يمانيون../
بعد وقت بسيط من اغتيال شهيد الأمة السيد حسن نصرالله أدرك الكيان الصهيوني فداحة صنيعه، إذ ارتفعت وتيرة أعمال المقاومة، وتعقّدت مسارات أي نصر، ما دفعه لطلب الهدنة. وفي تشييع الشهيد نصر الله بهذا الإيقاع المتماسك وروح المقاومة المهيمنة، قرأ العدو سطورا جديدة مغايرة كليا لما كان ينتظر أن يقرأه باغتياله لسيد المقاومة، حيث امتزجت مشاعر الحزن بروح التحدي والإصرار على الثبات في طريق مواجهة الظلم والاحتلال حتى دحره من الأرض العربية، وحيث سجل هذا العنفوان في التعبير عن الانتماء للقائد الشهيد بداية مرحلة جديدة لن يكون للعدو فيها أن يهدأ.

أكثر من مليون نسمة كانت حاضرة مسير التشييع، في موكب مهيب يليق بالشهيد الذي كان مرعبا لهم في حياته، ولا يزال كذلك بعد استشهاده، وفي السماء كانت الطائرات الإسرائيلية تحاول قراءة شيء من تفاصيل ما بعد الشهيد.

المشهد الذي قزّم مؤامرات العدو

دائما ما كان السيد حسن نصرالله يؤكد على أمنيته بالشهادة، وطوال ثلاثين عاما لم تعط كلماته أو حركاته -يوما- معنى غير ما كان يفصح عنه، وعلى ذلك أسس جيش المقاومة، الذي ارتبط بهذا القائد الأمة، ويدرك اليوم بأن الوفاء لهذا القائد هو بالاستمرار على الخط الذي اختطه وسار عليه في درب الجهاد ومواجهة الشيطان وإزهاق الباطل.

مثّل التشييع مشهدا كرنفاليا، قزّم كل تلك التشنجات التي عاشتها الغرف الصهيونية والأمريكية في التخطيط وتحشيد الإمكانات لهزيمة المقاومة، بل وإنهاء وجودها، إذ جدد ذلك المشهد العهد للشهيد بمواصلة السير على الدرب، كما ثبّت حقيقة النموذج في هذا القائد الذي يبدو من المستحيل أن يغيب عن مشهد يوم الانتصار الأعظم.

لا سجل أخلاقي ولا رصيد قيمي
للكيان الصهيوني والطاغوت الأكبر أن يعبرا عن إحباطهما من هذه الامتدادات التي لن تنتهي لروح المقاومة، وهي التي وُجدت -يوم وُجدت- لهدف لم تنجح كل أشكال الاستهداف والمؤامرات في تغيير تفاصيله؛ مضمونه: إن على العدو الصهيوني أن يرحل من الأرض العربية.

هدف وحقيقة ثابتة: لن تهدأ جذوة المقاومة حتى يشهدها الواقع فعلا ماثلا يثبّت الحق ويُزهق الباطل.

حتى وقد استشهد السيد نصرالله، لم يفلح العدو في محاولته تغليب أي مشهد آخر على حضور القائد الذي قاد أول نصر عربي على الكيان، وإعلان الجنوب اللبناني أنه أول أرض عربية يتم تحريرها من أيدي الصهاينة الغاصبين.

وأن تأتي كل هذه الجموع ومن ورائها (80) دولة فإنه تجديد العهد على الموقف والكلمة، فكيف للعدو أن يتصور أنه يمكن أن ينال من هذه الأمة وهو كلما استهدف قائد ظهر آلاف القادة الذين لا يتزحزحون عن موقفهم الثابت، ولا تغريهم أموال أو مناصب.

له أن يعبر عن امتعاضه وغيظه، وجموعُ يوم الوداع الكبير أكدت أن جرائم الاحتلال الصهيوني وعمليات الاغتيال الجبانة بحقّ قادة المقاومة في فلسطين ولبنان وكل مكان؛ لن تُوقف مسيرتها حتى اقتلاعه واستعادة الأرض والمقدسات.

أكثر من ثمانين قنبلة من نوع “هايفي هايد مارك 84” أمريكية الصنع، الخارقة للتحصينات، تزن اكثر من ثمانين طنا عكست حجم الحقد الصهيوني على رجل رفض الخنوع والاستسلام والانضمام إلى ركب التابعين، كما عكست حجم تأثير هذا الشهيد.

