دول البلطيق وإعادة ترتيب الأولويات تحسبا لخطر روسي محتمل
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
تعيش أوروبا اليوم حالة قلق وترقب إزاء التقارب المتزايد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فبعد عقود من التحالف والشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة تكشف الأحداث اليوم عن تصدّع في هذا الحلف.
وبمعزل عن حضور الأوروبيين أو استشارتهم، تتفاوض واشنطن مع "العدو الروسي"، بل إن ترامب لم يتردد -أثناء حملته الانتخابية- في التهديد "بتشجيع" روسيا على مهاجمة أي دولة أوروبية لا تلتزم بتعهداتها المالية تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ومع الحديث عن بدء العد التنازلي لإنهاء الصراع في أوكرانيا وعن انسحابات أميركية محتملة من شرق أوروبا، أصبحت دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) في عين العاصفة، فهل تغيرت النظرة الروسية لهذه الدول الأعضاء في الناتو، أم إنها تسعى لفتح جبهة جديدة معها باعتبارها تاريخيا جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق؟
نقلت صحيفة الديلي ميل البريطانية في تقرير لمراسلها بيركين أمالاراج نشر في 17 فبراير/شباط الجاري عن مسؤولين أوروبيين أنه من المرجح أن يسحب الرئيس دونالد ترامب القوات الأميركية من دول البلطيق، وعبر المسؤولون عن خشيتهم من أن سحب ترامب لقواته سيترك أوروبا عُرضة لروسيا.
إعلانوأشارت صحيفة "بيلد" إلى أن أجهزة الأمن الأوروبية والمسؤولين الغربيين يخشون أن تؤدي المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة -التي بدأت الثلاثاء 18 فبراير/شباط في الرياض- إلى انسحاب القوات الأميركية من أوروبا الشرقية.
وذكر مسؤولون أوروبيون أن الوفد الروسي طلب خلال المفاوضات الأميركية الروسية في الرياض تقسيمًا جديدًا لمناطق النفوذ وانسحاب الولايات المتحدة من أوروبا الشرقية.
ووفقًا للصحيفة، فإن القاعدتين الأميركيتين المستثناتين من المفاوضات حاليا هما فقط قاعدة رامشتاين بألمانيا والقاعدة الجوية في بريطانيا، وذلك يعني أن على أوروبا الاستعداد لتغييرات جذرية إذا توصل ترامب وبوتين إلى اتفاق.
ولعل هذا ما يفسر -حسب المراقبين- حالة الاستنفار والرفض الأوروبية التي صاحبت الاجتماع الثنائي الروسي الأميركي، وما أعقب ذلك من دعوة فرنسية لقمتين أوروبيتين عاجلتين واكبتهما تصريحات رسمية تعكس خيبة أمل أوروبية كبيرة بالولايات المتحدة.
موقف بوتينونقل تقرير صحيفة بيلد عن مسؤول أمني من أوروبا الشرقية قوله: "وفقا لمعلوماتنا، يتعلق الأمر بمطالب لبوتين منذ عام 2021، وهي انسحاب القوات الأميركية من جميع دول حلف شمال الأطلسي التي انضمت إلى الحلف بعد عام 1990".
ويُحذّر التقرير من أن الانسحاب الأميركي المحتمل قد يُفضي إلى سيناريو كارثي للأوروبيين، يتمثل في احتمال قيام الجيش الروسي بغزو فوري لجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، المعروفة حاليا بدول البلطيق، وربما تصعيد الأمر إلى حرب واسعة النطاق ضد بولندا.
لكن رغم هذه المخاوف، ينفي المسؤولون الروس سعيهم لغزو دول البلطيق أو أي دولة أوروبية.
ففي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز في فبراير/شباط 2024 استبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو بولندا أو لاتفيا.
وعندما سئل عن إمكانية ذلك، قال إن بلاده ليست لها أي مصالح فيهما، لكنه استدرك أن ذلك يمكن أن يحدث فقط إذا تعرضت روسيا لهجوم من بولندا أو غيرها.
إعلانوقد عقبت الصحافة الأوروبية على تصريحات بوتين بأنه قبل الهجوم على أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022 نفى العديد من كبار المسؤولين الروس مرارا وتكرارا إمكانية حدوث أي هجوم عسكري على كييف.
