لجريدة عمان:
2025-04-17@19:11:11 GMT

ردّ الاعتبار للمعلم العربي

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

في الفيلم المصري الشهير الناظر (إنتاج 2000)، يقول البلطجي «اللمبي» الذي أدى دوره باقتدار الممثل الكوميدي الصاعد وقتها محمد سعد، للناظر الشاب صلاح الدين عاشور (الراحل علاء ولي الدين)، بعد أن أنهى تعليمه قواعد «البلطجة» حتى يستطيع مواجهة عنف طلاب المدرسة الخاصة: «أنا كده بقى اطمنت عليك يا أبو صلاح وسلمتك العلم اللي تقدر تنتفع به في الحياة» «هذه العبارة التي أصبحت من أهم العبارات أو «الأفيهات» بلغة أهل السينما»، قلبت الآية رأسا على عقب، ونسفت تماما رسالة الفيلم التي كان محورها إمكانية إصلاح الأوضاع التعليمية المتردية في بعض المدارس، من خلال المبادرات البناءة التي يقدمها المعلمون الأمناء.

تواردت في ذهني هذه العبارة، وغيرها الكثير من العبارات التي امتلأت بها أفلام ومسرحيات ومسلسلات عربية تحط من قدر المعلم ومكانته في المجتمع، وأنا أتابع احتفالات سلطنة عُمان بيوم المعلم والتي لم تؤثر هذه الأفلام- بحمد الله- على صورة المعلم فيها، إذ ما زال المعلمون ينالون التقدير الكبير سواء من الحكومة أو من المجتمع العماني المتمسك بثقافته وتقاليده، التي دأبت على توقير المعلم ووضعه في المكانة الرفيعة المناسبة لأصحاب مهنة الأنبياء والرسل، كما قال أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي «كاد المعلم أن يكون رسولا»، وهو تعبير مجازي، يريد الشاعر منه أن يقول: إن كل معلم هو رسول يحمل رسالة العلم، وينقلها بأمانة إلى الأجيال المتعاقبة.

واقع الحال أن السينما والمسرح والدراما التليفزيونية والإعلام بشكل عام لم ينصف المعلم إلا فيما ندر، ولا يتذكر الناس في بعض الدول العربية عندما يأتي ذكر المعلمين سوى سخرية الباشا والد ليلى من الأستاذ حمام مدرس اللغة العربية الفقير (نجيب الريحاني) الذي تم انتدابه لإعطاء دروس لابنة الباشا (ليلى مراد) في فيلم «غزل البنات (إنتاج 1949)، وسخرية ناظر المدرسة (حسن عابدين) من الأستاذ داود (فؤاد المهندس) المعلم في مدرسة خاصة، في مسلسل «الدنيا لما تلف»، وما حدث في المسرحية الأشهر «مدرسة المشاغبين» لعادل إمام وسعيد صالح وسهير البابلي التي حطت من قدر المعلم والمتعلمين، وأصبح يضرب بها المثل في قدرة الإعلام على التأثير في ثقافة المجتمع وإفساد الذوق العام. وأذكر أنه بعد أن عرضت هذه المسرحية لأول مرة على شاشة التلفزيون المصري في أكتوبر 1973 كان بعض طلبة المرحلة الثانوية تحديدا يقلدون أقوال وأفعال الممثلين داخل المدارس، كما كان بعض المعلمين الجدد يفعلون نفس الأمر داخل فصول المدارس الإعدادية.

ولا شك أن التأثير التراكمي طويل المدى للصورة الذهنية السلبية التي قدمها الإعلام للمعلم قد أثر بشكل كبير ليس فقط في نظرة المجتمع للمعلم والانتقاص من قدره، ولكن أيضا في اهتمام الدول العربية بالمعلمين، الذين لا يزالون يعانون في غالبية تلك الدول من التنمر والتهميش وضعف الرواتب والحوافز المادية والمعنوية، وهو ما دفع قطاعات منهم إما إلى هجر المهنة المقدسة، أو الانخراط في جريمة الدروس الخصوصية، وتفريغ المدارس من دورها الأساسي في التعليم، وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع واضح في مستوى التعليم قبل الجامعي في دول عربية كبيرة كانت حتى وقت قريب رائدة في هذا المجال.

