عربي21:
2025-04-17@12:27:43 GMT

كيف وُلِدت معاداة الإسلام ومعاداة الفلسطينيين معا

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

لقد وُلِدت أيديولوجيا "معاداة الإسلام"، أو ما أصبح يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، ومعاداة الفلسطينيين معا، وقد ظلتا صنوان لا ينفصلان منذ لحظة ولادتهما قبل ألف عام. وقبل زمن طويل من اكتساب الأيديولوجيتين لاسميهما المعاصرين كقناعين للغزو، فقد كان ما جعل الفلسطينيين هدفا لهما في القرن الحادي عشر هو ذاته ما جعلهم هدفا لهما في القرن الحادي والعشرين، ألا وهو حقيقة أن الفلسطينيين كانوا ولا يزالون السكان الأصليين لفلسطين وأنهم في أغلبيتهم مسلمون.



لقد كانت فلسطين الموقع لأول مستعمرات أوروبا الاستيطانية كما أصبحت الموقع لآخر مستعمراتها، وهو ما شكّل كارثة على الشعب الفلسطيني ما انفك يعاني منها ولا يزال يقاومها. ولم يكن الفلسطينيون أول المسلمين أو المسيحيين العرب الذين استهدفتهم الجيوش الأوروبية اللاتينية، بل سبقهم المسلمون العرب في إسبانيا وصقلية وجنوب إيطاليا. وقد غزا الأخيرة النورمانديون لتوسيع حدود "العالم المسيحي" اللاتيني (وهو الاسم الذي عرفت به "أوروبا" قبل عصر النهضة) وانتزاع هذه الأراضي من الحكم العربي الإسلامي. ولكن على النقيض من غزو صقلية، الذي استهدف المسلمين العرب هناك، كانت فلسطين أول أرض تشنّ عليها "حرب مقدسة" من قبل أوروبا المسيحية اللاتينية، استهدفت المسلمين والمسيحيين الشرقيين معا، في حملة عُرفت لاحقا باسم "الحملة الصليبية الأولى".

لقد ألهمت الحملة الصليبية التعصب الذي طبع ما سماه كاثوليك إسبانيا بحملة "الاسترداد" للأندلس، والتي عدّت آنذاك "المسيرة الثانية إلى القدس". ولكن على النقيض من إيطاليا العربية الإسلامية وإسبانيا، لم تكن فلسطين تجاور حدود "العالم المسيحي" اللاتيني، رغم كونها البلد الذي شهد ولادة ونشوء الديانة التي اعتنقها لاحقا الوثنيون الأوروبيون. وقد كانت خطيئة شعب فلسطين في نظر الفرنجة الصليبيين على وجه التحديد أنهم ليسوا مسيحيين لاتين. وعلى نحو مماثل، منذ بدء المشروع الصهيوني لغزو فلسطين، كانت خطيئة الشعب الفلسطيني في نظر الصليبيين الجدد هي أنهم ليسوا يهودا. وفي كلتا الحالتين، جرى تصوير فلسطين بوصفها الأرض التي أورثها الرب للمسيحيين اللاتين، ثم لليهود منذ مطلع القرن العشرين، مع أن كليهما ينحدر مما أصبح يسمى بـ"أوروبا".

كما كانت معاداة الإسلام خلال الحروب الصليبية تستهدف الأتراك والعرب على حد سواء، مع توجيه قدر أكبر من الكراهية للفلسطينيين، فإن معاداة الإسلام اليوم لا تختلف كثيرا. فالفلسطينيون، باعتبارهم "أسوأ المسلمين"، يحتلون المكانة الأبرز فيها
وفي حين شكلت معاداة الإسلام أساس الحروب الصليبية اللاتينية منذ القرن الحادي عشر فصاعدا، فقد شهد فجر القرن التاسع عشر تحوّلا في الأسس الأيديولوجية لمشاريع أوروبا الاستعمارية، حيث أصبحت عقيدة تفوق العرق المسيحي الأبيض الأوروبي والاستشراق الركيزتين الجديدتين لهذا التوسع. وقد ظل الإسلام عاملا هيكليا رئيسا، ولكنه بات متشابكا مع العديد من المسائل التي صاغتها أوروبا والتي ظهرت في القرن الثامن عشر، لا سيما ما أطلق عليه البريطانيون اسم "المسألة اليهودية" و"المسألة الشرقية". ومع ذلك، لم تهدأ الحرب على المسلمين بين نهاية القرن الثامن عشر ونهاية الحرب العالمية الأولى. وتتحدث التقديرات المتاحة عن قتل ما يصل إلى خمسة ملايين مسلم عثماني وروسي بين عامي 1820 و1914، وتهجير ستة ملايين مسلم تحوّلوا إلى لاجئين.