بوتين والحرب الجديدةفي السياق ذاته، أصدرت دول البلطيق -التي تشترك في حدود برية مع روسيا- سلسلة تقارير استخباراتية تحذر من خطط الرئيس الروسي بوتين لتوسيع الصراع العسكري إلى أوروبا.
ووفقا لتقرير للمراسلة الدولية جوانا يورك نشره موقع فرانس 24، فقد حذرت هيئة الاستخبارات الخارجية الإستونية من أن روسيا تعزز قواتها المسلحة بطريقة تعني الاستعداد لحرب مستقبلية مع حلف شمال الأطلسي.
وتقول يورك إن هذه التحذيرات تأتي في ظل مؤشرات متزايدة على وجود مساع لإضعاف تحالف الناتو، فبعد الهجوم القوي على أوروبا الذي شنه جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي في مؤتمر ميونخ للأمن في منتصف الشهر الجاري، والمحادثات الروسية الأميركية في السعودية رغم غياب أوكرانيا وأوروبا، انتشرت أخبار مفادها أن الولايات المتحدة في ظل الرئيس الجديد تخطط لسحب قواتها من دول البلطيق.
وتنقل المراسلة يورك عن مدير مركز الدراسات الجيوسياسية في ريغا عاصمة لاتفيا الدكتور ماريس أندزانس قوله إن "هناك شعورا بأن الجسر عبر الأطلسي إذا لم يكن انهار فقد تضرر بشكل خطير. فبعد أن سافر بايدن إلى كييف أثناء الحرب، أصبح ترامب الآن مستعدًا للسفر إلى موسكو. إنه تحول كبير!".
ويوضح التقرير أن دول شمال البلطيق الثماني (الدانمارك وإستونيا وفنلندا وآيسلندا ولاتفيا وليتوانيا والنرويج والسويد) كانت من أشد المؤيدين لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في عام 2022، والآن تكثف هذه الدول جهودها لمواجهة العدوان العسكري الروسي المحتمل عليها، سواء من خلال تعزيز إنفاقها العسكري أو عبر تعبئة المواطنين حول ما يجب القيام به عند نشوب صراع واسع النطاق.
إعلانففي ليتوانيا، أعادت الحكومة فرض التجنيد العسكري وضاعفت حجم قواتها المسلحة وزادت الإنفاق الدفاعي إلى 3.45% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أحد أعلى المعدلات في دول الناتو.
ويقول الدكتور أندزانس "إذا حدث غزو روسي غدًا، فإن دول البلطيق الآن مستعدة بشكل أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عقد من الزمان"، مضيفا أنه مع ذلك "لا تزال هناك حاجة لمزيد من الإعداد، إذ لا تملك دول البلطيق دفاعًا جويًا حاسمًا".
تنقل المراسلة يورك عن تقرير استخباراتي صدر هذا الأسبوع في لاتفيا أن التهديد المتمثل في انخراط روسيا في صراع مباشر مع دولة عضو في الناتو في الأشهر 12 المقبلة يبقى "منخفضا"، ما دام الجيش الروسي يقاتل في أوكرانيا.
وهو ما يعني، حسب ما نقله التقرير عن الأستاذة في المعهد النرويجي للدراسات الدفاعية كاتارزينا زيسك، أن القلق قائم وخصوصا مع المساعي الراهنة لوقف الحرب في أوكرانيا.
ووفقًا للمخابرات اللاتفية، ستكون روسيا قادرة على استعادة قوتها العسكرية بما يكفي لتشكل تهديدًا كبيرًا لحلف شمال الأطلسي في غضون 5 سنوات على أبعد تقدير.
وتضيف أن الاستعدادات الروسية جارية حتى أثناء الانخراط في الصراع في أوكرانيا، فقد أمر بوتين في سبتمبر/أيلول الماضي بزيادة الجيش الروسي بمقدار 180 ألف جندي ليصل إلى 1.5 مليون فرد في الخدمة الفعلية، مما يجعله ثاني أكبر جيش في العالم بعد الصين.
وترى الباحثة زيسك أن روسيا تريد "تحقيق الأهداف التي تسعى إليها بشكل منهجي منذ أوائل العقد الأول من القرن 21، أي توسيع نطاق نفوذ روسيا وتقويض الولايات المتحدة كقوة دولية مهيمنة خصوصا في أوروبا"، مضيفة "إنها طموحات توسعية للغاية، وتشير إلى أن موسكو تستعد لمواجهة واسعة النطاق".
