لجريدة عمان:
2025-03-29@07:37:29 GMT

الابتكار المجتمعي المعاصر و«اقتصاد الإلهام»

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

ارتبط الابتكار الاجتماعي بالمفهوم السائد والتقليدي عن توظيف الخبرات، والمعارف المحلية، والممارسات لحل التحديات الناشئة، وقد اكتسب هذا الفهم توسعًا كبيرًا بعد أن زحف التطور التكنولوجي والرقمي إلى معالجة التحديات الاقتصادية والمجتمعية، مما أتاح المجال لنشوء الابتكار المجتمعي المعاصر، والقائم على التكنولوجيا، وهذه التحولات ليست مجرد شواهد على التطور العلمي والتكنولوجي، ولكنها تحمل العديد من الفرص الاستراتيجية في تعزيز خلق القيمة الاقتصادية من الأصول الاجتماعية والثقافية، والتي يمكن وصفها بأنها مدخلات «اقتصاد الإلهام».

وإذا أردنا أن نتعرف بشكل أعمق على هذا المفهوم الناشئ في الاقتصاد، فإنه يظهر من عنوانه بأن ركيزته الكبرى تكمن في إذكاء الإلهام على المستوى الفردي والمجتمعي لاتخاذ مسارات أكثر ابتكارًا في حل التحديات، وذلك عبر إلهام المختصين والجهات ذات الصلة بهذه التحديات، وهو إن كان مماثلًا في سياقه العام للعديد من المفاهيم الاقتصادية القائمة على المرونة الاستراتيجية في اغتنام الفرص، إلا أنه في جوهره ينطوي على مجالات لم يتطرق إليها أي مفهوم آخر سبقه، مثل أهدافه الرامية إلى إعادة الثقة بالقدرات البشرية المشتركة في توظيف الابتكار المجتمعي لمعالجة التحديات المعقدة والمعاصرة، وإعادة التوازن في حياة الإنسان مع تسارع الثورات التكنولوجية، والمحافظة على القيم والثقافات والأنشطة الاجتماعية، والفعاليات الموسمية، والعادات المجتمعية، كمصادر غير ملموسة لخلق فرص الإلهام، وتعظيم الاستفادة منها.

ويُعد هذا النوع من الفكر مجالًا خصبًا للاستكشاف، فهو يقوم على إنتاج نماذج ناجحة ومتجددة من الابتكار المجتمعي بعيدًا عن البحوث الاجتماعية النظرية، والجهود الابتكارية المنهجية التي تقوم على اختبار الفرضيات، وتحليل الاحتمالات وتجريبها، ووضع الاستنتاجات، وهذا يقودنا إلى النقطة الأولى التي تم طرحها، وهي أن ركائز اقتصاد الإلهام ليست جديدة كليًا وإن كانت الأطر والمسميات حديثة، وعلى سبيل المثال فإن الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية التي يزخر بها شهر رمضان المبارك هي من الصور البارزة والأكثر مطابقةً لأبعاد اقتصاد الإلهام، وقد كانت تُمارس منذ فترة طويلة كأنشطة موسمية ترفيهية في المقام الأول، ولكنها تعد في الوقت ذاته استثمارًا اقتصاديًا، والمتتبع لها يمكنه أن يجد الكثير من المحاور التي تصب في الابتكار المجتمعي، وعلى رأسها تأتي النتاجات الإبداعية التاريخية والوثائقية التي يتم إنتاجها في شهر رمضان؛ فهي في الأصل تعود إلى جذور قديمة في العادات المجتمعية التي تقضي الوقت أثناء الصيام، أو بعد الإفطار في الاستماع للقصص والسير التاريخية، وهذا ينطبق كذلك على المسابقات وغيرها من الأنشطة الموسمية التي يمكن استثمارها في إنتاج أفكار جديدة وابتكارية، وهي جميعها تمثل مُمكنات مهمة لدعم اقتصاد الإلهام، من حيث توظيفها على نحو يتماشى مع المتطلبات العصرية.

