في المناطق المتنازع عليها، ما سهل ظهور الفصائل الإسلامية التي أسست هياكل حكم بديلة.

وعلى النقيض من ذلك، تمكنت تونس ومصر من الحفاظ على التماسك المؤسسي للدولة، بما في ذلك التفوق العسكري، حتى بعد صعود الحكومات الإسلامية المنتخبة. ويفسر هذا التباين الهيكلي قدرة هيئة تحرير الشام على ممارسة المزيد من التحكم الذاتي المستقل، في حين أن جماعات مثل النهضة والإخوان المسلمين كانت مقيدة في نهاية المطاف بالنفوذ المستمر للمؤسسات العسكرية والبيروقراطية القائمة سلفًا.

علاوة على ذلك، أسفرت الحرب السورية المستمرة عن فراغ في السلطة سمح لجماعات مثل "هيئة تحرير الشام" بالاستفادة من الفرص العسكرية لتأمين الأراضي والحكم بها، الأمر الذي أدى أخيرًا إلى انهيار نظام الأسد في حملة عسكرية استمرت 11 يومًا في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بينما تمثل ليبيا في سياق آخر حالة أكثر تعقيدًا، حيث إن سقوط معمر القذافي في عام 2011 أفضى إلى فراغ مؤقت في السلطة، لكن تفكك مؤسسات الدولة لم يكن كاملًا كما هو الحال في سوريا.

إعلان

وقد أتاح هذا التفكك لجماعات مثل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" فرض تأثير محدود، ولكن من دون أن تحقق السيطرة الإقليمية المستدامة أو القدرة على الحكم التي حققتها "هيئة تحرير الشام" في إدلب. كما أن الوجود المستمر لمليشيات متنافسة والعامل القبلي في ليبيا أعاق أي جماعة إسلامية عن الوصول إلى السلطة المركزية التي كانت قد تحققت في سوريا تحت حكم "هيئة تحرير الشام".

اختبار البقاء في المشهد السوري

لا شك أن تجربة الحكم الجديدة التي تتصدرها "هيئة تحرير الشام" تواجه تحديات جسيمة في سوريا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

داخليًا، يتمثل العائق الرئيسي في الحفاظ على الوحدة داخل مجتمع سوري مفكك بعمق على أسس عرقية وطائفية وأيديولوجية، نتيجة سنوات من الحرب الداخلية. فقد تعرض النسيج الاجتماعي في سوريا لشرخ حاد، مع وجود نزاعات ليس فقط بين الفصائل الإسلامية والعلمانية، بل أيضًا بين الجماعات العرقية، ولا سيما الكرد في الشمال الشرقي.

لذلك، لا بد من العمل على معالجة التهميش التاريخي للكرد والأقليات الأخرى، حيث إن استمرار استبعادهم سيؤدي إلى تفاقم تفكك الدولة. كما أن بناء سوريا مستقرة ومستدامة يتطلب تطوير هوية وطنية تتجاوز الطائفية والسيطرة الأيديولوجية.

ولهذا، سيكون من الضروري السعي إلى تعزيز حوار وطني شامل يرتكز على المصالحة ومشاركة السلطة، ويجب أن يبدأ هذا الحوار بمجرد فرض الأمن بشكل أساسي في المناطق الرئيسة، مما يسمح بالمشاركة الآمنة للفاعلين السياسيين.

ومن الضروري أن يمثل هذا الحوار طيفًا واسعًا من النخب، بمن في ذلك القادة الكرد والشخصيات القبلية، والنشطاء العلمانيون. ولينجح هذا الحوار، يجب أن يركز على آليات العدالة الانتقالية والتسويات المتبادلة بعيدًا عن الممارسات الاستبعادية التي ساهمت في تعميق الشروخ في النسيج الاجتماعي السوري طوال العقود الماضية.

إعلان

أما على الصعيد الدولي، فإن التحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة بسبب مرجعيتها لا تقل عن تلك التي على الصعيد الداخلي. فقد أفضت الروابط التاريخية للجماعة مع الشبكات المتطرفة، على الرغم من محاولاتها إعادة تموضعها ضمن أطر وطنية أكثر واقعية، إلى حدوث فقدان كبير للثقة بينها وبين القوى الغربية والعالم العربي.