إعلانلكن الباحث أندزانس يقول إن روسيا قد لا تكون عازمة على الدخول في الوقت الحالي في صراع عسكري مع دول البلطيق، لكنه شيء لا يمكن استبعاده.
وتؤكد المراسلة يورك أن دول البلطيق تكثف استعداداتها العسكرية للحرب مع روسيا، فقد حشدت ليتوانيا وسائلها الدفاعية بما في ذلك الأسلحة المضادة للدبابات على طول حدودها مع روسيا وبيلاروسيا، واتخذت تدابير مماثلة في لاتفيا وفنلندا وإستونيا، وهي جميعها أعضاء في الاتحاد الأوروبي والناتو وتشترك في حدود برية مع روسيا.
بيد أن الحرب الروسية على دول البلطيق قائمة في جوانب متعددة، حيث ينقل تقرير فرانس 24 عن ساسة وخبراء بلطيقيين -بمن فيهم رئيس لاتفيا إدغارز رينكفيكس- اتهامهم لروسيا باستخدام تكتيكات غير عسكرية لشن "حرب هجينة" على دول المنطقة.
فقد تحول بحر البلطيق حيث تتقاسم دول عدة من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو حدودًا بحرية مع روسيا إلى نقطة توتر دائم، فقد تم قطع العديد من كابلات الاتصالات والطاقة تحت الماء خلال الأشهر الأخيرة، وإن كانت موسكو نفت "تعمّدها" استهداف الأنابيب والكابلات البحرية.
وحسب المراسلة الدولية يورك، فإن روسيا تستخدم تكتيكات الحرب الهجينة بهدف زعزعة استقرار المجتمعات ونشر الفوضى، وذلك يقوي الشعور بأن شكلًا من أشكال الصراع مع روسيا قد بدأ بالفعل.
ويقول الباحث أندزانس إن روسيا تمارس عمليات تجسسية في منطقة البلطيق، سواء في المجال التقني أو في الفضاء الافتراضي.
وحسب تقرير فرانس 24، فقد شهدت العاصمة اللاتفية ريغا زيادة في عمليات التخريب التي تتهم روسيا بالوقوف وراءها، ومن أمثلة ذلك حادثة إلقاء قنبلة مولوتوف داخل "متحف الاحتلال اللاتفي" الذي يوثق الاحتلالات القومية والسوفياتية، وقد قال مدير المتحف "إن القنبلة تشكل هجوما على الدولة اللاتفية".
إعلانوينقل التقرير عن الباحثة زيسك قولها إن روسيا "تلعب لعبة طويلة النفس باستخدام سلسلة متعددة من الأدوات، ومن المؤكد أنها ستستمر في استخدام كل الوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية للتأثير على السياسة واستقطاب الرأي العام وخلق الفوضى".
وتخلص الباحثة في معهد سياسات الدفاع النرويجي إلى أنها لا ترى أي سبب يمنع روسيا من استخدام الوسائل العسكرية إذا تهيأت الظروف، فقد أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها مستعدة للقيام بذلك.
وفي محاولة لمنع روسيا من مواصلة استخدام شبكة الكهرباء لابتزاز دول البلطيق، نجحت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا في 8 فبراير/شباط الجاري في الارتباط لأول مرة بشبكة الطاقة الأوروبية، وقطع الروابط التي تعود إلى الحقبة السوفياتية مع شبكة روسيا.
لكن بحسب تقرير للصحفية أوريليه أبينيه نشر على شبكة أوراكتيف، فإن فك الارتباط ذلك يشكل سببا آخر لزيادة مخاوف دول البلطيق من روسيا، فعندما اتخذت أوكرانيا خطوة مماثلة في عام 2022 شنت روسيا غزوها الشامل عليها.
لا يقتصر الخطر الروسي المحدق بأوروبا على دول البلطيق، فقد أوردت صحيفة بوليتيكو الأميركية في تقرير نشرته في 11 فبراير/شباط الجاري استنادا إلى معلومات استخباراتية أن روسيا قد تبدأ حربًا كبرى على أوروبا خلال 5 سنوات.
ونقلت بوليتيكو عن تقرير لهيئة استخبارات الدفاع الدانماركية أن روسيا إذا اعتبرت أن الناتو ضعيف عسكريا أو منقسم سياسيا، فقد تكون مستعدة لشن "حرب واسعة النطاق" على أوروبا.