وبينما نجا الشعب الفلسطيني من هذه الحملات الدموية، إلا أنه بحلول القرن العشرين أخذ الغرب المسيحي يصوّره في الغالب على أنه عربي، وهي الهوية الأقرب إلى الإسلام. ولكن ظلت تسميته كعربيّ بارزة حتى أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث شهدت أوروبا أحدث تجليات معاداة الإسلام، والتي بدأت إرهاصاتها الأولى في أعقاب انتصار الثورة الإيرانية، على النحو الذي عبر عنه الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2001، وسماها بـ"الحملة الصليبية" التي "ستستغرق بعض الوقت". وفي تلك الفترة، أعادت إسرائيل والغرب تحديد هوية الفلسطينيين بوصفهم مسلمين غير مرغوب فيهم وينبغي هزيمتهم. وكما أشار بوش، فإن الحملة الصليبية بالفعل استغرقت بعض الوقت ولا تزال قائمة إلى اليوم.

والواقع أن خطط الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن الفلسطينيين في غزة، كما سأوضح، ليست أكثر من إعادة إنتاج لتاريخ الحروب الصليبية، إن لم تكن مستوحاة منها بشكل مباشر. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1095، أعلن البابا أوربان الثاني عن ضرورة "استعادة" الأرض التي ولدت فيها الديانة المسيحية. وفي خطابه إلى الأوروبيين الذين تخلوا عن وثنيتهم واعتنقوا المسيحية الفلسطينية، أكد البابا ما يلي:

"ادخلوا الطريق المؤدي إلى القبر المقدس؛ انتزعوا تلك الأرض من الجنس الشرير، وأخضعوها لأنفسكم. تلك الأرض التي يذكرها الكتاب المقدس بأنها "تفيض لبنا وعسلا"، منحها الله لبني إسرائيل. القدس هي سرة العالم؛ وثمارها لا تضاهيها أية أرض أخرى، إنها فردوس آخر للملذات.. لذلك فإن هذه المدينة الملكية، الواقعة في مركز العالم، أسيرة اليوم في يد أعداء الله، خاضعة لأولئك الذين لا يعرفون الله، عبدة الأوثان. لذلك فهي تسعى وترغب في التحرر ولا تكف عن التوسل إليكم لمساعدتها، وهي تستغيث بكم لإنقاذها على وجه الخصوص".

وبما أن أغلبية سكان القدس الأصليين في ذلك الوقت كانوا من المسيحيين العرب، أو ما أطلق عليه الصليبيون اسم "السريانيين"، فقد كان أحد الدوافع المعلنة للحملة الصليبية هو إنقاذهم وإنقاذ الكنائس الشرقية من قبضة المسلمين، على الرغم من أن أيا من المسيحيين الشرقيين لم يشتك قط ولم يناشد اللاتين طلبا للمساعدة. والواقع أن المسيحيين الشرقيين، وخاصة الفلسطينيين منهم، كانوا، إلى جانب المسلمين، "الضحايا الأكثر رفضا" للحملات الصليبية والأكثر "تعاسة" نتيجتها، وفقا لمؤرخي الحروب الصليبية.

