آثار مدمرة للحرب بأوكرانيا على النظام البيئي في المنطقة
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
لم تقتصر آثار حرب روسيا وأوكرانيا -والتي أتمت أمس الاثنين عامها الثالث- على الخسائر البشرية والاقتصادية فحسب، بل خلّفت تأثيرات بيئية جسيمة تهدد النظام البيئي في المنطقة، وذلك نتيجة التفجيرات المتواصلة وحرائق الغابات والتسريبات الكيميائية.
ومنذ 24 فبراير/شباط 2022، تضرر أكثر من 3 ملايين هكتار من الغابات الأوكرانية بما في ذلك مليون هكتار في المحميات، نتيجة حفر الخنادق وقطع الأشجار وزراعة الألغام في مناطق القتال، وفقا لصندوق الحياة البرية العالمي.
كما أدت الحرائق الناجمة عن القذائف المتبادلة إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق المصدر السابق الذي أكد إمكانية رؤية سحب عملاقة من الدخان تتصاعد بجوار خط المواجهة الحدودي الذي يبلغ طوله 600 ميل (نحو 966 كيلومترا).
وأفادت دراسة نشرت أمس الاثنين بمجلة إيكواكشن بأن الانبعاثات الناتجة عن حرائق الغابات نتيجة الحرب بأوكرانيا أسهمت في تفاقم أزمة المناخ عالميا في ظل تدمير النظم البيئية التي كانت تمتص الكربون.
وكشفت الدراسة أن حرائق الغابات في أوكرانيا تسببت في إطلاق ما يقرب من 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال الأشهر الأولى من الحرب.
وكان تقرير سابق -نشرته لجنة الإنقاذ الدولية في سبتمبر/أيلول 2024- أفاد بأنه خلال عامين من الحرب وصلت الانبعاثات الكربونية إلى 175 مليون طن متجاوزة الانبعاثات السنوية للدول الصناعية.
إعلانوأوضح أن الرقم التراكمي للانبعاثات بعد عامين من الحرب يساوي الانبعاثات الكربونية لخمس دول مصنفة على أنها دول متضررة من الصراعات، وهي هاييتي وسوريا وبوركينا فاسو واليمن والصومال.
وأدت العمليات القتالية إلى كوارث بيئية هددت بفقدان أنواع مهددة بالانقراض. ففي يونيو/حزيران 2023 فجّر الجيش الروسي خزان كاخوفكا لإحباط هجوم مضاد أوكراني، مما أدى إلى فيضان نتيجة إطلاق أكثر من 14 ترليون لتر من المياه، الأمر الذي أسفر عن قتل حيوانات وجرف مزرعة أسماك للحفاظ على سمك الحفش المهدد بالانقراض.
كذلك، انهار النظام البيئي لنهر السيم -الذي يمر بكل من روسيا وأوكرانيا- في أغسطس/آب الماضي بعد إلقاء مواد كيميائية بالنهر أدت إلى انخفاض مستويات الأكسجين إلى الصفر، مما أسفر عن نفوق جماعي للأسماك والرخويات وجراد البحر، بعضها كان أصنافا نادرة.
وقال المسؤولون الأوكرانيون إن الحادثة أدت إلى اعتبار نهر السيم "أول نهر ميت بالكامل في أوروبا"، وفق ما نقلته صحيفة غارديان.
وأشار مسؤولون تحدثوا للغارديان إلى أن الحرب دمرت موائل مهمة للحياة البرية، دفعت أنواعا نادرة من الكائنات الحية إلى تغيير مسار هجرتها الطبيعية.
كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى نفوق عدد كبير من الدلافين والحيتان في البحر الأسود جراء الانفجارات التي سببتها الطوربيدات والألغام وبفعل ضجيج أجهزة السونار التي تستخدمها السفن الحربية.