لذلك كان المشهد مثيرا للعدو، ولذلك حلّق لا شعوريا بطائراته في سماء التشييع.. التقط الصور وحتما حلل المضامين والدلائل، فالسيد نصر الله ينتصر حتى يوم تشييعه بهذا التماسك القوي للنفوس الحرة التي جاءت من ثمانين دولة، وهو الذي كان يأمل باغتياله أن ينهي فكرة المقاومة.

إنه إرث عقود من الزمن، من مبادئ تؤكد التمسك بالحق ولو كان الثمن بذل النفس، وهي ثقافة لا يفقهها من يقاتلون من وراء جُدر، تمرّسوا منهجية التمرد على الإنسانية واعتادوا الخيانة.. أفراد لا تجمعهم إلا ثقافة النهب والسيطرة على ممتلكات الغير، يفتقدون للرمز الأخلاقي، كما يفتقدون لأي شعور بالانتماء؛ لا إلى دين ولا إلى النوع البشري. ممثلون وحيدون للطغيان والظلم والاستبداد. لا سجل أخلاقي لهم ولا رصيد قيمي.

المواجهة التي مزقت أحلام العدو

يأتي هذا فيما لا تزال الشواهد تذكّر العدو بأن بصمات الشهيد نصرالله لا تزال في ساحة المعركة، ولا يزال عنفوانه يمنع الكيان من تطبيع الحياة عقب المواجهة التي مزقت أحلامه وحولتها إلى أشلاء، فالمقاومة تزداد قوة، واغتيال الأمين العام لحزب الله إنما زاد من شحن همتها أكثر لتمثّل عامل ردع ورعب للصهاينة الذين ظلوا في شتاتاهم داخل الكيان المحتل وما استطاعوا العودة إلى الشمال.

في خطاب للشهيد نصر الله قبل عملية الاغتيال تعهد بأن المستوطنين الذين فروا من شمال فلسطين لن يعودوا قبل أن يتوقف العدوان على غزة. واليوم ورغم وقف إطلاق النار في جبهة لبنان وجبهة غزة إلا أن الفشل لا يزال يلاحق النتنياهو الذي ما استطاع حتى أن يؤمِّن مستوطنيه ويقنعهم بالعودة إلى مستوطنات الشمال.

اللبنانيون عادوا إلى جنوب لبنان فور وقف إطلاق النار مع حزب الله، ولا مقارنة بين من ينتمون إلى الأرض ويشعرون بهذا الانتماء، وبين غاصب يدرك أنه دخيل ومحتل اعتاد الشتات.

ما رآه العدو في مراسم التشييع

أحيت هذه الجموع أيضا حقيقة صعوبة المقارنة بين جموع المقاومة التي تشرّبت ثقافة البذل والعطاء وثقافة الاستشهاد، وبين مجاميع من المحتلين وقطاع الطرق، من لا ثوابت يقفون عندها، ولا مرجعيات راكزة يمكن أن تدلهم إلى طريق الرشاد.

ورغم أن قادة الاحتلال الإسرائيلي الأمريكي يعون بأن الواقع لا يضمن أي مستوى من ثبات الصهاينة على كلمة واحدة، إلا أن المكابرة تتجاوز كما يبدو حتى هؤلاء الذين يمثلون بنية الكيان من المستوطنين، ليتجه منهج قادة الاحتلال البربري إلى محاولة صرف صورة الهزائم المتواصلة بتكرار أعمال البلطجة وارتكاب الجرائم الوحشية، وفي مسعى مستمر لطمس شخصية القائد البطل الذي ظل طوال ثلاثة عقود يمثل شوكة وعقبة أمام مخططات فرض الهيمنة المريحة على المنطقة بأسرها. كيف لا وهو الذي مرّغ أنف “الجيش الذي لا يقهر” في التراب، كيف لا وهو يرى في الجموع الحاضرة في مراسم التشييع ومن خلفها ملايين آخرين كلاً منهم يمثل مشروع مقاوم بروحية الشهيد القائد حسن نصرالله.

التورط الأمريكي مكشوف

يحاول البعض اليوم قراءة المعطيات التي سبقت اغتيال الشهيد نصرالله في محاولة للوصول إلى ما يثبت تورط أمريكا في هذه العملية، والأصل أن كل المشروع والمخطط الذي يراد بتنفيذه تغيير ديموجرافية المنطقة بأسرها هو أمريكي، أن العدوان على غزة واستهداف شعوب المنطقة ونهبها بالقوة هو فعل أمريكي. فأمريكا حاضرة في كل ما تعيشه الدول العربية والإسلامية من تأخُر وفقر، ومن خلافات واقتتال، حتى في إطار القطر الواحد.