أما "جريمة" العرب المسلمين في فلسطين، الذين وصفهم البابا بـ"أعداء الله" و"الجنس الشرير" و"عَبَدة الأوثان"، فقد تمثلت في نظر المسيحية اللاتينية بـ"استيلائهم" على الأماكن "المقدسة"، التي طمعت الكنيسة اللاتينية في استملاكها. في الواقع، لم يُطلق مصطلح "الأرض المقدسة" على فلسطين إلا خلال الحملة الصليبية الأولى من قبل المسيحيين اللاتين المتعصبين، ليحل محل التسمية التوراتية "أرض الميعاد". كما رفض الصليبيون استخدام الاسم الحقيقي للمدينة، وهو "القدس"، الذي كان قد أصبح اسمها الرسمي منذ القرن التاسع، مفضلين بدلا من ذلك الاسم الآرامي "أورشليم"، الذي يعتقد البعض خطأ أنه اسم عبري.

شكّل شعب فلسطين هدفا رئيسا وعدوا مُعلنا للبابوية، التي رأت في تحويل أنظار المسيحيين اللاتين نحو الخارج وسيلة لوقف الحروب الداخلية التي مزقت "العالم المسيحي". فقد اعتبرت الكنيسة أن الاقتتال بين المسيحيين اللاتين أنفسهم يُشكل خطيئة كبرى تعيقهم عن خدمة إلههم وتحقيق وحدتهم. لذلك، سعت البابوية إلى توحيد المسيحيين اللاتين تحت راية واحدة، ليس فقط من خلال وقف النزاعات الداخلية، بل أيضا عن طريق توسيع حدود "العالم المسيحي" جغرافيا. وقد كانت إعادة توجيه كراهية اللاتين وعدائهم، التي كانت موجهة ضد بعضهم البعض، نحو المسلمين بمثابة خطوة استراتيجية لتحقيق هذه الأهداف، حيث تم تصوير الحملات الصليبية كحرب مقدسة لاستعادة "الأرض المقدسة" من أيدي "الكفار".

وبما أن المسيحيين اللاتين اعتبروا المسلمين غير قابلين للتبشير اللاتيني ورافضين اعتناق الهرطقة اللاتينية، فقد حظرت الكنيسة عقد أي سلام معهم، وعدّتهم من عبدة الأوثان، الذين يجب قتلهم وطرد الناجين منهم من "الأرض المقدسة". أما بالنسبة للمسيحيين العرب، فقد حاول الصليبيون إجبارهم على اعتناق الهرطقة الكاثوليكية إلا أن مساعيهم باءت بالفشل أيضا. ونتيجة لذلك، تم طرد الناجين من السكان العرب المسلمين والمسيحيين والعدد الصغير من اليهود العرب من القدس لإفساح المجال للمستوطنين الفرنجة.

عندما ذبح الصليبيون ما بين 40 و70 ألفا من هؤلاء "الشرقيين" أو الـ"ساراسن"، كما كان يُطلق على العرب المسلمين، في القدس وداخل المسجد الأقصى في مذبحة مروعة في 15 و16 تموز/ يوليو 1099، غضب الصليبيون المتشددون وشعروا باستفزاز لأن ضحاياهم تجرأوا وقاتلوا للدفاع عن أنفسهم.

وبهذه الطريقة، أسس الصليبيون بالسيف والكتاب المقدس أول مستعمرة استيطانية أوروبية في فلسطين بعد ارتكاب إبادة جماعية بحق سكانها. وقد أطلقوا على مستعمرتهم الاستيطانية اسم "المملكة اللاتينية". وبعد طرد سكان المدينة بالكامل، جلبوا 120 ألف مستعمر مسيحي لاتيني، شكّلوا ما بين 15 إلى 25 في المئة من سكان مستعمرة الفرنجة التي امتدت إلى جميع أنحاء فلسطين وما حولها. وفي داخل مستعمرتهم الاستيطانية، أسس الصليبيون نظاما قانونيا مبنيا على ما يصفه المؤرخ الإسرائيلي للحروب الصليبية جوشوا براور بنظام "الفصل العنصري".