ويكمن التحدي الأكبر هنا في إيجاد مسارات عملية لتحويل السمات الفردية، والمجتمعية، والعادات، والممارسات اليومية أو الموسمية إلى مصادر الإلهام لصناعة أفكار ابتكارية قابلة لحل التحديات، وتطويرها إلى نماذج أعمال ضمن مدخلات اقتصاد الإلهام، وذلك من خلال رفع كفاءة اكتشاف الفرص الكامنة للإلهام المجتمعي المشترك، مع التركيز على إبراز دور الشباب في إضفاء روح التجديد ومواكبة الأدوات التقنية، وإدماجها في البحث عن حلول مستدامة للتحديات المجتمعية، وذلك عبر مختلف الأدوات الإجرائية التي بإمكانها صناعة الإلهام المشترك، أو ما يعرف بمصطلح هندسة الإلهام الذي يبدأ بالبحث عن الأصول غير التقليدية وغير المستغلة، ثم تقييم القدرات التي تحملها هذه الأصول من منطلق أن اقتصاد الإلهام يعتمد على القدرات التي تخلق الطلب على منتجات وخدمات بشكل استباقي، وليس على انتظار نشوء الطلب ثم الاستجابة لها، وهذا ما يجعل من اقتصاد الإلهام أداة مهمة في رسم ملامح قطاعات الاقتصاد في المستقبل، والذي يتطلب وجود درجة عالية من الجاهزية والاستجابة الذكية.

فإذا أخذنا شهر رمضان مثالًا، نجد بأن هناك العديد من الفرص التي يمكن استثمارها لتأسيس دعائم اقتصاد الإلهام، وتفعيله بشكل موسمي، ثم إطلاقه بصفته قطاعا اقتصاديا موجها لدعم الابتكار الاجتماعي المعاصر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية التوعية باقتصاد الإلهام من حيث نشر المفهوم، واستخلاص الدروس المستفادة من التجارب الرائدة عالميًا، ثم وضع الأطر الداعمة لتأسيس الفهم المشترك لأهمية تحقيق التموضع الاستراتيجي لهذا الفرع من فروع الاقتصاد ضمن القطاعات الاقتصادية الحيوية القائمة، ثم تأطير الأدوات التنفيذية لتهيئة نشوء اقتصاد الإلهام عبر تسهيل عملية الإلمام بأبعاده ومجالاته وتطبيقاته، ومراعاة أهمية ترسيخ هذا الفهم لجميع الفئات المجتمعية، وربطه مع الابتكار الاجتماعي لإتاحة الفرصة للتكامل مع المفاهيم الأخرى وتعزيزها، وذلك دون ازدواجية أو تكرار، فإن ظهور المصطلحات الجديدة تتطلب نهجًا تكامليًا في الإدماج مع ما هو قائم، لضمان التفاعل الإيجابي المرن، والوصول للعوائد الاقتصادية والاجتماعية المنشودة ضمن منحنى أقصر للتعلم، ودرجة مقاومة أقل من قبل الجهات الفاعلة والمستهدفة.

ولعل العادات، والممارسات، والسمات المجتمعية المرتبطة بالمناسبات الموسمية مثل شهر رمضان وغيرها هي منطلقات واعدة لنشر وتفعيل اقتصاد الإلهام المدفوع بالابتكار المجتمعي المعاصر، مما يستوجب المبادرة في هندسة الإلهام كقيمة مشتركة وبشكل متكامل، والتجسير بين الإمكانات المجتمعية التي تمتلك القدرات من جهة، والقطاعات الإنتاجية التي تواجه التحديات من جهة أخرى، ويتطلب ذلك الالتفات إلى أهمية تعريف القدرات المؤسسية والمجتمعية كنقطة الانطلاقة، ثم تحليل التحديات والمتطلبات الراهنة على نحو تشاركي، ثم إتاحة هذه الاحتياجات للمبتكرين وإذكاء الإلهام في إنتاج طيف واسع من الأفكار والمقترحات والحلول والسيناريوهات، والتي يمكن إتاحتها عبر جميع أبعاد الابتكار التكنولوجي، أو النتاجات الفكرية والإبداعية، فالتحديات المعاصرة قد أصبحت أكثر ديناميكية، ومع تسارع الثورات العلمية لم تعد الفترة الزمنية المعتادة لدورة إنتاج الأفكار وتطويرها مواكبة بشكل كافٍ، مما فرض البحث عن مسارات بديلة أكثر فاعلية وكفاءة، كما أن التحديات كذلك لم تعد واضحة المعالم، ولذلك فإن إدماج الابتكار المجتمعي ومختلف أنواع الابتكار التشاركي في معالجة التحديات قد أصبح ضرورة لازمة، وبنفس القدر فإن الاستثمار في إلهام وتشجيع مختلف الفئات المجتمعية هما في صميم تشكيل الصورة المستقبلية للحياة والاقتصاد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الابتکار المجتمعی المجتمعی ا شهر رمضان التی یمکن

إقرأ أيضاً:

«زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي.. موضوع خطبة الجمعة القادمة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة، بعنوان: «زَكَاةُ الفِطْرِ وَدَوْرُهَا فِي التَّكَافُلِ المُجْتَمَعِيِّ».