أثناء كتابة هذا المقال الذي أريد من خلاله دق ناقوس الخطر من تسرب المواد الإعلامية المسيئة للمعلمين إلى أطفالنا وأبنائنا عبر وسائل ومنصات الإعلام التقليدية والجديدة، التي تشهد معدلات استخدام مرتفعة من جانب الفئات التي لا تزال في مراحل التعليم، عثرت على مقال علمي مهم لأستاذ الإعلام السعودي الدكتور على بن شوين القرني، وتلميذه عبدالله بن صالح الحسني حول الصورة الذهنية للمعلم في الصحافة السعودية، وهي دراسة تحليلية مقارنة. استخدمت الدراسة ستة أبعاد رئيسية تشكل الصورة الذهنية للمعلم في ثلاث صحف سعودية (عكاظ، والرياض، واليوم)، شملت ثلاثة واجبات، هي: واجبات المعلم تجاه الطالب، وتجاه النظام التعليمي، وتجاه المجتمع، في مقابل ثلاثة حقوق، هي حقوق المعلم المهنية، والمادية، والمعنوية. وخلصت الدراسة إلى أن كتاب الرأي في الصحف السعودية الثلاث ركزوا بشكل أكبر على واجب المعلم تجاه الطالب، فيما ركز المعلمون والمعلمات على حقوق المعلم المادية وكان اتجاههم سلبيا بشكل عام. وانتهت الدراسة إلى تأكيد ما هو مؤكد في عالمنا العربي، وهو أنه رغم الاهتمام الواضح بالمعلم من جانب وزارة التعليم فإن صورته الذهنية في الصحافة تبدو -على حد تعبير الدراسة- سلبية في بعض الجوانب المهمة. وفي دراسة للصورة الذهنية للمعلم لدى الجمهور الأردني أشار الباحث عيسى المراعبة إلى أن صورة المعلم لدى الجمهور جيدة جدا، وتتعارض مع الصورة السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام للمعلم بوجه عام.

ما أريد أن أقوله هنا إن الإعلام العربي كان عاملا مؤثرا مهما وفاعلا ضمن عوامل أخرى تتصل بالمجتمع العربي نفسه في تشكيل الصورة الذهنية السلبية عن المعلم. ولذلك لا يمكن لنا أن نتحدث عن تقدم ملموس في مستوى جودة التعليم دون إعادة الاعتبار للمعلم، والإعلاء من قيمة دوره في صناعة الأجيال ونقل التراث العلمي والاجتماعي بينها. يتطلب الأمر أولا أن نبدأ ببحث واقع صورة المعلم في المنصات الإعلامية العربية ولدى الجمهور وصناع القرار في المجال التربوي والتعليمي، لمعرفة موقع أقدامنا، ومن ثم التقدم على طريق تقديم صورة إيجابية للمعلم، ليس فقط في وسائل الإعلام التقليدية مثل السينما والتلفزيون والصحافة، ولكن أيضا في المنصات الإعلامية الجديدة التي تخاطب الطلبة بشكل كبير.

إن الاحتفاء بيوم المعلم لا يجب أن ينسينا أن دور المعلم لا يقل أهمية عن دور الطبيب والمهندس وضابط الشرطة والقاضي والمحامي وكل المهن الأخرى؛ لأنه ببساطة المسؤول الأول عن تعليم كل هؤلاء ووضعهم على بداية الطريق الصحيح لخدمة الأوطان، ومع ذلك ما زال المعلم في غالبية الدول العربية الأقل تقديرا ماديا ومعنويا من تلاميذه الذين عملوا في مهن أخرى غير تعليمية. علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن الدول التي تقود العالم حاليا هي تلك التي وضعت المعلم في مكانة تفوق مكانة نظرائه في المهن والوظائف الأخرى، وأن الإصلاح يبدأ من إصلاح أحوال التعليم والمعلمين. ولنا في العبارة الشهيرة التي قالتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لمئات من الأطباء والمهندسين والقضاة عندما طالبوا بزيادة رواتبهم لتكون مماثلة لرواتب المعلمين في المدارس الحكومية «كيف أساويكم بمن علموكم؟» هذه العبارة لخصت الكثير وأصبحت مضربا للمثل في ضرورة إعادة الاعتبار للمعلم ليس في ألمانيا وحدها، ولكن في العالم كله. دول كثيرة في العالم قفزت إلى المراكز الأولى في سلم التعليم الأكثر جودة وكفاءة مثل فنلندا وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية بفضل اهتمامها بصناع الأجيال من المعلمين، ودول كثيرة تدهورت على جميع المستويات عندما فعلت العكس.