وعلى النقيض من الصهيونية، التي كانت دوما أيديولوجيا تجمع بين الدين والقومية الاستعمارية، كانت المقاومة الفلسطينية تاريخيا قومية ومناهضة للاستعمار، ولم تكن دينية في جوهرها. ومع ذلك، وتبعا للتقليد اللاتيني، استخدم الصهاينة أوصافا صليبية لنعت الفلسطينيين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر باعتبارهم عربا "قذرين" و"متوحشين"، و"معادين للسامية"، وحتى "نازيين". وبعد تأسيس حركة حماس في عام 1987، بدأت الحكومة الإسرائيلية تتحدث عنهم باعتبارهم مسلمين جهاديين معادين للسامية يجب سحقهم. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر مباشرة، انتشرت تكهنات مبكرة في وسائل الإعلام الغربية بأن حركة حماس قد تكون وراء الهجمات. ورغم أن حركة حماس لم ترتكب أي عمل من أعمال المقاومة في تاريخها خارج فلسطين التاريخية، فقد اعتُبرت المشتبه به الرئيس. ومنذ ذلك الحين، تعززت فكرة التوأمة بين معاداة الإسلام ومعاداة الفلسطينيين بشكل أكثر صراحة.

في حزيران/ يونيو 2009، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا في جامعة القاهرة موجها ليس فقط لجمهور محلي مصري، بل إلى "العالم الإسلامي" بأكمله، تحدث فيه عن أهمية التسامح الديني مع المسيحيين المصريين واللبنانيين من قبل مواطنيهم المسلمين، في حين وعد بإنهاء التمييز المؤسسي ضد المسلمين الأمريكيين الذي أعقب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. وقد برر أوباما الحملات العسكرية الأمريكية القاتلة المستمرة آنذاك في أفغانستان وباكستان (كان بوسعه أن يضيف اليمن ولكنه لم يفعل)، باعتبارها ضرورية. ولم تستهدف حملات حكومته على هذه البلدان المسلمين غير الأمريكيين فيها فحسب، بل استهدفت أيضا المواطنين الأمريكيين المسلمين غير البيض بالاغتيال.

وعلى نفس المنوال، سعى أوباما إلى تقديم تبرير لاهوتي للسياسة التي كانت ترعاها الولايات المتحدة، وهي فرض "السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، "سلام" يحافظ على الاستعمار الاستيطاني اليهودي والاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية. ولتحقيق ذلك، تحدث أوباما عن كيف أن "الأرض المقدسة للأديان الثلاثة العظيمة هي مكان السلام الذي أراده الله لها أن تكون؛ عندما تكون القدس وطنا آمنا ودائما لليهود والمسيحيين والمسلمين، ومكانا لجميع أبناء إبراهيم للاختلاط بسلام كما في قصة الإسراء، عندما انضم موسى وعيسى ومحمد (عليه السلام) في الصلاة".

من قبيل المصادفة أن الحملة الصليبية الحالية التي يشنها دونالد ترامب على غزة، ودعوته إلى طرد سكانها الفلسطينيين الناجين من حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تشبه إلى حد كبير الحملة الصليبية الأولى والإبادة الجماعية لفلسطينيي القدس التي ارتكبها الصليبيون وتهجيرهم للناجين. ومن غير الخفي أن كلا المشروعين مستوحى من مشروع الاستعمار الاستيطاني الأبيض على أرض الفلسطينيين
وبذلك، كان أوباما يعيد إنتاج الخطاب الصهيوني الذي يصور المستوطنين اليهود كضحايا يحتاجون إلى التسامح، بينما يتم تصوير الفلسطينيين كمقاومين عنيفين لليهود ليس لأنهم يحتلون الأرض، بل بسبب يهوديتهم. وهكذا، كانت دعوته إلى "التسامح الإسلامي" و"السلام بين الطوائف" أداة لإضفاء الشرعية على الاستعمار الاستيطاني اليهودي بدلا من الدعوة إلى إنهائه.

لقد غدت معاداة الإسلام، منذ الثورة الإيرانية، ظاهرة عالمية تستهدف المسلمين في كل مكان من العالم. ولكن كما كانت معاداة الإسلام خلال الحروب الصليبية تستهدف الأتراك والعرب على حد سواء، مع توجيه قدر أكبر من الكراهية للفلسطينيين، فإن معاداة الإسلام اليوم لا تختلف كثيرا. فالفلسطينيون، باعتبارهم "أسوأ المسلمين"، يحتلون المكانة الأبرز فيها. ومنذ هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تصاعدت موجة معاداة الإسلام في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، مستهدفة كل المسلمين أو أي شخص يشبههم. فإذا كانت معاداة الإسلام قد ولّدت معاداة الفلسطينيين كقناعين للغزو في زمن الحروب الصليبية، فإن معاداة الفلسطينيين اليوم هي التي تغذي معاداة الإسلام في أوروبا والولايات المتحدة.

