عاش فقيراً لكنه كان كريماً، مغموراً لكنه يُشهر غيره، غير مسنود لكنه عزيز.. أتقن فن الحياة ولم يتقن فن العلاقات العامة.. لم يتنازل لأحد، ولم يسعَ إلى الترويج لنفسه، مع أنه عاصر أجيال الشعر في فلسطين، حتى نسبَهُ البعض إلى كبار الشعراء رغم أنه لم يصدر ديوانه الذي بقي مخطوطاً.. وصنفوه ضمن شعراء المقاومة تحت الاحتلال.

"عمل طوال حياته من أجل وطنه فلسطين وشعبها ولم يرجُ منها لا مالاً ولا جاهاً ولا شهرة. ولم تُغيّر مواقفه ومبادئه النوائب والعواصف السياسية والفكرية".

هو الشاعر عصام العباسي، الذي تفانى من أجل غيره، وكتب عن كثيرين وعن الكثير لكن لم يُكتب عنه.

حياته وشعره

الشاعر عصام نور الدين العباسي الملقب "أبو جعفر"، ولد في بيروت في شهر حزيران (يونيو) 1924، حيث كانت تسكن عائلة والدته التركية الأصل. وسرعان ما انتقل ليعيش ويترعرع ويدرس في مدينة نابلس، حيث كان يعمل والده الأستاذ نور الدين العباسي في سلك التعليم مفتشاً في دائرة المعارف الفلسطينية.

كتب الشعر والمقال الأدبي والسياسي وعمل في الصحافة، واتصف بالدماثة والطيبة وروح الدعابة والفكاهة ونظافة اليد. كان مأخوذاً بحب الشعر ونظمه، لكنه لم يتخذه وسيلة للشهرة والوصول إلى دور النشر وتسلّق الحركات السياسية أو الجهات السلطوية.. بل كان يعتقد أن الشعر وسيلة كفاح وأداة مقاومة، يجب أن يخدم الفكرة بدلاً من مديح الظلال العالية، وتبوّؤ المناصب المرموقة.

تعلم في مدارس نابلس الابتدائية والثانوية (وقيل إنه درس الابتدائية في بيروت)، ثم انتقل إلى مدينة القدس لإتمام دراسته في مدرسة المطران. وفي أثناء دراسته الابتدئية، بدأ يتذوّق الشعر ويكتبه في موهبة مبكّرة، وكذلك كتب النثر وأجاد اللغة العربية.

انتقل شاعرنا مع عائلته إلى مدينة حيفا سنة 1945، وبدأ في عمر 21 سنة يعمل بالصحافة وكتب الشعر والمقالات السياسية والاجتماعية، وعمل في صحف: فلسطين والمهماز والاتحاد والجديد والغد. ونشر فيها مقالاته وقصائده.



علّم اللغة العربية في مدرسة الفرير ومدرسة ماريوحنا الإنجيلية في حيفا. وعندما انتقل سنة 1977 إلى مدينة القدس عمل في عدد من المجلات والصحف العربية فيها، إلى أن عمل في "جمعية الدراسات العربية"، وتابع نشاطه الأدبي والثقافي في مدن وأقضية الداخل المحتلّ، كالقدس وعكا وحيفا ويافا والناصرة والضفة الغربية والمثلث.

لا تكمن أهمية هذا الشاعر بإنتاجه المطبوع، وهو الذي عانى من دور النشر وشروطها وعدم تبنّيه رغم وجود ديوان جاهز مخطوط لديه. بل تكمُن أهميته في حركته اليومية الأدبية والنقدية وتأثيره الفني والسياسي على مجموعة من شعراء عصره من خلال النقد والنشر ولفت النظر إلى هذا الشاعر وتسليط الضوء على ذاك في الصحف التي كان يعمل بها..

تشِيع في قصائد العباسي النبرة الخطابية والثورية التي تدعو أبناء الوطن وأحرار العالم إلى الكفاح المستمر..

يتنوع شعره ـ حسب معجم البابطين ـ بين الالتزام بالشكل العمودي، والخروج من إطاره عبر الرباعيات، والتنويع في القوافي، وهو شاعر قضية تتمحور معظم قصائده حول قضية فلسطين ونشاطه السياسي من أجلها، يصور في شعره آلام الفلسطينيين والتشتت والتشريد الذي يتعرضون له..

وفاته

توفي الشاعر عصام العباسي في 14/6/1989 في مدينة حيفا قبل أن يتحقق حلمه بصدور ديوانه "لهب القصيد" تحية منه لصديقه الشاعر عبد الكريم الكرمي "أبو سلمى".

أُطلق اسمه على درج في حيّ عباس بمدينة حيفا. وقد مُنح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990.