وأسفرت الحرب أيضا عن عودة النشاط الإشعاعي في منطقة تشيرنوبيل، التي بقيت تربتها مستقرة لمدة 40 عاما بعد كارثة المفاعل النووي.
وأشارت تقارير إخبارية إلى أن الجنود الروس حفروا في تربة المنطقة الملوثة بالإشعاعات، مما أدى إلى نشاطها، وذلك بعد سيطرتهم على محطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل عام 2022.
وكانت هيئة التفتيش الحكومية التنظيمية النووية الأوكرانية أكدت ارتفاع مستويات الإشعاع بالمنطقة، قائلة إن "المركبات العسكرية الثقيلة التي تثير أتربة ملوثة في المنطقة العازلة المحيطة بمحطة الطاقة المهجورة سببت ذلك".
ويحذر الخبراء من أن التأثيرات البيئية للحرب في أوكرانيا قد تستمر لعقود، مما يجعل مواجهة آثارها أمرا لا يقل أهمية عن إعادة إعمار المدن المدمرة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب تغي ر المناخ أدى إلى
إقرأ أيضاً:
قصر الرئاسة واقتصار السيادة
سؤال الساعة السودانية لا يتعلق بإطفاء نار الحرب إنما حول المعافاة من جراحها. ألسنة الحرائق لن تسكت -تلك ليست هي القضية- إذ يعايشها الشعب طويلا. لكنّما الخروج من تحت الأنقاض يشكّلُ مهمةً عسيرة. في أفضل التصورات تفاؤلا ؛الدولة تعبر من حرب شرسةٍ فُرضت على الشعب قسرا إلى حروب أشد ضراوةً في ميادين متعددة . تظل معارك الاقتتال تتشظى على جبهات متناثرة . المسألة المركزية تظل هي تشبث الأيدي المسؤولة عن عملية الحرب بعملية صناعة الانتقال. فهذ عقدة الأزمات .إذ كيف لمن أقحم الشعب في لظى الجحيم يُبشره برفاهية النعيم؟ فمن يتباهى بتحقيق انتصار (التحرير) اليوم هو نفسه من أوزار السقوط تحت (الاحتلال).!!! هذه ليست عقبة كأداء فقط أمام انجاز سلس . بل زيت على معاناة لن تخمد وشيكاً. أسوا من ذلك فإن مرحلة العبور تمثل بيئة لإعادة تفريخ كل طيور الظلام ،تجار الأزمة بالإضافة إلى أثرياء الحرب.
*****
دخول الجيش وحلفائه قصر الرئاسة يشكل بغض النظر عن حجم كلفته فاصلا عسكريا في مسار الحرب لكنه لا يعني نهاية الكارثة الوطنية. تضخيم دلالاته السياسية محاججةٌ إعلامية لا تصمد أمام المنطق. فالقصر ظل في قبضة الميليشيا منذ بداية الحرب لكنه لم يكسِبها شرعيةً أو يضيف إليها ثقلا سياسيا، إبان الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية تتعرض قصور الرئاسة إلى الهجوم والاحتلال من أجل كسر شوكة الأنظمة وتهشيم هيبة السلطة أولاً قبل تكريس سلطان القوى المضادة .فقصور الرئاسة هي عُشُ السلطة أو وَكرُها -حسب طهر النظام أو ظلمه - جماهير الثورات الشعبية عندما تزحف نحو مقار الرئاسة انما تستهدف اقتلاع رأس النظام دون المساس بالسيادة الوطنية.
*****
هناك مقار المساس بها -دع الاعتداء عليها-يشكل تعديا جارحًا على السيادة والكرامة الوطنية. من ذلك السيطرة على مقر الاذاعة المسموعة والمرئية. منذ بداية الحرب شهدنا كيف قطعت الميليشيا لسان النظام الانقلابي حينما استولت على مقر الإذاعة والتلفزيون. هكذا تحولت الدولة إلى كائنٍ أخرس غير قادر على بث أحاديث رأس النظام ومعاونيه بل فقد لسان الدولة الرسمي القدرة على النطق بحال سيدته. هذه جريمةٌ لم تكن اعتداءً على السيادة أو الكرامة بل بلغت حد الإهانة في حق الأمة . مع ذلك لم تحفل الأصوات المهلّلة بانتصار القصر كما باسترداد مقر الإذاعة!كلاهما طللٌ على طلل.