واعتبرت الصحيفة أن هذا السيناريو يتعزز بشكل خاص إذا قدّرت روسيا أن الولايات المتحدة لا تستطيع دعم -أو لن تدعم- دول الناتو الأوروبية في حرب مع روسيا.
وتحدثت صحيفة بوليتيكو عن 3 سيناريوهات يمكن أن تحدث إذا توقف الصراع في أوكرانيا أو هدأ، وذلك انطلاقا من افتراض أن روسيا ليست لديها القدرة على شن حرب مع دول أوروبية متعددة في الوقت نفسه:
إعلان أولا: في غضون 6 أشهر، تتوقع التحديثات أن تكون روسيا قادرة على شن حرب محلية مع دولة مجاورة. ثانيا: في غضون عامين، قد تشن روسيا حربا إقليمية في منطقة بحر البلطيق. ثالثا: في غضون 5 سنوات، قد تشن روسيا هجوما واسع النطاق على أوروبا، بشرط ألا تتدخل الولايات المتحدة الأميركية.لكن صحيفة بوليتيكو تستدرك أن تقرير وكالة الاستخبارات الدانماركية لم يضع في الحسبان الزيادة المحتملة في قدرات الدفاع للناتو، إذ حث ترامب أعضاء الحلف على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من ضعف الهدف الحالي.
كذلك هدد ترامب بأن الولايات المتحدة قد تنسحب من الحلف إذا لم يستجب حلفاؤها لشروطها. بل أكثر من ذلك، نسبت بوليتيكو إلى ترامب قوله في عام 2024 إنه "سيشجع" روسيا على مهاجمة أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي لا تفي بالتزاماتها المالية.
وفي تقرير لصحيفة "لوجورنال دي جيدي" الفرنسية، أوردت الكاتبة ماريان ليكاتش استنادا إلى تقارير استخباراتية أنه يمكن لروسيا حين تنتهي الحرب في أوكرانيا أن تهدد عسكريا الدول الأوروبية في حلف الناتو، باستثناء فرنسا.
وتحدث التقرير عن عملية إعادة تسليح ضخمة تقوم بها روسيا وعن حصولها على دعم كبير من الصين وإيران وكوريا الشمالية.
هل فات الأوان على أوروبا؟في مقال نشر بصحيفة نيوزويك تحت عنوان "ماكرون كان محقًّا بشأن مستقبل أمن أوروبا.. فهل فات الأوان؟"، اعتبر الكاتب توم أوكونور أنه مع إشارة دونالد ترامب إلى تحول جيوسياسي دراماتيكي من خلال التقارب بشكل أوثق مع روسيا بعد 3 سنوات من الدعم الأميركي القوي لأوكرانيا في أعنف صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، يبدو أن دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتكررة لبناء جيش أوروبي أكثر قوة وتكاملا واستقلالية عن الولايات المتحدة كانت محقة.
إعلانولكن أوكونور يرى أنه حتى في ضوء المتغيرات المتسارعة والملحة والتي تقتضي اتخاذ قرارات سريعة، فإن ما يعانيه الاتحاد الأوروبي من بيروقراطية في التحرك وانقسام سياسي يجعل الشكوك تحوم حول إمكانية تحقيق ذلك الهدف، مع أن الفشل في تحقيقه -حسب أوكونور- قد تكون له عواقب وخيمة على مصير القارة.
ونقلت صحيفة نيوزويك عن أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا باري بوسن قوله "إن الدول تحشد وتتعاون عندما تكون خائفة للغاية وليس قبل ذلك. ويبدو أن الأوروبيين الآن خائفون ومن المحتمل أن يبذلوا مجهودا أكبر، ولكن ربما ليس بالقدر الكافي، وربما يكون بعد فوات الأوان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب الولایات المتحدة حلف شمال الأطلسی الجیش الروسی واسعة النطاق فی أوکرانیا فبرایر شباط دول البلطیق على أوروبا من أوروبا إن روسیا أن روسیا مع روسیا صراع فی فی غضون مع دول
إقرأ أيضاً:
مركز روسي: هل يصبح رجل ترامب بابا الفاتيكان القادم؟
نشر موقع "المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات" تقريرا سلط خلاله الضوء على هوية بابا الفاتيكان الجديد في ظل ما تداولته وسائل الإعلام الإيطالية خلال الأيام الماضية حول إصابة البابا فرنسيس بمرض خطير ألزمه العلاج بالمستشفى، موضحا أن أحد المقربين من الرئيس الأمريكي ترامب قد يكون على رأس الفاتيكان خلال الفترة القادمة.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الفاتيكان أعلن مساء الثلاثاء الماضي أن التصوير المقطعي الذي خضع له البابا فرنسيس كشف عن "بداية التهاب رئوي ثنائي". كما نقل عن صحيفة "بليك" السويسرية قولها في وقت سابق إن مصادر من الحرس السويسري الذي يتولى الأمن في الفاتيكان منذ سنوات عديدة، أكدت أن الاستعدادات لجنازة البابا بدأت بالفعل، لكن متحدثا باسم الحرس السويسري نفى تلك الأخبار.
