الفنون ودورها في توازن المجتمعات
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
لا تُبنى الأمم في معزل عن الفنون؛ فالجدران وحدها لا تبني أمة حقيقية مهما علت وناطحت السحاب. ولا يمكن أن يستقيم وصف الحضارة لم تستطع أن تنتج فكرا وفنا، وأبسط تعريف لمصطلح الحضارة يمكن أن يختصر المعنى هو أنها حصيلة التقدم المادي والفكري والثقافي الذي تحققه المجتمعات عبر الزمن.
وعُمان أمة عريقة صنعت حضارة عبر الزمن، حضارة مزجت بين التقدم المادي والتقدم الثقافي والمعرفي، ولم تهمل جانبا على حساب جانب آخر؛ ولذلك هي أمة إنسانها متزن ومنتمٍ لا يشعر فيها بغربة أو حالة إنكار ثقافي مع الذات أو مع الأرض.
وعندما تهتم عُمان في عهدها الحديث بالفنون ودعمها وبالمعرفة وبنائها في الوقت نفسه الذي تهتم فيه ببناء الاقتصاد وتشييد البنى الأساسية الحديثة في الدولة إنما هي تصنع تلك الثنائية التي تحقق التوازن والبناء الحضاري الصحيح.
وعُمان مقبلة على مرحلة مهمة من هذا البناء «الحضاري» الذي يضيف على ما تم إنجازه عبر الزمن سواء في الجانب المادي أو الجانب الثقافي؛ فإضافة إلى المتاحف التي افتُتحت خلال المرحلة الماضية هناك مشروع المركز الثقافي الذي ينتَظر أن يكون أحد أبرز المشاريع الثقافية العمانية العملاقة بما يتضمنه من مرافق بينها المكتبة الوطنية والمسرح الوطني الأمر الذي ستشهد معه عُمان نهضة ثقافية ومعرفية تجعلها تحافظ على مكانتها التاريخية التي كانت على الدوام رافدا مهما من روافد الحضارة الإنسانية.
واليوم أضافت وزارة الإعلام لبنة مهمة لهذا المسار الحضاري العماني عندما افتتحت «مسرح وزارة الإعلام» الذي ينتَظر أن يكون محطة إشعاع ثقافي خاصة وأنه يتمتع ببنية أساسية متقدمة تضاهي المسارح الحديثة.
وبالنظر إلى ما تضمنه حفل الافتتاح من عرض لفنون موسيقية وضوئية وتقنيات حديثة فإن المرحلة القادمة، بالنسبة لهذا المسرح، ستشهد عروضا ثقافية وفنية عبر استضافة عروض مسرحية وموسيقية وفكرية تثري المشهد الثقافي العماني في عمومه بالقدر نفسه الذي تثري فيه المشهد الإعلامي وتعيد لمسرح الإعلام في المشهد العربي حضوره وألقه.
وهذا المشروع هو جزء ضمن استراتيجية ثقافية عمانية كبرى تعنى بكل ما من شأنه تقوية المجتمع وبناؤه البناء الحقيقية الصلب الذي يحميه من الهشاشة ومن التضعضع أمام كل التحولات التي يشهدها العالم.
وتدرك عُمان جيدا أن الأمة التي تهمل فنونها، تفرّط في هويتها دون أن تدري، والأمة التي تعتني بفنونها إنما تعتني بجوهرها وتكتب تاريخها، وتبني إنسانها البناء القوي؛ فالفنون بكل تجلياتها المعرفية تصنع الهوية وتصنع القيم وتصنع التوازن في الإنسان ومجتمعه.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سواعد من بعيد تبني الديار.. تجربة المغتربين في المجتمعات العربية
وسلط برنامج "رفقا" في حلقة 2025/3/28 الضوء على واقع هؤلاء المغتربين والعمالة الأجنبية في الدول العربية، وتحديدا في دولة الكويت، مستعرضا تحدياتهم وحقوقهم من منظور إنساني وقانوني وشرعي.
وفقا للحلقة فقد كشفت دراسة حديثة أجريت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن أرقام مفزعة حول واقع العمالة الأجنبية، حيث تبين أن نسبة كبيرة من العمال تعاني من حجز الأجور والإيذاء النفسي، فيما تعرّض نحو 23% منهم للإيذاء الجسدي.