*****
إبان الحرب الأهلية اللبنانية تعرض قصر بعبدا -مقر رئيس الجمهورية- للقصف مرات عدة. سليمان فرنجية اضطر لاخلائه بعد تدمير أجزاء منه .إلياس سركيس شيّد ملجأ تحت الأرض غير أن القصر تعرض لتدمير كبير في حرب عون مع الجيش السوري فأعاد الهراوي ترميمه مجدا. السيادة اللبنانية تأثرت بقوى ناعمة أكثر مما بأضرار القصف على قصر الرئاسة. علي عبدالله صالح خرج بمقر الرئاسة اليمنية من زحام صنعاء إلى سفح (النهدين) هربًا من تهديدات محتملة حيث ابتنى مجمعاً حصينًا في العام ١٩٨٨. مع ذلك استهدفته ميليشيا الحوثيين وكبار معاونيه عبر تفجير داخل مسجد المجمع في ٢٠١١. ثم أحكمت الميليشيا قبضتها على المجمع في العام ٢٠١٥ في معركتها مع عبد ربه منصور. ذلك وهذا ضمن فصول الصراع على السلطة في اليمن ،ليس على السيادة. حتى عند ما قصفت طائرات اميركية مجمعا سكنيا لمعمر القذافي في إبريل ١٩٨٦ لعل تلك الغارة الجوية جاءت حملة تأديبية للزعيم الليبي دونما استهداف السيادة الليبية.فالغارة جاءت ثأرا لأميركيين قتلوا في ملهىً ليلي ببرلين .
*****
مرحلة إعادة البناء والإعمار عقب سكون هذه الحرب المدمرة تعيد حتما فساد الانقاذ لا محالة . هذه بيئة الوالغين في المال العام . على نحو أشد شراسة تتناسل عصابات احتكار السلع الأساسية ، المتاجرين بالغذاء والدواء ، زبانية السوق السوداء وسوق المناولة ،السوق الموازية وسوق السلاح ،وسوق البشر .كما ينشط رجال الأعمال المتنفذون،رجال الدين ووجهاء العشائر.كذلك يبرز هذه المرة المتكسبون بالابتزاز السياسي والمال السياسي. لكن أخطر من أؤلئك قادة الميليشيات أدعياء أبوة (النصر ) فهولاء حذقوا مهارات الاستثمار في أزمات الشعب.هؤلاء هم أثرياء الحرب ورثة (التحالف التقليدي بين السوق والأمن) هؤلاء ميليشيات مرحلة الانتقال المأمولة.
*****
السودان ليس استثناء في هجرة أوتهجير رؤوس المال. لدينا نخب عشوائية غارقة في فساد الاستثمارات من وراء الشعب ذهبت برساميلها إلي الخارج . هناك أسماء معروفة متداولة في بورصة الفساد .لكن يوجد آلاف المنتفعين بهذا الفساد المحموم خارج شبكات الرصد الرسمي والشعبي. لا سارق أو مهرب متهرب من الحساب يحاول استعادة ما نهبه للاستثمار في الداخل مجددا. لذلك كما خسرنا ثروات من قبل سنكسب أثرياء جدد. هؤلاء لن يهددوا فقط عملية النهوض من تحت الأنقاض بل ربما السيادة الوطنية كذلك . العام يشهد موجة محاكاة لدول أمست ملاذات آمنة لرؤوس الأموال الواجفة الهاربة من أوطانها.
نقلا عن العربي الجديد
aloomar@gmail.com