لم يكن موضوع علاقة اللغة بالتفكير يشغل بالي حقًا، لكن ملاحظة أحد الأصدقاء حول تفوق الطلبة المتقنين لأساسيات اللغة في التحصيل الأكاديمي أو على الأقل بروز قدراتهم التحليلية وفهمهم العميق للأمور كان أحد سببين أخضعاني للتساؤل حول هذه العلاقة. أما السبب الثاني فكان المفكر المصري الدكتور زكي نجيب محمود، فبينما كنت أقرأ كتابه (حصاد السنين) إذا به يعيد نبش هذا الفضول حين أشار إلى ضرورة إعادة تقييم دور اللغة في عملية التفكير، بل وشدد على اعتبار اللغة هي الفكرة نفسها وليست مجرد وعاء لها!
بالتأكيد يبدو هذا غريبا، فكيف تقول عن فكرةٍ أستطيع التعبير عنها بالعربية والإنجليزية على حد سواء أنها هي اللغة ذاتها؟ أي كيف تكون لغتي هي تفكيري؟ وبينما أنا أتأمل هذه المسألة المثيرة للاهتمام، تساءلت كيف في الحقيقة نفكر؟ أليس التفكير يحدث في داخلنا عن طريق اللغة وحدها؟ وهذه الكلمات التي أكتبها الآن أليست هي الكلمات ذاتها التي اعتملت في داخلي تطبخ الفكرة التي أتحدث عنها؟ وهذا أمر كما هو واضح لا نستطيع البتّ فيه دون الرجوع لعلم الأحياء وفهم الجهاز العصبي وإشاراته وطرق عمله، فالوظيفة اللغوية بجري التحكم بها عن طريق النصف الأيسر من الدماغ عند معظم الناس.
ولكن التقدم البحثي والعلمي في نطاقي علم الأعصاب واللسانيات لا يزال قاصرًا حتى اليوم عن إنتاج تصور كامل لكيفية خلق اللغة والفكرة ومدى تشابكهما، فمع أن أجهزة التصوير والرنين المغناطيسي مع الكثير من البحث والتقصّي استطاعت أن تخبرنا عن المناطق المسؤولة من الدماغ عن استقبال وفهم اللغة (منطقة فيرنك) والأخرى المسؤولة عن إنتاج اللغة وتصديرها (منطقة بروكا) إلا أن القصة لا تزال طويلة للوصول إلى فهم كامل لهذه العملية.
وبما أن العلاقة بين اللغة والتفكير هي موضوع بهذه الأهمية فقد أثار جدل الباحثين في حقول علم النفس المعرفي واللسانيات وبطبيعة الحال الفلسفة. وكما أشير مسبقًا، فحتى يومنا هذا لا يزال السؤال عن طبيعة وحدود هذه العلاقة قائما ومتسعًا، ما إذا كانت اللغة هي الوعاء الضروري لكل أشكال الفكر الإنساني أم أن التفكير بوسعه أن يحدث بمعزل عن اللغة. وهذه جولة قصيرة حول أبرز محطات البحث العلمي في هذا المجال:
في البداية، ظهرت فرضية سابير-وورف التي أحدثت ثورة في فهمنا لهذه العلاقة، فقد اقترح إدوارد سابير وتلميذه بنيامين لي وورف أن اللغة ليست مجرد أداة للتعبير عن الأفكار، بل هي إطار يشكل تفكيرنا وإدراكنا للعالم. فعلى سبيل المثال، لاحظ وورف أن لغة الهوبي الأمريكية تفتقر إلى الكلمات التي تعبر عن الزمن بالطريقة التي نعرفها في اللغات الأوروبية، مما يؤدي - حسب رأيه - إلى اختلاف جوهري في كيفية إدراك متحدثي هذه اللغة للزمن.
ومع تطور علم النفس المعرفي، ظهرت وجهة نظر مغايرة يتزعمها ستيفن بينكر، تؤكد على استقلالية التفكير عن اللغة. يستند أصحاب هذا الرأي إلى عدة أدلة تجريبية، منها قدرة الأطفال الرضع على التفكير المنطقي قبل اكتسابهم للغة، وقدرة المصابين بالحبسة الكلامية على الاحتفاظ بقدراتهم العقلية رغم فقدانهم للغة.
وفي خضم هذا الجدل، يظهر موقف وسطي أكثر اتزانًا، يقر بوجود علاقة تفاعلية معقدة بين اللغة والتفكير. فاللغة، وفقًا لهذا الرأي، تؤثر في طريقة تنظيمنا للمعلومات وتصنيفنا للتجارب، لكنها ليست شرطًا ضروريًا لكل أشكال التفكير. فالتفكير البصري والحركي، على سبيل المثال، يمكن أن يحدث بمعزل عن اللغة، بينما يصعب تصور وجود تفكير مجرد معقد دون استخدام اللغة.