ليس من المستغرب إذن أن مقاومة الفلسطينيين اليوم للمستعمرين المسيحيين واليهود البيض الأوروبيين، تشكل تهديدا للبنية الأيديولوجية الغربية بأكملها والتي بنيت على أساس اللحظة الافتتاحية للحروب الصليبية. ولهذا السبب، يتم توجيه كل الأسلحة المتاحة في ذلك العالم، بما في ذلك معاداة الإسلام، إلى الفلسطينيين لهزيمتهم. لكن رغم ذلك، يواصل الفلسطينيون المقاومة بعد ألف عام على غزوهم، بينما يصر الصليبيون الجدد على محاولة هزيمتهم.

ليس من قبيل المصادفة أن الحملة الصليبية الحالية التي يشنها دونالد ترامب على غزة، ودعوته إلى طرد سكانها الفلسطينيين الناجين من حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تشبه إلى حد كبير الحملة الصليبية الأولى والإبادة الجماعية لفلسطينيي القدس التي ارتكبها الصليبيون وتهجيرهم للناجين. ومن غير الخفي أن كلا المشروعين مستوحى من مشروع الاستعمار الاستيطاني الأبيض على أرض الفلسطينيين. وكما أدت هزيمة الصليبيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر إلى تفكيك مستعمرتهم الاستيطانية في فلسطين، فإن فرص نجاح الحملة الصليبية الحالية تبدو ضئيلة في أحسن الأحوال في ظل استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني التي ما فتئت تتحدى هذه الأيديولوجيا منذ قرون.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسلاموفوبيا الفلسطينيين الحملة الصليبية المقاومة فلسطين مقاومة إسلاموفوبيا ايديولوجي الحملة الصليبية مقالات مقالات مقالات رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحملة الصلیبیة الأولى الاستعمار الاستیطانی معاداة الفلسطینیین الشعب الفلسطینی الحروب الصلیبیة معاداة الإسلام العالم المسیحی الأرض المقدسة الناجین من الحادی عشر فی القرن

إقرأ أيضاً:

في مئـويّـة «الإسـلام وأصـول الحكـم»: الكــتابُ القـضيّـة

لم تُـغـيِّـر المائـةُ عـامٍ التي تـفصلـنا عـن صـدور كـتاب الإسـلام وأصول الحكـم للشّـيخ عليّ عبـد الرّازق من المكانـةِ الاعـتـباريّـة للكـتاب، في الفكـر العـربيّ والإسلامـيّ المعاصـر، ولا هي نالت من قيـمته النّـظريّـة وروحـيّـتـه الاجتهاديّـة في مسـألةٍ هي في جملـةِ أمّـهات مسائـل ذلك الفـكـر: العلاقـة بين السّـياسة والدّيـن في تاريـخ الإسـلام؛ فـلقـد زادتِ القيمـةَ تلك كـثـافـةً وسلّطت عليها ضـوءَ الإبـانة والتّـظهيـر، في نطـاق دوائـرَ فكـريّـةٍ عربيّـة تخطّـت دائـرة الفـكـر الإسـلاميّ، وأَبْـدَتْ (= الدّوائـرُ تـلك) من آيات الاحتـفاء المستـمرّ بـه ما لم يتـمتّـع بـه كـتابٌ أو تأليف في التّـاريخ الفـكـريّ المعاصـر.