ولهذا فإن إعادة سوريا إلى مكانتها ضمن المجتمع الدولي، يتطلب من السلطة أولًا الالتزام علنًا بالحكم غير الطائفي، ومبادرات مكافحة الإرهاب والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.

كما أن الانخراط مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة الدول الرئيسة مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، سيوفر حتمًا وسيلة لتطبيع العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. وهذا سيتطلب تقديم رؤية لمستقبل سوريا تتماشى مع الاستقرار الإقليمي ولا تجعل منها منصة للتطرف العابر للحدود.

بالإضافة إلى ذلك، فإن رفع العقوبات الأميركية مؤقتًا بموجب الترخيص رقم 24 يمكن أن يشكل خطوة حاسمة نحو الانخراط الدبلوماسي، شريطة أن يتم تبني إصلاحات ملموسة واهتمامًا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة الدولة.

إن بناء علاقات دائمة وبناءة بين سوريا والعالم العربي والغرب يتطلب نهجًا شاملًا قائمًا على التعاون بين كل الأطراف.

ومع حل "هيئة تحرير الشام" نفسها وتنصيب السيد أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية، بات لزامًا إجراء تحول جذري في الحوكمة يقوم على مبادئ العدالة والمساءلة والالتزام الثابت بالاستقرار الإقليمي.

ومن هنا فإن الإعلان عن حل "هيئة تحرير الشام" مع حل مليشيات أخرى لإنشاء هيكل عسكري وطني موحد يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز سلطة الدولة، وتعزيز الوحدة الوطنية، لا يقل أهمية عن ذلك تدابير بناء الثقة، بما في ذلك تسهيل جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وهما أمران حاسمان لاستعادة الثقة والشرعية.

إعلان

علاوة على ذلك، فإن الإرادة الجادة في الانخراط بالحوار الدبلوماسي مع القوى الغربية ستكون حاسمة في تحديد كيفية إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي في الوقت ذاته، إذ إن تنفيذ إصلاحات واضحة وقابلة للقياس وعملية ديمقراطية تدريجية أمر بالغ الأهمية لضمان الاستقرار السياسي طويل الأمد والمرونة المؤسساتية.

وستلعب الدبلوماسية الاقتصادية أيضًا دورًا مهمًا في تعافي سوريا، حيث إن الاستثمارات الأجنبية خاصة من خلال التعاون الإستراتيجي مع دول الخليج ستشكل حجر الزاوية لإعادة البناء بعد النزاع.

وسيكون تعزيز الشراكات المستدامة مع العالم العربي، وخاصة دول الخليج، أمرًا أساسيًا في تسهيل الإنعاش الاقتصادي لسوريا واندماجها الإقليمي الأوسع.

وفي الختام، يكشف صعود الحركات الإسلامية في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، بعد الربيع العربي عن سردية معقدة من الفرص والتحديات. ففي تونس ومصر نجحت جماعات مثل "النهضة" وجماعة الإخوان المسلمين في الانتقال من المعارضة إلى الحكم، مستفيدة من قاعدتها الشعبية للوصول إلى السلطة عبر العملية الانتخابية. ومع ذلك، كانت فترة حكمهم مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في تحقيق التوازن بين الطموحات الأيديولوجية والمتطلبات العملية للحكم.

وفي ليبيا، تمكنت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" من اكتساب النفوذ في فترة ما بعد القذافي، لكنها واجهت صعوبة في تحقيق السيطرة المستدامة؛ بسبب المشهد السياسي والمليشياوي المنقسم.

في المقابل، كان مسار سوريا مختلفًا، حيث استمرت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت لوائها في النضال المسلح لإزاحة نظام الأسد، الذي انهار مع مؤسساته بالكامل، الأمر الذي جعل لزامًا العمل على إعادة بناء الدولة وتشكيل جيش وطني جديد.