وفي سياق متصل، أظهرت دراسة أخرى أن 42% من العاملات المنزليات يعملن 16 ساعة يوميا، وأن 22% من العينة المشاركة في الدراسة لا يوجد لديهم ساعات راحة ولا أيام استراحة، مما يخالف أبسط حقوق العمال.
مبادرات إنسانية
ولمواجهة هذا الواقع المؤلم، برزت مبادرات إنسانية تسعى لدعم العمالة الأجنبية والمغتربين، ومن بينها مركز العمل الإنساني الذي أنشئ في الكويت عام 2015، والذي تطور عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى: تقديم الدعم القانوني للعمالة الأجنبية ومساعدتهم في الوصول إلى حقوقهم وترتيب أوضاعهم.
المرحلة الثانية: افتتاح مكتب الخدمات الإنسانية في مطار الكويت الدولي، وهو الأول من نوعه في العالم وفقا لتقرير وزارة الخارجية الأميركية.
إعلانكما تم إطلاق مشروع "ابن السبيل" تحت إشراف الجمعية الكويتية للتواصل الحضاري، لخدمة العمالة المنزلية والعمالة البسيطة، وتوفير مظلة للعدالة الاجتماعية والرفق بهم.
وتتفق معظم دول المنطقة على 3 قوانين رئيسية تنظم التعامل مع المغتربين والعمالة الأجنبية:
قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص (الاتجار بالبشر): يجرم السخرة والاستغلال. قانون العمل: ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، ويحدد ساعات العمل وحقوق العامل. قانون إقامة الأجانب: ينظم إقامة العمالة الأجنبية والمغتربين.وفي الكويت تحديدا، يحظر القانون الخصم من راتب العامل بسبب الاستهلاك الطبيعي للأدوات أو الكسر غير المتعمد، كما ينص على تعويض مضاعف في حال تشغيل العامل ساعات إضافية، مما يعكس توجها لحماية حقوق العمالة.
الجانب الشرعي
ولم يغفل البرنامج الجانب الشرعي في التعامل مع العمالة، مؤكدا أن الإسلام كفل للعامل حقوقا عديدة، منها:
عدم تكليفه بما لا يطيق، مصداقا لقول الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". التعامل معه بإحسان ورفق، اقتداءً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع خادمه أنس بن مالك، الذي قال: "خدمت النبي 10 سنين، فوالله ما قال لي أف قط". إعطاؤه حقه من الزكاة إذا كان مغتربا منقطعا (ابن سبيل)، كما ورد في القرآن الكريم.ورغم وجود منظومة قانونية متكاملة، ما زالت هناك فجوات وتحديات تواجه العمالة الأجنبية، منها:
بطء الاستجابة للأزمات: حيث تعاني الجهات المعنية من عدم الاستعداد الكافي للكوارث والأزمات التي تؤثر على العمالة الأجنبية. مشكلة انتهاء الإقامة: حيث يقع العامل في حيرة بين مخالفة القانون أو المغادرة، في وقت قد تكون فيه المطارات والحدود مغلقة بسبب الأزمات في بلده الأصلي. نقص منظومة دور الرعاية ومراكز الإيواء: خاصة للرجال، ما يضطر السلطات لإرسالهم إلى مراكز الإبعاد التابعة للمؤسسات الإصلاحية. إعلان
تجربة ميدانية
وأجرى فريق البرنامج تجربة ميدانية لرصد ردود فعل المجتمع تجاه إهانة أحد العمال أمام المارة، وتبين أن العديد منهم تدخلوا لوقف الإساءة، مما يعكس وعيا مجتمعيا متناميا بأهمية احترام العمالة الأجنبية ورفض إهانتهم.
وقال أحد المتدخلين: "هؤلاء آباء ومسؤولون في بلدانهم وداخل منازلهم، ليس لنا الحق بالقسوة والانتقاص منهم، الكل ممكن أن يكون مكانهم يوما ما".
و دعا البرنامج إلى تبني ثقافة الرفق والإحسان في التعامل مع العمالة الأجنبية والمغتربين، مستشهدا بقول سيدنا عمر بن الخطاب: "والله لو أن بغلة عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لِم لَم تمهد لها الطريق يا عمر؟".
الصادق البديري28/3/2025