إن أفضل احتفال بيوم المعلم أن نجعل وقوفنا وتبجيلنا له -كما طالبنا أمير الشعراء- تبجيلا عمليا وليس كلاميا فقط، وذلك بتحسين أوضاعه المادية ومنحه التقدير المعنوي المناسب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلم فی

إقرأ أيضاً:

انعقاد الدورة 51 لمؤتمر العمل العربي بالقاهرة 19 أبريل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 تعقد منظمة العمل العربية خلال الفترة (19-26 أبريل / نيسان 2025 ) في فندق سوفيتيل داون تاون، في مدينة القاهرة، الدورة الحادية والخمسين لمؤتمر العمل العربي، برعاية كريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، واستنادا إلى نظام العمل في المؤتمر تترأس الجمهورية اليمنية أعمال هذه الدورة. 

المشاركون في الدورة 51 لمؤتمر العمل العربي بالقاهرة


نتشرف في حفل الافتتاح بحضور  ممثل الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، راعي المؤتمر ، ومعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية الأستاذ أحمد أبو الغيط، وحضور ثمانية عشر  من أصحاب المعالي السادة الوزراء هذا ويشارك في أعمال المؤتمر440 مشاركاً ومشاركة من أصحاب السعادة والسيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود من الحكومات ومنظمات أصحاب العمل والاتحادات العمالية من 21 دولة عربية، وممثلو الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والسادة ممثلو المنظمات العربية والدولية، وعدد من السادة السفراء والشخصيات البارزة في جمهورية مصر العربية.

تكريم 25 شخصية خلال الدورة 51 لمؤتمر العمل العربي بالقاهرة


يمثل مؤتمرنا هذا العام محطة مفصلية في مسيرة منظمة العمل العربية، إذ يتزامن مع الذكرى الستين لتأسيسها؛ ومع الذكرى الثمانين لإنشاء جامعة الدول العربية. 

ويشهد حفل الافتتاح تكريم 25 شخصية من رواد العمل العرب، تقديرًا لإسهاماتهم البارزة وجهودهم المخلصة في خدمة قضايا العمل والنهوض بمسيرة التنمية والإنتاج في الوطن العربي.

ويتضمن جدول أعمال المؤتمر فيما يخص البند الأول القسم الأول، تقرير المدير العام بعنوان "التنويع الاقتصادي كمسار للتنمية: الاقتصادات الواعدة في الدول العربية" يؤكد التقرير على أن التنويع الاقتصادي أصبح ضرورة استراتيجية في ظل الأزمات الاقتصادية والتحولات التكنولوجية والرقمية، لتعزيز الاستدامة والتنافسية في الدول العربية، ويحلل التقرير  واقع الاقتصاد العربي، موضحًا التحديات الهيكلية ومواطن الضعف، كما يناقش العلاقة بين التعقيد الاقتصادي والتنمية البشرية والابتكار، ويبرز أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودور الحوار الاجتماعي في دعم سياسات التنويع، ويستشرف فرص النمو في اقتصادات واعدة كالاقتصاد الرقمي، والأخضر، والأزرق، والدائري، الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والبرتقالي، واقتصاد الرعاية.