وتسلط هذه الحالات الضوء على المسارات المتباينة التي سلكها الإسلاميون للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، بدءًا من الاندماج السياسي داخل الهياكل العسكرية القائمة في تونس ومصر، إلى المعارضة المسلحة الثورية في ليبيا وسوريا.

إعلان

وتبرز هذه الحالات مجتمعة آليات التفاعل المعقدة بين الأيديولوجية الإسلامية والحكم والواقع السياسي في حقبة ما بعد الربيع العربي بالمنطقة، حيث لا تزال الشرعية المستمدة من الدعم الشعبي وتعقيدات الحفاظ على الوحدة الوطنية عوامل محورية لبقاء هذه الحركات ومستقبلها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب الحرکات الإسلامیة هیئة تحریر الشام الربیع العربی الإسلامیة فی الإسلامیة ا إلى السلطة تونس ومصر فی لیبیا فی سوریا فی تونس ما بعد صعود ا فی عام

إقرأ أيضاً:

تصور لحل إشكالية قسمة السلطة المركزية

د. أيمن بشرى

٢٠ فبراير ٢٠٢٥

aymen.b.ahmed@gmail.com

١. المقدمة

صراع البشر على السلطة ظاهرة اجتماعية متعددة الأسباب.، إذ ان لها دوافع نفسية، اجتماعية، إقتصادية وسياسية مختلفة.

١.١ العوامل الرئيسية وراء صراعات السلطة:
١.١.١. السيطرة على الموارد:
- تاريخيًا، تنافست المجموعات على الأرض والمياه والكلا. ومع تقدم الحضارة الإنسانية وتطور أنواع الموارد صارت الصراعات الحديثة تشتمل النفط أو المعادن أو طرق التجارة الاستراتيجية. السيطرة على الموارد قد تعني القدرة على الاستمرار في الوجود (survival)، لذلك يمكن أن تتميز هذه الصراعات بالعنف المفرط.
- أشارت العديد من الدراسات الأكاديمية إلى أن التفاوت الاقتصادي أو التفاوت في توزيع الثروة داخل أي الدولة يمكن أن يؤدي إلى إشعال الصراعات.

١.١.٢ الصدامات الدينية، الأيديولوجية والثقافية:
- الاختلافات الدينية والثقافية تتسبب في الصراعات عندما تحاول أحد المجموعات إلغاء الأخر المختلف دينيا أو ثقافياً من مواضع السلطة في الدولة.
- الأنظمة السياسية: التوترات بين الديمقراطيات ضد الأنظمة الاستبدادية أو النماذج الاشتراكية ضد الرأسمالية الاشتراكية أو العلمانية صد الدولة الدينية.

١.١.٣ العوامل المؤسسية institutional والبنيوية structural:
- ضعف الحكم: يمكن أن يؤدي الفساد أو الافتقار إلى خلافة واضحة للقيادة إلى حدوث انقلابات أو حروب أهلية (على سبيل المثال، الدول الأفريقية ما بعد الاستعمار).
- القمع المنهجي: تغذي اختلالات القوة القائمة على العرق أو الطبقة أو الجنس حركات مثل الحقوق المدنية أو الحروب الأهلية المناطقية الساعية للانفصال او تحقيق مكاسب إقليمية.

١.١.٤. الدوافع النفسية والاجتماعية:
- الطموح الشخصي: السعي الشخصي للهيمنة، وهذا قد تكون له دوافع تطورية لها علاقة بنشر الجينات. فالرجال ذوو الجاه والمكانة هم الاقدر على التناسل ومن ثم إنتاج ذرية تحمل جيناتهم. هذا الدافع هو في اللا وعي.
- الخوف وانعدام الأمن: قد يسعى الأفراد والمجموعات إلى السلطة للتخفيف من التهديدات المتصورة، مما يؤدي إلى العدوان الوقائي. هذه التهديدات المتصورة قد لا تكون حقيقية ولا منطقية ولكن ربما كانت لها مرجعية تاريخية ضاربة في القدم.

١.٢ تمظهرات صراعات السلطة:
- الصراعات العنيفة: وهذه تظهر في شكل حروب، ثورات وأعمال إرهابية.
- النزاعات غير العنيفة: الانتخابات، والنزاعات القانونية، والاحتجاجات.
- الهيمنة الثقافية: الهيمنة من خلال وسائل الإعلام، أو التعليم، أو اللغة. أو كل هذه العوامل مجتمعة.