وقالت الوزارة، إن الهدف من الخطبة توعية الجمهور باغتنام ما بقي من رمضان ودور الزكاة - وخصوصًا زكاة الفطر- في تحقيق التكافل المجتمعي، علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول التنبيه على أخذ الفتوى من مصادرها الرسمية، والتحذير من الفوضى الإفتائية.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَهَا نَحْنُ نُوَدُّع شَهْرَ رَمَضانَ الْمُعظّمَ مَوْسِمَ الْخَيْرِ وَالْأُنْسِ وَالْقُرْبِ وَالنُّورِ وَالتَّرَقّي فِي مدَارِجِ الْإِحْسَانِ، فيَا شَهْرَ رَمضَانَ تَرَفّقْ، دُمُوعُ الْمُحِبّينَ تَدَفّقُ، قُلوبُهُم مِنْ ألَم الفِراقِ تَشَقَّقُ، عَسَى وَقْفَةٌ لِلْوَداعِ تُطْفئُ مِنْ نَاِر الشّوقِ مَا أحْرقَ، عَسَى مُنقَطِعٌ عَنْ ركْبِ المقْبولِينَ يَلحَقُ.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقبِلوا عَلى ربِّكُم، وَاغْتنمُوا ما بَقِيَ من شَهْرِكُم، وأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَدْ دَنَتْ سَاعَةُ رَحِيلِهِ، وَبَدَتْ أَمَارَةُ تَوْدِيعِهِ، فَهَلُمُّوا إِلَى الاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الغَالِيَةِ البَاقِيَةِ، فَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ، يَا غُيُومَ الغَفْلَةِ والكَسَلِ عَنِ القُلُوبِ تَقَشَّعِي، وَيَا شُمُوسَ الهُدَى والتُّقَى اطْلَعِي، وَيَا أَقْدَامَ العَابِدِينَ الصَّادِقِينَ اسْجُدِي لِرَبِّكِ وَارْكَعِي، وَيَا ذُنُوبَ التَّائِبِينَ المُنِيبِينَ لَا تَرْجِعِي، وَيَا هِمَمَ المُحِبِّينَ بِغَيْرِ الجَنَّةِ لَا تَقْنَعِي.

أيُّها المكرَّمُ: يَا منْ أنْعَم اللهُ عَليْك بِإدْراكِ شهْرِ رَمضانَ، وَأجْزلَ عليْك آلاءَه، فصُمْت نَهارَه، وقُمْت ليْلَه، لِيكُن نورُ القُرآنِ سَاريًا في قَلبِك، وَلْتكنْ بركَاتُ الصّيامِ سُمُوًّا في أخْلاقِك، وَأحوَالُ القيَامِ رُقيًّا في عبَادتِك، وَاعْلمْ أنّ السَّعيدَ مَنْ قَبِلَ اللهُ منْهُ عبَادتَه في رمضَانَ، فأقْبلَ علَى ربِّه في مسْتقبَلِ أيَّامهِ فرحًا بطاعَتِهِ، منكسِرًا علَى أعْتابِ مَوْلاه، مُتَواضعًا لخلقِ اللهِ، فَإنّ من جَزَاءِ الحَسنةِ الحسنةَ بعدَها، ومِنْ علَاماتِ القَبولِ المدوَامةَ علَى الطَّاعَةِ.