ونشرت صحيفة الفاتيكان "أوسيرفاتوري رومانو" بيانا مطمئنا ذكرت خلاله نقلا عن القسم الصحفي في الفاتيكان، أن صحة البابا شهدت "تحسنا طفيفا" يوم الجمعة. وفي المقابل، ذكرت صحيفة "جورنالي" الإيطالية في 22 شباط/ فبراير، نقلاً عن مصادر طبية، أن حالة البابا حرجة.
وضع متأرجح
أوضح الموقع أن تدهور صحة البابا أثار نقاشا في إيطاليا حول صعوبة استئناف مهامه بشكل طبيعي في حال تعافيه، وإمكانية تنحيه عن منصبه.
وقد كشف الكاردينال البارز في الفاتيكان جان فرانكو رافازي عن احتمال تنازل البابا فرنسيس عن الكرسي الرسولي. ونقلت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية عن رافازي قوله: "أعتقد أنه قد يفعل ذلك، لأنه شخص حاسم جدًا في قراراته".
ورجّح الكاردينال رافازي احتمال تنحي البابا فرنسيس عن منصبه في حال أدرك أن "قدرته على التواصل المباشر مع الناس وإمكانية التفاعل معهم أصبحت مهددة".
وقد أشارت صحيفة "جورنالي" أن البابا فرنسيس كان قد وقّع في بداية مهامه على رأس الفاتيكان في 2013، رسالة تتعلق بتخليه عن منصبه في حال إصابته بمرض أو وجود أي عائق يمنعه من ممارسة مهامه بالشكل الأمثل.
المرشح الأقرب للمنصب
أوضح الموقع أن وسائل الإعلام بدأت خلال الأيام الماضية بتسليط الضوء عن الوجوه المرشحة لتقلد منصب رئيس الكنيسة الكاثوليكية، في ظل الحالة الصحية الحرجة للبابا فرنسيس.
وقالت صحيفة "نيويورك بوست" أن الكاردينال بييترو بارولين، الذي يشغل حاليا منصب أمين سر دولة الفاتيكان، يعدّ أحد أبرز المرشحين المحتملين لتولي المنصب. وقد وُلد بارولين سنة 1955 في مقاطعة فيتشنزا شمالي إيطاليا، وعقب تخرجه من المعهد اللاهوتي في فيتشنزا، عُين عام 1980 كاهنا مساعدا في أبرشية الثالوث الأقدس بمدينة سكيو شمالي إيطاليا.
بعد ذلك، التحق بارولين بـ"الجامعة الغريغورية الحبرية" في روما، وفي سنة 1983 التحق بـ"الأكاديمية الكنسية الحبرية" التي تهيئ القساوسة للعمل في السلك الدبلوماسي للكرسي الرسولي. وفي سنة 1986، أُرسل إلى السفارة البابوية في نيجيريا، ثم إلى المكسيك.
في تسعينيات القرن الماضي شغل بارولين منصبا في الكوريا الرومانية (الجهاز الإداري والتنفيذي والاستشاري الذي يساعد بابا الفاتيكان على إدارة مهامه المختلفة)، وتحديدًا في قسم العلاقات مع الدول، حيث أشرف على العلاقات مع إسبانيا وإيطاليا وأندورا وسان مارينو. وفي الفترة ما بين 2002 و2009، شغل منصب نائب أمين سر الفاتيكان للعلاقات مع الدول.
وأضاف الموقع أن البابا فرنسيس عيّن بارولين في آب/ أغسطس 2013 في منصب أمين سر دولة الفاتيكان، وهو منصب يعادل رئيس حكومة الفاتيكان ورئيس الكوريا الرومانية.