١.٣ آليات الحل:
- الأطر المؤسسية: الديمقراطيات، والهيئات الدولية (الأمم المتحدة)، وسيادة القانون.
- التفاوض/التسوية: الدبلوماسية، والمعاهدات، واتفاقيات تقاسم السلطة (انظر الفقرة التالية).
- الأنظمة العادلة:الحكم الشفاف، المساءلة، وإعادة توزيع الثروة، وقوانين مكافحة التمييز.
- التعليم: تعزيز التفكير النقدي والتفاهم بين الثقافات. والتعريف بأسس بناء الدولة الحديثة وقانون حقوق ألأنسان. تعليم النشء قيمة التعاطف empathy فهو كفيل بانفتاح المرء على الآخر المختلف وتفهم أحاسيسهم، آمالهم وأحزانهم.

١.٤ اتفاقيات تقسيم السلطة:
اتفاقيات تقاسم السلطة تُعتبر إحدى الآليات الرئيسية لتسوية الصراعات، خاصة في الحالات التي تنطوي على انقسامات عميقة داخل المجتمع، سواء كانت عرقية أو دينية أو سياسية. تعتمد هذه الاتفاقيات على توزيع السلطات السياسية والاقتصادية بين الفرقاء المتنازعين لضمان تمثيلهم في هياكل الحكم، مما يسهم في تخفيف التوترات وبناء الثقة. فيما يلي تحليل مفصل لهذه الآلية:
١.٤.١. تعريف تقاسم السلطة وأهدافه:
تقاسم السلطة هو إطار قانوني أو سياسي يُنظم توزيع المناصب والصلاحيات بين المجموعات المتنافسة، سواء عبر تحالفات حكومية أو أنظمة انتخابية تتيح تمثيل الأقليات. يهدف إلى:
- منع هيمنة مجموعة واحدة على السلطة، مما يحد من الاستقطاب .
- دمج الفصائل المتنازعة في النظام السياسي.
- تحقيق الاستقرار المؤقت كجسر نحو تسوية دائمة، خاصة في الحروب الأهلية
١.٤.٢. أشكال تقاسم السلطة
تتخذ هذه الاتفاقيات أشكالًا متعددة، منها:
- الأنظمة الانتخابية النسبية: كتخصيص مقاعد للأقليات في البرلمان، كما في لبنان عبر نظام الطائف .
- الحكومات الائتلافية: مثل حكومة الوحدة الوطنية في أيرلندا الشمالية بموجب اتفاق الجمعة العظيمة (1998).
- حق الفيتو للأقليات: لمنع تمرير قرارات تهمش مصالحها ، كما في مقدونيا، إيرلندا الشمالية وبلجيكا.
- التناوب في المناصب الرئاسية: كما في الحالة النيجيرية.
١.٤.٣ التحديات والعيوب
- ضعف الثقة بين الأطراف.
- الاعتماد على الدعم الخارجي مما يتسبب في عدم الاستقرار السياسي.
- الجمود السياسي: مثل أن تحول بعض الاتفاقيات إلى أنظمة طائفية أو عرقية تُعيق التغيير، مثل النظام اللبناني
- عدم الشمولية: استبعاد فصائل رئيسية في الدولة قد يؤدي إلى استمرار الصراع.