أَيُّها الأَحِبَّةُ: إِنَّ زَكَاةَ الفِطْرِ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ شَرَعَهَا اللهُ تَعَالَى جَبْرًا لِخَوَاطِرِ النَّاسِ، وَكَشْفًا لِكُرُوبِهِمْ، وَإِدْخَالًا لِلسُّرُورِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى تَسْرِيَ السَّعَادَةُ فِي بُيُوتِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَأَرْبَابِ الحَاجَاتِ كَمَا يَسْرِي المَاءُ فِي الوَرْدِ، إِنَّ زَكَاةَ الفِطْرِ جِسْرٌ مُمْتَدٌّ بَيْنَ القُلُوبِ، يَربِطُ بَيْنَ القَادِرِ وَالمُعْسِرِ، وَيُشْعِرُ النُّفُوسَ جَمِيعَهَا بِالتَّكَافُلِ وَالمَوَدَّةِ وَالحَنَانِ والمَرْحَمَةِ، إِنَّهَا لَمْسَةُ حَنَانٍ تُمْسَحُ بِهَا دُمُوعُ المُحْتَاجِينَ، وَبَسْمَةُ رِضًا تُرْسَمُ عَلَى وُجُوهِ الفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ حَتَّى تُشْرِقَ فَرْحَةُ العِيدِ فَلَا نَرَى جَائِعًا وَلَا مُحْتَاجًا، وَيَتَحَقَّق مَشْهَدُ البُنْيَانِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الجَنَابُ الأَنْوَرُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».

أَيُّهَا السَّادَةُ، أَيُرْضِيكُمْ أَنْ يَتَكَفَّفَ الفُقَرَاءُ النَّاسَ يَوْمَ العِيدِ بَاحِثِينَ عَنْ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَيَكْسُو صَغِيرَهُمْ، وَيُطَيِّبُ خَاطِرَ مُنْكَسِرِهِمْ؟! إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَبِيتُ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ، وَلَا يُصْبِحُ مَسْرُورًا وَأَخُوهُ بَائِسٌ، فَلَيْسَ العِيدُ فَرْحَةً فَرْدِيَّةً، بَلْ هُوَ شُعُورٌ مُشْتَرَكٌ وَفَرْحَةٌ جَامِعَةٌ تَتَذَوَّقُهَا القُلُوبُ وَتُسَرُّ بِهَا الأَرْوَاحُ، وَزَكَاةُ الفِطْرِ هِيَ المِفْتَاحُ المُبَارَكُ الَّذِي يَضْمَنُ أَنْ تَمْتَدَّ هَذِهِ الفَرْحَةُ إِلَى كُلِّ بَيْتٍ، فَلَا يَشْعُرُ أَحَدٌ بِالخذْلَانِ فِي يَوْمِ الاجْتِمَاعِ عَلَى السَّعَادَةِ وَالبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا اليَوْمِ».

أَيُّهَا النَّاسُ احْرِصُوا عَلَى زَكَاةِ الفِطْرِ عِبَادَةً تَرْتَقِي بِهَا الرُّوحُ إِلَى مَعَالِي البَذْلِ وَالجُودِ وَالعَطَاءِ وَالإِكْرَامِ، اسْتَشْعِرُوا فِي زَكَاةِ الفِطْرِ مُتْعَةَ العَطَاءِ، وَلَذَّةَ العَوْنِ وَالإِسْعَادِ، وَكَنْزَ دَعَوَاتِ أَرْبَابِ الحَاجَاتِ، فِي مَلْحَمَةِ حُبٍّ وَتَكَافُلٍ وَتَرَاحُمٍ لَا نَجِدُ لَهَا عُنْوَانًا أَعْظَمَ مِنْ هَذَا البَيَانِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

السَّادَةُ الكِرَامُ، إِنَّ زَكَاةَ الِفْطِر مِسْكُ خِتَامِكُمْ، وَطُهْرَةٌ لِصِيَامِكُمْ مِمَّا عَلَقَ بِهِ مِنْ أَدْرَانٍ وَآثَامٍ، أَلَمْ يَقُلِ الجَنَابُ المُعَظَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَكَاةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَث»، فَهَلُمُّوا إِلَى الفَيْضِ الإِلَهِيِّ، فَهَذَا مَوسِمُ العَطَايا الرَّبَّانِيِّة وَالمِنَحِ الإِلَهِيَّةِ وَالبَذْلِ وَالسَّخَاءِ وَالكَرَمِ وَالنَّدَى، أَرْسِلُوا لِلدُّنْيَا رِسَالَةَ حُبٍّ، وَبَادِرَةَ أَمَلٍ، وَنَسمَةَ خَيْرٍ تَهُبُّ عَلَى القُلُوبِ، اجْعَلُوا مِنْ زَكَاةِ الفِطْرِ جِسْرًا مِن نُورٍ يَعْبُرُ بِنَا إِلَى رِحَابِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَيَجْمَعُنَا عَلَى مَائِدَةِ المَحَبَّةِ وَالوِئَامِ.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَيَا مَن تَسْعَوْنَ إِلَى الحَقِّ وَتَطْلُبُونَ رِضَا اللهِ وَهِدَايَتَهُ، الْزَمُوا مَصَادِرَ الفَتْوَى المَوْثُوقَةَ المُعْتَمَدَة وَالِبيئَةَ الإِفْتَائِيَّةَ الآمِنَةَ الَّتِي تُرَاعِي الأَحْوَالَ وَالأَشْخَاصَ وَالزَّمَانَ وَالمَكَانَ، وَاطْلُبُوا العِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَسَاطِينِهِ، فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ والشُّبُهَاتُ، وَتَعَدَّدَتْ فِيهِ المَشَارِبُ وَالأَهْوَاءُ، فَهَذَا أَمْرُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كنتم لَا تَعْلَمُونَ}.