الأمر ليس بحاجة لجمع الاستدلالات أو التحليل للتيقن من هذا التورط، فأمريكا كانت مشاركة في العدوان على غزة من أول يوم، وأمريكا هي التي وفرت للكيان السلاح والمعلومات الاستخبارية في العدوان على جنوب لبنان، وأمريكا هي التي ألجمت العالم في فضيحة تفجير البيجرات وأجهزة الاتصال في بيروت، وفضلا عن ذلك فأمريكا تقولها جهارا بأنها معنية حتى النخاع بأمن “إسرائيل”، وترى المقاومةَ في غزة وحزب الله في لبنان إلى جانب إيران مصادر قلق، وسلوكُها العملي السياسي والعسكري والاستخباراتي يعكس ذلك بكل وضوح. وأمريكا كانت دائما حاضرة بصورة عملية في الجرائم المستمرة التي تشهدها المنطقة، في مقدمتها عمليات الاستهداف لرموز المقاومة، كون الأخيرة لا تزال تمثل العقبة دون تنفيذ مشروعها في المنطقة. أما أبلغ دليل على التورط فهي عملية الاستهداف بذاتها للسيد نصر الله، فأمريكا هي من زودت الكيان بالمعلومة، وهي من زودته بالقنابل وهي قنابل خاصة، تشير المعلومات إلى أنه اُضيف لها مادة اليورانيوم المنضب، ما زاد من قدرتها على الاختراق ورفع درجة الحرارة في محيط الانفجار، إضافة إلى حاضن خاص يحوّلها من قنبلة (غبية) إلى قنبلة موجهة (ذكية).

شهيد الإسلام والإنسانية

نعم هو شهيد الإسلام، حين كان الإسلام دافعه لقتال العدو الصهيوني الذي اغتصب الأرض، وقتل الأبرياء، وأقلق أمن المنطقة بمؤامراته، العدو الذي لم يلتزم بعهود ومواثيق، هو من وقّع عليها وذهب يمارس التسلط ضد الشعوب الإسلامية.

لم يتوار الشهيد القائد نصرالله خلف مبرر أن العدوان لم يكن على أرضه، ولكن الانتماء للإسلام برز بهذه النخوة التي رفضت هذا الاستفراد بالشعب الفلسطيني، وتعامل مع المعركة على أنها معركته وكل المقاومة.

ونعم هو شهيد الإنسانية حين كان تحركه إنسانياً لنجدة الضعفاء من النساء والأطفال والمسنين، حين أمِن العدو إلى أن الأمة العربية والإسلامية لم يعد لها صوت ولن يكون لها أي تحرك، إلا أن النزعة الإنسانية لدى الشهيد جعلته يتحرك لقتال أعداء الإنسانية.

موقع أنصار الله

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: العدوان على

إقرأ أيضاً:

في وداع سيّد الشهداء!

 

-بالأمس، وفي مراسم تشييع اختلطت فيها مشاعر الحزن بالفخر، والوجع بالتحدي، والألم بالأمل، والدموع بزغاريد الانتصار، ودَّعت الأمة العربية والإسلامية واحدا من أعظم وأبرز رجالاتها الأفذاذ، ومجاهديها الميامين وقادتها الأبطال، ممن لا يستطيع الموت ولا الزمن محو آثارهم ومآثرهم ومناقبهم النبيلة، من عقول ونفوس البشر التوّاقين إلى الحرية والكرامة والمجد.

-عندما يكون الحديث عن شخصية بحجم ومكانة السيد المجاهد الشهيد الكبير حسن نصر الله، تذوب وتتلاشى مفردات صغيرة، على غرار المذهبية والطائفية والحزبية، وغيرها من سفاسف الأمور، فالرجل كان بحجم أمة، ومحل إجماع وإعجاب كل الشرفاء والأحرار في هذا العالم.

-زرت الجمهورية اللبنانية الشقيقة أكثر من مرّة، في زمان ما قبل الحرب العدوانية على اليمن، وفي كل زيارة لذلك البلد الجميل، كنت أزداد قناعة أن جميع طوائف الشعب اللبناني يُجمعون على حب واحترام وإكبار السيد نصر الله وأن تلك المشاعر الحميمية تجاه السيد لا تختلف أبداً من قبل السُني أو الشيعي أو المسيحي أو الدرزي أو الكردي، فأينما وحيثما جاءت سيرته تقابل بالثناء والإكبار.

