لجريدة عمان:
2025-03-29@11:52:23 GMT

عنصرية اللغة

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

العنصرية ببساطة هي التمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين. ولكن هذا التمييز يمكن أن يمتد حتى إلى اللغة بالتبعية، وذلك حينما تكشف لغة ما عن استعلائها باستخدام صياغات تدل على هذه العنصرية، بالتأكيد توجد في اللغة العربية مثل هذه الكلمات الاستعلائية، ولا شك في أن مثل هذه الكلمات تشيع في استخدام اللغة حينما تكون اللغة هي لغة الغالب أو المستعمر؛ ولذلك فإنها كانت شائعة في لغة قدماء اليونان حينما كانت الحضارة اليونانية في أوج ازدهارها وهيمنتها في العصر الكلاسيكي؛ فهم كانوا يستخدمون كلمة «العبد» أو «التابع» في مقابل كلمة «الحُّر»، والعبيد ليست لهم حقوق سياسية مثل المواطنين الأحرار، وهم من يُؤسَرون في الحروب ليعملوا في خدمة الأسياد، خاصة في الزراعة، حتى إن كل مواطن تقريبًا كان يمتلك واحدًا من العبيد يحق له التصرف فيه كما يشاء، سواء بالبيع أو الإيجار.

كما أن قدماء اليونان كانوا يستخدمون كلمة «البرابرة» لوصف الأغيار ممن لا يعرفون اللغة اليونانية القديمة، وخاصةً من الفرس والأتراك وغيرهم ممن يتصف مسلكهم بالبدائية والهمجية والوحشية. كان هذا شائعًا في لغة أعظم فلاسفة هذا العصر من أمثال أفلاطون وأرسطو؛ فها هو ذا أرسطو يصف «البرابرة» وصفًا ازدرائيًّا باعتبارهم «أكثر خنوعًا بطبيعتهم من الإغريق، مثلما أن الآسيويين أكثر خضوعًا من الأوروبيين؛ ولذلك فإنهم يتحملون الحكم الاستبدادي دونما احتجاج».

كما كانت مثل هذه الكلمات شائعة أيضًا في اللغة العربية القديمة؛ إذ كان العرب يستخدمون أيضًا كلمة «العبيد» في مقابل «السادة»، ويستخدمون كلمة «البرابرة» لوصف شعوب شمال إفريقيا. ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ الحضارة العربية الإسلامية وإن كانت هي حضارة الغالب في زمنها لم تمارس هذه اللغة الاستعلائية على الآخر بعد انتشار الإسلام وتمكينه؛ إذ سادت تعاليم الإسلام السمحة التي تقول لنا: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». ولهذا السبب نفسه؛ فإن هذه الحضارة الغالبة لم تزدرِ أو تستعلِ على الشعوب المغلوبة التي تم فتح بلدانها، بل إنها -على العكس من ذلك- قد استعانت بكُتّابها وفلاسفتها وعلمائها الذين دخلوا في الإسلام، وبغيرهم ممن لم يدخلوا فيه وإن ظلوا جزءًا مهمًّا من نسيج هذه الحضارة، بل شغلوا مناصب كبرى في الإمارات الإسلامية. وهكذا بدأت مثل هذه الكلمات العنصرية تختفي تدريجيًّا من اللغة العربية، ولم تعد تُستخدَم في اللغة المتداولة إلا على سبيل المجاز لا الحقيقة: فنحن -على سبيل المثال- نستخدم كلمة «عبد» لوصف شخص ما، لا باعتباره ينتمي إلى جنس أو عِرق ما، وإنما باعتباره شخصًا يعبر في مسلكه عن حالة العبودية، بمعنى التبعية والمذلة والخنوع، وهكذا.