فَـرَضَ كـتـاب عبد الرّازق نـفـسـه في ميدانـه وتَـنَـزَّل من ذلك الميـدان - وفي الموضوع المطروق فيـه - منـزلـةَ النّـصّ المرجعـيّ الذي عليـه مبْـنى القـول في عـلاقات الدّيـنيِّ والسّياسيّ في الإسـلام. ومع أنّ التّـشنـيع عليه استـمرّ يُـطِـلّ برأسـه، طَـوال هـذه الأعـوام المائـة، في بيـئـات فـكـريّـة وفـقـهيّـة محافظـة وتـقـليـديّـة استـأنـفت جـداليّـاتها ضـدّه، بـل حـربها عليه، إلاّ أنّ ذلك ما نـال مـن صورة النّـصّ في الوعـي العربيّ ولا أَحْـدَث خـدْشـاً فيها؛ على الأقـلّ في أوساط مَـن وقـفـوا على وجـوه الجِـدّة والرّصانـة في أطـروحـتـه، وأكـثـرُهـم من المدافـعيـن عن الحداثـة والمناصـريـن للاجتـهاد. والحـقُّ أنّ أعظـمَ الاستـقبـال الطيّـب لكـتاب عليّ عبد الرّازق، وأكـبـرَ الاحتـفـاء بـه والبـناءِ عليه، إنّمـا جـرى في هـذه البيـئـات الـفكـريّـة الحديثة التي قـدّرتْـه حـقّ قـدْره فيـما حـافَ عليه مفكّـرو الإسـلام المعاصـرون وأَنْـكـروه، بـل نـبـذوهُ من مصادرهم فما أتـوْا عليه بالذّكـر إلاّ في معـرض الهـجوم والقـدْح والتّـقريـع!

لا نجـادل، طـبـعاً، في أنّ المائـة عـامٍ هـذه التي تفـصلنـا عـن صدوره شهِـدتْ على وجـوهٍ من التّـطـوير والصّـقـل للأفكـار التي وردت في الكـتاب عـن المشروع النّـبـويّ، وعـن مكانةِ الدّيـن والسّـياسـة منـه، وعـن مؤسّـسـة الخـلافة في الإسـلام ومـدى مشروعيّـتـها أو بطـلانِ دعـوى الحاجـة إليها؛ بـل لقـد شهِـدتْ على صُـوَر متـعـدّدة مـن مجاوَزة التّـأليف الفـكـريّ في هـذا الغـرض لِـمَـا أفصح عنـه الشّـيخ المجـتهـد في كـتابـه وارتيادِ ذلك التّـأليف آفـاقـاً ما كانت لتـدخُـل، قبـل قـرنٍ من اليـوم، ضمـن الأفـقـه الذّهـنـيّ لعبـد الرّازق ولا في عِـداد ممـكـناتِ معارفِـه المتاحـة.

وعـندي أنّ التّسليـم بوجـود حالةٍ من المجاوزَة، في هـذا الباب، تسليـمٌ بسُـنّـة التّـطوّر الموضوعـيّ وسلطـانِ أحكامه. مع ذلك، مَـن يملك منّـا أن يجـحـد حـقيقـة أنّ النّـصّ هـذا نـصٌّ مؤسِّـس، وأنّـه هـو الذي فَـتَـح ودشَّـن وفَـلَـقَ الأفـقَ أمـام البحـث السّياسيّ أو البحث الفكريّ في السّياسة؛ ومَـن يملك أن يـتـجاهـل مـدى الجَـراءَة التي بـلغـها خطـاب الشّـيـخ عليّ عبـد الرّازق في كـسْـرِ المحظـور في بيئـات العلم الدّيـنيّ التّـقـليديّ السّـائـد في مِـصَـر وسائـر البـلاد العـربيّـة إبّـانـئـذٍ. تكـفي الحمْـلاتُ الشّـعواء التي شنّـها فـقـهاء كُـثـر على الكتاب وصاحبه، والتي بلغ فيها الطّـعـنُ على رأيـه مبلـغاً من الشّـدّة والعـنـف غيـرَ مسبوقٍ ولا مألوف؛ ويـكـفي ما لـقـيَـه من إنكـارٍ رسمـيّ ومن عـقابٍ مبـرِّح مـسَّ مـركـزَه وعَـمَله لـيُـطْـلِعنا على حـجم تلك الرّجّـة الهائـلة التي أحـدثها الكِـتاب في الأوساط المحافظـة ومؤسّـساتها، وما نَـجَـم منها من شعـورٍ بالخـوف - من جانب تلك الأوساط - على مكانـة المعارف التّـقـليـديّـة.