٢. تعقيدات القضية السودانية
٢.١. المشكلة السودانية لها تعقيدات كثيرة ويختلف المتابعون للشأن السوداني في تقييم درجة تأثير العوامل المختلفة في المحصلة الأخيرة لما آلت اليه أحوال البلاد. وكغيرها من الظواهر الإجتماعية (social phenomena) فهي بطبيعتها متعددة العوامل (muli factorial)، قد يصعب تحديد العوامل الاكثر فعالية فيها من غيرها، لتداخل تلك العوامل وتأثيرها وتأثرها ببعضها البعض.
٢.٢. يمكن تلخيص أهم العوامل التي أثارت ولما تزل تثير الصراعات المسلحة، التدهور السياسي والاضطرابات المجتمعية في الآتي:
• سوء توزيع السلطة والثروة
• عدم المشاركة في القرار السياسي
• الظلم التاريخي في التوظيف والابتعاث للدراسات العليا
• عدم الشفافية
• انعدام المحاسبة والمتابعة
• الفساد السياسي والإداري والمالي والاقتصادي.
• المحسوبية
٢.٣. الأسباب أعلاه كانت حاضرة حتى في ظل الفترات الديمقراطية القليلة التي عاشتها البلاد.
٢.٤. بلغ انعدام الثقة بين مكونات المجتمع السوداني مبلغاً صار معه استمرار السودان كدولة موحدة مهدداً. وبدون وضع حلول للعوامل المذكورة أعلاه سيكون من الصعب الوصول الى أي وضع يؤدي إلى الاستقرار السياسي والمجتمعي وبالتالي تطور الدولة والمجتمع.
٢.٤. كل هذه العوامل أدت إلى انعدام الحس الوطني والانتماء واسست للقبلية وتشظي الدولة.
٢.٥. المقترح المقدم في هذا المقال هو في الأساس لتعزيز الثقة وإشراك الكل في إدارة الدولة وإعلاء القيمة الوطنية.
٢.٦. المقترح يفترض أن الحرب قد توقفت، كيفما اتفق، ولكنه يمكن أن يكون الأساس الذي يمكن من خلاله إيقاف الحرب. وهو يفترض أن السودانيين قد اتفقوا على تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تعالج اختلالات الماضي وتمنع تكرار هذه الأخطاء في المستقبل. وإن هذه الدولة تبنى على قوانين واضحة ومتفق عليها، بحيث يسهل إرجاع الأخطاء والتجاوزات أما لإشكالات في القوانين، وعندها يعمل الناس على تغيير القوانين، أو لتجاوز مسئولين في الدولة للقوانين، وعندها تتم محاسبة المخطئين.
٢.٧. المقترح يفترض أن السياسيين لهم معرفة كافية بماهية الدولة الحديثة وكيفية إدارة الدولة الحديثة عن طريق إنتاج قوانين متوافق عليها في عملية ديمقراطية في المجلس التشريعي (راجع مقال- اصلاح الكائن السياسي https://www.medameek.com/?p=160298
٢.٨. الحلول المقترحة تفترض أن نظام الحكم سواء صار مركزياً او فيدرالياً، رئاسياً او برلمانياً، لن يؤثر على هذه الحلول لان الدولة ستحتاج لمجلس وزراء مركزي لأداء مهام محددة. نوعية المهام هو ما يتأثر بمدى مركزية الدولة.

٣. مقترح قانون تشكيل مجلس الوزراء
٣.١. هناك ثلاثة طرق معمول بها لاختيار أعضاء مجالس الوزراء:.
1. يتم الاختيار حسب تقديرات الشخص أو اللجنة المسئولة مع الالتزام فقط بالكفاءة
2. يتم الاختيار بالطريقة أعلاه مع مراعاة التنوع الجغرافي.
3. يتم الاختيار وفق نسب محددة لاقاليم السودان المختلفة مع الإلتزام بشرط الكفاءة
٣.٢. هذا المقال يقدم الحجج لتفضيل الطريقة الثالثة، ويفترض أنها الأفضل لحلحلة العديد من الإشكاليات في خطوة واحدة. هذه الاشكالات فصّلت في الفقرة ٢.٢.
٣.٣. يتحتم على الشخص أو اللجنة التي تقع عليها مسؤولية تشكيل مجلس الوزراء الاستناد على قانون محدد لا يجوز اختراقه مستمد من هذا الاقتراح.
٣.٤. منصب رئيس الوزراء نفسه يمكن أن يكون دورياً، بين أقاليم البلاد المختلفة. هناك أمثلة عديدة في العالم أثبتت جدوى إجراء كهذا.
٣.٥. على الذين يعارضون هذا المقترح تقديم حججهم لدعم الطرق الأخرى في الاختيار للمساهمة في تطوير العملية الديمقراطية.
٣.٦. ولأن كل سياسة قد تكون لها مردودات سلبية مهما كانت ناجحة، فمن المهم التفكير في مثل هذه السلبيات ومحاولة وضع حلول لها.