نماذج من شعره

قصيدة: زغرد النصر

زغردَ النصر فاحتملْنا أسانا                ..             واحتقرْنا عذابَنا والهوانا
لم ترُعْنا خطوبُنا دامياتٍ                   ..             وليالينا حالكاتٍ حزانى
فمسحنا دموعَنا وكحَلْنا                        ..              من سنا النور بالمنى الأجفانا
واستحال الأسى مع النصر عيداً          ..               ورقصْنا بالبُعْد فيه افتتانا
وتبعْناه زغرداتٍ نشاوى                       ..               عُرْسُ النصر عُرْسُنا حيث كانا
آهِ نيسانُ كلما عُدْتَ عادتْ                 ..               ذكرياتٌ تجدِّد الأشجانا
كيف يُغري الفؤادَ زهرٌ ونَوْرٌ             ..               وحناياه قد ضَوَتْ تَحنانا
في رُواء الزهور يُبصرْ حيفا                ..               يوم راحتْ، وخلَّتِ الجُدْرانا
بينما الناسُ في انتظار صباحٍ           ..              أبصروا الهَوْل داهمًا يتدانى
عاصبَ العين لا يرقُّ لطفلٍ              ..              أو عجوزٍ، ويقصف الأغصانا
ورقُ الزهرِ شتَّتَ الهول قومي      ..              ورماهم في عصفِه الشطآنا
قذفَ الموجُ بالجموع فضاعوا       ..               في خِضَمٍّ مروِّعٍ وحدانا
كالغريبِ الطريد رحتُ لِـحَيٍّ            ..               تاه بالأمس بهجةً وافتنانا
قد غدا بين غمضةٍ وانتباهٍ            ..              غيرَ حيٍّ، مُستضعفًا مُسْتهانا
تهتُ فيه كأنني ما عرفت            ..              الـصَفْوَ يومًا فيه ولا الخلانا


من قصيدة: أمّاه

حملتني تسعة وهنا على وهن                 ..            لولا جميلك لم أخلق ولم أكن
ولا تنفس صدري ولا مشت قدمي           ..            لا رنوت إلى الآفاق والفنن
"ست الحبايب" كم ناديت في محني         ..            فاشتد بي جلدي أقوى من المحن
ما زال شوقك في عينيّ يُشعل بي           ..             شوق الحياة ولم يبرد ولم يهن
ما زال عودك في الآناء يعزف لي               ..             أنشودة البشر في صحوي وفي وسن
يا أجزل الناس في جوعي وفي عطشي     ..             وأرأف الناس في سقمي وفي حزني
يا أول الناس في لغوي وفي كلمي          ..             ومع خطاي إلى بوابة الزمن
نشّأتني في هوى ناسي، هوى وطني       ..             حتى أكون أبر الناس بالوطن
ما زلت تحيين رغم الموت في جسدي         ..              دماً وروحاً وفي إشراقة الذهن

*شاعر وكاتب فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير فلسطين الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بن حبتور يعزي في وفاة المناضل الشاعر صالح صائل

الثورة نت/..
بعث عضو المجلس السياسي الأعلى الدكتور عبدالعزيز بن حبتور ، برقية عزاء ومواساة في وفاة عضو مجلس الشورى المناضل والشاعر صالح عبدالله ناصر صائل، عن عمر ناهز 82 عاما، حفلت جلها بالنضال والعطاء الوطني.

وأشاد عضو المجلس السياسي الأعلى في البرقية التي بعثها إلى نجل الفقيد محمد، وجميع أفراد الأسرة وآل صائل في مديرية مرخة السفلى محافظة شبوة عامة، بالأدوار التحررية والوحدوية النضالية للفقيد صائل كأحد ثوار الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر والمدافعين عن أهدافهما الوطنية والانسانية النبيلة والمساهمين في الانتصار للوحدة اليمنية.

ونوه بمواقف الفقيد المناهضة للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي واصطفافه مع الوطن من عاصمة المقاومة والشموخ صنعاء منذ اللحظات الاولى للعدوان وحتى وفاته، مشيرا إلى أن الفقيد كان مثالا في الاخلاص و التفاني في خدمة وطنه وفي القيام بمختلف المهام والواجبات الوظيفية في مختلف المناصب التي شغلها.

وتطرق إلى الأعمال الادبية الشعرية للفقيد والتي جسدت روحه الثورية وصدق الانتماء والوفاء لليمن الكبير، مؤكدا أن اليمن فقد برحيل المناضل صالح صائل، مناضلا كبيرا وشاعرا ملهما وانسانا عرف بدماثة الخلق ومحبا لمجتمعه ووطنه.

وعبر بن حبتور، عن بالغ العزاء والمواساة لنجل الفقيد وجميع، أفراد، الاسرة وكافة ٱل صائل وزملاء الفقيد بهذا المصاب.. سائلا المولى عز وجل أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه وزملائه ومحبيه الصبر والسلوان.

” إنا لله وإنا إليه راجعون “

مقالات مشابهة

  • سامح قاسم يكتب | زين العابدين فؤاد.. أبجدية الغضب والحنان
  • حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)
  • بن حبتور يعزي في وفاة المناضل الشاعر صالح صائل
  • «شاعر المليون» يفتح باب التسجيل للمشاركة في موسمه الـ 12
  • عبدالرحمن الأبنودى.. الناى الذى أنشد للناس والوطن
  • من حيفا 1948م إلى غزة 2025م: التهجير القسري مستمر.. والمقاومة لا تنكسر
  • بلدية غزة: الحرب دمرت الأسواق المركزية وأفقدت الكثيرين مصادر رزقهم
  • بلدية غزة: حرب الإبادة الصهيونية دمرت الأسواق المركزية وأفقدت الكثيرين مصادر رزقهم
  • قصة شاعر أقسم ألا يتزوج حتى تموت أمه! .. فيديو
  • في ذكرى رحيله.. فلاديمير ماياكوفسكي شاعر الثورة والتمرد