لـقـد أتى يـقـدّم أوّل اجتـهادٍ فـكـريّ جريء، من داخـل الفـكـر الإسلامـيّ، يراجع ما استـقـرّ عليه العلـمُ الدّيـنيّ التّـقـليـديّ من يـقيـنـيّـاتٍ في شـأن المسألة السّياسيّـة في الإسلام وصلـةِ الدّولة بالدّيـن ونِصـاب الخـلافة في الاجتماع الإسلامـيّ.

ولـقـد يحْـسُـن بالنّـاظـر في كـتاب الشّـيخ عبـد الرّازق وظـروفِ صـدوره، وما جـرّه ذلك الصّـدور مـن ضـروب الهجـوم عليه بعـنـفٍ لفـظيٍّ بـالغ، أن يـلْـحظ واقـعـتـيْـن وقَـعـتَـا، وقـتـئـذٍ، وأن يعـتـبـر بهما من أجـل إحسان فـهـم قيـمة الكـتـاب، مـن وجْـهٍ، ودواعـي القسـوة في ردود مَـن ردّوا عليه... من وجْـهٍ ثـان.

فأمّـا الواقعـة الأولى فـتـتـمثّـل في إلـغاء نظـام الخـلافة في تركيا (مارس 1924)، بعـد حـلّ مصطـفى كمال أتاتـورك نظام السّـلطنـة قبـل ذلك بعاميـن، مع ما تَرَكَـهُ ذلك الإلغاء من حسـرةٍ لـدى التّـقـليـديّـيـن والمحافظيـن، حتّى الذين لم يُـوالوا الدّولـة العثمانيّـة منهم.

وأمّـا الواقعـة الثّانيّـة - وهـي شـديـدة الاتّـصال بالأولـى - فـتـكـمَـن في إقـدام أحـد كبـار مراجـع الفـكـر الإسـلاميّ، وتـلمـيذ محمّـد عـبده، السّـيّـد محمّـد رشيـد رضـا على إحـياء مـوضوعـة الخـلافـة - في لحـظـة انهـيـار نظامـها في تركيـا - بكتابـة سلسلة مـقالاتٍ جُـمِـعت في كـتـابٍ حمـل عـنـوان: الخـلافـة أو الإمـامـة العظـمـى.

في سـياق الواقـعتيـن هاتيـن، بَـدَا الكـتـاب وكأنّـه تــكرَّس للـرّدّ عليـهمـا معـاً، فكـان على صاحبـه أن يـواجـه دعاةَ الخـلافة من الفـقـهاء ومـن الأمـراء على السّـواء، وأن يتـلـقّـى الأذى منهمـا.

إذا كـان رشيـد رضـا قـد وضَـع كـتـابـه دفـاعـاً عـن خـلافـةٍ رآهـا تـتـهالك أمـام ناظـريْـه ثـمّ تُـفارق الوجـود بإيـعازٍ من مصـطفى كمـال - الذي بـجَّـله رضـا طـويلاً ورفَـع مـن مقامـه وسـوّقـه في كـتابـاتـه قـبل أن يـنـقـلب عليه -، فـقـد أعـاد بوضـعـه الكـتاب ذاك إحـياءَ «عـلـمٍ» إسلامـيّ تـقـليديّ هـو الفـقـه السّـياسيّ أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعـيّـة بعـد أن تجـاوزُه فـكـرُ الإصلاحيّـة الإسلاميّـة التي كان رضـا ينـتمي إليها.