وقد عززت الدراسات الحديثة على ثنائيي اللغة هذا الفهم المتوازن للعلاقة بين اللغة والتفكير. فقد أظهرت هذه الدراسات أن متحدثي لغتين أو أكثر يظهرون أنماطًا مختلفة من التفكير عند استخدامهم للغات المختلفة، فعلى سبيل المثال، قد يكون الشخص نفسه أكثر عقلانية عند التفكير بلغة، وأكثر عاطفية عند التفكير بلغة أخرى.
وفي السياق العربي، تكتسب هذه العلاقة بين اللغة والتفكير أهمية خاصة. فاللغة العربية، بما تمتلكه من خصائص فريدة في الاشتقاق والتركيب، تقدم نموذجًا مثيرًا لدراسة كيف يمكن للبنية اللغوية أن تؤثر في أنماط التفكير. فعلى سبيل المثال، قد يؤثر النظام الاشتقاقي الغني في العربية على كيفية إدراك متحدثيها للعلاقات بين المفاهيم المختلفة.
وختامًا، يمكن القول إن العلاقة بين اللغة والتفكير هي علاقة تفاعلية معقدة لا يمكن اختزالها في نموذج بسيط. فبينما يمكن للتفكير الأساسي أن يوجد بمعزل عن اللغة، فإن اللغة تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وتنظيم تفكيرنا المعقد. وتبقى هذه العلاقة موضوعًا خصبًا للبحث والدراسة، خاصة مع تزايد الاهتمام بتأثير التعددية اللغوية على الإدراك والتفكير في عالمنا المعاصر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على سبیل المثال هذه العلاقة عن اللغة
إقرأ أيضاً:
يناقشها مسلسل وتقابل حبيب.. 4 عادات تعزز العلاقة الزوجية وتقلل الخلافات
قضايا ومشكلات مجتمعية كثيرة تناقشها دراما رمضان 2025 بشكل فني وحبكة مميزة، من بينها الخيانة الزوجية وتأثيرها النفسي والجسدي على الضحية، والتي يسلط الضوء عليها مسلسل وتقابل حبيب بطولة الفنانة ياسمين عبد العزيز.
مسلسل «وتقابل حبيب»وتدور أحداث مسلسل «وتقابل حبيب»، بطولة الفنانة ياسمين عبد العزيز، حول قصة ليل الحسيني، التي كانت تعيش حياة هادئة مع زوجها «يوسف»، قبل أن تكتشف أنه متزوج سرًا من امرأة أخرى تدعى رقية العسكري، ويتبين أن هذا الزواج كان حلًا لأزمة مالية واجهتها شركة العائلة، وأن الجميع كان على علم به إلا هي لتقرر الانفصال عنه، بعد شعورها بخيبة أمل وحسرة شديدة.
وبينما يتشوق الجمهور لانطلاق السباق الرمضاني هذا العام، ومن واقع مسلسل «وتقابل حبيب»، نوضح 4 عادات عليك اتباعها في الحياة الزوجية تعزز علاقتك بشريك الحياة وتقلل من المشكلات الزوجية الأخرى التي قد تؤدي في النهاية إلى الطلاق.
4 عادات تعزز العلاقة الزوجية وتقلل الخلافاتوحسب ما ورد على موقع «the new york times»، فهناك 4 عادات تعزز العلاقة الزوجية وتقلل الخلافات، وهي:
1- التواصل الفعال:
خصصا وقتًا يوميًا للتحدث عن أموركما اليومية، وأحلامكما، ومخاوفكما. استمعا إلى بعضكما بانتباه، وحاولا فهم وجهة نظر الآخر. عبرا عن مشاعركما بصدق ووضوح، وتجنبا الصمت أو التلميحات. إن كان هناك شيء يزعجك أخبر شريكك حتى تتمكنا من حل الموضوع معًا، فلا تعتقد أنه يعلم ذلك دون أن تخبره به.2- قضاء وقت ممتع معًا:
مارسا أنشطة مشتركة تستمتعان بها، مثل مشاهدة فيلم، أو ممارسة الرياضة، أو الطبخ معًا. خططا لمفاجآت صغيرة بين الحين والآخر، مثل عشاء رومانسي، أو رحلة قصيرة. استغلا أوقات الفراغ للتحدث والضحك معًا، وتجديد ذكرياتكما الجميلة.3- التقدير والاحترام المتبادل:
عبرا عن امتنانكما لبعضكما البعض، وقدرا جهود الآخر. تجنبا الانتقادات اللاذعة، وحافظا على الاحترام المتبادل في جميع الأوقات. ادعما بعضكما في تحقيق أهدافكما، وكونا مصدرًا للقوة والإلهام لبعضكما البعض.4- الحفاظ على الرومانسية:
عبرا عن حبكما واهتمامكما ببعضكما البعض من خلال اللمسات الرقيقة والكلمات الرومانسية، والهدايا الصغيرة، والمفاجآت.