٤. مقترح الحل للوزارات:
٤.١. معيار الكفاءة هو المعيار الأساسي في التعيين، وهناك معايير محددة لمعيار الكفاءة لكل وظيفة في الدولة.. التقسيم أدناه يفترض توفر الكفاءة ولكنه يضع حلولاً في حالة عدم توفر هذه الكفاءة
٤.٢. يقسم السودان إلى ٥ أقاليم، يمكن ان يقسم كل منها إلى ولايات او محافظات تقسم بالتالي الى بلديات. في حال تقسيم السودان لعدد مختلف من الأقاليم، يتم تعديل الارقام الواردة ادناه
٤.٣. توزع كل الادارات والمؤسسات في الدولة (الطرق والكباري، الصحة العامة، الخ) الي ١٥ وزارة.
٤.٥. تقسّم الوزارات الى ثلاثة مجموعات،٥ وزارات سيادية، ٥ وزارات اقتصادية و ٥ وزارات خدمية. هذا التقسيم يمكن ان يراجع ولكن الهدف منه سيتضح لاحقاً.
٤.٦. عند تكوين الحكومة يرشح خمس وزراء من كل إقليم لكل واحدة من الوزارات في المجموعات الثلاثة..يقوم رئيس الوزراء او اللجنة المختصة، باختيار الوزراء بحيث يكون هناك وزير من كل إقليم لكل مجموعة وزارية (عدالة توزيع السلطة).
٤.٧. في حال فشل إقليم ما بترشيح أحد لشغل منصب وزير نتيجة لعدم وجود كفاءات أو رغبة عند من تم ترشيحه، يقوم هذا الإقليم عبر ممثليه في البرلمان (او جهة اخرى في حالة الحكومة الانتقالية) باختيار وزير ينتمي لإقليم آخر (الشفافية. المشاركة في اتخاذ القرار السياسي، مع الاحتفاظ بشرط الكفاءة).
٤.٨. يعوض هذا الإقليم في حالة عدم وجود كفاءات من الإقليم، بتكفل الدولة بمصروفات تأهيل ٥ من ابناء الاقليم في نيل درجة الدكتوراة في جامعات عالمية وترشيح ٥ آخرين للعمل في منظمات دولية باسم السودان وتوظيف خريجين من الإقليم في الوزارة المعنية (التعويض عن الظلم التاريخي للإقليم المعني).
٤.٩. لا يجوز وجود وزيرين من نفس المكون القبلي في أي حكومة (حقيبة وزارية).
٤.١٠. في حالة عدم وجود اكفاء من مجموعات قبلية اخرى في الاقليم، يقوم ممثلو الإقليم من غير المكون القبلي المؤهل بترشيح احد ابناء المكون القلبي المؤهل او ترشيح شخص من اقليم اخر للوزارة.
٤.١١. يتم الترشيح لمنصب وزير الدولة او نائب الوزير بنفس الطريقة
٤.١٢. لا يجوز ان يكون الوزير ووزير الدولة من نفس الإقليم
٤.١٣ لا يجوز ان يكون الوزير ووزير الدولة من إقليم محدد في نفس الوزارة لأكثر من مرة واحدة في كل ٣ حكومات تتكون. في حالة الاضطرار بسبب عدم توفر الكفاءات، يتم الرجوع للنقاط ٤.٧ و ٤.٨ بخصوص عدم توفر الكفاءات.
٤.١٤. يجب على الأحزاب الالتزام بالتقسيم أعلاه بغض النظر عما اذا كان هناك حزب واحد أو أحزاب ائتلاف عند تكون الحكومات الديمقراطية.