-السيد حسن نصرالله وُلد في واحد من أكثر الأحياء فقراً وحرماناً في الضاحية الشرقية لبيروت، وأكمل دراسته الثانوية في قرية “البازورية”، وهناك انتسب إلى حركة أمل التي كانت معروفة آنذاك بـ”حركة المحرومين”، حيث أصبح بسرعة مندوب قريته، برغم صغر سنه، وبعد تأسيس “حزب الله “في مدينة بعلبك إثر الاجتياح الصهيوني للبنان، بدأ نصرالله عمله الجهادي منذ وقت مبكر من التأسيس وتولّى عددا من المسؤوليات فيه، ونظرا لشخصيته القيادية الفذّة، والكاريزما النادرة لديه سرعان ما لمع نجمه وذاع صيته، وفي السادس عشر من “فبراير” من العام 1992 تم انتخابه بالإجماع من قبَل أعضاء الشورى أميناً عاماً لحزب الله خلفاً للأمين العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي الذي اغتالته القوات الصهيونية. لتشهد المقاومة الإسلامية اللبنانية في عهده نقلة نوعية وتطورات كبيرة انتهت بتحقيق انتصار عظيم على جيش العدو الإسرائيلي الذي انسحب منهزما من لبنان عام 2000، وحين عاد الكيان بعد 6 سنوات من اندحاره، كان حزب الله وقائده العظيم نصر الله بالمرصاد ليتجرع هزيمة قاسية مرة أخرى، جعلت أمريكا تسارع الخطى لاتفاق وقف إطلاق النار وكانت عملية التبادل الشهيرة مع العدو حين أجبر على إطلاق عميد الأسرى العرب سمير القنطار مقابل رفات جنوده الصرعى.

– لجأ الاحتلال الصهيوني بعد خسارته المذلة لحرب تموز 2006 إلى المكر والخديعة للنيل من هذا القائد العظيم، وعمل منذ ذلك الوقت بكل إمكانياته وإمكانيات داعميه في أمريكا والغرب، من أجل اختراق حزب الله وأنفق مليارات الدولارات، للوصول إلى القائد الباسل والفارس المغوار الذي ترجّل عن صهوة جواده خلال معركة طوفان الأقصى بعد أن صال وجال طويلا في ميادين الوغى وأثخن جراحات العدو، وألحق به الهزائم النكراء.

-الحشود الغفيرة التي شاركت في تشييع جثمان الشهيد الكبير حسن نصر الله أمين عام حزب الله، وخليفته ورفيق دربه المجاهد هاشم صفي الدين والتي اكتظت بها ساحة المدينة الرياضية في الضاحية وفي شوارع وأزقة بيروت ولم تأبه لطائرة العدو الحربية وهي تحلق على مستويات منخفضة، وأكدت مجددا مستوى الحميمية التي تربط الشعب بالقائد حيّا وميتا، وأنها ستمضي على دربه ونهجه في المقاومة، ومقارعة الظلم والطغيان والاستكبار.

-رحل سيد المقاومة شهيداً كما أراد ذلك دوماً، وبقيت المقاومة ومبادئها ومآثر قادتها العظماء، نبراسا تضيء دروب الحرية والكرامة في كل العصور والأزمان.

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة: الشهيد نصر الله جسّد معاني الجهاد والاستبسال في نصرة المستضعفين
  • المشهد النهائي لم يكتمل بعد
  • في وداع سيّد الشهداء!
  • من تربية العظماء إلى صناعة القادة: رسالةٌ إلى والد الشهيد الأقدس السيد نصرالله
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. بعد تراجع تل أبيب.. «حماس» تتهم إسرائيل بتعريض الهدنة للخطر وتدعو واشنطن لتنفيذ اتفاق التهدئة
  • رسائل الوداع الكبير للشهيدين الأمينين.. المقاومة لا تنكسر
  • حماس: الشهيد نصر الله تحدى العدو الصهيوني ودافع عن القدس حتى قضى شهيداً
  • حماس: نستذكر الشهيد السيد نصرالله وموقفه الصلب من فلسطين
  • شاهد| هذا هو المكان الذي سيدفن فيه جثمان الأمين العام الأسبق لـ”حزب الله” اللبناني الشهيد السيد حسن نصر الله (فيديو)