وفي مقابل ذلك، فإن لغة الغرب كاللغة الإنجليزية بوجه خاص، لم تتخلص من استخدام اللغة العنصرية أو الاستعلائية بالمعنى الحقيقي لا المجازي، أعني من حيث دلالتها على الجنس أو العِرق؛ لأن اللغة هنا تنبع من موقف عنصري في النظرة إلى الآخرين أو الأغيار من حيث العِرق واللون، والدين أحيانًا. وهذا يعني أن اللغة هنا تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحالة ذهنية ما، وهي «العنصرية» باعتبارها توجهًا معرفيًّا وإرثًا ثقافيًّا؛ بينما أن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن تتخذ موقفًا استعلائيًّا من الشعوب المغايرة المغلوبة على أمرها باعتبارها شعوبًا أدنى منزلة. ربما يحتاج الأمر إلى بعض الأمثلة العملية التي قد تكون مفيدة في الصدد.

تأمل الكلمات والعبارات الشائعة على ألسنة الناس وفي لغة الأكاديميين، من قبيل: a person or people of color، فهذه العبارة تعني حرفيًّا «الشخص أو الناس الملونين». وهنا لا بد أن نتوقف لنتأمل عنصرية اللغة هنا من خلال تحليل العبارة: فماذا يعني أن نصف شخصًا ما بأنه ملوَّن؟ هذه العبارة لا تُقَال إلا على لسان الرجل الأبيض الذي روَّج لها في لغته، والذي يرى أن ما يُقاس عليه هو اللون الأبيض، وكل ما عداه هو صفة لكل الناس الآخرين الذين يطلق عليهم الرجل الأبيض عادةً كلمة «السود» blacks الذين يراهم أدنى مرتبةً من «البيض» whites.

ولا شك في أن هذا لا يعكس فحسب نوعًا من «العمى الأخلاقي» الذي يجعل المرء يميز بين البشر على أساس لونهم، بل يعكس أيضًا نوعًا من «العمى المنطقي»: فعبارة «ملون» هنا of color تُستخدَم للدلالة على «ما هو ليس أبيض»؛ وبذلك فإنها تستبعد «الأبيض» من مفهوم الألوان، وكأن الأبيض ليس لونًا من الألوان! ويحضرني هنا رأيٌ لشوبنهاور يسخر فيه من هذه المسألة المتجذرة في الثقافة الغربية: إذ يرى أن اللون الأسود للبشرة أو الأصفر كما لدى شعوب شرق آسيا هو الأصل في لون البشر، وأن اللون الأبيض للبشرة هو لون الناس بعد أن أصبح باهتًا عبر العصور بفعل هجرات الشعوب إلى الغرب لتعيش في بلاد تغيب الشمس عنها!

ولنتأمل مثالًا آخر نجده في كتاب هنتنجتون الشهير بعنوان «صدام الحضارات»؛ إذ يخصص فصلًا بعنوان «الغرب والبقية» The West and the Rest، وبذلك فإنه ينظر إلى موقف الغرب (أو الرجل الأبيض) باعتباره الأساس في مقابل كل ما عداه، أي في مقابل كل الأمم والشعوب الأخرى، أي في مقابل «الآخر» بالنسبة إلى الغرب.

يمكن للأمثلة هنا أن تتعدد، ولكن مفاد القول هو إن عنصرية اللغة تكشف عن حالة ذهنية تعبر عن نفسها في الثقافة واللغة، ومن ثم في الفهم والشعور.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مقابل

إقرأ أيضاً:

موعد صلاة الجنازة ومكان دفن الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر السابق

تشيع جنازة الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر السابق، ورئيس أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ، غدًا عقب صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف.

وزير الأوقاف ينعى الدكتور محمد المحرصاوي: نموذج للعالم الأزهري الوسطيالبحوث الإسلامية ينعى الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر السابقجنازة الدكتور محمد المحرصاوي

ومن المقرر أن يشيع جثمان الدكتور محمد المحرصاوي، بعد صلاة الجنازة عليه من الجامع الأزهر، إلى مثواه الأخير في مقابر الأسرة بمدينة 15 مايو في حلوان.

توفي الدكتور محمد المحرصاوي، اليوم الخميس، بعد تعرضه لأزمة صحية مفاجئة نقل على إثرها إلى مستشفى الأزهر التخصصي بمدينة نصر وتلقى الرعاية الطبية إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة داخل المستشفى.