٥. مقترح الحل للوظائف القيادية العليا في الدولة والإدارات التابعة لها
٥.١. يتم التعيين كل الوظائف القيادية العليا في الدولة في كل الوزارات والادارات بناء على التقسيم اعلاه (النقطة ٤)، كما يتبع نفس أسلوب التعويض في حال انعدام الكفاءة في الاقليم او المكون القبلي المعني.
٥.٢. شرط التعويض لا يطبق في حالة وجود الكفاءات ولكن عدم الرغبة في الوظائف هو سبب عدم وجود أشخاص من المكون الإقليمي أو القبلي..

٦. اللجان القومية
٦.١. تكون كل اللجان القومية بعدد متساوي من الأعضاء من الأقاليم المختلفة. تشمل هذه اللجان اللجان العلمية (مثلاً اللجنة القومية لإرشادات مرض السكرى)، مهنية، رياضية او غيرها طالما اتخذت اللجنة صفة "قومي/قومية".
٦.٢. المسئوليات المختلفة في اللجان (رئيس، سكرتير، الخ) تكون دورية بين الأقاليم. أي استثناءات يجب إجازتها من الوزير المعني مع نسخة لمكتب رئيس الوزراء والبرلمان.
٦.٣. القرارات الصادرة من اللجان التي لا تلتزم بهذا المعيار تعتبر لاغية وغير ملزمة.
٦.٤.تعتبر المشاركة في اللجان التي تخالف هذه المادة مخالفة إدارية تستدعي المحاسبة.

٧. الفوائد التي ستعود على الدولة:
٧.١. تحديد أسس الديمقراطية التي يراد إرساءها بالقوانين التي يسهل متابعة تنفيذها وتقييمها.
٧.٢. مشاركة المواطنين، وذلك عبر ممثليهم في البرلمان في إنتاج القوانين التي تحكم الدولة.
٧.٣. العدالة: بالاتفاق على تحديد الكيفية التي يتم على أساسها تقاسم السلطة المركزية.
٧.٤. الشفافية: من خلال العملية التي يتم بها اختيار الوزراء. فمجرد إبعاد الشكوك يساعد على بناء الثقة في مؤسسات الدولة والقائمين عليها.
٧.٥. تقبل الآخر عن طريق القانون بحيث لا يُظن إن هناك واهب وهناك موهوب اليه.
٧.٦. تقليل خطر إساءة استخدام السلطة: وذلك بمنع وضع سلطة بلا حدود لأشخاص محددين لاختيار الوزراء وكبار قيادات الدولة.
٧.٧. ربما يساعد هذا القانون في إصلاح الطريقة التي ستتكون بها الأحزاب في المستقبل، فتصير أكثر قوميةً في انتشارها وفي تكوينها الهرمي للقيادة، مما يساعد في تكوين هوية قومية ووجدان مشترك.

٨. الخلاصة:
إن الدول لا تبنى بالأماني والنوايا الطيبة فقط ولكن بدراسة الواقع ومقاربته مع التجارب البشرية العالمية لإستلهام العبر والدروس. معالجة إشكالية السلطة هي اولى خطوات الاستقرار السياسي والاجتماعي والذي بدونهما لن يتحقق نمو اقتصادي ولا ازدهار في المجتمع. معادلات قسمة السلطة هي أحد الطرق المجربة والتي ساعدت عدة بلدان في الوصول الى الاستقرار المطلوب (سيرلانكا، كينيا واندونيسيا).  

مقالات مشابهة

  • أحمد أبو الغيط: العالم العربي منقسم.. ومصر تواجه تحديات كبرى بعد 2011
  • في غياب الأقليات وهيمنة تحرير الشام..مؤتمر الحوار في سوريا لا يهدئ المخاوف على المستقبل
  • قصة الهزيمة التي صنعت النصر
  • تحديات إعادة بناء رأس المال البشري في سوريا
  • البرلمان العربي يدعو إلى مواجهة تحديات تصفية القضية الفلسطينية
  • 3 هجمات حاسمة.. واشنطن تتعقب قيادات تنظيم القاعدة شمال غرب سوريا
  • لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تدعو لتوحيد الجهود في مواجهة تحديات تصفية قضية فلسطين
  • هيئة تحرير الشام تتوصل لاتفاق لشراء النفط من الميليشيات الكردية شرق سوريا
  • تصور لحل إشكالية قسمة السلطة المركزية