كـان الشّـيـخ علـيّ عبـد الرّازق مـن نسْـلِ الإصـلاحيّـةِ الإسلاميّـة التي تَمَسَّـك بتقاليدها الفـكـريّـة الاجـتـهاديّـة التي أرساها جمـال الدّيـن الحسـيـنيّ (الأفـغانـيّ) ومحمّـد عـبده، لذلك مـا كـان يسـعه أن يسـتسيـغ خطاب رضـا العائـد بالوعـي الإسلامـيّ إلى أُزعـومة الخـلافة وأنـفـاق فـقـه الإمـامة أو فـقـه السّـياسـة الشّـرعيّـة. لذلك يـبـدو نـقْـضُـه لنظـام الخـلافة نقـضاً غـيـرَ مباشـر لأطـروحة محمّـد رشيـد رضـا حولها. وعلى ذلك، إذا كـان محمّـد عبـده قـد سـدّد ضربـةً موجـعـةً للـفـقه السّياسيّ الإسلامـيّ التّـقـليـديّ بالانـصـراف عنـه إلى الدّفـاع عـن فكـرة الدّولـة الوطنـيّـة الحـديثـة، فإنّ مقـالة عـليّ عبـد الرّازق تـسـتأنـف صـنيـع محمّـد عـبده وتضـيف إليـه إنكـارَها مشـروعيّـة ذلك الفـقـه السّـياسـيّ من أساسـه والقـولَ ببـطـلان حاجة الاجتـمـاع الإسلامـيّ إليـه.

على أنّ إلغـاء الخلافة في تركيـا لـم يمـرَّ مـن دون أن تخـامر بعـضَ المحافـظيـن فكـرةُ اصـطنـاع خـلافة في مصـرَ لـم يُخْـف الخـديـوي فـؤاد الأوّل استحـسانـه لـها بـل السّـعي إليها. هـذا ما يفـسّـر لماذا ارتـفع الطّـلبُ على فكـرة الخلافـة في البيئـات العلميّـة التّـقـليـديّـة في مِـصْـرَ وخارجِـها، وتَـزايَـد التّـأليـفُ فيـها والدّفـاعُ عنها في تلك البيـئات. بـل هـذا ما يفـسّر اشتـداد الحمـلة على الشّـيخ عـبد الرّازق مـن قِـبَـل أقـلام ذات نـفوذٍ مـؤسّـسيّ ديـنيّ (مـن قـبيـل ما كـتبـه كـلّ مـن الشّـيـخ محمّـد الخضـر حسيـن، والشّـيـخ محمّـد بخـيت المطـيـعي، والشّـيـخ محمّـد الطّاهـر بـن عـاشـور دحـضاً لكـتـاب علي عـبد الرّازق) ، وبـلـوغَـها حـدّ محاكمـةٍ لـه في الأزهـر لم يكـنِ القـصـرُ بعـيـداً عـن الإيـعاز بـها: على ما تـدلّ على ذلك البـرقـيّـةُ التي رفعـها شيـخ الجامـع الأزهـر أبـو الفضـل الجيـزاوي إلى الملك فـؤاد عـقـب قـرار الأزهـر بـفصـل عليّ عبـد الرّازق وتجـريـده من شهادة العالميّـة. لـقـد كـان الكـتـاب في قـلـب هـذه الحسابـات السّـياسيّـة التي أسّـست لـفكـرة تـأليـفـه ومساهمةً من صاحبه في دحض دعوى الخلافة وإبطال مسوّغات من سوّغوا لها في عصره.

مقالات مشابهة

  • هل يجوز دفن المسلم في مقابر غير المسلمين؟.. الإفتاء تجيب
  • فلسطين الشهيدة.. أقدم كتاب مصوَّر لبعض فظائع اليهود والإنجليز في حق الفلسطينيين
  • في مئـويّـة «الإسـلام وأصـول الحكـم»: الكــتابُ القـضيّـة
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • “الإخوان المسلمين” في الأردن تنفي علاقتها بالخلية التي اتهمت بالتآمر على البلاد
  • انعدام الأمن لدى الشباب يؤجّج معاداة المرأة في الاتحاد الأوروبي
  • تعليق 2.2 مليار دولار لجامعة هارفرد بسبب معاداة السامية
  • هارفارد تتحدى إدارة ترامب وترفض مطالب تمس استقلالها الأكاديمي وتمويلها الفيدرالي
  • الإبادة التلمودية والحملات الصليبية اليهودية
  • الأمير تركي الفيصل: هنيئًا لنا بقيادتنا التي فتحت لنا أبواب الرقي والازدهار.. فيديو