انقسام داخل الفاتيكان
ذكر الموقع أنه في حالة وفاة البابا أو الاستقالة من مهامه، يتولى مجمع مغلق اختيار البابا الجديد في اجتماع للكاردينالات، وهو عبارة عن خلوة انتخابية لاختيار أحد المرشحين.
وحسب الموقع، ينقسم الفاتيكان حاليا إلى تيارين سياسيين رئيسيين، الليبراليون الذين ينتمي إليهم البابا فرنسيس، والمحافظون. وقد شهدت السنوات الأخيرة صراعا متفاقما بين التيارين بعد نشر مذكرات البابا بنديكتوس السادس عشر، والتي تضمنت انتقادات حادة للعديد من إصلاحات البابا فرنسيس.
وقد ردّ البابا فرنسيس على تلك الخطوة بتطهير مجلس الكرادلة من خصومه المحافظين. وفي الوقت الراهن، يضم المجلس 142 كاردينالا عيّنهم البابا فرنسيس بنفسه من مجموع 253، من بينهم 113 كاردينالًا مؤهلا للمشاركة في انتخاب البابا الجديد.
"رجل ترامب"
أوضح الموقع أنه يوجد إلى جانب بييترو بارولين، مرشح بارز آخر لمنصب البابا، وهو الكاردينال الأمريكي ريموند بيرك، الذي يحظى بدعم قوي من أنصار الرئيس دونالد ترامب.
ووفقا للموقع، يُعد بيرك من المحافظين الأشد تطرفًا في الكنيسة الكاثوليكية، وعُرف منذ سنوات بمعارضته الشديدة لسياسة البابا فرنسيس. وتتعلق أبرز نقاط الخلاف بينهما بمواقف الكنيسة من الإجهاض والمثلية الجنسية والطلاق.
وذكر الموقع أن الأساقفة المتشددين يرون أن إجراءات البابا فرنسيس في هذه القضايا الحساسة غير صارمة، وهو ما أثار استياء التيار المحافظ داخل الكنيسة الكاثوليكية، مضيفا أن المحافظين يشعرون بالقلق أيضا إزاء نهج البابا الليبرالي في تعزيز الحوار بين الأديان.
وفي أيلول/ سبتمبر سنة 2016، أرسل بيرك مع مجموعة من الكرادلة رسالة رسمية إلى البابا فرنسيس، طالبوا خلالها بتوضيح موقف الفاتيكان من قضايا الطلاق والمثلية الجنسية، وهي سابقة غير مألوفة في تاريخ الكنيسة خلال القرون الأخيرة وفقا للموقع.
وأوضح الموقع أن الإدارة الأمريكية الجديدة تجمعها علاقات وثيقة بالتيار المحافظ في الفاتيكان، وكان بيرك همزة الوصل لتعزيز هذا التقارب.
وقال الموقع إن ترامب وإدارته الحالية يرون أن الكنيسة تمثل حليفًا قويًا في الحرب ضد الأيديولوجية الليبرالية للحزب الديمقراطي، كما أن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع الفاتيكان، لا سيما أن عدد رعايا الكنيسة الكاثوليكية يبلغ 1.27 مليار شخص حول العالم، مما يجعلها قوة مؤثرة. كما يشكل الكاثوليك نسبة كبيرة داخل القاعدة الانتخابية الأمريكية. في المقابل، يحتاج الفاتيكان بدوره إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة التي تحتل المرتبة الرابعة عالميًا من حيث عدد الكاثوليك.
خلافات فرنسيس وترامب
أضاف الموقع أن البابا فرنسيس لم يُبدِ حماسًا كبيرًا تجاه ترامب حتى وقت قريب، ولم يكن يعتبره "مسيحيًا صالحًا" بسبب سياسته بشأن الهجرة ورغبته ببناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك الكاثوليكية، لكن موقفه تجاه الرئيس الأمريكي اتسم مؤخرا ببعض المرونة، مع استمرار الخلافات في عدد من القضايا مثل الهجرة.
وقد صعّد الرئيس الأمريكي إجراءاته ضد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، بينما دعا البابا في أكثر من مناسبة إلى استقبال المهاجرين لأسباب إنسانية.
وفي ختام التقرير، اعتبر الموقع أن تنحي البابا فرنسيس عن منصبه لأي سبب، ينذر باحتدام الصراع على السلطة داخل الفاتيكان، بينما تهتم العديد من الأطراف في أنحاء العالم بماهية البابا القادم الذي سيتولى القيادة الدينية لأكثر من مليار كاثوليكي.