كما يتضمن جدول الأعمال دعوة للتوافق على إعلان مبادئ حول "تعزيز التنويع الاقتصادي والانتقال نحو الاقتصادات الواعدة"، هذا ونستعرض الأنشطة والبرامج التي نفذتها منظمة العمل العربية خلال العام المنصرم، ضمن خطتها المعتمدة تلبية لاحتياجات أطراف الإنتاج الثلاثة، من خلال مختلف الفعاليات المنفذة التي روعي فيها التوزع الجغرافي والتنوع من دورات تدريبية وندوات وملتقيات ومؤتمرات، إلى جانب مشاركة المنظمة في العديد من الأنشطة والمؤتمرات العربية والاقليمية والدولية، وذلك من خلال القسم الثاني من البند الأول: تقرير عن نشاطات وإنجازات منظمة العمل العربية خلال عام 2024، إلى جانب بعض الملاحق ذات الصلة باللجان النظامية والدستورية، مجلس إدارة منظمة العمل العربية، واللجان النظامية المعنية بالحريات النقابية والخبراء القانونيين وشؤون عمل المرأة العربية؛ وتقرير حول مشروع الاســتراتيجية العربيـــة لريادة الأعمـال في حين يتضمن البند السابع تشكيل الهيئات الدستورية والنظامية بمنظمة العمل العربية، للفترة (2027 – 2025)، والتي تشمل: مجلس إدارة منظمة العمل العربية، وهيئة الرقابة المالية والإدارية بمنظمة العمل العربية، ولجنة الحريات النقابية بمكتب العمل العربي، ولجنة شؤون عمل المرأة العربية، بالإضافة إلى لجنة الخبراء القانونيين للفترة ( 2025 – 2028 )
كما سنناقش من خلال البند الفني الثامن: السياسات الاجتماعية الشاملة ودورها في الحد من الفقر وتعزيز الاندماج الاقتصادي آليات وتدابير السياسات الاجتماعية ودورها في التنمية المستدامة، والمؤشرات الديموغرافية والاجتماعية، وواقع أنظمة الحماية الاجتماعية في الدول العربية، والتدابيرالمقترحة لتطوير أنظمة الحماية الاجتماعية.

ويتضمن البند الفني التاسع: العناقيد الاقتصادية مدخل استراتيجي لتحقيق التنمية المستدامة  فيناقش مفهوم العناقيد الاقتصادية ومكوناتها الأساسية، ويحلل وضعها الراهن في الدول العربية من حيث التوزيع الجغرافي والقطاعي، كما يناقش تأثير هذه العناقيد على التنمية المستدامة، والتحديات والآفاق المستقبلية لتطويرها، مع التركيز على دور أطراف الإنتاج الثلاثة للنهوض بالعناقيد الاقتصادية العربية.
إضافة الى ذلك يستعرض جدول أعمال المؤتمر عدداً من البنود التي تقدم  تقارير عن نشاطات وإنجازات المنظمة، ومجلس إدارتها واللجان النظامية المعنية بالحريات النقابية والخبراء القانونيين وشؤون عمل المرأة العربية؛ ولجنة تطبيق الاتفاقيات والتوصيات، ويتضمن ملخص البنود  ودليل المؤتمر  معلومات أساسية حول جدول أعمال الدورة الحادية والخمسين والكثير من التفاصيل الهامة. 

وتتيح الدورة الحادية والخمسون لمؤتمر العمل العربي منبرًا عربيًا رفيع المستوى للحوار  والشراكة ثلاثية الأطراف، لتوحيد الرؤى وتكثيف الجهود نحو تنمية مستدامة وشاملة، وتعزيز العمل اللائق في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه دولنا العربية، ودعا المسؤولون وسائل الإعلام الموقّرة لمواكبة هذا الحدث البارز.

مقالات مشابهة

  • اجتماع يستعرض الأعمال المنجزة التي نفذتها اللجنة التحضيرية لأسبوع المرور العربي
  • انعقاد الدورة 51 لمؤتمر العمل العربي بالقاهرة 19 أبريل
  • رسالة إلى إعلامنا العربيّ.. «المحايد جدًا»
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي
  • المعلم : صانع الحضارة
  • التعليم العالي تطلق عمل أول فريق إعلامي جامعي تطوعي بجامعة ‏دمشق ‏
  • رئيس البرلمان العربي يدين المخططات التخريبية التي تستهدف أمن الأردن
  • حماس: أي مقترح لا يأخذ في الاعتبار مصالح شعبنا لن يكون قابلا للتنفيذ
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • أحمد موسى: الكويت من أولى الدول التي دعمت مصر منذ 30 يونيو 2013 وحتى اليوم