أَلَا يَكْفِيكُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ أَنَّ مُؤَسَّسَاتِ الفَتْوَى الرَّسْمِيَّةَ حَامِلَةٌ لِمَنْهَجِ وَسَطِيَّةِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ؟ أَلَا تَرْوَنَ أَنَّ فَتَاوَى التَّشَدُّدِ قَدْ مَزَّقَتِ الأُمَّةَ تَمْزِيقًا، أَلَا تَدْرُونَ كَمْ دَمَّرَتْ فَتَاوَى التَّفْرِيطِ مِنْ ثَوَابِتِ دِينِنَا الحَنِيفِ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ أُسَرٍ دُمِّرَتْ، وَدِمَاءٍ سُفِكَتْ، وَشَبَابٍ ضُيِّعَ بِسَبَبِ فَتوَى شَاذَّةٍ أَوْ مَغْلُوطَةٍ، وَإِلَيْكُمْ هَذَا البَيَانُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

أَيُّهَا السَّادَةُ، أَمَا حَانَ الوَقْتُ لِإِسْعَافٍ عَاجِلٍ لِكَافَّةِ القَضَايَا وَالنَّوَازِلِ وَالمَسَائِلِ الَّتِي تُحَيِّرُ العُقُولَ فِي رِحَابِ مُؤَسَّسَاتِ الإِفْتَاءِ الرَّسْمِيَّةِ؟! أَمَا آنَ الأَوَانُ لِإِنْهَاءِ الفَوْضَى الإِفْتَائِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ ضَيَاعٍ لِلْهُوِيَّةِ المِصْرِيَّةِ وَالتَّدَيُّنِ المِصْرِيِّ الأَصِيلِ؟! أَيُّهَا الكِرَامُ، اصْنَعُوا الوَعْيَ الإِفْتَائِيَّ الرَّشِيدَ في الدُّنْيَا مِنْ جَدِيدٍ.

اللَّهُمَّ أَحْسِنْ خِتَامَنَا وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا

وتَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا

اقرأ أيضاًنص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف.. «الأم باب الرحمة»

بعنوان: «يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أقبِل».. موضوع خطبة الجمعة القادمة

موضوع خطبة الجمعة اليوم 21 فبراير 2025

مقالات مشابهة

  • التعليم العالي: نستهدف أن تكون مصر ضمن أفضل 50 دولة في مؤشر الابتكار العالمي بحلول2030.
  • السوداني يشدد على دور العشائر في تحقيق السلم المجتمعي
  • «زكاة الفطر والتكافل المجتمعي».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة
  • «طرق دبي»: 55 ألف مستفيد من المبادرات المجتمعية خلال رمضان
  • سيطرة العصبية الصهيونية الفاشية على الشرق الأوسط المعاصر.. قراءة في كتاب
  • جامعة كفر الشيخ تعقد ندوة بعنوان "التحديات العالمية التي تواجه الأسرة المصرية"
  • التحديات العالمية التي تواجه الأسرة المصرية.. ندوة بجامعة كفر الشيخ
  • GoAI247 وجامعة نيو جيزة توقعان شراكة لتعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي
  • «زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة الدكتور زهير قراط خلال المؤتمر: في ‏لحظة فارقة وخاصة فيما يتعلق بواحدة من أهم وأصعب التحديات التي ‏نواجهها وهي نقص أدوية السرطان وتأثيره الكارثي على حياة آلاف ‏المرضى وعائلاتهم في مختلف أنحاء البلاد؛ لقد أصبح هذ