وكان الدكتور محمد المحرصاوي، يتلقى العلاج من مرض السكر ولم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة أخرى.

وفاة الدكتور محمد المحرصاوي

تسبب خبر وفاة الدكتور محمد المحرصاوي، في حزن طلبته وأهله ومحبيه وأصدقائه من علماء الأزهر الشريف، ونعاه شيخ الأزهر ورئيس جامعة الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي الجمهورية، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وعدد من علماء والقيادات الدينية في مصر والعالم العربي والإسلامي.

توفي منذ قليل، الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر السابق، ورئيس أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة بعد تعرضه لوعكة صحية.

هو الدكتور مُحَمَّد حُسَيْن عَبْد العَزِيزِ حَسَن المَحْرَصَاوِيّ الجنسيــة : مصري .
تاريخ الميلاد : 11/8/1962 م محل الميلاد : القاهرة .
الوظيفة : أستاذ بقسم اللغويات ـ وعميد كليـة اللغـة العربيـة ـ جامعة الأزهـر بالقاهرة .
التخصص العـام : اللغـة العربيـة . التخصص الدقيق : اللغويات ( النحو والصرف والعروض ) .

التدرج الوظيفي

1 ـ عُيِّنْ مدرسًا بالمعاهد الأزهرية في 1/1/1986م في أثناء تأدية الخدمة العسكرية .
2 ـ ثم عُين معيدًا بقسم اللغويات ، كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر في 23/10/1989م .
3 ـ ثم عُيِّنْت مدرسًا مساعدًا بقسم اللغويات ، كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر في 1/12/1992م .
4 ـ ثم عُيِّنْ مدرسًا بقسم اللغويات ، كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة في 30/6/1996م .
5 ـ ثم أُعِيرْ إلى كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والإدارية ، جامعة الملك خالد ـ أبها ـ المملكة العربية السعودية ، في 27/5/1420هـ = 7/9/1999م .
6 ـ وتمت ترقيته إلى درجة أستاذ مساعد ( = أستاذ مشارك ) بقسم اللغويات بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة ، في 17/6/1422هـ = 5/9/2001م .
7ـ وتمت ترقيته إلى درجة أستاذ بقسم اللغويات بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة ، في 17/1/1429هـ = 26/1/2008م .
8 ـ ثم عاد إلى مصر بعد انتهاء الإعارة القانونية ، وتسلم العمل في 14/7/2009م .
9 ـ وتم تعيينه وكيلاً لكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة ، في 18/12/2011م .
10 ـ وتم انتخابه عميدًا لكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة ، في 11/4/2013م ، وتم التعيين في السابع من جمادى الآخرة 1434هـ ، الموافق 17/4/2013م ، قرار رقم ( 222 ) .
11 ـ وتم انتدابه للقيام بعمل عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة اعتبارًا من 17/4/2016م ، في 24/3/2016م ، قرار رقم (223) .

مقالات مشابهة

  • العامر: المدرب الوطني ليس مدرب طوارئ ويحتاج لإتقان الإنجليزية.. فيديو
  • بمشاركة العراق.. السفراء العرب يبحثون مبادرة الحضارة العربية في روما
  • موعد صلاة الجنازة ومكان دفن الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر السابق
  • البحوث الإسلامية ينعى الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر السابق
  • شاب من بوروندي يعتكف في المسجد الحرام بعد تعلمه العربية.. فيديو
  • جامعة حلوان تعلن فتح باب الحجز لاختبار تحديد مستوى اللغة الإسبانية
  • الدفاع عن الحضارة تطالب بتطوير شاطئ حنكوراب: يضم أندر الشعاب المرجانية
  • معرض أثري مؤقت للاحتفال بدور المرأة عبر العصور بمتحف الحضارة
  • أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي
  • جدول الثانوية العامة 2025 للنظامين القديم والجديد